نصوص روائية أميركية ساهمت في تكوين الظواهر العنصرية

حائزة نوبل توني موريسون تكتب عن جناية الأدب في خلق أوهام الهوية

مظاهرة مناهضة للعنصرية في أميركا - غلاف الكتاب
مظاهرة مناهضة للعنصرية في أميركا - غلاف الكتاب
TT

نصوص روائية أميركية ساهمت في تكوين الظواهر العنصرية

مظاهرة مناهضة للعنصرية في أميركا - غلاف الكتاب
مظاهرة مناهضة للعنصرية في أميركا - غلاف الكتاب

«يختلق البشر هوياتهم الذاتية من خلال تشكيلهم هوية ذلك المختلف عنهم كآخر كلي يفتقد إلى الملامح الفردية كي يبقى باهتاً وبعيداً وقابلاً دوماً لإعادة التشكيل ضمن معادلة علاقات القوة في المجتمعات. لكن الحقيقة البسيطة هي أنه لا وجود لمختلف عنا، بل نسخ شديدة التنوع من ذواتنا». هكذا بصفاءِ من خبر الحياة وببصيرة من شهد على صراعات العرق العنصرية تتحدث روائية أميركا الأولى وصوت ضميرها المستيقظ أبداً توني موريسون – في أحدث أعمالها غير الروائية والتي صدرت عن جامعة هارفارد الشهر الماضي بعنوان (أصل «الآخرين» The Origin of Others).
وموريسون رغم أعوامها الـ86 ما زالت تكتب وتحاضر في أعرق الجامعات، وتنشر روايات مفصلية في تاريخ الأدب الأميركي المعاصر. وكتابها الأخير هو نتاج ست محاضرات ألقتها السنة الماضية حائزة نوبل للآداب (1993) على طلبة جامعة هارفارد ضمن مجموعة محاضرات تشالرز نورتون التكريمية السنوية.
«هذه المحاضرات كأنها أنا» تقول موريسون. وبالفعل يقدم «أصل الآخرين» خلاصة رؤية ثاقبة وتأملات من أعلى ذرى الحياة لمسألة العرق والعنصرية – في نموذجها الأميركي تحديداً –، وهي المسألة التي شغلتها طوال حياتها المديدة، سواء على المستوى الشخصي أو في 11 رواية ومسرحيات وكتب عدة في النقد الأدبي. وهي من خلال قراءة متعددة المستويات تتهم الأدب – ولا سيما الرواية – بلعب دور أساسي في خلق وتكريس الهويات الموهومة وفرضها على طرفي معادلة العنصرية في آن. وتستخلص ملامح هذه الجناية عبر تحليل يوميات وروايات كتبها مالكو عبيد، أو عبيد أو روائيون انخرطوا في لعبة الترويج للعنصرية وزيادة مستوى تعقيدها وتعميق تجذرها في العقل الجمعي الأميركي.
تتنقل موريسون في فصول كتابها الستة بين فضاءات التاريخ والسياسة والأدب، وتقبض على نصوص من أعمال روائيين كبار كوليم فولكنر، وإرنست هيمنغواي، وهارييت ستو، وفلانيري أوكنر، والأفريقي كامارا لايي، وتناقش بعضاً من الأفكار المبثوثة في رواياتها المعروفة – ولا سيما ثلاثيتها «المحبوبة Beloved»، التي تعد أشهر أعمالها قاطبة – وتربط ذلك كله بإطار من خبراتها الشخصية كإنسانة أميركية سوداء كبرت خلال قرن من التناقضات والتوترات العرقية التي لا تزال حية إلى اليوم، بل وتزداد التهاباً مع تصاعد شعبوية زعماء وسياسيين يعبثون بأوهام العرق ولون البشرة لتحقيق منافع سياسية واقتصادية آنية. بعض اختيارات موريسون من نصوص الإنتلجسيا الأميركية في القرن التاسع عشر قد تثير الهلع بمقاييس اليوم – مثلاً نص الطبيب صموئيل كارترايت في وصف مرض (وهمي) أسماه الديبارتومونيا يصيب العبيد فيتسبب في دفعهم لمحاولة الهرب من مالكيهم، وكذلك الوصف البارد والخالي من أي مشاعر وتعاطف بشري لجرائم الاغتصاب الكثيرة التي ارتكبها توماس ثيتسلوود ويصفها في يومياته عن أيام إدارته لمزارع العبيد - . ومع أن لا أحد في التيار العريض من الثقافة والنشر يجرؤ في وقتنا الراهن على رفع الصوت بهذه الطريقة العنصرية الفجة، إلا أن مفاعيل هذه النصوص في تشكيل وعي المجتمع الأميركي وتأثيراتها المستمرة إلى اليوم لا تخفى أبداً.
«أصل الآخرين» كأنه موقف من داخل صف الروائيين أنفسهم لمحاولة فهم مساهمة النصوص الروائية في تكوين الظواهر العنصرية وبخاصة القائمة على العرق ولون البشرة، ومن ثم تأثرها بما تأسس منها فعلاً في أذهان المجموعة البشرية التي تتقاسم القطعة ذاتها من الأرض والسماء. موريسون، رغم تشخيصها البارع لإسهامات الروائيين الرواد كنصوص مؤسسة للفكرة العنصرية، فإنها لا تزال متفائلة في أن يتخذ الروائيون اليوم موقفاً واعياً لتعرية هذه الأوهام القاتلة، ومحاصرتها والكشف عما يتسبب بحيويتها الاستثنائية التي تكاد تستعصي على الموت.
وبالفعل، كما يقول تا - نيهيسي كوتيس، الصحافي الأميركي المعروف، الذي كتب تقديم (أصل «الآخرين»)، فإنه من الصعب أن تُقرأ موريسون بعيداً عن أجواء الاستقطاب السياسي والاجتماعي الحالية في الولايات المتحدة، ولا سيما بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي أوصلت رئيساً مثل دونالد ترمب إلى قمة هرم السلطة الأميركية، وعودة مجموعات العرقِ الأبيض المتطرفة لتطل برأسها على ساحة العمل السياسي في غير ما بلد غربي. عند كاتبتنا فإن الهوية البيضاء المتوهمة ما هي إلا أداة يوظفها المهيمنون في المجتمعات الغربية لضمان إبقاء جذوة التحالف بين طبقة العمال المحليين مع النخبة المسيطرة على مفاصل الإنتاج الاقتصادي في البلاد، وذلك من خلال منح العمال ذوي البشرة البيضاء شعوراً بالتفوق، ولو على حساب جيرانهم الفقراء.
ربما لا تطرح موريسون في «أصل الآخرين» أفكاراً جديدة بشأن التعلق المرضي للإنسان بموضوع لون البشرة، لكنها برشاقة أسلوبها تمنح روحاً طازجة لمسائل محورية في صلب التجربة العرقية للمجموعة الإنسانية لما تحل بعد، بل وتزداد استفحالاً في أزمنة العولمة والهجرات الكبرى وقوارب اللاجئين، فتتجاوز تجربة العبودية في التاريخ الأميركي الحديث لتتجذر ممارسة عالمية في التعاطي مع كل درجات البشرة الملونة من الأبيض المختلط وحتى الأسود القاني وما بينهما. موريسون مع ذلك ترفض أن يقال إن موضوع كتابها العلاقات العرقية بين الأجناس المختلفة، فهي تعتقد جازمة بأن النوع البشري على عمومه جنس واحد لا أجناس متعددة. وهي تروي في الكتاب حادثة من طفولتها عندما صدمتها مسألة النقاء العرقي المرتبط بلون البشرة، وذلك عندما قابلت وشقيقتها جدتهما التي كانت بمثابة كبيرة العائلة لأول مرة، فكان تعليقها الوحيد على لونهما الأقل سواداً «أن هاتين الفتاتين نتاج تلاعب عرقي».
موريسون التي مع كل معاركها بشأن العرق، بقيت دائماً ابنة مخلصة للنظام الأميركي، وعملت في إطار أرفع مؤسساته الثقافية والأكاديمية، وحازت أرفع تكريمات يمكن أن تمنح لكاتب أميركي مَرْضِي عنه – بما فيها نوبل للآداب، التي وللأسف تخضع حساباتها بشكل أو بآخر للأهواء السياسية الغربية - . لذا؛ فإن منتقديها - مع استثناء ضروري لأعدائها من المصابين بسعار العنصرية البغيض – يعتبرون أن استهداف مسألة العنصرية بالذات كعيب أخلاقي وفكري في التكوين الأميركي كما الأمر عند موريسون لا ينقض بالضرورة أسس الهيمنة الاقتصادية – الاجتماعية للنخبة، فهي كمن يعالج العرض لا المرض. لكنها في (أصل «الآخرين») لا تتوانى عن الاعتراف الصريح بأن الهويات الموهومة التي يختلقها البشر لنزع الأنسنة عن الآخر المختلف إنما هي لتبرير الاستغلال الاقتصادي أساساً، وخلق نوع من تحالفات عابرة للطبقات تكرس أسس الهيمنة القائمة وتضمن استدامتها، وهي مستويات من التعايش مع الوهم تتسبب في وقوع الجميع ضحايا لتجربة عيش بائسة: مستويات متصاعدة من السادية في طرف، ونزوع ذليل إلى تبني سردية الآخر والبحث عن طرائق لتبرير الخضوع لها لدى الطرف الآخر، على نحو يجعل من المجتمعات بمثابة مستنقعات تقاطعات سايكوباثية هائلة.
لا تبدو موريسون متجهة إلى الاستكانة في حربها الرؤيوية ضد العنصرية، وهي ستستأنف المواجهة المستمرة مع تجار العرق والنخاسين المعاصرين بروايتها الأحدث التي تعمل عليها الآن وتحمل عنوان «تربية العنصري» تحلل فيها مناخات التكوين التي تنتج عنصريين موهومين، ومن المتوقع صدورها في العام المقبل. فيا أيها العنصريون، ما زالت السيدة الجليلة قادرة على مطاردتكم إلى آخر حدود كلماتكم المسمومة.


مقالات ذات صلة

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

يوميات الشرق الأمير فيصل بن سلمان يستقبل الأمير خالد بن طلال والدكتور يزيد الحميدان بحضور أعضاء مجلس الأمناء (واس)

الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية

قرَّر مجلس أمناء مكتبة الملك فهد الوطنية تعيين الدكتور يزيد الحميدان أميناً لمكتبة الملك فهد الوطنية خلفاً للأمير خالد بن طلال بن بدر الذي انتهى تكليفه.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
ثقافة وفنون قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

قراءات المثقفين المصريين في عام 2024

مرَّت الثقافة العربية بعام قاسٍ وكابوسي، تسارعت فيه وتيرة التحولات بشكل دراماتيكي مباغت، على شتى الصعد، وبلغت ذروتها في حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على غزة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

كُتب المؤثرين بين الرواج وغياب الشرعية الأدبية

صانع محتوى شاب يحتل بروايته الجديدة قائمة الكتب الأكثر مبيعاً في فرنسا، الخبر شغل مساحات واسعة من وسائل الإعلام

أنيسة مخالدي (باريس)
كتب «حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
كتب كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

كتاب جديد يكشف خبايا حملة نابليون على مصر

يتناول كتاب «حكايات في تاريخ مصر الحديث» الصادر في القاهرة عن دار «الشروق» للباحث الأكاديمي، الدكتور أحمد عبد ربه، بعض الفصول والمحطات من تاريخ مصر الحديث

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»
TT

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

«حكايات من العراق القديم» و«ملوك الوركاء الثلاثة»

صدر عن دار «السرد» ببغداد كتابان مترجمان عن الإنجليزية للباحثة والحكواتية الإنجليزية فران هزلتون. يحمل الكتابان العنوانين «حكايات من العراق القديم»، و«ملوك الوركاء الثلاثة»، وترجمهما الإعلامي والكاتب ماجد الخطيب، المُقيم في ألمانيا. وسبق أن نُشر الكتابان في لندن سنة 2006، وجذبا انتباه القراء بصياغتهما المعاصرة التي «تُقدم النصوص الرافدينية القديمة بشكل جذاب إلى جمهور واسع خارج دائرة المؤرخين والباحثين المتخصصين»، حسب رأي الشاعر الراحل سعدي يوسف في حوار معه بمجلة «بانيبال».

صدر الكتابان في طبعة أنيقة، بالورق المصقول، وغلافين ملونين، حافظا على تصاميم ورسومات وصور الكتابين الأصليين؛ تحقيقاً لرغبة الكاتبة فران هزلتون.

تُقدم لنا الباحثة في الكتابين حكايات وأساطير من العراق القديم؛ يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من 4000 سنة. هي قصص نقلها الخبراء الإنجليز عن الألواح الطينية المكتوبة بالحروف المسمارية مباشرة من الأرشيف البريطاني الخاص ببلاد ما بين النهرين.

تكفي نظرة إلى عدد الأساتذة الذين أسهموا في ترجمة هذه النصوص من المسمارية إلى الإنجليزية، عن الألواح الطينية القديمة، لمعرفة الجهدين، الأدبي والفني، الكبيرين اللذين بذلتهما فران هزلتون في كتابة هذه النصوص، وتنقيحها وردم الثغرات في بعضها.

واعترافاً بهذا الجهد، قدَّمت المؤلفة شكرها في مقدمة الكتاب إلى قائمة من الأساتذة هم: البروفسور ثوركيلد جاكوبسون، والدكتور جيرمي بلاك، والدكتور غراهام كننغهام، والدكتورة إليانور روبسون، والدكتور غابور زويومي، والدكتور هرمان فانستفاوت، والبروفسور أندرو جورج، والدكتورة ستيفاني دالي والبروفسور بنجامين ر.فوستر.

يحتوي الكتاب الأول «حكايات من العراق القديم» على 13 حكاية وأسطورة سومرية وأكدية، تكشف للقارئ كثيراً من جوانب الحياة في بلاد الرافدين في تلك الأزمنة الغابرة، وتوضح لنا كيف كان الناس يعيشون، وعلاقتهم بالآلهة، وجوانب تفصيلية من الحياة الروحية والثقافية في أور ونيبور وأرتاتا وأريدو وكيش وشوروباك... إلخ.

كتبت الباحثة في تاريخ العراق القديم، ستيفاني دالي، في مقدمة الكتاب قائلة: «تخبرنا هذه الحكايات بالكثير عن المجتمع في ميزوبوتاميا في بواكيره الأولى. يحكم الملك الجالس على عرشه في القصر بصولجان يرمز إلى سلطته، ويبعث رسله للحوار حول صفقات تجارية، تعززهم تهديدات باستخدام القوة. كان الملوك والآلهة ما انفكوا يقيمون على الأرض، لأنهم لم ينسحبوا بعد إلى السماء، وكانت شهيتهم -وغضبهم ومتعتهم بالطعام والشراب، ورغباتهم وغرورهم- مماثلة لمثيلاتها بين الفانين، رغم أن معبوداً فقط قادر على تقرير مصائر المدن، والتصرف بصفته راعياً للملك في هذه المدينة أو تلك».

يتناول الكتاب الثاني قصص ملوك الوركاء الثلاثة إينْمركار ولوغالبندا وجلجامش؛ أي الجد والأب والحفيد. تحكي قصة إينمركار كيف أن هذا الملك أخذ حفنة من الطين النقي في يده وعجنه على شكل لوح، ثم سطر عليه رسالته إلى أينسوغريانا ملك مدينة أرتاتا الواقعة في الجبال القريبة (ربما إيران). هي أول إشارة في الأدب المكتوب إلى «كتابة رسالة»، ويعتقد العلماء، لهذا السبب، أن الكتابة اكتشفت في زمن هذا الملك.

ومن اللافت أيضاً في الكتابين التماثل الغريب بين بعض هذه الحكايات وحكايات «ألف ليلة وليلة»، رغم الفارق الزمني الكبير بين الاثنين. موضوعات السحر والآلهة، والسرد على لسان الطير، والطيران على ظهر نسر ومؤامرات النساء والخدم... إلخ. وتسرد إحدى القصص يوم نزول إنانا (عشتار) إلى الأرض، وقضاء ليلتها مع الملك، ومن ثم تصف الموكب الذي يجتاز شارع الموكب وبوابة عشتار، على هذا النحو:

«يظهر في البداية الفتيان الوسام، الذين يزينون شعورهم المصففة بالأطواق، ثم تأتي العجائز الحكيمات، فترافق الملك أكثرهن حكمة في موكب إنانا، ثم يأتي الطبالون يقرعون الطبول بعصي مقدسة، ويستعرضون في الموكب لإنانا. ثم يأتي الجنود بسيوفهم وحرابهم المشرعة يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم يأتي أولئك الذين عباءاتهم بوجهين أحدهما أنثوي والآخر ذكري، يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم يأتي أولئك الذي يتنافسون في الدوران والالتفاف والمناورة بمباخر من كل الألوان، يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم يأتي الأسرى مقيدين بأطواق العنق الخشب ينشدون نشيدهم، يستعرضون في الموكب لإنانا، ثم تأتي بنات المعابد بشعورهن المتوجة، يستعرضن في الموكب لإنانا، ثم يأتي الكهنة يرشون الدم يميناً ويساراً من خناجر مغموسة بالدم، يستعرضون في الموكب لإنانا».

بأسلوب سلس؛ يجمع بين الفكاهة والمفارقة، يُقدم الكتابان حكايات وأساطير من تاريخ العراق القديم، شكّلت جذباً لجمهور واسع من القراء خارج دائرة المؤرخين والمختصين.

يشار إلى أنه بالتعاون مع جمعية «ZIPAG» سردت فيونا كولينز وتارا جاف وبديعة عبيد هذه القصص في كثير من الأمسيات التي أقامتها جمعية «إنهدوانا» في بريطانيا. وترى الناقدة ستيفاني ديلي، من معهد الاستشراق البريطاني، أن هذه الحكايات السومرية تمتعت بالقدرة على إسعاد قراء العصر الحديث بفكاهاتها ومفارقاتها ورؤيتها البراغماتية لأفعال الخالدين والفانين، التي يشتبك فيها الخير والشر. وتتساءل: كانت استجابة الجمهور الحديث مدهشة، رغم فارق العصور والثقافات الهائل، كيف يمكننا تفسير هذا التعاطف الذي يتجاوز كل الحدود؟ تكمن بعض الأجوبة في الثيمة الأساسية، التي تتعلق بالحياة والموت المُعبر عنها في الاستعارة الأسطورية؛ حيث تجسد الآلهة قوى الطبيعة، مثل الخصوبة والعقم والدهاء والغباء.

كتبت فران هزلتون في مقدمة الكتاب أن النسخة الأولى من «حكايات من العراق القديم صدرت سنة 2006، وكانت إشادة بأسلافنا الثقافيين المشتركين: قصصيي العراق القديم. ستسهم هذه الطبعة، كما أتمنى، في الإشادة ليس بحكواتيي العراق القديم فحسب، وإنما أن تصبح أيضاً أداة بيد الذين ارتضوا تحدي أن يصبحوا ساردي حكايات رافدينية حديثين».