«صخيرات ليبيا»... عامان من المداولات وتبديل المواقف

عقيلة والسويحلي يؤيدانه ويختلفان حول «الرئاسي وحكومته»

عقب توقيع الاتفاق السياسي في منتجع الصخيرات بالمغرب عام 2015 (غيتي)
عقب توقيع الاتفاق السياسي في منتجع الصخيرات بالمغرب عام 2015 (غيتي)
TT

«صخيرات ليبيا»... عامان من المداولات وتبديل المواقف

عقب توقيع الاتفاق السياسي في منتجع الصخيرات بالمغرب عام 2015 (غيتي)
عقب توقيع الاتفاق السياسي في منتجع الصخيرات بالمغرب عام 2015 (غيتي)

أمضى الأفرقاء الليبيون عامين من التجاذبات، منذ توقيع اتفاق السياسي بمنتجع الصخيرات المغربي، في السابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) عام 2015 برعاية الأمم المتحدة، بين مؤيده له ومعارض، في وقت خضع الاتفاق إلى تعديلات في العاصمة التونسية، لكنها تعثرت بعد جولتين من المفاوضات.
وفيما يتزامن اليوم (الأحد) مع الذكرى الثانية لتوقيع الاتفاق، الذي يستمد المجلس الرئاسي لحكومة «الوفاق»، شرعيته منه، تباينت وجهات نظر الأطراف المتنازعة في البلاد حوله. وشهدت الشهور الماضية تبدلاً في المواقف حياله؛ فمن كان يعارضه ويصفه بـ«كوميديا» بات يسانده الآن؛ ومن رأى فيه أنه من «صنيعة الإخوان»، أصبح يتعاطى معه الآن نسبياً.
ويرى مراقبون أن مجلس النواب الذي يباشر أعماله من طبرق (شرق ليبيا) وقف حجر عثرة أمام الاتفاق منذ توقيعه، ورفض الملحق الأول منه والمتعلق بتسمية رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، قبل أن يتراجع عن ذلك في السادس من مارس (آذار) الماضي ويقرر اعتماد الاتفاق، لكنه رفض منح الثقة لـ«الوفاق»؛ ليس هذا وفقط، بل إن المجلس قرر في الثاني عشر من ديسمبر (كانون الأول) الجاري مناقشة تعديل الإعلان الدستوري وتضمين الاتفاق السياسي به، وفقاً لمقترح البعثة الأممية، وهو المطلب الذي نادت به بعض الأطراف على مدار العامين الماضيين.
وقال فتحي المريمي، المستشار الإعلامي لرئاسة مجلس النواب لـ«الشرق الأوسط»، إن رئيس المجلس المستشار عقيلة صالح، أكد على أن موعد السابع عشر من ديسمبر (كانون الأول) ليس نهاية العمل بالاتفاق السياسي، لكنه يتعلق بولاية حكومة الوفاق، بحسب بنود الاتفاق الموقع في تونس، والذي أشار إلى أنها تقود البلاد مدة عامين فقط كمرحلة انتقالية تنتهي بإجراء الانتخابات.
وكان عقيلة قد قال أمام القمة الأفريقية الأخيرة حول ليبيا في العاصمة الكونغولية برازفيل، إن الاتفاق السياسي ليس «كتاباً مقدساً» بل هو من عمل بشر عرضة للخطأ والصواب، ويمكن تعديله بما يحقق وفاقاً سياسياً حقيقياً يرضي الليبيين، وأشار إلى أن «جميع القرارات الصادرة عن المجلس الرئاسي (غير المعتمدة)، باطلة وفقاً للأحكام الصادرة من المحاكم الليبية». وانتهى إلى أن «كل ما انبثق عنه لا قيمة له، ما لم يتم تضمينه بالإعلان الدستوري».
وجاء موقف عبد الرحمن السويحلي، رئيس المجلس الأعلى للدولة، مشابهاً من بعض جوانبه، إذ يرى أن «تاريخ 17 ديسمبر (كانون الأول) يتعلق بولاية حكومة الوفاق فقط ولا يتعلق بشرعية الاتفاق السياسي»، وقال إن «الاتفاق السياسي يبقى الإطار العملي الوحيد لإدارة العملية السياسية في ليبيا، وليس هناك أي تاريخ مُحدد لانتهائه».
وحرص السويحلي على التأكيد على ذلك خلال لقاءات بالسفراء الأجانب في طرابلس، وقال إن الاتفاق حدد ولاية حكومة الوفاق بعامين فقط، ولم يحدد تاريخاً لانتهاء العمل به، مشيراً إلى أن بنود الاتفاق تنص على بقائه مرجعية دستورية إلى حين اعتماد الدستور وانتخاب سلطة تشريعية جديدة.
من جهته، شدد مجلس الأمن الدولي، الأسبوع الماضي، على أن الاتفاق السياسي «يبقى الإطار الوحيد القابل للاستمرار لإنهاء الأزمة السياسية في ليبيا»، مشيراً إلى أن «تطبيقه (الاتفاق) يبقى المفتاح لتنظيم انتخابات وإنهاء الانتقال السياسي (...) مع رفض تحديد آجال من شأنها أن تعرقل العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة».
وأضاف المجلس في بيان توافق عليه أعضاء المجلس الـ15، أنه «يعترف بالدور المهم الذي يقوم به فائز السراج (رئيس حكومة الوفاق)، وكذلك باقي القادة الليبيين الذين يدفعون باتجاه المصالحة الوطنية»، متابعاً أن ليس هناك من «حل عسكري» للأزمة في ليبيا.
في موازاة ذلك، وصف متابعون بيان المجلس بأنه بمثابة رسالة مبطنة إلى القائد العام للجيش الوطني، المشير خليفة حفتر، الذي سبق وهدد بأنه «حالة فشل الحوار في إيجاد حل سياسي سيكون الباب مفتوحاً للشعب لتحديد مصيره»، فيما قال المتحدث باسم القيادة العميد أحمد المسماري إن الجيش جاهز للتوجه إلى طرابلس ومصراتة (غرب البلاد).
في مواجهة ذلك، حذّر رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج، وفق موقع «الوسط» الليبي، من أن تغوّل القيادة العسكرية فوق القرار السياسي يقود البلاد إلى نموذج الحكم العسكري الدكتاتوري، مشدداً على أن هذا لن يقبله الليبيون في كل الأحوال. وسبق أن نقلت فضائية «روسيا اليوم» عن حفتر قوله في أغسطس (آب) الماضي، إن «جماعة الإخوان هي من وضعت اتفاق الصخيرات، ولذا يجب تعديله لأنه يعرقل الطريق في ليبيا ولا يحقق المصالحة الحقيقية».
ومع تولي المبعوث الأممي لدى ليبيا غسان سلامة مهامه خلفاً لسلفه مارتن كوبلر، أعلن عن «خريطة طريق» تتضمن تعديل الاتفاق، وتعاطى حفتر معها مبدياً قبولاً مشروطاً بـ«إلغاء المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات للموافقة على المبادرة».
وعلى مدار جولتين من المفاوضات، احتضنت تونس في سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، ممثلين عن مجلس النواب و«المجلس الأعلى للدولة» بهدف التوصل إلى صيغة توافقية لتعديل الاتفاق، لكنها تعثرت رغم إحراز بعض التقدم. وشكلت المادة الثامنة حجر العثرة أمام استكمال الحوار.
وقال عضو مجلس النواب الليبي صالح عبد الكريم، إن وضع الاتفاق الآن ما زال كما هو منذ توقيعه قبل عامين، مشيراً إلى أن البرلمان سبق وأبدى موافقة مشروطة عليه تتضمن إلغاء المادة الثامنة من أحكامه الإضافية. وأضاف عبد الكريم لـ«الشرق الأوسط» أن «اتفاق الصخيرات هو الإطار الشرعي لما يسمى بالمجلس الأعلى للدولة، وحكومة الوفاق الوطني... ونحن نتعامل مع الأخيرة باعتبارها سلطة أمر واقع، كما نتعامل مع الميليشيات».
ورداً على التهديدات التي وجهها حفتر، والمتحدث باسم القوات المسلحة في السابق، حول التوجه نحو طرابلس، قال عبد الكريم: «أنا الآن في مدينة طبرق (شرق البلاد) وكل شيء مستقر، ولا توجد أي تحركات على الأرض للقوات». وتابع: في ظني أن المهلة التي تحدث عنها القائد العام للجيش من قبل، تتعلق بانتهاء مدة الأجسام المنبثقة عن الاتفاق السياسي، والممثلة في حكومة الوفاق، والمجلس الأعلى للدولة».
وفي السياق ذاته، قال موسى فرج، عضو المجلس الأعلى للدولة، رئيس لجنة حوار تعديل الصخيرات، إنه لا يوجد نص في الاتفاق السياسي يفيد بانتهائه في 17 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، ولذلك فإن هذا التاريخ هو مجرد ذكرى مرور سنتين على توقيع الاتفاق. وأضاف فرج، في تصريح، أن بيان مجلس الأمن يدل على تمسكه بالاتفاق، كإطار عام ووحيد للوصول لحل سياسي في ليبيا، ويؤكد أن الاتفاق «مستمر حتى إجراء انتخابات وفقاً لدستور دائم ينهي المرحلة الانتقالية».



مئات المهاجرين الأفارقة يتدفقون إلى اليمن رغم تشديد الأمن

آلاف المهاجرين يتخذون اليمن ممراً للوصول إلى دول الخليج العربي (إعلام حكومي)
آلاف المهاجرين يتخذون اليمن ممراً للوصول إلى دول الخليج العربي (إعلام حكومي)
TT

مئات المهاجرين الأفارقة يتدفقون إلى اليمن رغم تشديد الأمن

آلاف المهاجرين يتخذون اليمن ممراً للوصول إلى دول الخليج العربي (إعلام حكومي)
آلاف المهاجرين يتخذون اليمن ممراً للوصول إلى دول الخليج العربي (إعلام حكومي)

على الرغم من الإجراءات الأمنية التي اتخذتها السلطات اليمنية للحد من الهجرة غير الشرعية، بدأ العام الميلادي الجديد أيامه بتدفق المئات من المهاجرين القادمين من القرن الأفريقي الذين وصلوا إلى سواحل البلاد على متن قوارب متهالكة استقلوها من سواحل جيبوتي والصومال.

ومع تسجيل المنظمة الدولية للهجرة وصول أكثر من 60 ألف مهاجر خلال العام المنتهي، ذكر مركز الإعلام الأمني التابع لوزارة الداخلية اليمنية أن الأيام الأولى من العام الجديد شهدت وصول 336 مهاجراً غير شرعي قادمين من القرن الأفريقي إلى سواحل مديرية رضوم بمحافظة شبوة شرق عدن.

وبحسب الداخلية اليمنية، فإن قاربي تهريب أنزلا المهاجرين بساحل منطقة «كيدة»، منهم 256 مهاجراً من حاملي الجنسية الإثيوبية؛ بينهم 103 نساء، أما البقية وعددهم 80 مهاجراً، فإنهم يحملون الجنسية الصومالية. وذكرت أن الشرطة في مديرية رضوم قامت بتجميع المهاجرين غير الشرعيين تمهيداً لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.

اعتراض قارب يقل 130 مهاجراً في سواحل محافظة لحج اليمنية (إعلام حكومي)

وفي سواحل محافظة لحج غرب عدن، ذكرت وحدات خفر السواحل التابعة للحملة الأمنية في منطقة الصبيحة (مديرية المضاربة ورأس العارة) أنها ضبطت قارب تهريب كان يحمل على متنه 138 مهاجراً من الجنسية الإثيوبية حاولوا دخول البلاد بطرق غير شرعية.

سلسلة عمليات

وفق بيان للحملة الأمنية، فإنه وبعد عمليات رصد دقيقة، تمكنت من اعتراض القارب في منطقة الخور بمديرية المضاربة ورأس العارة. وأوضح البيان أن المهاجرين الذين كانوا على متنه كانوا في حالة مزرية نتيجة لسوء المعاملة التي تعرضوا لها أثناء الرحلة، حيث نُقلوا إلى أحد مراكز تجميع المهاجرين في محافظة لحج.

وتأتي هذه العملية ضمن سلسلة من العمليات الأمنية التي تنفذها الحملة الأمنية في الصبيحة في سواحل محافظة لحج جنوب باب المندب بهدف التصدي لظاهرة التهريب والهجرة غير الشرعية، التي تشكل خطراً على الأمن الوطني والإقليمي.

المهاجرون الأفارقة يتعرضون للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (إعلام حكومي)

وأكدت قيادة الحملة الأمنية أنها ستواصل جهودها المكثفة لتعزيز الأمن والاستقرار بالتعاون مع مختلف الجهات المختصة، من خلال تنفيذ المزيد من العمليات النوعية، خصوصاً في المناطق الساحلية التي تعد مركزاً رئيسياً للتهريب. ودعت السكان إلى التعاون والإبلاغ عن أي تحركات مشبوهة، مؤكدة أن الحفاظ على الأمن مسؤولية مشتركة بين الجميع.

ويعاني المهاجرون في اليمن من الحرمان الشديد مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن، وفق منظمة الهجرة الدولية، التي أكدت أن الكثيرين منهم يضطرون إلى العيش في مآوٍ مؤقتة أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

إساءة واستغلال

نبهت منظمة الهجرة الدولية إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عُرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، مؤكدة أن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن إلى دول الجوار.

وبحسب المنظمة، فإنها سجلت في أكتوبر (تشرين الأول) فقط قيام أكثر من 1900 مهاجر برحلات محفوفة بالمخاطر، إما عائدين إلى مناطقهم في القرن الأفريقي، وإما مُرَحَّلين على متن القوارب. وتم الإبلاغ عن 462 حالة وفاة واختفاء (على الأقل) بين المهاجرين أثناء عبورهم البحر بين جيبوتي واليمن في 2024.

المهاجرون من القرن الأفريقي عرضة للاستغلال وسوء المعاملة من المهربين (الأمم المتحدة)

ووثقت المنظمة الأممية 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على طول الطريق الشرقي في العام ذاته، وقالت إنه من المرجح أن يكون عدد المفقودين وغير الموثقين أكثر من ذلك بكثير.

وبينت أنها ومن خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة، تعمل على تقديم الخدمات على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات التي تقدم للمهاجرين ما بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود، تقول الأمم المتحدة إن فجوات كبيرة في الخدمات لا تزال قائمة في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.