«قانون تنظيم العمل»... أداة لترحيل السوريين من لبنان

TT

«قانون تنظيم العمل»... أداة لترحيل السوريين من لبنان

في ضوء تعثّر الوصول إلى خطّة حكومية واضحة في قضية اللاجئين نتيجة الانقسام حولها بين الأفرقاء اللبنانيين، يبدو أن قرار ترحيل السوريين قد بدأ من باب «تنظيم العمل» وفق القانون الذي يسمح للأجانب بالعمل في ثلاثة قطاعات هي الزراعة والبناء والبيئة.
وكان أول ضحايا هذه الخطوة أصحاب المحلات والنواطير السوريين الذين يعملون ضمن نطاق بلدية الحدث، في جبل لبنان، في وقت كشف وزير الدولة لشؤون النازحين معين المرعبي أن أربع بلديات أخرى أيضاً في جبل لبنان اتخذت القرار نفسه، وأعطت مهلة محدّدة للعاملين السوريين للمغادرة. وبينما كانت وزارة الداخلية قد أعلنت أنه لا علاقة لها بالتدابير التي اتخذتها بلدية الحدث تجاه العمال السوريين، أوضحت مصادر وزارة العمل لـ«الشرق الأوسط» أن إجراءات «بلدية الحدث» تأتي ضمن قرار الوزارة الذي سبق أن طلب بموجبه وزير العمل من البلديات المساعدة في تطبيق القانون وضبط المخالفات غير الشرعية.
وتعذّر التواصل مع رئيس بلدية الحدث، بينما قال مصدر في البلدية لـ«الشرق الأوسط» إن «القرار يشمل كل مخالفي قانون العمل اللبناني، وهم في معظمهم الذين يعملون نواطير في المباني وأصحاب محلات بينما بقي عمال النظافة والبناء في المنطقة خارج أي إجراءات». وأوضح: «امتلاك أي عامل لأوراق الإقامة في لبنان لا يعني أنه يحق له العمل في مجالات غير مدرجة في نص القانون، ويعطي مثالاً على ذلك، الناطور الذي يسكن مع عائلته في المنزل»، مؤكداً أن أي عامل عليه أن يملك إجازة عمل من وزارة العمل ضمن مجال الأعمال المسموح بها، وكل من يخالف هذا الأمر يحق للبلدية اتخاذ القرار المناسب بحقه، مع تأكيده أن المهلة وإن حدّدت للبعض بالأيام المعدودة فهي مدّدت للبعض فترة أطول، وذلك احتراماً لوضع هؤلاء كي يتمكنوا من تأمين سكن لهم، لكن إذا لم يتم تنفيذه عندها سنبلغ وزارة العمل به. ولفت إلى أن القرار لغاية الآن شمل عشرات العائلات التي استجابت لطلب البلدية وغادرت المنطقة.
وكان رئيس بلدية الحدث، جورج عون قال في حديث تلفزيوني إن من طلب منهم مغادرة المنطقة هم من العائلات التي تسكن بطريقة غير شرعية من دون عقد إيجار، أو الذي يعمل في مهن لا ينص عليها القانون، كناطور بناية، مطالباً السوريين بالعودة والعمل في سوريا، حيث أصبح أكثر من 80 في المائة من المناطق آمنة، بحسب قوله، رافضاً وصف الإجراء بـ«العنصري».
وينفي الوزير المرعبي علمه بهذا الإجراء متّهماً البعض بالتصرف بعنصرية تجاه اللاجئين، سائلاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» «إذا أرادت (بلدية الحدث) تطبيق قانون العمل فلماذا ترحلهم من المنطقة؟ خصوصاً أن اللبناني نادراً ما يعمل في بعض هذه المهن؟»، وفي حين يصف هذه الإجراءات بـ«العنصرية» يحّذّر من تفشي «النفَس العنصري» وفق تعبيره، في لبنان، كاشفاً أن أربع بلديات في جبل لبنان أيضاً اتخذت القرار نفسه كما «الحدث».
وحمّل المرعبي وزير الخارجية جبران باسيل مسؤولية عرقلة التوصل إلى خطة حكومية شاملة لقضية اللاجئين ومحاولته التسويق لأمور إجرائية ليست من صلاحيته، مكرراً رفض التنسيق مع النظام السوري في هذه القضية. وأضاف: «على الأقل فلنبدأ بخطة تنظيم اللجوء عبر تسجيل الولادات وتسهيل عملية عودة من يريد العودة عبر إيجاد حلّ لقضية بدلات الإقامة المتراكمة عليهم».
وحيث يبدو أنه ليس هناك أفق لحل حكومي شامل عبر اللجنة الوزارية المعنية بقضية اللاجئين برئاسة رئيس الحكومة سعد الحريري، التي لم تنعقد منذ فترة، رغم أنه كان يُفتَرَض أن تنعقد، أول من أمس، يستمر رئيس الجمهورية ببذل جهود داخلية وخارجية لحل هذه القضية، رغم الانقسام الحاصل في مقاربتها بين من يطالب بالتنسيق مع النظام السوري لعودتهم، ومن يرفض هذا الأمر، في وقت برز ما أعلن عنه المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم خلال زيارته الأخيرة إلى سوريا بأنه على أتم الاستعداد لتنفيذ أي مهمة تنسيق بين لبنان وسوريا يكلّفه بها مجلس الوزراء، ليعود يوم أمس النائب سامي الجميل ويطرح من موسكو أن تلعب روسيا دور الوسيط بين لبنان وسوريا لعودة النازحين.
وفي هذا الإطار، قال المرعبي لـ«وكالة الأنباء المركزية»: «الدور العادي، وبالحد الأدنى الذي يلعبه إبراهيم بجدارة بين الحكومتين، لا نمانعه، لكن لن يصدر عن حكومة الرئيس سعد الحريري أي تكليف رسمي بهذا الخصوص. أما الوساطة الروسية، فنرحب بها ولكن ضمن إطار الأمم المتحدة فقط كجهة وحيدة مخولة تسلُّم هذا الملف على الصعيد الدولي لتحقيق النتائج المرجوة».
من جهتها، كشفت مصادر سياسية مطّلعة لـ«المركزية» أن عون سيقدم على خطوتين رئاسيتين في وقت قريب حول قضية النازحين؛ الأولى في اتجاه الدول العربية والثانية في الاتجاه الأوروبي لتكريس التصور اللبناني الرسمي بضرورة عودة النازحين الآمنة إلى ديارهم.
وكان عون دعا الأسبوع الماضي سفراء الدول الخمسة الدائمة العضوية مع سفراء الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية، وعرض أمامهم «موقف لبنان من موضوع النازحين»، وشرح انعكاساته على لبنان محذراً من الانفجار وسلّمهم رسائل خطية موجهة إلى رؤساء بلدانهم اعتبر فيها أنه «أصبح لزاماً على المجتمع الدولي والأمم المتحدة بذل كل الجهود وتوفير الشروط الملائمة لعودتهم الآمنة لا سيما المناطق المستقرة أو تلك المنخفضة التوتر من دون أن يتم ربط ذلك بالتوصل إلى الحل السياسي».



مصر تعمّق تعاونها الأوروبي بـ«شراكة استراتيجية» مع إسبانيا

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء إسبانيا على هامش مؤتمر الاستجابة الإنسانية لغزة في الأردن يونيو 2024 (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء إسبانيا على هامش مؤتمر الاستجابة الإنسانية لغزة في الأردن يونيو 2024 (الرئاسة المصرية)
TT

مصر تعمّق تعاونها الأوروبي بـ«شراكة استراتيجية» مع إسبانيا

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء إسبانيا على هامش مؤتمر الاستجابة الإنسانية لغزة في الأردن يونيو 2024 (الرئاسة المصرية)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس وزراء إسبانيا على هامش مؤتمر الاستجابة الإنسانية لغزة في الأردن يونيو 2024 (الرئاسة المصرية)

تسعى مصر إلى تعميق تعاونها مع دول أوروبية، ومنها إسبانيا، التي بدأ الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، زيارة رسمية لها، الثلاثاء، يوقع خلالها اتفاقاً لرفع العلاقات إلى مستوى «شراكة استراتيجية».

وتأتي زيارة السيسي لإسبانيا، ضمن مساع مصرية، لحشد الدعم الدولي والأوروبي للقضية الفلسطينية ومواجهة دعوات «التهجير القسري» للفلسطينيين، فضلاً عن تعزيز التعاون المشترك، وفق دبلوماسيين مصريين سابقين، أشاروا إلى أن «ترفيع القاهرة ومدريد العلاقات لمستوى الشراكة، يعزز من التقارب والتعاون المصري الأوروبي في مختلف المجالات».

وتشهد العلاقات المصرية الأوروبية، زخماً خلال الفترة الأخيرة، بعد توقيع القاهرة والاتحاد الأوروبي، «إعلاناً مشتركاً»، في مارس (آذار) العام الماضي، يقضي برفع العلاقات إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية الشاملة».

ووصل السيسي إلى مدريد، الثلاثاء، بهدف «تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون والتنسيق بين البلدين»، حسب إفادة للرئاسة المصرية.

وأشار متحدث الرئاسة المصرية، إلى أن «السيسي سيلتقي خلال زيارته مع ملك إسبانيا، ورئيس الوزراء الإسباني»، مضيفاً في بيان للرئاسة المصرية أن «الزيارة ستتضمن التوقيع على اتفاق ترفيع العلاقات بين مصر وإسبانيا، إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية»، إلى جانب «توقيع عدد من مذكرات التفاهم في مجالات التعاون المختلفة».

وسيتضمن برنامج زيارة السيسي، لقاءات مع «ممثلي بعض الشركات الإسبانية الكبرى»، كما سيشارك في «فعالية اقتصادية مع مجتمع الأعمال والشركات الإسبانية»، وفق الرئاسة.

وتجمع القاهرة ومدريد، علاقات تعاون وصداقة تتسم بالعمق والتوافق في الرؤى، وفق تقرير لهيئة الاستعلامات المصرية، وأشار إلى أن «التنسيق بين البلدين، يأتي في إطار تعاون دول جنوب وشمال المتوسط، بشأن ما تتعرض له منطقة الشرق الأوسط، والبحر المتوسط من تحديات».

وتأتي زيارة الرئيس المصري لمدريد، في توقيت مهم تسعى فيه القاهرة إلى حشد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية، ومواجهة دعوات «تهجير الفلسطينيين»، وفق مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير رخا أحمد، مشيراً إلى أن «إسبانيا يمكن أن تقوم بدور إيجابي مساند للموقف العربي، لكونها من بين 4 دول أوروبية اعترفت مؤخراً بدولة فلسطين».

وأعلنت إسبانيا في مايو (أيار) الماضي، اعترافها بدولة فلسطينية مستقلة، لتضاف إلى ثلاث دولة أوروبية اتخذت الخطوة نفسها في الوقت نفسه، وهي آيرلندا والنرويج وسلوفينيا.

ويواجه مقترح الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، ومسؤولين إسرائيليين، «تهجير سكان قطاع غزة»، برفض مصري وعربي، وأعلنت القاهرة عن «خطة لإعادة إعمار القطاع في وجود سكانه».

ويرى أحمد، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «الموقف الإسباني من القضية الفلسطينية، يتفق مع المواقف المصرية والعربية، حيث ترفض تهجير سكان قطاع غزة، وتدعم إعادة الإعمار في وجود الفلسطينيين».

وتعارض مدريد مقترح «تهجير الفلسطينيين»، وقال رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، خلال مؤتمر لحزبه «العمل الاشتراكي»، السبت، إن «بلاده لن تسمح بتنفيذ مقترح الرئيس الأميركي».

ويمتد الدعم الإسباني للموقف العربي، إلى إمكانية التأثير في قرار الاتحاد الأوروبي بشأن دعوات التهجير ودعم القضية الفلسطينية، حسب تقدير مساعد وزير الخارجية المصري السابق والأمين العام لوحدة الشراكة المصرية الأوروبية السابق، السفير جمال بيومي، معتبراً أن «مدريد يمكن أن تكون قوة رائدة داخل الاتحاد الأوروبي، لمساندة الفلسطينيين».

وينظر بيومي، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إلى خطوة رفع مستوى العلاقات المصرية الإسبانية للشراكة الاستراتيجية، بعدّها «مرحلة مهمة، تعزز التقارب بين القاهرة ومدريد في مختلف المجالات»، مشيراً إلى أن «اتفاقيات التعاون التي سيجرى توقيعها على هامش زيارة الرئيس المصري، ستعمل على تحرير التجارة، وجذب مزيد من الاستثمارات المشتركة».

وسجل حجم التبادل التجاري، بين مصر وإسبانيا، 3.1 مليار دولار، العام الماضي، مقابل 3.2 مليار دولار في عام 2023، وبلغت قيمة الاستثمارات الإسبانية في مصر 123 مليون دولار، خلال العام المالي الماضي، وفق الجهاز المركزي للإحصاء المصري.

وتضاف الشراكة الاستراتيجية الثنائية بين مصر وإسبانيا، إلى اتفاق الشراكة بين القاهرة والاتحاد الأوروبي، الذي جرى توقيعه العام الماضي، وفق بيومي، مشيراً إلى أن الاتحاد حريص على دعم الاقتصاد المصري، عبر منح ومساعدات واستثمارات مشتركة، في إطار تعاون الجانبين في مجالات عديدة، خصوصاً مواجهة الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب.

ويقدم الاتحاد الأوروبي حزمة تمويل لمصر، في صورة مساعدات مالية، وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، مطلع يناير (كانون الثاني) الماضي، إن بلاده «تلقَّت شريحة أولى قيمتها مليار يورو، من حزمة تمويل، من الاتحاد الأوروبي، حجمها 7.4 مليار يورو».