سنوات السينما

ليف أولمان في «ساعة الذئب»
ليف أولمان في «ساعة الذئب»
TT

سنوات السينما

ليف أولمان في «ساعة الذئب»
ليف أولمان في «ساعة الذئب»

(1968) Hour of the Wolf
امرأة تحكي عن زوجها الذي اختفى داخل ذاته

«ساعة الذئب» هو من بين أهم أفلام المخرج السويدي إنغمار برغمن. هو كذلك أحد أفلامه التي لم يلق عليها الضوء جيداً خصوصاً إذا ما قارناه بأفلام أخرى لبرغمن من المستوى الفني الجيد نفسه مثل «برسونا» و«عار» و«الصمت».
هذا ربما لأنّه فيلم مختلف كثيراً عن باقي أفلامه. كتب برغمن السيناريو قبل أن يخرج «برسونا» وعندما أخرج ذلك الفيلم وعاد إلى السيناريو وجد أنّ بعضاً مما أراد قوله فيه، قاله في «برسونا» فقرر تغييره. لم يغيّـر الكثير فيه ولا يمكن المقارنة بين الحكايتين إلا من حيث تلك الغربة الوجدانية والعزلة المكانية الموجودة في الفيلمين. لكنّ العمل يختلف من حيث إنه يدور حول ما يعتبره المخرج «شيطان الفنان».
يبدأ الفيلم وينتهي وبطلته ألما (ليف أولمان) تتحدّث إلى الكاميرا. إنّها في مقابلة تلفزيونية من دون أن نرى كاميرا. لكنّنا نسمع قبل بدء الحديث، ضوضاء الاستوديو. صوت برغمن بين الأصوات. وهذا مباشرة بعد تقديم خلفية الحكاية بكلمات على الشاشة. ضجة الاستوديو. ثم صوت ألما تتحدّث، وهنا ننتقل إلى الأحداث من وجهة نظرها هي. النبذة السابقة تتحدّث عن الاختفاء الغامض للفنان يوان بورغ، لكنّ هذا لا يعني أنّ ما ستسرده زوجة الفنان صادق أو واقعي. فالحقيقة قد تكون ضائعة على نحو مقصود ذلك لأنّ صوت الاستوديو هو نقلة من الخيال المسبق للأحداث إلى الواقع (كاميرا، استوديو، رجال ونساء)، فالخيال من جديد. وعلى نحو ممتزج كون ضجة الاستوديو تعبّر عن صوت مقصود له أن يحضر في تلك اللحظة.
يمكن اعتبار ذلك إيقاظا مبكرا على أساس أنّ برغمن في حديث مترجم له أدلى به سنة 1969. يذكر أنّ السبب في تكراره عنوان الفيلم («ساعة الذئب»)، أكثر من مرّة خلال العرض، هو لإيقاظ المشاهد من الدراما وإحالته إلى الواقع ثمّ عودته إليه (على نحو بريختي)، ويقول: «ذلك مفيد في بعض الأحيان».
تبدو ألما في مطلع الفيلم المرأة اللهوفة لأن تكون زوجة تملأ حياة زوجها يوهان (ماكس فون سيدو)، لقد وصلا بالقارب إلى تلك الجزيرة النائية في بحر الشمال لأنّه لم يعد يطيق البشر. حملا معهما متاعاً قليلاً، لكنّها سعيدة بشجرة تفاح ستزرعها أمام البيت. وهي حبلى، وتعبيراً عن سعادتها يجمع المخرج في مشهد رمزي بين حملها وبين شجرة تفاح. بعد حين سيختفي زوجها وهو اختفاء رمزي أيضاً وليس جسدياً، إذ أنّ يوهان سيختفي داخل ذاته.
هناك مشاهد ليوهان وهو يرسم. في البداية لا شيء غريباً في ذلك. لكن لاحقاً هناك وجود لامرأة تنذر بالخطر وتتبدّى له فجأة. كانت عشيقة له، لكنّ ظهورها الآن ليس سوى خيال جانح يستعيد يوهان عبره علاقته مع تلك المرأة. بعد ذلك، سيـظهر أمامه صبي يرتدي «شورت» سباحة. من هو؟ من أين جاء؟ لا نعلم ولا يعلم يوهان أيضاً، لكنّه ينقضّ على الصبي ويقتله... هذا إذا ما كان الصبي حقيقة. على الغالب، وبعض السحر في أعمال برغمن يكمن في غموضه، أنّه رمز آخر ونتاج خيال مضطرب.
بعض الحقائق لا بد منها: يوهان ترك المدينة لصخبها وقرّر أن يعيش (وزوجته فوق جزيرة صغيرة نائية)؛ لكنّه لم يترك ذكرياته بل حواها في كتاب مرسوم يرينا (وزوجته) بعض ما فيه. علاوة على ذلك فإنّ الوحدة التي طلبها لنفسه ومن أجلها ترك المدينة لا تتحقّق. يلتقي، كما ذكرت، بأشخاص بينما يرسم ويلتقي بأشخاص يطرقون باب البيت، وكل واحد لا يحدث في الفيلم صدفة، بل قد يكون رمزاً أو روحاً بمن فيهم صاحب الأراضي المحيطة ببيت الفنان (أولف جوهانسن) الذي يدعو يوهان وزوجته لحضور احتفال في قصره. ذلك الاحتفال الذي لا يمكن تلخيص مشاهده وفحواه من دون الضرر بالقيمة الفنية البادية في تشكيله وتنفيذه.
سنجد هنا رعب من هيتشكوك، وتشكيل فني من فيلليني، وموسيقى من موزارت. يصل الفيلم إلى أحلك مراحله في داخل قصر يشبه القصور «القوطية» Gothic أو باستعارة سينمائية أخرى، قصر دراكولا (وهناك عضّـة على رقبة يوهان للدلالة). يأخذنا برغمن إلى أقبية وممرات تحت أرضية لا منافذ لها. لقد سقط يوهان في قبضة شياطينه وهذه هي جهنم بالنسبة إليه.


مقالات ذات صلة

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

سينما المخرج إيستوود مع نيكولاس هاولت (وورنر)

كلينت إيستوود ناقد السُلطات والباحث عن عدالة غائبة

ماذا تفعل لو أنك اكتشفت أن الشخص المتهم بجريمة قتل بريء، لكنك لا تستطيع إنقاذه لأنك أنت من ارتكبها؟ لو اعترفت لبرّأت المتهم لكنك ستحلّ مكانه في السجن

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
سينما من «الفستان الأبيض» (أفلام محمد حفظي)

شاشة الناقد: دراما نسوية

في فن صنع الأفلام ليس ضرورياً أن يتقن المخرج الواقع إذا ما كان يتعامل مع قصّة مؤلّفة وخيالية.

محمد رُضا‬ (بالم سبرينغز)
يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)

نجم بوليوود عامر خان يصرف النظر عن الاعتزال ويواصل التمثيل والإنتاج

نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)
نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)
TT

نجم بوليوود عامر خان يصرف النظر عن الاعتزال ويواصل التمثيل والإنتاج

نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)
نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)

خطرت فكرة اعتزال السينما في بال نجم بوليوود، عامر خان، في خضمّ فترة التأمل التي أمضاها خلال جائحة كوفيد-19، لكنّ الممثل والمنتج الهندي بدّل رأيه مذّاك ويعتزم مواصلة مسيرته المهنية الغنية التي بدأت في سبعينات القرن العشرين.

وقال خان لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، خلال مقابلة أجرتها معه في لندن، إنه مرّ قبل بضع سنوات بمرحلة إعادة نظر ذاتية.

وأضاف: «كان ذلك خلال أزمة كوفيد، وكنت أفكر في كثير من الأمور، وأدركت أنني قضيت حياتي بأكملها في عالم السينما السحري هذا منذ أن أصبحت بالغاً».

وتولى عامر خان بطولة عدد كبير من الأفلام التي حققت نجاحاً تجارياً واسعاً في بلده، ومنها «3 بلهاء» و«دانغال»، و«نجوم على الأرض»، كما اشتهر عامر خان بإنتاج وبطولة فيلم «لاغان Lagaan» الذي كان بين الأعمال المرشحة لجائزة الأوسكار للأفلام الأجنبية عام 2002.

وتابع خان الذي بدأت مسيرته التمثيلية منذ الطفولة في السبعينات، وأصبح لاسمه ارتباط وثيق ببوليوود: «لقد أدركت أنني لم أعطِ حياتي الشخصية الأهمية التي كنت أرغب فيها».

وزاد: «واجهتُ صعوبة في التغلب على الشعور بأنني أهدرت الكثير من الوقت، وكنت أشعر بالكثير من الذنب... كان رد فعلي الأول القول إنني اكتفيت من السينما».

لكنّ عائلته، وخصوصاً ابنه وابنته، أقنعته بالعدول عن الاعتزال. وقال: «في رأسي كنت أقول سأتوقف. ثم لم أفعل ذلك».

والآن، مع اقتراب عيد ميلاده الستين في مارس (آذار)، يريد عامر خان، الذي يعيش في مومباي، «مواصلة التمثيل والإنتاج لبعض الوقت».

«أحب أن أفاجئ جمهوري»

ويعتزم النجم الهندي أيضاً جعل شركته للإنتاج «عامر خان بروداكشنز» منصة «لتشجيع المواهب الجديدة التي تكون أحاسيسها قريبة» من أحساسيسه و«تريد أن تروي القصص» التي تهمه.

ومن ذلك مثلاً فيلم «لاباتا ليديز» Laapataa Ladies الكوميدي عن شابتين من منطقة ريفية في الهند، يطرح موضوع الزواج ووضع المرأة في بلده، وقد شارك في إنتاجه مع زوجته السابقة كيران راو، وحضر أخيراً إلى لندن للترويج له.

ويتناول عدد من أفلام عامر خان قضايا اجتماعية، مثل حقوق المرأة في المناطق الريفية، أو الصناعة الرياضية، أو الضغط المفرط في التعليم العالي أو حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

لكن خان يرفض أن يحبس نفسه في نوع واحد فقط من الأفلام أو الأدوار، وقال في هذا الصدد: «أحب التنويع والتطرق إلى قصص مختلفة. أحب أن أفاجئ نفسي وجمهوري».

ولم يتردد النجم البوليوودي في انتقاد نفسه أيضاً، مشيراً إلى أنه «غير راضٍ» عن أدائه في فيلم «لا سينغ شادا» Laal Singh Chaddha الهندي المقتبس من فيلم «فورست غامب» تم إنتاجه عام 2022، لكنه لم يحظَ بالاستحسان المألوف الذي تُقابَل به أعماله.

وأما في «أن يكون هذا الفيلم أفضل»، في إشارة إلى عمله الجديد «سيتار زامين بار» Sitaare Zameen Par الذي يُطرَح قريباً.

ورغم فوزه بالعشرات من الجوائز السينمائية في الهند بالإضافة إلى ثالث أعلى وسام مدني في بلده، فإن عامر خان يحرص على تقويم كل فيلم من أفلامه.

وشدّد على أن «إخراج فيلم أمر بالغ الصعوبة». وقال: «عندما أنظر إلى الفيلم الذي أخرجناه، ثم إلى السيناريو الذي كتبناه، أتساءل هل حقق الفيلم الأهداف التي حددناها».

وأضاف: «إذا وصلنا إلى ما أردناه، وصنعنا الفيلم الذي أردناه، فيشكّل ذلك ارتياحاً كبيراً».