«كاسرات الصمت» ينتزعن لقب «شخصية العام» من ترمب

على غلاف مجلة «تايم»... قصص نساء أحدثن ثورة عالمية

«كاسرات الصمت» ينتزعن لقب «شخصية العام» من ترمب
TT

«كاسرات الصمت» ينتزعن لقب «شخصية العام» من ترمب

«كاسرات الصمت» ينتزعن لقب «شخصية العام» من ترمب

«من المفترض أن تختلف عنّا نجمات السينما. فهنّ لسن مثلنا. إنّهن رشيقات ويتمتّعن بجاذبية ساحرة... يرتدين فساتين باهظة الثمن، ويعشن في قصور لا تتراءى لنا سوى في الأحلام. ولكن، على ما يبدو وبكثير من الألم، أحوالهن أقرب إلينا مما كنا نتصور».
هكذا بدأت مجلة «تايم» الأميركية تقريرها المطول حول شخصية العام. وقد وقع اختيار محرريها هذا العام، ليس على شخص واحد؛ إنّما على حركة اجتماعية تهدف إلى زيادة الوعي حول التحرش والاعتداء الجنسي على النساء؛ التي سمتهن «كاسرات الصمت». تجسّد الحركة مجموعة من نساء هوليوود ومن المعترك السياسي، وناشطات خرجن عن صمتهن وتحدثن بشجاعة عن القصص الأليمة التي تعرضن لها، وآخرها كانت سلسلة التحرشات التي قام بها هارفي واينستين. عرفت الحركة باسم «مي تو» أو «أنا أيضا».
تناقلت النساء حول العالم هذه العبارة على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي تصريحات صحافية، قال إدوارد فيلسينثال، رئيس تحرير «تايم»، أمس، إنها «أسرع حركة تغيير اجتماعي شهدناها منذ عقود. وبدأت بتصرفات فردية شجاعة من مئات النساء وبعض الرجال أيضا الذين قرّروا أن يسردوا قصصهم».
حل الرئيس الأميركي دونالد ترمب في المرتبة الثانية لـ«الشخصية الأجدر»، وذلك لأنه حاز اهتمام العالم بصورة لم يفعلها أي رئيس أميركي من قبل. وعن ذلك قالت المجلة: «يتمتع ترمب بأكثر من القوة التنفيذية، فهو لديه الدولة والعالم، في قبضة أدائه المنفرد»، مشيرة إلى أن ترمب اختلف مع الحلفاء التقليديين لأميركا، وشن حربا على الإعلام وعلى حزبه الجمهوري.
وأضافت: «العداوات والاتهامات الوحشية واللغة الفظّة والمسببة للانقسام... لا يوجد رئيس بث ثورته بمثل هذا التدفق غير المحسوب»، وفق ما نقلت عنها «رويترز». وقالت المجلة: «عرض ترمب يستمر من دون انقطاع. الآراء ربما تكون متباينة، ولكن لا أحد يستطيع أن يتحول عنه».
القائمة القصيرة تضمنت 6 أسماء أخرى، معظمهم من الرجال، وهم: الرئيس الصيني تشي جينبينغ، والأميركي روبرت مولر المحقق الخاص في قضية الاتصالات مع روسيا خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والمدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي، ورئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، ولاعب كرة القدم الأميركية كولين كابيرنيك، واحتلت المرتبة السادسة المخرجة الأميركية باتي جينكينز.
مع أن الحملة الاجتماعية استطاعت أن تغلب ترمب وتنال اللقب هذا العام، إلا أن الرئيس الأميركي توج به في عام 2016، وكان اللقب من نصيب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في عام 2015، وفي عام 2014 كان من نصيب «محاربي إيبولا» في إشارة إلى العاملين بمجال الصحة الذين ساهموا في وقف انتشار الفيروس. فاز باللقب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما مرتين؛ سنة انتخابه (2008)، والأخرى عند إعادة انتخابه في 2012.
انطلقت الجائزة، التي بات يرتقبها العالم سنويا، عام 1927، وكان يطلق عليها جائزة «رجل العام» حتى سنة 1999، قبل تحويل اسمها إلى «شخصية العام» في محاولة للمساواة بين الجنسين. الجائزة تقوم بتمييز «شخص» أو «مجموعة» أو «فكرة» أو «شيء ما» يمتلك الأثر الأكبر في أحداث العام؛ سواء كان ذلك للأحسن أم للأسوأ.
كان تشارلز لندبرغ أول من ينال اللقب عام 1927 بعدما أصبح أول شخص يقود طائرة منفردا في رحلة عبر المحيط الأطلسي من نيويورك إلى باريس. ومن الأعلام المؤثرة، وبعضها جدلي أيضا، التي استحقت اللقب عبر السنين الماضية، قائد حركة الاستقلال الهندية المهاتما غاندي عام 1930، وأدولف هتلر (1938)، وونستون تشرشل لمرتين عام 1940 و1949، وقائد «حركة الحقوق المدنية للأميركيين الأفارقة» مارتن لوثر كينغ بغد خطابه الشهير «عندي حلم» عام 1963، وفاز جهاز الكومبيوتر بلقب «آلة العام» في سنة 1982. وكذلك فاز باللقب مؤسس «فيسبوك» مارك زوكربيرغ عام 2010.
اللقب لم يكن عربيا إلا في مرتين فقط؛ ففي عام 1974 فاز العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبد العزيز باللقب بعد أزمة النفط عام 1973 عندما سحب النفط من الأسواق العالمية احتجاجا على الدعم الغربي لإسرائيل في حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973. وذهب اللقب إلى الرئيس المصري الراحل أنور السادات عام 1977 بعدما أصبح أول رئيس عربي يسافر إلى إسرائيل لإبرام معاهدة سلام.
في عام 1998، قررت «تايم» أن تمنح قراءها الخيار بجائزة موازية لاختيار المحررين. وفي تصويت هذا العام، وقع اختيار القراء على الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي. حصد الأمير محمد بن سلمان أصواتاً أكثر من عدة زعماء من مختلف أنحاء العالم، ونشطاء في مجالات مختلفة ورجال أعمال ونجوم، في التصويت الذي جرى عبر الإنترنت، حسبما أوضحت المجلة يوم الاثنين الماضي. وذهب المركز الثاني إلى اختيار المحررين الأول؛ حملة «كاسرات الصمت».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».