«تمبكتو.. شجن الطيور» فيلم يثير الجدل في موريتانيا

نافس على السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي.. وحصد جائزة «شارل شالي بووير»

لقطتان مشهد من فيلم «تمبكتو.. شجن الطيور»
لقطتان مشهد من فيلم «تمبكتو.. شجن الطيور»
TT

«تمبكتو.. شجن الطيور» فيلم يثير الجدل في موريتانيا

لقطتان مشهد من فيلم «تمبكتو.. شجن الطيور»
لقطتان مشهد من فيلم «تمبكتو.. شجن الطيور»

استطاع المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو، أن يلفت الأنظار إليه في النسخة الـ67 من مهرجان كان السينمائي هذا العام، بفيلمه الجديد «تمبكتو.. شجنُ الطيور»، وهو الفيلم الذي حاول من خلاله أن ينقل معاناة سكان المدينة التاريخية الواقعة في شمال مالي، خلال الفترة التي قضوها في قبضة الجماعات الجهادية في النصف الثاني من عام 2012.
ورغم منافسة الفيلم على السعفة الذهبية في مهرجان كان، بوصفه الفيلم العربي والأفريقي الوحيد، فإنه في النهاية لم يحصد أيا من الجوائز الرسمية للمسابقة، مكتفيا بكم هائل من المجاملة والإعجاب من طرف النقاد، والحصول في الأخير على جائزة «شارل شالي بووير» في دورتها الـ18، وهي جائزة تخلد «الروح الإنسانية» لمخرج وصحافي فرنسي، وتمنحها هيئات صحافية فرنسية من خارج مهرجان كان السينمائي.
ولكن الفيلم الذي استمد قصته من أحداث واقعية، أثار بعد عرضه جدلا واسعا في الشارع الموريتاني، بين من يعدونه عملا فنيا يستحق الإشادة لأنه حاول بشجاعة أن ينقل معاناة واحدة من أعرق المدن التاريخية؛ وبين من انتقدوه بقوة ووصفوه بالعمل المبتذل الذي لم يستطع أن يتجاوز الصورة النمطية للحركات الجهادية، وما زاد على أنه كرس وجهة النظر التي تتبناها فرنسا ومالي.
الجدل حول الفيلم وصل إلى ذروته في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث كان الكاتب الصحافي الموريتاني سيد أحمد ولد باب، من بين من وجهوا انتقادات لاذعة للفيلم، وقال إن «سيساكو في حديثه خلال المؤتمر الصحافي الذي أعقب عرض فيلمه في مهرجان كان السينمائي وصف السينما بأنها لغة». وقال إن «كل شخص يتحدث اللغة بلهجته ولكنته الخاصة، ولعل في هذه العبارة أبلغ تعبير عن فيلمه الجديد، هذا الذي ظل فيلما ذا لكنة، بل وتأتأة أحيانا في لغته السينمائية وفي تعامله مع موضوعه وهو الجماعات الإسلامية المتطرفة».
وأضاف ولد باب في منشور دونه عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، أن «سيساكو قارب موضوعه بكم كبير من الكليشيهات والصور النمطية والقوالب الجاهزة، كتلك التي تنتشر في وسائل الإعلام العالمية وتنتصر لصورة سطحية تفشل في سبر أغوار واقع بالغ التعقيد كما هو الحال في الصحراء الأفريقية وجنوبها».
أغلب الانتقادات التي واجهها الفيلم منذ عرضه، جاءت من شباب التيار الإسلامي بمختلف مشاربه، السلفية والإخوانية، حيث وصفوه بأنه يحاول الترويج لأفكار معادية للإسلام، وهي التهمة التي رفضها من دافعوا عن الفيلم ومخرجه، فاستغرب الكاتب الصحافي حنفي ولد دهاه الانتقادات القوية التي تعرض لها سيساكو منذ أن عرض فيلمه، وقال متسائلا عبر صفحته على «فيسبوك»: «ألأنه وصف إخوان مصر بالظلاميين، وبما وصفهم به من عداء الديمقراطية يواجه هذه الحملة الشعواء؟». وخلص ولد دهاه إلى أن «سيساكو عظيم بالسعفة الذهبية وبدونها، وليمت الحاقدون أعداء النهار بغيظهم»، على حد تعبير ولد دهاه.
في المقابل، قال المخرج السينمائي الموريتاني الشاب محمد ولد إدومو، في حديث مع «الشرق الأوسط»، إن من انتقدوا الفيلم لم يشاهدوه، وبالتالي كان نقدهم مبنيا على موقف شخصي من مخرجه وليس على معطيات نقدية واضحة أو خلاصة لمشاهدة الفيلم الذي عرض مرة واحدة في مدينة كان الفرنسية؛ ودعا ولد إدومو إلى «ضرورة الفصل بين الأعمال الإبداعية وأصحابها، وهذا ما فشل فيه من انتقدوا الفيلم لأنهم كانوا يبنون نقدهم على موقف مسبق من سيساكو، فمواقف سيساكو الشخصية شيء وأعماله الإبداعية شيء آخر»، في تلميح ضمني لمنصب سيساكو كمستشار ثقافي للرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز.
وخلص ولد إدومو إلى أن «النقد السلبي بسيط ومتاح وليس أمرا شاقا، على العكس من النقد البناء الذي يجسد ما نبحث عنه ونهتم له، ولكننا للأسف لم نجد هذا النوع من النقد في كل ما كتب وقيل حول الفيلم منذ عرضه بفرنسا».
الفيلم الذي تدور أحداثه في مدينة تمبكتو، حاول المخرج من خلاله تقديم قصة المدينة حين كانت تعيش في قبضة الجماعات الإسلامية المتطرفة التي سيطرت على شمال مالي لأكثر من نصف عام، وبالتالي تخللته بعض مشاهد العنف كالجلد والرجم وتنفيذ أحكام الإعدام، كل تلك المشاهد الدموية لم تنقص من شاعرية الفيلم وجمالية تصويره واحترافيته، يقول أحد النقاد السينمائيين.
تكثر في الفيلم اللقطات والمقاطع التي تنقل معاناة السكان وهم يخضعون لقانون يعدونه ظالما لهم، ولكن جوانب أخرى من الفيلم حاول فيها سيساكو أن يغوص في نفسية الجهادي، وهو يريد أن يظهر للعالم أن الجهادي رغم فظاعة جريمته فإنه يبقى «إنسانا»، كالجهادي الذي يحرم التدخين وهو يدخن في السر، والآخر الذي يحب زوجة رجل آخر.
ولعل الصور الأخيرة هي التي أثارت انتقادات بعض الموريتانيين، مؤكدين أن هذه لا تعدو كونها صور نمطية سبق أن حاول الإعلام الغربي ترسيخها وإلصاقها بالجهاديين، بينما يرى المدافعون عن الفيلم أن هذه الصور لم تزد على أنها نقلت الواقع الذي هو ربما أكثر فظاعة وبشاعة.
ومع تزايد حدة الجدل الذي أثاره الفيلم، ترتفع مطالب لدى بعض الموريتانيين بضرورة عرضه بنواكشوط حتى يتسنى للجمهور المحلي مشاهدته، وهو أمر يواجه تحديات كبيرة في ظل عدم وجود دار للسينما في نواكشوط، مع أنه في السنوات الأخيرة كان السينمائيون يلجأون إلى عرض أفلامهم في ساحات عمومية وفي الهواء الطلق، أمر قد لا يروق للكثيرين من منتقدي الفيلم.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».