الدهون الزائدة... أخطر من السمنة

مؤشرات الوزن والطول ومقاسات الخصر والأرداف تساعد على تحديد المخاطر بدقة

الدهون الزائدة... أخطر من السمنة
TT

الدهون الزائدة... أخطر من السمنة

الدهون الزائدة... أخطر من السمنة

ربما يكون جسمك قد خَزَّن دهونا زائدة حتى وإن بدا وزنك عاديّاً. وعلى مدى عقود، ظل الأطباء ينظرون إلى «مؤشر كتلة الجسم»body mass index (BMI) (وهو ناتج قسمة الوزن بالكيلوغرام على مربع الطول بالمتر) باعتباره المعيار الذهبي لقياس مخاطر أمراض القلب المرتبطة بالسمنة.
إلا إن تلك الأداة اليدوية لا تقول الحقيقة كاملة، إذ ينحصر عملها على قراءة نسبة الدهون في الجسم استناداً إلى طولك ووزنك. لكن المعادلة لا يمكنها تقييم كيف وأين يخزن الجسم دهونه الزائدة، وهو أمر فارق ضروري لصحة للقلب والأوعية الدموية. ووفق بعض التقديرات، فإن «مؤشر كتلة الجسم» يسيء تصنيف نحو 50 في المائة من الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض الناتجة عن الدهون الزائدة، مما يعنى أنك ربما تكون من أصحاب الدهون الزائدة رغم أن وزنك ليس زائداً عن المعدل الطبيعي.

الحياة السرية لدهون البطن
أوضح البروفسور كريستوس مانتزورز، أستاذ الطب بمركز «بيث إسرائيل ديكونز» التابع لجامعة هارفارد، أن بعض الناس مبرمجون جينياً لأن تحتوى أجسامهم على الكثير من الأنسجة الدهنية تحت جلدهم، التي تقوم بدورها بتخزين طاقة الطعام الزائدة لاستخدامها وقت الحاجة عندما يقل الطعام. لكن هناك أشخاصاً آخرين لا يوجد بأجسامهم سوى القليل من تلك الخلايا الدهنية.
وعند الأشخاص الذين يعانون من نقص في كمية الخلايا الدهنية المخزونة (أو الأشخاص الذين امتلأت أنسجتهم الدهنية إلى الحد الأقصى)، فإن جسيمات الدهن تتحرك من خلال قنوات مجرى الدم لتتجمع في الكبد والعضلات وفي غيرها من الأعضاء التي لا تحوي عادة الدهون. ويؤدي ذلك إلى تكدس الدهون الحشوية (دهون البطن)، وهو نوع من توزيع الدهون الذي يشكل خطورة على الصحة، فالدهون الحشوية مرتبطة بمقاومة الإنسولين وغيرها من مشكلات التمثيل الغذائي. وأردف الدكتور مانتزورز أن «ذلك يؤدي أيضاً إلى إطلاق المواد الملتهبة التي تلحق الضرر بالشرايين وتفتح المجال لأمراض القلب والأوعية الدموية».

دهون الأحشاء
من أكثر عرضة للدهون الحشوية؟ ما يحدد الميل لتكديس الدهون الحشوية هو الفروق الجينية والعرقية والفروق بين الجنسين. وعلى سبيل المثال، فان الأشخاص الذين يرثون نسختين من الطفرات الجينية (نسخة من الأب وأخرى من الأم) المرتبطة بالتمثيل الغذائي للدهون يصبحون أكثر عرضة لتكوين الدهون الحشوية بكميات أكبر مقارنة بالأشخاص الذين يرثون نسخة واحدة. أما بالنسبة للأشخاص ممن ليس لديهم طفرات جينية فهم أقل عرضة للإصابة بأمراض القلب حتى وإن أصيبوا بالسمنة.
وأبناء الهند الأصليون ومواطنو جنوب آسيا لديهم ميل طبيعي لبدانة البطن بدرجة تفوق غيرهم، فيما يميل الرجال البيض والنساء السود إلى تكديس الدهون الحشوية أكثر من الرجال السود والنساء البيض.

السمنة والتقدم في العمر
مع التقدم في العمر يبدأ الناس في خسارة الأنسجة العضلية، خصوصاً ذلك النوع من الألياف العضلية التي تتسبب في تفجير السرعة والقوة. وتتكدس الدهون باستمرار فيما تبقى من الأنسجة العضلية، مما يتسبب في زيادة نسبة الدهون في الجسم رغم ثبات الوزن. يعتبر هذا السيناريو مرتبطا بمخاطر الالتهابات وبداء السكري، وقد يفسر ذلك سبب عدم قدرة معيار «مؤشر كتلة الجسم» على إعطاء دلالة حقيقية للمخاطر التي يعاني منها الجسم.
وتوضح الأدلة أن محيط الخصر ومعدل الخصر إلى الأرداف هو مؤشر أفضل لعملية التمثيل الغذائي مقارنة بـ«مؤشر كتلة الجسم». وحتى بين الأشخاص الذين يشتركون في مؤشر كتلة جسم واحدة، أي بين الأشخاص ذوي الخصر الكبير (أكثر من 40 بوصة بالنسبة للرجال، و35 بوصة للسيدات - البوصة 2.5 سم تقريباً) فإنهم جميعاً معرضون لخطر أكبر. بالإضافة إلى ذلك، فإن الأشخاص الذين يتركز وزنهم في الأرداف والأفخاذ (شكل الكمثرى) لديهم معدلات الخصر إلى الأرداف بنسب أقل، ويعتبرون أقل عرضة للإصابة بأمراض القلب مقارنة بالأشخاص الذين يعانون من سمنة البطن (شكل التفاحة).

قياس الخصر والأرداف
لتقيس خصرك بدقة، قم بالزفير ثم لف شريط قياس حول خصرك العاري فوق الصرة مباشرة، وراعي ألا تشد معدتك للداخل ولا تشد الشريط أكثر مما ينبغي.
ولكي تحسب نسبة قياس الخصر إلى الأرداف، قم أولا بقياس أردافك بوضع شريط القياس حول أعرض جزء من الردف. ثبت الشريط بهذا المستوى ثم قم بقسمة مقاس خصرك على مقاس ردفك.
وإليكم المؤشر الدال على الوصول إلى درجة الخطر.
• بالنسبة للنساء: الخصر (بالبوصة) 35 أو أكثر، ونسبة الخصر إلى الردف 0.9 أو أكثر.
• بالنسبة للرجال: 40 أو أكثر، ثم 1.0 أو أكثر.
يستطيع الأشخاص الذين يعانون من البدانة في منطقة البطن (حتى وإن لم يكن الوزن زائداً) التقليل من مخاطر الإصابة بأمراض القلب عن طريق ممارسة تمارين بصفة منتظمة واتباع عادات غذائية صحية. وقد أوضح الدكتور مانتزورز أن «تقليل إجمالي دهون الجسم يؤدي إلى إفراغ مكان لتخزين جسيمات الدهن في الأماكن ذات التمثيل الغذائي الأقل خطورة»، وهذا هو السبب في أن خسارة 7 في المائة فقط من إجمالي وزنك من شأنه أن يساعد على تقليل مخاطر الإصابة بأمراض القلب، لأن أخطر دهون البطن تتلاشى أولاً.

البدناء أكثر عرضة لأمراض القلب وإن تمتعوا بصحة جيدة
أظهرت دراسة حديثة أن الأشخاص ذوي الوزن الزائد الذين يتمتعون بضغط دم معتدل، ونسبة سكر وكولسترول طبيعية، والذين نطلق عليهم وصف «بدين لكن لائق بدنيّاً»fat but fit ما زالوا أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب مقارنة بالأشخاص ذوي الوزن الطبيعي.
وقد قام الباحثون بتحليل أكثر من 7600 حالة لأمراض القلب التي ظهرت على مدار الاثني عشر عاما الماضية في 10 دول أوروبية، واستخدموا بيانات جمعوها من 10000 شخص سليم لا يعانون من أمراض القلب كمجموعة مقارنة. وبالمقارنة مع أشخاص ذوي وزن طبيعي، فقد كان خطر التعرض لخطر الإصابة بأمراض القلب أكثر بنسبة 28 في المائة بين الأشخاص ذوي الوزن الزائد أو من يعانون من السمنة. وانطبق ذلك أيضاً حتى على الأشخاص الذين لم تظهر عليهم أي مؤشرات تمثيل غذائي تشير إلى احتمالية كونهم أكثر عرضة للإصابة بالمخاطر المتعلقة بالقلب مثل ارتفاع ضغط الدم وارتفاع نسبة السكر والكولسترول والدهون الثلاثية. وقد نشرت نتائج تلك الأبحاث عبر الإنترنت في 14 أغسطس (آب) 2017 في مجلة القلب الأوروبية «ذا يوروبيان هارت جورنال».
وخلص الخبراء إلى أن النتائج أكدت على أهمية المحافظة على الوزن حتى وإن لم يكن هناك أي مخاطر مرتبطة بالقلب والأوعية الدموية.

< رسالة هارفارد للقلب، خدمات «تريبيون ميديا»


مقالات ذات صلة

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)
صحتك الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

الحياة الخاملة ترفع ضغط الدم لدى الأطفال

كشفت أحدث دراسة تناولت العوامل المؤثرة على ضغط الدم، عن الخطورة الكبيرة للحياة الخاملة الخالية من النشاط على الصحة بشكل عام، وعلى الضغط بشكل خاص.

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
صحتك الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف.

د. عبد الحفيظ يحيى خوجة (جدة)
صحتك استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

استشارات طبية: المغنيسيوم والنوم... وعدم تحمّل دواء خفض الكوليسترول

ما تأثير تناول المغنيسيوم الغذائي بالعموم، أو أقراص مكملات المغنيسيوم، على النوم؟

د. حسن محمد صندقجي
صحتك تعريض الجسم للبرودة الشديدة قد يساعد الشخص على النوم بشكل أفضل (رويترز)

تعريض جسمك للبرودة الشديدة قد يساعدك على النوم بشكل أفضل

كشفت دراسة جديدة عن أن تعريض الجسم للبرودة الشديدة قد يساعد الشخص على النوم بشكل أفضل.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف
TT

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف. مع كل نوبة، قد يبدو الألم لا يُطاق، مُصاحباً بأعراض شديدة كالغثيان والحساسية للضوء والصوت. وعلى الرغم من أن أعراض الصداع النصفي مؤقتة، فإن مدة ألم الصداع يمكن أن تجعل المريض يشعر باليأس وكأن الحياة قد انتهت.

ولكن ومع التطورات الطبية الحديثة، بدأت تظهر خيارات علاجية تُعيد الأمل لملايين المرضى حول العالم تتحكم في الصداع النصفي فور حدوثه ومنعه من التدخل في النشاط اليومي للمريض.

مؤتمر طبي

نظّمت الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، يوم الثلاثاء، 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، مؤتمراً طبياً بعنوان «نهج جديد في علاج الصداع النصفي» (NEW APPROACH in MIGRAINE TREATMENT). وعُقد المؤتمر بالتعاون مع المركز الطبي الدولي وشركة «Abbvie» الطبية، وقام ملتقى الخبرات بتنظيمه.

غلاف كتيّب المؤتمر

شاركت في المؤتمر نخبة من المتخصصين، إذ قدّم الدكتور سعيد الغامدي، استشاري الأعصاب بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة، وأستاذ مساعد في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية، عرضاً حول خيارات العلاج المستهدف للصداع النصفي من خلال التجارب السريرية.

كما تناولت الدكتورة ميساء خليل، استشارية طب الأسرة ومتخصصة في الرعاية الوقائية وطب نمط الحياة، أهمية دور الرعاية الأولية في التعامل مع الصداع وعبء الصداع النصفي على عامة السكان.

واختتم الجلسات الدكتور وسام يمق، استشاري الأعصاب ومتخصص في علاج الصرع، بتسليط الضوء على الاحتياجات غير الملباة في العلاجات الحادة للصداع النصفي.

اضطراب عصبي شائع

في حديث خاص مع «صحتك»، أوضح الدكتور أشرف أمير، استشاري طب الأسرة، نائب رئيس الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، ورئيس المؤتمر، أن الصداع النصفي (الشقيقة) يُعد من أكثر الاضطرابات العصبية شيوعاً على مستوى العالم. وأشار إلى أنه اضطراب عصبي معيق يُصيب نحو مليار شخص عالمياً، يتميز بنوبات من الألم الشديد النابض، غالباً في أحد جانبي الرأس، وترافقه أحياناً أعراض مثل الغثيان، التقيؤ، والحساسية الشديدة للضوء والصوت، مما يؤثر بشكل كبير على حياة المرضى اليومية.

وأكد الدكتور أمير أن الصداع النصفي يؤثر على أكثر من عُشر سكان العالم، مما يجعله إحدى أكثر الحالات انتشاراً، والتي تنعكس سلباً على جودة حياة المصابين، إضافة إلى تأثيره الواضح على الإنتاجية وساعات العمل.

وأضاف أن التطورات الحديثة في مجال الأبحاث الطبية أسهمت في فهم أعمق لآلية حدوث الصداع النصفي، وهو ما فتح الباب أمام تطوير علاجات مبتكرة وفعّالة. كما أشار إلى أن هذا التقدم يمثل تحولاً كبيراً في التعامل مع هذا الاضطراب، الذي كان يُعدُّ في السابق حالة مرضية غامضة يصعب تفسيرها أو السيطرة عليها.

وبائيات الصداع النصفي

يعاني أكثر من مليار شخص حول العالم من الصداع النصفي، أي حوالي 11.6 في المائة من سكان العالم. وتظهر الدراسات أن النساء أكثر عُرضة للإصابة به مقارنةً بالرجال.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ترتفع النسبة إلى 11.9 في المائة. أما في السعودية، فيُقدَّر انتشار الصداع النصفي بـ9.7 في المائة، أي ما يعادل 3.2 مليون شخص، مما يجعله ثاني أكبر سبب للإعاقة بين السكان. وتُشير دراسات محلية، أُجريت في منطقة عسير، إلى أن الصداع النصفي أكثر انتشاراً في المدن (11.3 في المائة) مقارنة بالمناطق الريفية (7.6 في المائة)، وهو ما يعكس ارتباطه بعوامل بيئية وسلوكية متعددة.

عوامل الخطر والأسباب

* الآلية المرضية يُعتقد أن الصداع النصفي ينشأ من تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية والعصبية. وتُشير الدراسات الحديثة إلى أن نوبات الصداع النصفي قد تنشأ من فرط استثارة في قشرة الدماغ، ما يؤدي إلى تنشيط الجهاز العصبي الثلاثي. ويمكن لبعض المُحفّزات، مثل التقلبات الهرمونية، الإجهاد، نقص النوم، والعوامل الغذائية، أن تُساهم في بدء نوبات الصداع النصفي لدى بعض الأفراد المُعرضين لذلك.

أما أسباب الصداع النصفي فتتضمن عوامل متعددة تشمل:

* العامل الجيني: تلعب الوراثة دوراً مهماً في زيادة احتمال الإصابة بالصداع النصفي، إذ تشير الأبحاث إلى ارتباط الجينات ببعض البروتينات العصبية مثل «الببتيد» المرتبط بجين «الكالسيتونين» (Calcitonin Gene-Related Peptide, CGRP).

* التغيرات في الدماغ: تساهم بعض الاضطرابات في نظام التفاعل بين الأوعية الدموية والجهاز العصبي المركزي في زيادة احتمال الإصابة.

* العوامل البيئية: يمكن أن تؤدي التغيرات البيئية مثل التوتر، أو النوم غير المنتظم، أو بعض أنواع الأطعمة والمشروبات إلى تحفيز النوبات.

مراحل الصداع النصفي والتشخيص

* مرحلة البادرة (Prodrome): تبدأ بتغيرات مزاجية، شعور بالتعب، أو حتى رغبة ملحة في تناول الطعام.

* مرحلة الهالة (Aura): تشمل اضطرابات بصرية أو حسية تحدث قبل نوبة الصداع، وتظهر لدى بعض المرضى فقط.

* مرحلة الألم: يصاحبها ألم شديد نابض، غالبًا في جهة واحدة من الرأس، وتستمر من 4 إلى 72 ساعة.

* مرحلة ما بعد الألم (Postdrome): تتسم بالإرهاق والارتباك، لكنها تُعد علامة على انتهاء النوبة.

* التشخيص: يعتمد أساساً على التاريخ المرضي والفحص السريري، مع استبعاد الأسباب العضوية الأخرى. وتشمل المعايير التي يعتمد عليها الأطباء في التشخيص حدوث خمس نوبات على الأقل متكررة من الصداع، تدوم بين 4 و72 ساعة، ومصحوبة بعلامتين من العلامات التالية: ألم من جهة واحدة، نبضات شديدة، ألم شديد، وأعراض مصاحبة كالغثيان.

خيارات علاجية تقليدية وحديثة

وتشمل:

* أولاً: مسكنات الألم. تاريخياً، اعتمدت إدارة الصداع النصفي على مزيج من العلاجات الحادة والوقائية، بما في ذلك مسكنات الألم المتوفرة بدون وصفة طبية، ومضادات المهاجمات، والأدوية الوقائية مثل مضادات الاكتئاب، ومضادة للصرع، وحقن البوتكس. وعلى الرغم من أن هذه العلاجات وفرت الراحة لكثير من المرضى، فإنها محدودة في فاعليتها ولا تخلو من الآثار الجانبية.

* ثانياً: خيارات علاجية «دوائية» حديثة. تؤكد الأبحاث العلمية أن تصميم عقار موجه خصيصاً لعلاج مرض معين يُعد الخطوة الأمثل لتحقيق فاعلية أعلى وتقليل الآثار الجانبية. ودفع هذا المبدأ الباحثين إلى الغوص عميقاً في دراسة آليات الصداع النصفي، ما قادهم لاكتشاف دور بروتين محدد يُعرف بـ«CGRP». ويُطلق هذا البروتين أثناء نوبة الصداع النصفي وينخفض مستواه بمجرد انتهاء النوبة.

في إحدى الدراسات، عندما تم حقن الأشخاص ببروتين (CGRP)، أُصيبوا بنوبات تُشبه الصداع النصفي، ما أكد دوره الحاسم في هذه الحالة. وأدى هذا الاكتشاف إلى تحول جذري في علاج الصداع النصفي، إذ تمت الموافقة في عام 2018 من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أول جسم مضاد أحادي النسيلة يستهدف البروتين (CGRP) للوقاية من الصداع النصفي. ويعدُّ هذا العلاج المبتكر خياراً مستهدفاً ودقيقاً، إذ يعمل على تعطيل مسار البروتين العصبي المسؤول عن نوبات الصداع النصفي، مما يمثل نقلة نوعية في تحسين حياة المرضى.

وتشمل هذه الأدوية:

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة للببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP)، تمت الموافقة على أربعةٍ منها من قبل إدارة الغذاء والدواء: «إبتينيزوماب» (eptinezumab)، «إرينوماب» (erenumab)، «فريمانيزوماب» (fremanezumab)، و«جالكانيزوماب» (galcanezumab). وقد تم تصميمها للعثور على بروتينات (CGRP)، وقد أظهرت فاعليتها في تقليل شدة وتكرار النوبات، سواء أُعطيت عن طريق الفم أو الحقن تحت الجلد، مع حد أدنى من الآثار الجانبية مقارنة بالعلاجات الوقائية التقليدية.

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة لمستقبلات الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP). تحتضن هذه الأجسام المستقبلات بشكل أساسي بحيث تكون غير نشطة، هما اثنتان: «أبروجيبانت» (Ubrogepant) و«ريميجيبانت» (rimegepant)، وهما أحدث العقاقير لعلاج الصداع النصفي عند الحاجة والتي لا تؤدي إلى تضييق الأوعية الدموية. تعمل هذه الأدوية عن طريق الفم على حظر مستقبلات (CGRP) على أمل إيقاف نوبة الصداع النصفي المستمرة بالفعل. ومن حسنات هذه الأدوية أن ليس لها خطر الإصابة بالصداع الناجم عن الإفراط في تناول الأدوية مثل بعض علاجات الصداع النصفي الأخرى.

نظم الذكاء الاصطناعي وأدوات الصحة الرقمية تسهم في تحسين دقة التشخيص وإدارة المرض

علاجات بلا أدوية

* ثالثاً: خيارات علاجية «غير دوائية»، وتضم:

- أجهزة التعديل العصبي القابلة للارتداء. تُعد هذه الأجهزة طريقة علاجية مبتكرة لعلاج الصداع النصفي، إذ تستخدم نبضات كهربائية أو مغناطيسية إلى الرأس أو الرقبة أو الذراع لتعديل نشاط المسارات العصبية المحددة المشاركة في آلية حدوث الصداع النصفي، تعمل على إعادة النشاط الكهربائي غير الطبيعي في الدماغ إلى طبيعته.

وقد أثبتت الدراسات أن استخدام هذه الأجهزة، المعتمدة من قبل إدارة الغذاء والدواء أظهر نتائج واعدة في إدارة الصداع النصفي الحاد والوقائي، مما يوفر بديلاً خالياً من الأدوية، وهي آمنة وآثارها الجانبية قليلة جداً.

- استخدام الذكاء الاصطناعي. أسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين دقة التشخيص عن طريق تطوير خوارزميات تستطيع تحليل التاريخ المرضي وبيانات المرضى لتحديد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالصداع النصفي، مما يساعد في توفير علاجات موجهة وفعالة.

- أدوات الصحة الرقمية. بالإضافة إلى العلاجات الدوائية والقائمة على الأجهزة، أدت الصحة الرقمية إلى تطوير تطبيقات الهواتف المحمولة والتقنيات القابلة للارتداء التي يمكن أن تساعد في إدارة الصداع النصفي. يمكن لهذه الأدوات الرقمية مساعدة المرضى في تتبع أعراضهم، وتحديد المُحفّزات، وتقديم توصيات مخصصة للتعديلات في نمط الحياة وأساليب العلاج.

تعاون عالمي ومحلي

مع التطورات العلمية الحديثة في فهم آلية حدوث الصداع النصفي وتطوير خيارات علاجية مبتكرة، لم يعد الصداع النصفي حُكماً على حياة المرضى بالتوقف.

وتلعب الجمعيات الطبية والهيئات الصحية، مثل الجمعية السعودية للصداع، دوراً محورياً في تحسين حياة المرضى من خلال التوعية، وتوفير خيارات علاجية موجهة.

ويبدأ الحل بالبحث عن العلاج المناسب وعدم تجاهل هذه الحالة العصبية المعقدة. ومع الاستمرار في الابتكار، يمكننا تخفيف العبء وتحقيق جودة حياة أفضل للمرضى.

*استشاري طب المجتمع