الأسبوع الثقافي السوداني في تونس

فرصة للاطلاع على ثقافة بلد النيلين

من فعاليات الأسبوع السوداني
من فعاليات الأسبوع السوداني
TT

الأسبوع الثقافي السوداني في تونس

من فعاليات الأسبوع السوداني
من فعاليات الأسبوع السوداني

مثّل الأسبوع الثقافي السوداني الذي احتضنته العاصمة التونسية بكل حب ومودة، فرصة لاكتشاف الثقافة السودانية العريقة أدباً وثقافة وموروثاً ثقافياً وحضارياً، وهذا ليس غريباً عن مفكري وشعراء بلد النيلين، فقد وصلت إلى التونسيين أعمال إبداعية عدة جعلت من الأدب السوداني والثقافة السودانية علامة مميزة لا فقط في تونس بل في البلدان العربية.
وانطلقت تظاهرة الأسبوع الثقافي السوداني في دار الثقافة ابن رشيق، وسط العاصمة التونسية يوم الاثنين الماضي، وتذكر كل من واكب حفل الافتتاح بشغف رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح ورائعة «أغداً ألقاك» لكوكب الشرق أم كلثوم وهي للشاعر السوداني الهادي آدم، و«أنشودة الجن» للشاعر التيجاني بن بشير وهو شبيه الشاعر التونسي الكبير أبو القاسم الشابي، هذا علاوة على أغنية الفنان السوداني الكبير سيد خليفة «الممبو السوداني» (الممبو في خيالي - الممبو في كياني) التي يعرفها الكثير من التونسيين ويرددونها كدلالة على عمق العلاقة الأخوية بين تونس والسودان وتجذّر العلاقة بين الشعبين الشقيقين، إلّا أنّ الثقافة السودانية قد تكون أوسع من ذلك بكثير.
انطلق الأسبوع الثقافي السوداني في تونس بحضور الطيب حسن بدوي وزير الثقافة السوداني ونظيره التونسي محمد زين العابدين، وسيتواصل إلى غاية يوم 17 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. وتضمنت فعاليات الافتتاح معرضاً لأهم الإصدارات الإبداعية السودانية في مجال الكتاب ومعرضاً لمجموعة من اللوحات التشكيلية، بالإضافة إلى عرض لأهم المنتجات الحرفية والأكلات الشعبية في هذا البلد العربي الأفريقي العريق. وقدّمت فرقة الفنون الشعبية السودانية بقيادة الفنان السوداني عاصم الطيب وصلة غنائية راقصة عكست ثقافة السودان الشقيق. وخلال حفل الافتتاح، أكّد وزير الثقافة السوداني الطيب حسن بدوي على دور مثل هذه التظاهرات الثقافية في توحيد الشعوب وتفاعل الحضارات وتلاقح الثقافات، وقال إن «الثقافة تعتبر جسرا هاماً للتواصل» مضيفاً، أنّ السودان سيحتضن خلال السنة المقبلة أسبوعا للثقافة التونسية في العاصمة السودانية.
أمّا وزير الثقافة التونسي، فقد أشار من ناحيته إلى أهمية التعاون الثقافي بين تونس والسودان، لما تلعبه الثقافة من أدوار في التقريب بين الشعوب وتمتين العلاقات بينها، وعبّر عن أمله في مزيد من تعزيز التعاون الثقافي بين البلدين، واستعادة المد الحضاري بينهما، من أجل انتصار قيم الإبداع والجمال والفكر بصفة عامة على حد تعبيره. وفي إطار التعريف بالثقافة السودانية، احتضن مقر اتحاد إذاعات الدول العربية بالعاصمة التونسية ندوتين الأولى عن «تاريخ السودان القديم ومعالمه السياسية والثقافية» للدكتور عبد القادر محمود، والثانية بعنوان «الشعر السوداني والتونسي: قراءة في شعر أبو القاسم الشابي والتيجاني يوسف بشير».
والتقى رواد دار الثقافة ابن رشيق مساء أمس، بالشاعرتين السودانيتين روضة الحاج ومنى حسن الحاج في قراءات شعرية، على أن يؤثّث الفنان السوداني خالد محجوب أمسية اليوم، بفقرات غنائية وقراءات شعرية.
وتحتضن مدينة صفاقس (عاصمة الثقافة العربية سنة 2016)، اختتام أشغال الأسبوع الثقافي السوداني، وتمت برمجة فقرات غنائية بمشاركة فرقة الفنون الشعبية بالسودان وعرض لوحات راقصة تتخللها مداخلات شعرية لشعراء من تونس والسودان.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».