الإيرانيون يناقشون مسألة «الإسلام الآري»

TT

الإيرانيون يناقشون مسألة «الإسلام الآري»

لقد استغرق الأمر 5 سنوات لتشييده، وتكلف أكثر من 10 ملايين دولار، واستُخدمت فيه كميات هائلة من الذهب والفضة والأبنوس، وشارك فيه أكثر من 600 من أفضل العمال والحرفيين في البلاد. ثم قطع رحلة طولها ألفي كيلومتر إلى وجهته النهائية، حيث توقف في العديد من القرى والبلدات على الطريق لأجل أن ينعم الناس بإلقاء نظرة عليه. وفي كل مكان كانت ترافقه كوكبة من رجال الدين، والدعاة، ورجال الأمن المدججين بالسلاح.
وتشير لفظة «هذا» التي تكررت، إلى الإطار الذي يحيط بقبر الصحابي الجليل سلمان الفارسي الذي يقع ضريحه في مدينة سلمان - باك أو سلمان المطهر، أو ما كانت تُعرف قديماً بالمدائن، وهي إلى الجنوب من العاصمة العراقية بغداد. ولقد عانى هذا الضريح من عقود من الإهمال، وسقط الغلاف الخارجي المزيِّن للقبة، كما أن هيكل البناء الأساسي ناله الضعف من مختلف العوامل والأسباب.
وثارت فكرة تجديد الضريح أول الأمر من قبل مجموعة من المحبين في مدينة أصفهان الإيرانية، حيث يقال إن سلمان الفارسي كان قد قضى فيها جزءاً من طفولته في القرن السابع الميلادي.
وبدأ التمويل عن طريق خطة للتمويل الجماعي وفرت الأموال الأساسية اللازمة للمشروع الذي بلغ مراحله الأخيرة، كما تلقى أيضاً التمويل الحكومي في سياق الاتجاه المتصاعد لإبراز الصلات الإيرانية بالمراحل الأولى من نشوء الإسلام.
كان سلمان الفارسي أحد الأوائل ممن اعتنقوا الإسلام من غير العرب وأحد أبرز صحابة النبي محمد في المدينة المنورة. وكان معروفاً بورعه وتقواه، وفي نفس الوقت براعته المشهورة في أمور الحرب والسياسة، الأمر الذي مكّنه من تقديم خدمات جليلة للإسلام في مراحله المبكرة.
وينتمي الصحابي سلمان إلى عائلة زرادشتية بارزة في مدينة كازرون بجنوب إيران. وبدأ سلمان، وكان اسمه الفارسي هو «روزبه»، حياته المهنية ضابطاً في الجيش الساساني، ولكنه سرعان ما قرر التخلي عن حياته تلك والرحيل مسافراً «بحثاً عن الحقيقة». ولقد أخذته رحلاته إلى مدينة «قطيسفون» العراقية القديمة، والتي كانت وقتذاك عاصمة الإمبراطورية الساسانية في بلاد ما بين النهرين، ثم إلى سوريا، والتي كانت في ذلك الوقت إحدى المقاطعات التابعة للإمبراطورية البيزنطية.
والتقى هناك النُّساك والزُّهاد المسيحيين، وتأثر كثيراً بفكرة الأنبياء المرسلين من عند الله لإرشاد وهداية الناس. ثم ارتحل مرة أخرى جنوباً صوب شبه جزيرة العرب حيث شرع نبيّ الإسلام في الدعوة إلى الدين الجديد. وبقية القصة، كما يقول المثل، من التاريخ المعروف للجميع.
في الشهر الماضي، أثارت وسائل الإعلام الرسمية الإيرانية فكرة تسمية السابع من نوفمبر (تشرين الثاني) بـ«يوم سلمان الفارسي»، كوسيلة لمواجهة يوم قورش العظيم الذي أعلن عنه القوميون الإيرانيون في الآونة الأخيرة. ورغم ذلك، ذهبت وكالة «إيرنا» الإخبارية الرسمية في إيران إلى ما هو أبعد من ذلك واقترحت أن تعلن الحكومة عن اعتماد يوم قورش العظيم.
وبدأت وكالات السفر والرحلات الإيرانية، المتخصصة في الحج إلى المدن المقدسة في العراق، في تنظيم رحلة لزيارة ضريح الصحابي سلمان الفارسي في جزء من حركة «الإسلام الإيراني» والتي كانت تكتسب المزيد من الزخم في السنوات القليلة الماضية.
وكثيراً ما تأرجح التاريخ الإيراني خلال القرون الـ15 الماضية بين ما هو ديني وما هو قومي. ولقد ترافق ارتفاع أحدهما بتراجع وانحسار الآخر، والعكس بالعكس.
يقول مهرانغيز بيات، الباحث الإيراني من طهران: «يرجع السبب جزئياً إلى حالة الاستياء الظاهرة، للدور الذي يلعبه رجال المذهب الشيعي في سياسات البلاد، وتشهد إيران في الوقت الراهن اتجاهاً متزايداً مناوئاً للدين».
ويؤيد هذا التحليل بعض رجال الدين البارزين. على سبيل المثال، فإن آية الله العظمى شوبير زانجاني، وهو أحد أكبر رجال المذهب الشيعي في مدينة قُم المقدسة، قد حذر الأسبوع الماضي من أن الانغماس في السياسة قد أسهم بشكل كبير في تراجع سلطة وشعبية رجال المذهب الشيعي داخل إيران.
أما القوميون المتشددون، بمن فيهم القوميون الإيرانيون الذين يحلمون باستعادة أمجاد الإمبراطورية الساسانية بصورة أو بأخرى، فقد استغلوا حالة الاستياء العامة تجاه رجال الدين الحاكمين للبلاد واتخذوا منها منصة يهاجمون من خلالها الإسلام ويصفونه بأنه «دين عربي أجنبي أو غريب فُرض على الإيرانيين الآريين بحد السيف».
وهم يتجاهلون حقيقة مفادها أن السواد الأعظم ممن اعتنقوا الإسلام من الشعب الإيراني قد تحولوا إلى الدين الجديد بعد فترة طويلة للغاية من انتهاء الاحتلال العربي القديم، والذي استمر قرابة 8 عقود، لأجزاء من إيران.
وأُطلق مفهوم «الإسلام الإيراني» أو «الإسلام الآري» فقط لمواجهة مزاعم «الإسلام الأجنبي».
وكان الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، ولا يزال، من أشد أنصار هذا المفهوم. وخلال ولايته لرئاسة البلاد كان قد اقترض «أسطوانة قورش»، وهي من القطع الأثرية القديمة التي كتب عليها الإمبراطور قورش الكبير مؤسس الإمبراطورية الأخمينية أول إعلان لحقوق الإنسان في التاريخ، من المتحف البريطاني ووضعها للعرض على الجمهور في طهران. وجذب المعرض، الذي كان تحت حراسة فرقة من الجنود يرتدون الزي العسكري الأخميني القديم، أكثر من 5 ملايين زائر.
وبرر محمود أحمدي نجاد خطوته تلك، والتي تسببت في إغضاب بعض الملالي في البلاد، على أساس أن قورش الكبير من المفترض أنه جاء ذكره في القرآن الكريم تحت مسمى «ذي القرنين». (ويعتقد بعض العلماء أن هذا المسمى يشير إلى شخصية الإسكندر الأكبر لا إلى قورش الكبير).
ووفقاً للتقارير التي يتعذر التحقق من صحتها بصورة مستقلة، كان العقل المدبر وراء فكرة «الإسلام الآري» هو رجل دين شيعي غامض يحمل اسم حسن يعقوبي، وهو من المفترض أن يكون قد ألّف أكثر من 40 كتاباً، على الرغم من أنه لم يره أو يسمع به من أحد.
وحاول بعض رجال الدين الآخرين الترويج لفكرة «الإسلام الآري» من خلال الزعم بأن الحسين بن علي، نجل الصحابي علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء كريمة النبي محمد، كان قد تزوج من بيبي شهر - بانو كريمة الملك الساساني الأخير يزدجرد، وبالتالي تسبب في امتزاج الإسلام مع إيران.
يقول آية الله صبحاني: «يحمل كل أحفاد الحسين الدماء الإيرانية في عروقهم. وهذا يعني أن هناك صلة إنسانية قائمة وغير قابلة للانفصام بين الإسلام وإيران».
أما القوميون الإيرانيون، رغم ذلك، يرفضون هذه الفكرة تماماً ويزعمون أن بيبي شهر - بانو، والتي يجتذب ضريحها بالقرب من طهران ملايين الحجاج في كل عام، كانت أسيرة ولم تعتنق دين الإسلام قط.
ويزعم رجل دين آخر يُدعى آية الله حسيني قزويني أن الروابط الإيرانية الإسلامية قد تعززت على يد الإمام الثاني عشر، والمعروف باسم الإمام المختفي المهدي المنتظر، والذي خرج من غيابه الطويل في سرية وتزوج فتاة من طهران وبالتالي ضمن استمرار «السلالة المقدسة لأبناء علي» مع جيل بعد جيل من الأحفاد الذين «يحملون الدماء الإيرانية النقية في عروقهم».
ومع ذلك، فإن الصراع الإيراني التقليدي بين القومية والدين يبدو أنه سوف يزداد حدة في قابل الأيام. ووفقاً للمصادر الحكومية المطلعة، فإن المزيد والمزيد من الشعب الإيراني يطلقون الأسماء غير الإسلامية على أطفالهم المولودين حديثاً. ولقد أدى ذلك بوزارة الداخلية، ممثلةً في مكتب السجل المدني المركزي، إلى الإعلان عن قرار يوم الخميس الماضي بتشديد القواعد المنظمة لإطلاق الأسماء غير الإسلامية على المواليد الجدد في البلاد.
وقال الناطق الرسمي باسم السجل المدني المركزي في طهران، سيف الله أبو ترابي، في مؤتمر صحافي، إن وزارة الداخلية سوف تساعد أيضاً أولئك الذين يرغبون في استبدال أسمائهم الشخصية غير الإسلامية، وتيسير القيام بذلك بالحد الأدنى الممكن من الروتين البيروقراطي المزعج.


مقالات ذات صلة

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يوميات الشرق جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير القادم، ما الذي يتم إعداده للزائر؟

عبير مشخص (لندن)
ثقافة وفنون المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الدكتور سالم بن محمد المالك (صورة من الموقع الرسمي للإيسيسكو)

«الإيسيسكو» تؤكد أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي

أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، الدكتور سالم بن محمد المالك، أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
أوروبا رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس يتحدث خلال اجتماع ترشيح الحزب في أوسنابروك ودائرة ميتيلمس في ألاندو بالهاوس (د.ب.أ)

زعيم المعارضة الألمانية يؤيد تدريب أئمة المساجد في ألمانيا

أعرب زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس عن اعتقاده بأن تدريب الأئمة في «الكليةالإسلامية بألمانيا» أمر معقول.

«الشرق الأوسط» (أوسنابروك (ألمانيا))
المشرق العربي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬ في خطبة الجمعة بأكبر جوامع مدينة دار السلام التنزانية

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬، خطبةَ الجمعة ضمن زيارة لتنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)
شمال افريقيا شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها «جامعة العلوم الإسلامية الماليزية» (مشيخة الأزهر)

شيخ الأزهر: مأساة فلسطين «جريمة إبادة جماعية» تجاوزت بشاعتها كل الحدود

لفت شيخ الأزهر إلى أن «ظاهرة جرأة البعض على التكفير والتفسيق وما تسوغه من استباحة للنفوس والأعراض والأموال، هي ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.