يمر العالم بثورة صناعية حديثة تتمثل في استخدام أحدث التقنيات لتسريع العمل وخفض الزمن اللازم لتنفيذ المشاريع الصناعية والسكنية والصحية والترفيهية ونظم النقل بشكل كبير. وتعتمد هذه التقنيات في جوهرها على القدرات الهائلة للحوسبة السحابية والذكاء الصناعي وتقنيات تعلم الآلات واستنباط الحلول المناسبة لكل حالة، وبالاحتياجات المناسبة لكل مشروع. ويستعرض مؤتمر «جامعة أوتوديسك» Autodesk University تلك التقنيات، وهو ملتقى لأكثر من 10 آلاف زائر وخبير يحضرون ويشاركون في جلسات تعليمية في هذه القطاعات. وحضرت «الشرق الأوسط» المؤتمر في مدينة لاس فيغاس الأميركية في الفترة الممتدة بين 14 و16 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.
تقنيات حديثة
تركز تقنيات التصاميم الجديدة على العالم التقني بشكل كبير، خصوصاً تقنية إنترنت الأشياء الصناعية Industrial Internet of Things IIoT. وتحدثت «الشرق الأوسط» حصرياً مع «ثيو أغيلوبولوس»، مدير قطاع صناعة البنية التحتية واستراتيجيات الأعمال في شركة «أوتوديسك»، حيث قال إن المدن الجديدة في العالم، ومن بينها مدينة «نيوم» في السعودية، مثال على التقدم التقني في البنية التحتية، وإنه بالإمكان التخطيط بكفاءة عالية لتلك المدن في مجالات رفع كفاءة العمل للمباني والشركات والمصانع والطرق والشبكات الكهربائية، وحتى مستشعرات إنترنت الأشياء لقياس العلامات المختلفة وتحليل بياناتها، مثل حركة المرور ونسبة ثاني أكسيد الكربون في الهواء ونسب الرطوبة والضغط الجوي وكثافة الحركة على الجسور، وغيرها. ويمكن بعد ذلك تبني استراتيجيات مختلفة اعتماداً على تحليل البيانات الناجمة. كما يجب التركيز على وصل المدن من خلال المراكز الرئيسية العالمية Hub التي تقوم العديد من الشركات بتطويرها، مثل مشروع قطار Hyperloop الذي تصل سرعته إلى 1200 كيلومتر في الساعة (أسرع من شبكات نقل القطارات والطائرات)، والذي يتوقع أن يربط المدن الرئيسية حول العالم لتسريع نقل الركاب والبضائع في المستقبل القريب. وأضاف أنه يمكن للدول الأفريقية الاستفادة من تقنيات التصاميم الصناعية الحديثة لتطوير بنية تحتية صلبة ومستدامة في ظل التحديات الجغرافية والمناخية والاقتصادية.
واستعرضت «أوتوديسك» كيفية تسخير تقنيات الذكاء الصناعي في قطاع رسومات الترفيه (مثل الأفلام السينمائية والألعاب الإلكترونية)، بحيث يستطيع الذكاء الصناعي التعرف على مصادر الضوء وكيفية مروره عبر الأجسام شبه الشفافة وأثر خروجه منها وأثر انعكاسه عن الأسطح المختلفة، وفي أقل من ثانية واحدة مقارنة بحاجة برامج الرسومات الاحترافية إلى عدة ثوانٍ لتحليل كل صورة، وبمعدل 24 صورة في الثانية، لتفتح هذه التقنية أبواب تسريع الأعمال بأضعاف كبيرة، وبالتالي الحصول على جودة رسومات أعلى في قطاع الترفيه التصويري.
وكشفت الشركة كذلك أنه يمكن لأي شركة من أي حجم استخدام منصتها الجديدة «فورج» Forge في شتي قطاعات الصناعات والبناء لتسهيل العمليات، وهي تعتبر نقلة ثورية للمهندسين، ذلك أنها تستخدم تقنيات الحوسبة السحابية الهائلة لتسريع العمل وخفض النفقات ومعالجة البيانات الضخمة بكل سلاسة. كما يمكن للمطورين استخدام خدمة «دروبوكس» السحابية لمشاركة ملفات DWG الخاصة بالتصاميم الهندسية، ومعاينتها دون تحميلها على أجهزتهم، علماً بأن معدل رفع ملفات DWG يبلغ حالياً 2100 تصميم في كل دقيقة، مع وجود أكثر من مليار ونصف المليار ملف على الخدمة، الأمر الذي يدل على التبني الواسع لتقنيات مشاركة الملفات والعمل الجماعي عليها مع فرق من مختلف المدن حول العالم. وتهدف هذه العملية إلى تسريع زمن تطوير المشاريع وخفض التكاليف المرتبطة على الشركات المطورة وعلى أصحاب المنازل والمصانع والمستخدمين، وهي تعتبر محوراً بالغ الأهمية للثورة الصناعية الجديدة في القرن الـ21.
طباعة تجسيمية
وبالنسبة إلى الأطراف الصناعية، فهناك برامج متخصصة في هذا القطاع (مثل Autodesk Forge وAutodesk Fusion 360) تستخدم أدوات تقيس أبعاد الذراع السليمة للمستخدم وتطبع الذراع الأخرى آلياً خلال 6 ساعات فقط، مع إمكانية مطابقة لون الذراع الجديدة للون بشرة المستخدم. ومن شأن هذه التقنية تقديم نماذج رقمية ثلاثية الأبعاد للطبيب لمعاينتها والتأكد منها قبل البدء بالطباعة، مع إمكانية تخصيصها وتعديلها وفقاً للرغبة، وبجودة عالية جداً. هذه العملية بالغة الأهمية لمن يحتاجون إلى أطراف صناعية بتكلفة منخفضة، خصوصاً الأطفال الذين يحتاجون إلى عدة أطراف تتماشى مع فترة نموهم وتغير أبعاد الأطراف السليمة. وأكدت الشركة أن هناك مجموعات غير حكومية متخصصة تستخدم هذه التقنية لتقديم المساعدة في سوريا والعراق والدول التي تعاني من الحروب. ويستطيع ما نسبته أقل من 5 في المائة ممن يحتاجون إلى أطراف صناعية الوصول إلى مراكز طبية لتقديم المعونة لهم، مع ارتفاع تكلفة صناعة الأطراف التي تستغرق وقتاً كبيراً لإعدادها.
ومن جهتها كشفت شركة «إتش بي» HP عن تطويرها أول طابعة تجسيمية 3D Printer في العالم تستطيع الطباعة على المعادن المختلفة، والتي ستُطلق خلال عام 2018، وذلك لنقل الطباعة ثلاثية الأبعاد من مرحلة الطباعة البلاستيكية إلى المعدنية، الأمر الذي من شأنه فتح آفاق جديدة وكبيرة لطباعة القطع البديلة للآلات والصناعة المنزلية لرواد الأعمال والشركات الصغيرة.
مدن ومجتمعات المستقبل
واستعرض جيف كوالسكي، مدير التقنيات في الشركة، في لقاء مع «الشرق الأوسط» قدرة تقنية التصاميم التوليدية (Generative Design) على تطوير قطاع التصاميم بشكل ثوري، بحيث يمكن تقديم مشكلة ما للتقنية التي تعتمد على مبدأ تعلم الآلات (Machine Learning) لإيجاد حل مناسب. ويمكن بهذه الطريقة طلب إيجاد تصميم ما لمنتج أو مصنع أو مبنى، ليوجِد النظام أعداداً كبيرة من التصاميم المختلفة التي تلبي الاحتياجات، وتقدم تصاميم تركز على الجودة وأخرى على السرعة وأخرى على خفض التكاليف، وبسرعة كبيرة جداً مقارنةً بتصميمها من قبل البشر. وأكد آندرو أناغنوست، الرئيس التنفيذي للشركة، في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن هذه التقنيات ستستبدل الأعمال التقليدية للبشر، ولكنها لن تجعلهم يجلسون في المنازل، بل ستفسح لهم مجال التركيز على أمور أخرى تحتاج إلى قدراتهم التحليلية وتسخير خبراتهم في المكان الصحيح عوضاً عن أداء الأعمال الروتينية، مع خفض نسبة الخطأ البشري بشكل كبير. كما أكد أننا بحاجة إلى بناء 1000 مبنى يومياً لمدة 33 عاماً مقبلة لملاقاة الطلب المتزايد لسكان الكوكب الذين سيصل عددهم إلى 10 مليارات بحلول عام 2050. وهذا الأمر غير ممكن في ظل تقنيات البناء الحالية. واستعرضت إحدى الشركات الأوروبية قدرتها على تسريع زمن تصاميم المباني وتنفيذها من أشهر إلى 3 أيام فقط، وذلك بالاستفادة من تقنية التصاميم التوليدية المتقدمة. وتستطيع هذه الشركة صناعة أجزاء متعددة من الوحدات السكنية بشكل مختلف بعضها عن بعض حتى لا تكون المنازل متشابهة، ويكفي تركيب بعضها مع بعض للحصول على المنزل بسرعة كبيرة، مع إمكانية توسعة المنزل في وقت لاحق دون هدم أي جدار، وذلك بإضافة المزيد من الوحدات، وبالتالي خفض نفايات البناء التي تصل إلى 300 مليون طن سنوياً في الولايات المتحدة الأميركية وحدها.
مدينة المريخ
كما استعرضت شركة «أوتودسيك» نموذج مدينة خيالية على كوكب المريخ يستطيع البشر العيش فيها في الظروف الصعبة للكوكب، حيث طلبت من المصممين حول العالم تقديم مقترحاتهم لحل بعض مشكلات الحياة على المريخ، لتختار الشركة مجموعة من التصاميم وتضع حلولهم داخل لعبة واقع افتراضي ستطلقها العام المقبل بهدف تعريف الناس على آفاق السكن في الكواكب المختلفة في المستقبل. وحاضرت مجموعة متنوعة من المصممين حول آفاق تقنيات التصميم الحديثة في خدمة المجتمع، ومن بينها مسؤولة في سجن نسائي في الولايات المتحدة الأميركية طوّرت برنامج تعليم للسجينات لتعليمهن تقنيات التصاميم الحديثة بهدف إعادة تأهيلهن وعدم عودتهن إلى السجن بعد الخروج منه. واستطاعت مجموعة كبيرة من المشاركات افتتاح أعمالهن الخاصة بعد الخروج من السجن في ظل النظرة السلبية نحو كونهن سجينات سابقات وصعوبة الحصول على وظائف في الشركات بسبب ذلك.
كما استعرضت مجموعة من طلبة الجامعات مشروعاً يقومون فيه بالجلوس مع كبرى شركات صناعة المنتجات وتطوير تصاميم تناسب احتياجات تلك الشركات بالتعاقد مع طلاب لديهم مهارات في التصميم الصناعي الحديث، وتطوير تصاميم تلك المنتجات والتعرف على ضرورات قطاع العمل قبل التخرج. واستطاعت هذه المجموعة التعاقد مع شركة «أديداس» لتطوير تصاميم أحذية رياضية عصرية بجودة عالية، لتقوم الشركة الرياضية بتبني تلك التصاميم في منتجاتها.
7:49 دقيقة
آلات تستنبط حلولاً ونظم ذكاء صناعي لمدن المستقبل
https://aawsat.com/home/article/1089911/%D8%A2%D9%84%D8%A7%D8%AA-%D8%AA%D8%B3%D8%AA%D9%86%D8%A8%D8%B7-%D8%AD%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%8B-%D9%88%D9%86%D8%B8%D9%85-%D8%B0%D9%83%D8%A7%D8%A1-%D8%B5%D9%86%D8%A7%D8%B9%D9%8A-%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84
آلات تستنبط حلولاً ونظم ذكاء صناعي لمدن المستقبل
برامج وتصاميم للنقل فائق السرعة وطابعات تجسيمية لإنتاج أعضاء بديلة
- لاس فيغاس: خلدون غسان سعيد
- لاس فيغاس: خلدون غسان سعيد
آلات تستنبط حلولاً ونظم ذكاء صناعي لمدن المستقبل
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة