خيارات محدودة للمقاتلين الأجانب بعد تحرير الرقة

مقاتلون أجانب في الرقة في مشهد أخير قبل اندحارهم («الشرق الأوسط»)
مقاتلون أجانب في الرقة في مشهد أخير قبل اندحارهم («الشرق الأوسط»)
TT

خيارات محدودة للمقاتلين الأجانب بعد تحرير الرقة

مقاتلون أجانب في الرقة في مشهد أخير قبل اندحارهم («الشرق الأوسط»)
مقاتلون أجانب في الرقة في مشهد أخير قبل اندحارهم («الشرق الأوسط»)

فقدت «داعش» بريقها وجاذبيتها بعد هزائمها المتتالية، في سوريا والعراق، وغدت طاردة بعد أن كانت دار هجرة، لتترك المقاتلين الأجانب فيها يبحثون عن ملاذ لهم بخيارات محدودة ومخاطر تظل محتملة، بعد أن كانت ملاذهم. في البداية نشير إلى تراجع أعداد المقاتلين إلى بضعة آلاف قليلة، خلال المعارك الأخيرة، قبل وبعد سقوط الرقة في 17 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الحالي، في يد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بعد مرور نحو أربعة أعوام على إعلان عاصمة لخلافة التنظيم المزعومة، وبعد عام من سقوط «دابق» التي كانت وعد حروب آخر الزمان، والتي جندت به «داعش» الآلاف من المقاتلين الأجانب لصفها، وجعلته اسما لمجلتها بالإنجليزية التي تستهدفهم، والتي توقفت لبعض الوقت بعد خسارتها لكثير من كوادرها.

بدأت عمليات قوات سوريا الديمقراطية في الرقة «قسد» في 6 يونيو (حزيران) 2017، حتى نجحت في السيطرة على معظم قرى وبلدات المحافظة، وبينما تنجح العناصر والكوادر المحلية التي انضمت للتنظيم في الذوبان في مجتمعهم أو العودة لمناطقهم، وهو ما حدث في ليبيا بعد سقوط سرت، حيث ذاب المقاتلون المحليون في بلادهم ووسط قبائلهم، بينما تم القبض على بعض الأجانب، وتوجه البعض بعملياته وخططه إلى مصر كما يرجح في تفسير بعض العمليات الأخيرة.
هكذا، يواجه المقاتلون الأجانب الذين عاشوا في جيتوهات «داعش» وكتائبها الموزعة على الجنسيات صعوبة بل استحالة في هذا الذوبان! لاختلاف اللغات والثقافات والأشكال، وأيضا للقسوة التي عرف بها كثير منهم وتمنع إمكانية التعاطف معهم في الآن نفسه، وهو ما يتضح في عدم شمول الاتفاق بالعفو عن الأجانب أو السماح لهم بخيار العودة السهلة، والذي قاده وتوسط فيه بعض وجهاء وشيوخ العشائر في المدينة، بل انحصر في المقاتلين المحليين وبعض المدنيين فقط.

تراجع في الأعداد
وصلت أعداد المقاتلين الأجانب عامي 2014 و2015 إلى 25 ألف مقاتل أجنبي هاجروا إليها من مائة دولة حتى وصلوا الأراضي التي تسيطر عليها «داعش» في سوريا والعراق، لكن هذه الأرقام تراجعت كثيرا، منذ بدايات 2016.
تراجعت أعداد المقاتلين الأجانب مع تراجع جاذبية الهزائم وفقدانه بريقه، منذ أواسط العام 2016 وصعود الخلافات الداخلية داخلها، فبينما كان التدفق عبر الحدود التركية السورية يصل إلى 2000 مقاتل شهريا وصل في يونيو سنة 2016 إلى 50 مقاتلاً فقط كل شهر حسب تقرير للاستخبارات الأميركية، ويرجح أنه يكاد ينعدم خلال الشهور القليلة الماضية.
سقط الحلم، وهمدت العاطفة الإيمانية، فأغلب المقاتلين الأجانب كانوا فارغين من العلم الديني، حسب دراسة حديثة لمكتب مكافحة الإرهاب في الأمم المتحدة صدرت في أغسطس (آب) الماضي 2017 وشملت 43 عنصرا عائدا لوطنه من 12 دولة مختلفة أغلبهم يعاني من نقص المعرفة الأساسية بالإسلام ومبادئه ولكن أغرتهم العاطفة، ووعود الخلافة المزعومة فقط.
ويثبت هذا النقص في المعرفة أن 25 في المائة من مقاتلي «داعش» كانوا من المتحولين الجدد إلى الإسلام، الذين لم يسبق لهم التعرف على الإسلام الوسطي، والتقطتهم عناصر «داعش» عبر الغرف والمواقع التفاعلية على شبكة الإنترنت، إغراء بدار الإسلام وتحقق يثرب الجديدة أو وعود الزواج للنساء والصغيرات بالخصوص كما شهدنا في حالة حسناء «داعش» الألمانية التي بلغت من العمر 16 عاما وقبض عليها في الموصل.

تقلص الخيارات
تحفز مستمر ودائم للخلايا النائمة وفلول العناصر المقاتلة المهزومة، ففي سوريا بعد سقوط الرقة تقوم قوات سوريا الديمقراطية، كما سبق أن قامت القوات العراقية بالبحث عن بعض «الخلايا النائمة» ومطاردة المشبوه فيهم، خصوصاً أن «الخلايا النائمة» في التنظيمات العنقودية كـ«داعش»، تفاجئ دائما أعداءها بما هو غير متوقع، كما تطارد «قسد» بعض العناصر التي رفضت الاستسلام وما زالت تتحصن داخل بعض الأماكن مع عائلاتها رغم محدودية الخيارات المتاحة أمامه في كل الأحوال، كذلك تتحفز دول المقاتلين الأجانب ومواطنهم الأصلية لمخاطر عودتهم بكل استعداد أمني، وتتوجس خيفة من كل من يمكن أن يكون مشتبهاً به، أكان مواطناً أصلياً أو مهاجراً، وقد قامت ألمانيا بعد قرار المحكمة العليا بتهجير عدد من اللاجئين لشبهة الإرهاب خلال الأسابيع القليلة الماضية.
إن أوضاع المقاتلين الأجانب أخطر بكثير من المواطنين المحليين، فالأخيرون يمكن إدماجهم أو اندماجهم واختفاؤهم وسط مجتمعاتهم، هذا ما حدث بعد تحرير الموصل في يونيو سنة 2017 بعد سقوط سرت بيد قوات مصراتة في ليبيا في أكتوبر الماضي، ويبدو أنه ما سيحدث في سوريا بعد الرقة ولكن المقاتلين الأجانب أمامهم إما العودة لبلدانهم وإما مواصلة الحرب إن استطاعوا أو الاستسلام.
يبدو أن الموقف صعب وتضاربت الأنباء بخصوص الأجانب، ورغم ظهور تقارير كثيرة تشير إلى خروج بعض المقاتلين الأجانب في إطار الاتفاق الأخير وتصريحات بعض المسؤولين المحليين في الرقة، فإن المجلس المدني بالرقة، الذي يضم ممثلين عن العشائر، في 15 أكتوبر 2017، نفى خروج هؤلاء وأكد أن «المقاتلين الأجانب ليسوا ضمن اهتمامات المجلس المدني ولجنة العشائر، ولا يمكن الصفح عنهم»، مضيفاً أن «المستسلمين هم فقط سوريون وعددهم مع عوائلهم 275 شخصاً».
ولن يتكرر هذا المرة اتفاق «حزب الله» و«داعش» على السماح لمجموعات من مقاتلي «داعش» للدخول إلى الحدود السورية مع العراق، رغم رفض العراق وإعلان تحفظه والنقد الدولي لهذا التصرف الغريب، وهو ما حدا بالتحالف الدولي للحرب على «داعش» على لسان المتحدث باسمه العقيد رايان ديلون، غداة «تحرير الرقة» أن يؤكد أن «التحالف لن يسمح للمقاتلين الأجانب في (داعش) بمغادرة الرقة»، بما يعني - كما ذكر تحليل لمركز المستقبل للدراسات المتقدمة في أبوظبي - أن القوى الدولية المنخرطة في الحرب ضد التنظيم تبدي اهتماماً خاصاً بتلك القضية، التي ترى أنها فرضت تداعيات مباشرة على أمنها خلال المرحلة الماضية، بعد العمليات الإرهابية التي وقعت في كثير من العواصم الغربية، على غرار باريس وبروكسل ولندن. ويبدو أن ذلك سوف يسهم بدوره في تحديد الخيارات المتاحة أمام المقاتلين الأجانب الذين ما زالوا موجودين داخل الرقة.
إن الجميع يتوجس خيفة من عودة المقاتلين الأجانب الذين يتميزون بكفاءات عالية، وبعضهم من قيادات «داعش» الأساسية، والأكثر قدرة على تنفيذ عمليات إرهابية غير تقليدية كالعمليات الانتحارية أبرز ما استخدمه التنظيم من أسلحة، أو قدرتهم على التجنيد والتشبيك كدور يوسف الهندي وزير صحة «داعش» الذي ظهر في فيديو له قبل فترة ويدعى «أبو مقاتل الهندي»، الذي جند عددا كبيرا من الأطباء من الهند وباكستان وسريلانكا للعمل مع القطاع الصحي لـ«داعش»، ويعتبر مع طبيب هندي آخر من ولاية كيرلا المسؤول الرئيسي عن عدد من عمليات «داعش» في الهند خلال الأسابيع الأخيرة.
ولم تكن العمليات الإرهابية التي نفذها «داعش» في أوروبا وخاصة فرنسا والولايات المتحدة وغيرها إلا عبر عدد من المقاتلين الأجانب الذين تمكنوا من العودة لبلدانهم الأصلية، كما تعاني مصر من عودة بعض المقاتلين المنسوبين لـ«داعش» من ليبيا ومن سوريا والعراق. إن الجميع يتحسب ويشعر بالخطر من عودة المقاتلين الأجانب كما يشعر به جبهات عدائهم في الداخل السوري والعراقي.

ثلاثة بدائل ضيقة جداً
حدد «مركز المستقبل للدراسات المتقدمة» في أبوظبي عددا من البدائل الضيقة، لمصير المقاتلين الأجانب في سوريا بعد تحرير الرقة، انطلاقا من حرص «قوات سوريا الديمقراطية» على تأمين تحريرها وأمان خطر فلول «داعش»، في مسارات ثلاثة تمثل خيارات محدودة وبدائل ضيقة للتنظيم هي كما يلي حسب التحليل المشار إليه:
1 - مواصلة الانخراط في مواجهات مسلحة: خاصة في ضوء الأهمية الخاصة التي يبديها بعض مقاتلي التنظيم لمحافظة الرقة تحديداً، التي مثلت المعقل الرئيسي للتنظيم وعاصمته، بشكل سوف يدفع الكثير منهم إلى تفضيل البقاء داخل المدينة على الخروج منها إلى مناطق أخرى يسيطر عليها التنظيم. بل إن بعضهم قد يستمر في قتال عناصر ميليشيا «قسد» تجنباً للوقوع في الأسر.
2 - الهروب من المدينة: ربما يحاول بعض المقاتلين الأجانب الهروب من المدينة والانتقال إلى المناطق الأخرى التي يوجد بها التنظيم أو إلى أي منطقة أخرى، خاصة أن بعضهم لم ينضم إلى الأخير بسبب توجهاته الفكرية، وإنما لاعتبارات أخرى يأتي في مقدمتها الحصول على موارد مالية. ومن هنا، فإن هذا الفصيل قد يسعى إلى تجنب خياري الأسر أو القتل، من خلال العمل على البحث عن مسارات للخروج من المدينة، إلا أنه قد يواجه صعوبات في هذا السياق بسبب الحصار الذي تفرضه ميليشيا «قسد» على المدينة.
3 - الاستسلام لميليشيا «قسد»: لا سيما أن الأخيرة نجحت في السيطرة على معظم أنحاء المحافظة، وقد أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان بالفعل إلى أن ما بين 130 إلى 150 مقاتلاً أجنبياً استسلموا لميليشيا «قسد» قبل انتهاء المعارك. وترجح تقارير كثيرة أن تقوم الميليشيا الكردية بفتح قنوات تواصل مع الدول التي ينحدر منها هؤلاء المقاتلون من أجل البحث في الآليات المتاحة لإعادتهم إليها من أجل محاكمتهم.
لا شك أن ظاهرة «المقاتلين الأجانب» وعودتهم أو «العائدين من مناطق الصراع»، تهدد العالم أجمع، وليس فقط أعداءهم المحليين، وقد انتبه الاتحاد الأوروبي لذلك في أكثر من مرة خلال الشهور الماضية حسب عدد من التقارير، ولكن نظن أن فلول «داعش» التي فقدت كل أساس جاذبية لها، المكان والزمان، سيكونون أقل خطرا من العائدين من أفغانستان عقب الجهاد الأفغاني أو فروع «القاعدة» التي لم تستغرق ولم تعد منسوبيها بمثل ما ادعت «داعش»، ويبدو أن دراسة مكتب مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة الأخيرة تثبت أن جميع من عادوا هم في مرحلة المراجعة والندم أكثر منهم في مرحلة التحفز لعمليات جديدة، بعد سقوط التنظيم ودولته المزعومة، ولكن لا ينفي هذا الاستعداد لاحتمال الخطر.


مقالات ذات صلة

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)
شؤون إقليمية عناصر من الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا في شمال سوريا (إعلام تركي)

العملية العسكرية التركية في شمال سوريا تواجه رفضاً روسياً وغموضاً أميركياً

تصاعدت التصريحات التركية في الفترة الأخيرة حول إمكانية شن عملية عسكرية جديدة تستهدف مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.