ضجة تثيرها خريطة في كتاب مدرسي تعتمد «إسرائيل» بدل فلسطين

لبنان بلا كتاب تاريخ موحد... والسياسة تنخر التعليم

الخريطة المدرسية التي أثارت اللغط أمس بسبب إشارتها إلى إسرائيل كدولة تقع جنوب لبنان (مواقع التواصل)
الخريطة المدرسية التي أثارت اللغط أمس بسبب إشارتها إلى إسرائيل كدولة تقع جنوب لبنان (مواقع التواصل)
TT

ضجة تثيرها خريطة في كتاب مدرسي تعتمد «إسرائيل» بدل فلسطين

الخريطة المدرسية التي أثارت اللغط أمس بسبب إشارتها إلى إسرائيل كدولة تقع جنوب لبنان (مواقع التواصل)
الخريطة المدرسية التي أثارت اللغط أمس بسبب إشارتها إلى إسرائيل كدولة تقع جنوب لبنان (مواقع التواصل)

تمثل الأزمة التي أثارتها خريطة جغرافية للبنان واردة في كتاب مدرسي أمس، تذكر أن «إسرائيل» تحد لبنان جنوباً بدلاً من فلسطين، رأس جبل الجليد في أزمة اختراق السياسة لقطاع التعليم، والخلافات السياسية حول المناهج التربوية التي لم تتوصل إلى كتاب تاريخ موحد، رغم الجهود التي تبذل منذ عام 2010 للتوصل إلى توافق سياسي حول توصيف أحداث في تاريخ لبنان الحديث، تفضي إلى اعتماد كتاب موحد.
وانتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي صورة لخريطة لبنانية تدرس في حصة «الجغرافيا الفرنسية» في مدرسة فرنسية في بيروت، تظهر أن إسرائيل تحد لبنان جنوباً بدلاً من فلسطين، وهو ما يحظره القانون اللبناني بالنظر إلى أنه لا يعترف قانوناً بإسرائيل، ويكافح اعتماد مصطلح «إسرائيل» لكونه يعد «تطبيعاً» مع الدولة العبرية.
وأثارت الخريطة أزمة سياسية، حيث أكدت مصادر في وزارة التربية أن الوزير مروان حمادة «وعد بمتابعتها»، فيما اتصل عضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب وائل أبو فاعور بالوزير حمادة، متمنيا عليه «فتح تحقيق فيما أثارته لجنة الأهل وأحد أهالي الطلاب في مدرسة الليسيه الفرنسية عن اعتماد تعبير إسرائيل للإشارة إلى فلسطين المحتلة في مناهج المدرسة». وتمنى عليه «التحقيق مع المدرسة المعنية والتحقق من البرنامج واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة في حق المدرسة وإدارتها، إذا ثبت الأمر كما التدقيق في المناهج الدراسية في كل المدارس حول هذا الأمر، خصوصا أن الأمر يتعلق بهوية فلسطين وثقافتنا القومية والوطنية».
واحتوت المدرسة الأزمة، حين نشرت على صفحتها في «فيسبوك» بياناً توضيحياً، قالت فيه: «تأسف إدارة الليسيه الفرنسية اللبنانية - فردان لما حدث وتمّ تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي وتستنكر هذا الأمر بشدّة وتؤكّد احترامها المطلق لسيادة لبنان وتاريخه وتشدّد على التزامها بالمناهج المدرسية المعتمدة». ولاحقاً، أعلنت لجنة الأهل في المدرسة أن إدارة المدرسة «أبدت موقفاً لا لبس فيه تجاه احترام سيادة لبنان وتاريخه وجغرافيته واعتبرت خطأ المعلمة فادحاً سيتم التعامل معه كما ينبغي».
وأشار رئيس منظمة «جوستيسيا» الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص إلى أن «لبنان العضو في الأمم المتحدة، لا يعترف بإسرائيل، ويعتبرها عدوا، لذلك يحظر عليه التعامل والترويج للعدّو وفكره وهذا الأمر وتضح في القوانين اللبنانية إذ إن أحكام المقاطعة في يونيو (حزيران) عام 1955، ونظم كيفية المقاطعة بموجب المرسوم 12562 الصادر عام 1963».
ولفت مرقص في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه «يعاب على هذا القانون أنه أصبح قديما ولا يغطي المجالات المستجدة». ووفقاً لقرار وزارة التربية الصادر في 24 أكتوبر (تشرين الأول) 2017 والمعمم على المدارس الرسمية والخاصة: «يجب عدم اعتماد كتب تتضمن كلمة إسرائيل بدلاً من فلسطين تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية». واعتبر مرقص «أن المعالجة يجب أن تكون تربوية في بادئ الأمر أي بالتعاون بين وزارة التربية وإدارة المدرسة حتى إذا لم تمتثل المدرسة أو تكرر الفعل تحيل وزارة التربية القضية إلى النائب العام التمييزي للملاحقة على أساس الترويج، أي أن يكتفى بكتاب خطي بداية بعد التحقق من قبل الوزارة مِن قيام الفعل ومن مدى توافر القصد أي نية الترويج وإعلان النتائج».
ومن المعلوم أن المدارس الخاصة في لبنان، تعتمد مناهج تربوية خاصة، تلتزم بالمنهاج اللبناني، ويفترض أن تمر تلك الكتب عبر المركز التربوي للبحوث والإنماء للحصول على الموافقة باعتمادها. أما المدارس الأجنبية التي غالباً ما تستورد الكتب من الخارج، فيجب أن تتقيد، بحسب القانون بالتعليمات الرسمية اللبنانية.
وتمثل هذه المعضلة، واحدة من المشاكل التي يعاني منها القطاع التربوي اللبناني الذي تنخره المعايير السياسية والطائفية حول التعيينات، والانقسامات السياسية التي حالت حتى هذه اللحظة من التوصل إلى إصدار كتاب تاريخ موحد في البلاد، رغم أن هناك مساعي حثيثة للتوصل إلى توافق سياسي حول الكتاب الموحد يعتمد في المدارس اللبنانية كافة.
وأشار عضو لجنة التربية النيابية النائب علي خريس إلى أن هناك «لجنة شكلت قبل فترة، وستُعقد اجتماعات مكثفة في وقت لاحق للبت ببعض النقاط الخلافية التي تحول دون إصدار الكتاب الموحد». وقال خريس لـ«الشرق الأوسط»: «القضايا الخلافية سيجري العمل على حلها»، لافتاً إلى أن الخلافات تتمحور حول «الأحداث الكبيرة التي عصفت بلبنان منذ عام 1982»، وبينها قضية المقاومة.
وتتوقف الأحداث الواردة في كتاب التاريخ اللبناني المعتمد في المناهج التربوية عند الحرب اللبنانية، رغم أن جميع أسماء رؤساء الجمهورية المتعاقبين حتى في فترة الحرب موجودة في الكتاب. وتفاوتت رؤى الأطراف السياسية حول الأحداث التي كانت محل انقسام خلال الحرب اللبنانية، ولا تزال موضع تباين وانقسام سياسي حول توصيفها.
ويشير وزير التربية الأسبق حسن منيمنة إلى أن وزارته كانت حازت على موافقة كل الأطراف السياسية للمشاركة في لجنة وضع البرامج وإصدار كتاب موحد للتاريخ، لافتاً إلى أنه «بعد الانتهاء من إعدادها» في العامين 2010 و2011 «اصطدمت باعتراض من حزب الكتائب حول بعض النقاط»، قبل أن تستقيل الحكومة في 2011 وتتجمد الجهود لإصدار الكتاب الموحد.
وأشار منيمنة إلى أنه في حكومة الرئيس تمام سلام «أعاد وزير التربية السابق إلياس بوصعب تفعيل القضية، وشكل لجنة للنظر ببعض الموضوعات في المنهاج، لكنها لم تصل إلى النهاية المرجوة». وأضاف: «عندي قناعة تامة بأنه لو جرت متابعة دؤوبة مع الأطراف السياسية التي تعترض على بعض النقاط بالمنهاج، لكانت حلت المشاكل ووصلت الأمور إلى حل». وأشار منيمنة إلى أن الاعتراضات «تتمحور حول المرحلة الأخيرة من تاريخ لبنان من 1975 إلى عام 2000 وهي مرحلة غنية بالأحداث والصراعات، وهي محل انقسام لبناني»، لافتاً إلى أنه «لو حصلت متابعة، لكنا توصلنا إلى مستويات معقولة، وتجاوزنا بعض النقاط الخلافية التي تحول دون إقراره».
وقال منيمنة إن المشاكل التي يعاني منها القطاع التربوي نتيجة التدخلات السياسية «لا تقتصر على كتاب التاريخ»، إذ تكمن المشكلة الأساسية في «تقاسم القوى السياسية للقطاع، وتحويل التربية إلى مجموعة حصص بكل مجالاتها»، موضحاً أن المعلمين الذين يشكلون العصب الأساسي للتعليم «لا يتم اختيارهم بناء على الكفاءة»، ذلك أن التعاقد «يجري على اعتبارات طائفية وسياسية، وهو من شأنه أن يدمر التعليم الرسمي». وشدد على أنه «من غير وجود مدير جيد ومعلم جيد ويتمتعان بكفاءة، لن يكون هناك تعليم»، داعياً إلى الحد من «الاستقطاب على القاعدة السياسية والطائفية».



مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
TT

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)

في بلدة عمشيت الساحلية الهادئة التي تبعد 45 دقيقة بالسيارة شمالي بيروت، استأنفت المدارس الحكومية أخيراً مهمتها التعليمية وسط عشرات الآلاف من النازحين الذين اتخذوا من بعض المدارس مأوى مؤقتاً.

وحسب «رويترز»، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه مع تصاعد الصراع بين إسرائيل و«حزب الله» في سبتمبر (أيلول) لحق الدمار بمئات المدارس في لبنان أو اضطرت لغلق أبوابها بسبب الأضرار أو المخاوف الأمنية.

وقالت وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية إنه تم تحويل 505 مدارس من بين نحو 1250 مدرسة حكومية في لبنان إلى ملاجئ مؤقتة لبعض النازحين الذين يبلغ عددهم 840 ألف شخص.

وبدأت الوزارة، الشهر الماضي، إعادة فتح المدارس على مراحل، مما سمح بعودة 175 ألف طالب منهم 38 ألف نازح إلى بيئة تعليمية لا تزال بعيدةً عن وضعها الطبيعي.

وفي مدرسة عمشيت الثانوية الحكومية، التي تضم الآن 300 طالب مسجل ويُتوقع انضمام المزيد منهم مع استمرار وصول العائلات النازحة، تحولت المساحات المألوفة ذات يوم إلى مكان مخصص لاستيعاب الواقع الجديد.

وقال مدير المدرسة، أنطوان عبد الله زخيا، إنه قبل شهرين ونصف الشهر اختيرت المدرسة كملجأ.

واليوم، تتدلى الملابس المغسولة من نوافذ الفصول الدراسية، وتملأ السيارات ساحة اللعب التي كانت ذات يوم منطقةً صاخبة، والممرات التي كان يتردد فيها صوت ضحكات التلاميذ أصبحت الآن استراحةً للعائلات التي تبحث عن ملجأ.

وأعربت فادية يحفوفي، وهي نازحة تعيش مؤقتاً في المدرسة، عن امتنانها الممزوج بالشوق. وقالت: «بالطبع، نتمنى العودة إلى منازلنا. لا أحد يشعر بالراحة إلا في المنزل».

كما أعربت زينة شكر، وهي أم نازحة أخرى، عن قلقها على تعليم أطفالها.

وقالت: «كان هذا العام غير عادل. بعض الأطفال يدرسون بينما لا يدرس آخرون. إما أن يدرس الجميع، أو يجب تأجيل العام الدراسي».

التعليم لن يتوقف

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن الخطة المرحلية لاستئناف الدراسة ستشمل تسجيل 175 ألف طالب من بينهم 38 ألف طفل نازح في 350 مدرسة عامة غير مستخدمة كملاجئ. وقال وزير التربية والتعليم العالي، عباس الحلبي، لـ«رويترز»: «العملية التعليمية هي أحد مظاهر مقاومة العدوان الذي يواجهه لبنان». وأضاف الحلبي أن قرار استئناف العام الدراسي كان صعباً لأن العديد من الطلاب والمدرسين النازحين لم يكونوا مستعدين نفسياً للعودة إلى المدرسة. وفي مبنى مجاور في مدرسة عمشيت الثانوية الرسمية، يتأقلم المعلمون والطلاب مع أسبوع مضغوط مدته 3 أيام ويشمل كل يوم 7 حصص دراسية لزيادة وقت التعلم إلى أقصى حد.

ولا تزال نور قزحيا (16 عاماً)، وهي من سكان عمشيت، متفائلة. وقالت: «لبنان في حالة حرب، لكن التعليم لن يتوقف. سنواصل السعي لتحقيق أحلامنا». ويتأقلم المعلمون مع الظروف الصعبة. وقال باتريك صقر وهو مدرس فيزياء (38 عاماً): «الجميع مرهقون ذهنياً... في نهاية المطاف، هذه الحرب تطولنا جميعاً». وبالنسبة لأحمد علي الحاج حسن (17 عاماً) النازح من منطقة البقاع، يمثل الأسبوع الدراسي الذي يدوم 3 أيام تحدياً لكنه ليس عائقاً. وقال: «هذه هي الظروف. يمكننا أن ندرس رغم وجودها».