قوانين الكونغرس متخاذلة في التعامل مع التحرش الجنسي

TT

قوانين الكونغرس متخاذلة في التعامل مع التحرش الجنسي

كانت المتدربة في مبني مجلس الشيوخ الأميركي بريوني وايتهاوس في الـ19 من عمرها عام 2003، عندما استقلّت المصعد مع عضو المجلس عن الحزب الجمهوري الذي زعمت أنّه لم يتوقف عن التحرش الجنسي بها إلى أن فتح المصعد بابه، لكنّها لم تبلغ مديرها حينها بما حدث خشية أن يؤثر ذلك على عملها.
استعادت المتدربة السابقة في مجلس الشيوخ تلك الذكرى المريرة في تغريدتها عبر «تويتر» في إطار حملة «مي تو»، أو أنا أيضا، التي انطلقت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وامتلأت بآلاف الشكاوى عن حالات التحرش الجنسي. تضمنت بعض الصفحات شكاوى بالاسم من كثير من مشاهير هوليوود والإعلام، وحتى من رئيس أميركي سابق. غير أنّ بعض السيدات مثل وايتهاوس، آثرن عدم ذكر اسم المتحرش. وفي مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست» الأسبوع الماضي، رفضت وايتهاوس التي تعمل حالياً، مستشارة سياسية خارج الولايات المتحدة، الكشف عن اسم مرتكب الواقعة خشية الانتقام، قائلة: «كنت في حيرة من أمري ولم أدر ما ينبغي علي فعله. لذلك لم أفعل شيئا. ولأنّ هذا حدث في مرحلة مبكرة جداً من حياتي، اعتقدت أنّه كان أمرا عاديا وأنّ علي تقبله».
لو أن وايتهاوس اختارت وقتها، مقاضاة عضو مجلس الشيوخ، لكانت اكتشفت أنّ الأمور تختلف كثيراً عن الحال في كثير من المؤسسات الحكومية الفيدرالية وغالبية القطاع الخاص، ولم يكن أحد ليلتفت لبلاغها لأنّ المتدربين لا يحظون بحماية تذكر من التحرش وفق قانون العمل الفريد الذي يطبقه الكونغرس على نفسه.
فقد سنّ الكونغرس قوانينه الخاصة بشأن التعامل مع شكاوى التحرش الجنسي المقدمة ضد أعضائه وموظفيه بطريقه تحميهم من العقوبات التي يتعرض لها غيرهم من المسؤولين. وحسب محام تولى تمثيلهن في تلك الدعاوى، فإنّ النتيجة هي أن ضحايا تلك الحوادث أصبحن عاجزات عن السير خطوة إلى الأمام للدفاع عن أنفسهن. ووفق قانون صدر عام 1995، فبمقدور ضحايا التحرش، الشروع في إجراءات التقاضي بعد مفاوضات ومحاولة للتسوية قد تستغرق شهورا. وفي هذا الإطار، فإنّ العاملين بأحد مكاتب الكونغرس يواجهون اتهاماً بمحاولة تسوية القضايا خارج إطار المحكمة. وهو ما لا ينتهي بسداد المتحرش لغرامات مالية مقابل إسقاط الدعوى، وإن حدث فالمبالغ تكون ضئيلة على عكس الحال في غيرها من المؤسسات الفيدرالية. وحسب مكتب التحقيقات في الكونغرس، فخلال الفترة ما بين عامي 1997 و2014، فقد سدّدت وزارة الخزانة الأميركية مبلغ 15.2 مليون دولار أميركي تسويات لحالات تحرش جنسي بلغت 235 حالة جرت داخل أروقة مجلس النواب. ودفع هذا الوضع السيناتور الجمهوري عن كاليفورنيا، جاكي سبايسر التي لم تنجح مساعيها في التوصل إلى تفاصيل حالات التحرش التي جرت داخل مكاتب وأروقة الكونغرس، للقول بأنّ «ما يحدث ليس حلا وديا، بل إجراء لحماية المؤسسة (الكونغرس). أعتقد أنّنا سنكتشف أن التحرش قد تفشى في تلك المؤسسة، لكن لا أحد يريد معرفة الحقيقة فقط لأنّه لا يريد أن يتخذ إجراء حيالها».
وفي سياق متصل، نشرت آلي كول ستيل، محامية من واشنطن، قصتها عن عضو مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري الذي ربت بيده على أردافها خلال المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي عام 2004. كانت ستيل في ذلك الوقت متدربة بالمجلس ولم تكن تخطت الثامنة عشرة من عمرها عندما أقدم السيناتور على تلك الفعلة خلسة على الرغم من وجود زوجته وعدد من الموظفين إلى جواره. وعن ردة فعلها تقول: «كنت أمام خيارين، إمّا التصرف بطريقة تتسبب في أزمة كبيرة أمام الموظفين وزوجته، أو التصرف وكأن شيئا لم يحدث، وفضلت الخيار الثاني». وعبر كل من علم بالحادثة من خلالها عن أسفه، غير أنّ ذلك لم يشكل مفاجأة لكثيرين من الذين وصفوا السيناتور السابق بأنّه من ذلك النوع من الرجال الذين «لا يكفون عن استخدام يدهم».
* خدمة «واشنطن بوست»
خاص بـ{الشرق الأوسط}



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».