«داعش» ينسحب من آخر معاقله ويدخل مرحلة الانهيار الكلي

من تبقوا من عناصره يتوزعون في جيوب محدودة

جانب من الدمار الذي لحق بدير الزور نتيجة المعارك مع {داعش} (أ.ف.ب)
جانب من الدمار الذي لحق بدير الزور نتيجة المعارك مع {داعش} (أ.ف.ب)
TT

«داعش» ينسحب من آخر معاقله ويدخل مرحلة الانهيار الكلي

جانب من الدمار الذي لحق بدير الزور نتيجة المعارك مع {داعش} (أ.ف.ب)
جانب من الدمار الذي لحق بدير الزور نتيجة المعارك مع {داعش} (أ.ف.ب)

سلّم تنظيم داعش مدينة البوكمال السورية الحدودية مع العراق والتي كانت تعد آخر معقل له إلى النظام السوري وحلفائه من دون مقاومة تُذكر، بعدما توصل الطرفان لصفقة جديدة قضت بانسحاب عناصر التنظيم إلى ريف دير الزور الشرقي حيث تحتدم المعارك بينهم وبين «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة أميركيا.
وبدا الانهيار السريع للتنظيم في البوكمال مفاجئا خاصة بعد كل المعلومات التي تم تداولها في الأسابيع القليلة الماضية عن تجميع «داعش» عناصره الهاربين من العراق كما من مناطق سورية مختلفة فيها. ولم يتمكن أي مصدر من تحديد عدد العناصر الذين خرجوا بإطار الصفقة الأخيرة من المدينة، فيما رجّح رامي عبد الرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان أن لا يكون عدد من تبقى من عناصر «داعش» في محافظة دير الزور يتجاوز الألفين. وقال عبد الرحمن لـ«الشرق الأوسط»: «البوكمال كانت أقل تحصينا من الميادين لذلك انسحب عناصر داعش من دون مقاومة، ليتأكد لنا أن التنظيم دخل مرحلة الانهيار الكلي، وبتنا نشهد كتابة السطور الأخيرة من مسلسل داعش».
من جهته، اعتبر الخبير في الجماعات المتطرفة عبد الرحمن الحاج، أن قرار التنظيم الانسحاب من البوكمال «كان متوقعا وطبيعيا واستكمالا للمسار الذي يسلكه (داعش) الذي ينحسر نتيجة الضغوط الكبيرة التي يتعرض لها، إضافة للخسائر وتفاقم ظاهرة تسرب عناصره». وقال الحاج لـ«الشرق الأوسط»: «لقد تراجعت في الآونة الأخيرة قدرة التنظيم على الصمود لذلك يعتمد استراتيجية الانسحاب للحفاظ على ما تبقى من هؤلاء العناصر».
وبخسارته البوكمال، يكون «داعش» قد حصر تواجده في مساحة تقارب الـ30 في المائة من محافظة دير الزور، وفي جيوب محدودة على ضفاف نهر الفرات، فضلا عن منطقتين صحراويتين، الأولى في الريف الشرقي حيث تخوض «قوات سوريا الديمقراطية» عمليات ضده، والثانية في الريف الجنوبي حيث تقاتله قوات النظام السوري وحلفاؤها. كما لا يزال «داعش» يسيطر على جيوب محدودة في محافظة حمص في وسط البلاد، فضلاً عن حي الحجر الأسود وجزء من مخيم اليرموك جنوب دمشق. كما يسيطر فصيل «جيش خالد بن الوليد» الموالي له على مناطق محدودة في محافظة درعا جنوباً.
وأدّت الصفقة التي خرج نتيجتها عناصر «داعش» من البوكمال، إلى انتقالهم لدعم مقاتلين آخرين يواجهون «قسد» في ريف دير الزور الشرقي. إلا أن الناطق باسم «قوات سوريا الديمقراطية» مصطفى بالي نفى أن يكونوا قد رصدوا أعدادا دقيقة للخارجين من البوكمال، مرجحا أن يكونوا بالمئات. وأشار بالي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الصفقة الأخيرة بين النظام والتنظيم «ليست إلا جزءا من سلسلة طويلة من الصفقات بدأت في القلمون واستكملت في مدينة دير الزور والميادين وصولا إلى البوكمال».
وأعلن المرصد يوم أمس تمكن مسلحين موالين للنظام السوري من جنسيات سورية وعربية وآسيوية إضافة لقوات الحشد الشعبي العراقي من التقدم في مدينة البوكمال الحدودية مع العراق، ونجاحهم بفرض سيطرتهم الكاملة على المدينة، بعد انسحاب من تبقى من عناصر «داعش»، إلى مناطق سيطرته في الريف الشرقي لدير الزور، عقب فتح ممر لهم.
بدورها، أعلنت قوات النظام السوري في بيان بثه الإعلام الرسمي، أن وحداتها «بالتعاون مع القوات الرديفة والحليفة حررت مدينة البوكمال في ريف دير الزور، آخر معاقل تنظيم داعش الإرهابي في المنطقة الشرقية»، وذلك «بعدما خاضت معارك عنيفة»، لافتة إلى أن «وحدات الهندسة في الجيش السوري تقوم حاليا بتفكيك العبوات الناسفة والمفخخات من أحياء المدينة».
وأكد رامي عبد الرحمن أن «حزب الله اللبناني والحرس الثوري الإيراني ومقاتلين عراقيين يشكلون عماد المعركة لطرد (داعش) من البوكمال». وكان مصدر ميداني من «القوات الحليفة للجيش السوري» قال لوكالة «الصحافة الفرنسية» إنّ «قوات كبيرة من حزب الله تقدمت لتصل إلى أطراف جنوب البوكمال، ثم عبرت جزءا منها إلى الجهة العراقية بمساعدة من قوات الحشد الشعبي العراقي لتلتف حول البوكمال وتصل إلى أطرافها الشمالية».
وتحقق التقدم السريع نحو البوكمال، وفق الإعلام الرسمي السوري، «بعدما التقت وحدات من الجيش وحلفائه مع القوات العراقية عند الحدود بين البلدين»، وتم عبر هذا الالتقاء «عزل مساحات واسعة ينتشر فيها داعش» بين الدولتين. وتتيح سيطرة النظام على البوكمال، وفق البيان العسكري، تأمين «طرق المواصلات بين البلدين الشقيقين».
وأجبرت المعارك المستمرة باتجاه البوكمال منذ أسابيع نحو 120 ألف شخص على النزوح من المدينة، وفق المتحدثة باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة في سوريا ليندا توم. وأفاد عبد الرحمن بدوره أن مدينة البوكمال «خالية من المدنيين».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».