بليغ حمدي هزمته الإشاعات المغرضة وانتصرت له ألحانه

غنت له مصر في أفراحها وأحزانها

بليغ حمدي وأم كلثوم - الثنائي العملاق... بليغ حمدي وعبد الحليم حافظ
بليغ حمدي وأم كلثوم - الثنائي العملاق... بليغ حمدي وعبد الحليم حافظ
TT

بليغ حمدي هزمته الإشاعات المغرضة وانتصرت له ألحانه

بليغ حمدي وأم كلثوم - الثنائي العملاق... بليغ حمدي وعبد الحليم حافظ
بليغ حمدي وأم كلثوم - الثنائي العملاق... بليغ حمدي وعبد الحليم حافظ

بعد هزيمة 67 جاءت أغنية عبد الحليم حافظ «عدى النهار» وكأنها تُضمد جراحنا وتواسي أحزاننا، ويوم انتصار مصر في 73 ردد الشعب مع وردة «ع الربابة بغني» لنعيش مع أنغامه نشوة العزة والفخر، إنه الموسيقار الكبير بليغ حمدي الذي عزف على وتر الجرح والفرح، ولهذا ردد ملايين العرب أغانيه ولا يزالون حتى الآن، وتلك هي الومضة الساحرة التي امتلكها (بلبل العرب) كما كانوا يطلقون عليه.
الزمن هو المقياس السحري للإبداع، هو الفيصل بين الغث والسمين، بين القبح والجمال، بين العابر والراسخ، وعندما يقول الزمن كلمته ينبغي علينا جميعا أن ننصت إليه، وهكذا قالت الأيام إن بليغ حمدي هو الموسيقار المصري الأول وألحانه لا تزال تتنفس بيننا.
بليغ لو عاش حتى الآن لكنا احتفلنا في أكتوبر (تشرين الأول) بعيد ميلاده الـ86 فلقد غاب عن عالمنا بعد أن أكمل الستين فقط بعامين، ولكن موسيقى بليغ حمدي لا تعرف أبدا الغياب.
إنه الأكثر حضورا في كل (الميديا) وتلك حقيقة موثقة بالأرقام، يكفي أن أذكر لكم أن لبليغ وورثته النصيب الأكبر من إيرادات جمعية المؤلفين والملحنين المصرية العريقة سنويا، وهذا يعني أن ألحانه يتم تداولها بغزارة في مختلف الإذاعات والفضائيات، ولهذا يحظى بتلك المكانة. أنا أفرق طبعا بين نجاح رقمي لحظي قد يأتي لصالح نغمة يرددها الناس في توقيت ما وبعدها يخبو الوميض ويتلاشى السحر وينساها الناس، وبين نغمة أخرى تظل تنبض بالحياة مهما مرت السنوات لأن الناس يحققون لها الحياة، كلما رددوها.
أعلم أن ارتباط التقييم بالأرقام يُثير قدرا كبيرا من اللغط، بل الرفض، حساب الأرقام ليس دائما هو القول الفصل في الفن، ولكن ظلال الأرقام هي التي ينبغي أن ننصت لها.
ولكن قبل أن يقول الزمن كلمته رقميا كان هناك أيضا إرهاصات تؤكد أن بليغ حمدي هو صاحب الموجة الموسيقية القادمة، ومن هنا مثلا نتأمل ما الذي قاله عنه في منتصف الخمسينات الشاعر والصحافي الكبير كامل الشناوي المعروف أنه يمتلك عينا مدربة وثاقبة قادرة على التقاط المواهب، حيث قال: «بليغ حمدي هو أمل الموسيقى المصرية».
مرت نحو 10 سنوات وصارت مصر وعدد من مطربي العالم العربي يغنون فقط من تلحين بليغ حمدي، قال عبد الحليم حافظ عن بليغ «إنه أمل الموسيقى الشرقية»، فصارت تلك الصفة لصيقة باسمه.
بليغ حمدي ارتبطت به صفة أخرى وهي البوهيمية وهي الصفة نفسها التي أطلقت على موسيقار كبير استطاع أن يُحدث ثورة في الموسيقى المصرية ورحل 1927، إنه الموسيقار خالد الذكر سيد درويش، وكما أن درويش كان غزير الإنتاج الفني فإن بليغ حمدي يشعرك أنه لا يفعل شيء في الدنيا سوى أنه يعزف الموسيقى.
إذا أردت أن تعرف الرأي في فنان أنصحك لا تسأل الفنان عن رأيه في زميله الفنان... سوف تجد أن هذا الرأي إما مغلف بالغيرة التي تنبت لها مخالب قاتلة تدفعها الكراهية العمياء التي لا ترى سوى اللون الأسود، أو على الجانب الآخر من الممكن أن تجد الحب الأعمى الذي يشاهد فقط اللون الأبيض وفي الحالتين لن تصل إلى الحقيقة... عدد قليل جداً من الفنانين يعبرون عن قناعتهم من دون مواربة ومن هؤلاء الراحلة وردة التي كانت تعلن عن آرائها بلا حسابات أو حساسيات، شاهدتها في حلقة مسجلة على إحدى الفضائيات سألها المذيع عن الفارق بين عبد الوهاب وبليغ حمدي قالت: «عبد الوهاب أستاذ وعبقري وترزي، أما بليغ فإنه عبقري وبوهيمي وتلقائي».
وأضافت توضح الفارق بين الترزي والتلقائي، فأشارت إلى ملابسها وقالت: «عبد الوهاب هو الترزي الشاطر الذي يستطيع أن يضع قطعة من هنا وقطعة من هناك بتفاصيل صغيرة يمزجها معاً يقدم فستانا رائعا، بليغ حمدي يأتي إليه الإلهام من دون أن يبذل جهداً، ينعم الله عليه بأنغام من السماء يقدم في لحظة واحدة الفستان كاملاً». ربما لا تعرف وردة أن لعبد الوهاب رأيا قريبا مما ذكرته، فكان يقول إن بليغ كثيراً ما تأتي إليه جمل موسيقية عبقرية تطارده؛ ولكنه كثيراً ما يهدرها ولا يبذل أي جهد لتهذيبها فنيا... يقدمها للناس «بعبلها»!.
تحمل كلمات عبد الوهاب كل ما تقوله وردة في النصف الأول، لكنها في الثاني تنفي عنه أشياء رائعة لم تكن وردة بحاجة لكي تذكرها لأن إبداع بليغ حمدي لا يزال يحتل المركز الأول وبالأرقام.
هل تعلم أن أفضل عشرة ألحان لا تزال ترددها الناس من غناء أم كلثوم - أيضاً بالأرقام - تجد أن بليغ حمدي له من بينها 6 ألحان وهي «سيرة الحب»، و«بعيد عنك»، و«الحب كله»، و«ألف ليلة وليلة»، و«فات الميعاد»، و«أنساك»، وبعض هذه الألحان مر عليها أكثر من 50 عاماً، وهذا يعني أن الأرقام تحمل أيضاً شهادة على تفرد الإبداع... لو قلنا إن أسلوب عبد الوهاب يضم كثيرا من الصنعة الموسيقية وقليلا من الإلهام، بينما بليغ يتميز بكثير من الإلهام وقليل من الصنعة، فلا أتصور أننا نبتعد عن الحقيقة.
هذا الفنان الكبير مر بأسوأ حادث وتلقى أكبر اتهام بعد حادث مقتل مطربة كانت وقتها ناشئة جاءت من المملكة المغربية، إنها سميرة مليان.
شاب انتحار سميرة من شرفة منزل بليغ حمدي بحي المهندسين كثير من الأقاويل، ووصلت إلى حد اتهامه جنائيا.
السينما المصرية قدمت فيلما عن بليغ اسمه (موت سميرة) لعب دوره يوسف شعبان، أساء الفيلم كثيرا لبليغ حمدي، حتى حصل على البراءة، ومات أيضا الفيلم فلم يعد يعرض أساسا في الفضائيات.
بليغ انكسر وتحطم وبعد ثلاث سنوات سافر مرة أخرى إلى باريس بعد أن هاجمه بشراسة سرطان الكبد وعاد إلى مصر في صندوق ليحتضنه ترابها في 12 سبتمبر (أيلول) 1993.
وربما لهذا السبب قدم المخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد فيلمه «نسيم الروح» بطولة بسام كوسا عام 1999، رغم أنه لا يتناول حياة بليغ؛ ولكنه يستلهم الحرية في شخصية بطل الفيلم الذي يعشق بليغ حمدي والأحداث تتناول رحلة هذا العاشق من دمشق إلى القاهرة ليشارك في تشييع جنازة فنان لم يعرفه ولم يقابله لكنه من خلال ألحانه أصبح يسكن في أعماقه... كان هذا هو الفيلم الحقيقي والصادق عن بليغ. رغم أنه لا يتناول سيرته الذاتية، وكانت كل موسيقى الفيلم تنويعات على موسيقى لأشهر أغانيه مع أم كلثوم، نعم سيدة الغناء العربي لعبت دورا كبيرا في ذيوع ألحانه، فإنه - وهذا ما أثبته الزمن - لعب دورا محوريا في بقاء صوتها من خلال أغانيه في آذان جيل شباب هذا الزمن، كان رهان أم كلثوم على بليغ في حقيقة الأمر رهانا على الزمن القادم.
يبقى أن بليغ حمدي هو أسطورة الموسيقى في بلادنا بدأ حياته وهو يأمل في أن يصبح مطربا مثل عبد الحليم وانتهى به المشوار ليصبح هو أمل الموسيقى العربية وحامل أختامها وأكثر ملحن ظهر له مقلدون وأتباع وحواريون، ظلت المقدمة دائما هي التي يشغلها بليغ حمدي، كان ولا يزال، إنها النغمة الشرقية التي لا تعرف الموت، كان يعبر عنها ببساطة وتلقائية فسكنت قلوب الناس، ولا تزال تسكن قلوب كل الأجيال.



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».