سنوات السينما

مشهد من «رجل من حديد»
مشهد من «رجل من حديد»
TT

سنوات السينما

مشهد من «رجل من حديد»
مشهد من «رجل من حديد»

(1981) Man of Iron
الحقيقة ولو بعد حين

«رجل من حديد» للبولندي الراحل أندريه ڤايدا كان الفيلم البولندي الأول الذي ينال سعفة الذهب في مهرجان «كان» السينمائي. حدث ذلك سنة إنتاجه ولم يتحقق للسينما البولندية فوزاً مماثلاً إلا عندما قدّم رومان بولانسكي «عازف البيانو» سنة 2002.
كذلك هو الفيلم الذي قامت السلطات البولندية (وكانت لا تزال شيوعية) بسحب الفيلم من سباق أوسكار أفضل فيلم أجنبي لأنها اعتبرته مثل نشر غسيل وسخ على حبل يمتد عبر العالم.
تبدأ قصة «رجل من حديد» من حيث انتهت قصة فيلمه السابق «رجل من رخام» الذي أخرجه ڤايدا سنة 1977، في ذلك الفيلم السابق لعبت كريستينا ياندا دور الفتاة الشابة التي تعمل على تحقيق فيلم تخرجها وموضوعها متعب، ففي الخمسينات حاز عامل اسمه ناتوش بيركوت على تقدير الدولة وإعجاب المسؤولين الحزبيين واعتبر مواطناً نموذجياً وأقيم له تمثال من الرخام. لكن سريعاً ما تغيرت النظرة من حوله، فناتوش يؤمن ببراءة زميل له اتهم بالتخريب والتجسس لحساب دولة أجنبية، وهو يبدأ بالاستقصاء عن ذلك الزميل طارحاً الأسئلة التي لا أجوبة عنها، والتي لم تجلب له سوى المتاعب وسوء المعاملة حتى انتهى الأمر بسجنه لأربع سنوات.
بعد الإفراج عنه نراه يحاول أن يثبت إخلاصه ووطنيته بلا فائدة ثم سرعان ما يختفي.. أما تمثاله فتم نقله من مكانه كما لو أنه لم يكن. تحاول المخرجة المضي في تحقيقاتها حول ذلك العامل وما حل به بعد اختفائه، لكنّها لا تجد أي تشجيع من قبل المسؤولين فتقرر، بتشجيع من والدها، المضي في محاولاتها، وتصل إلى غدانسك حيث تلتقي بابن العامل الذي يخبرها بأن والده قد قتل في ظروف غامضة قبل أعوام قليلة.
«رجل من حديد» هو بمثابة تكملة مفتوحة. أي يمكن اعتبارها استمراراً للقصّة السابقة أو مجرد حكاية شبيهة بها، وذلك لأن المنطلقات مختلفة. لدينا الصحافي وينكل (ماريان أوبانيا) الذي تنتدبه الإذاعة البولندية في صيف 1980 من أجل نقل صورة عن أحداث مرفأ غدانسك الشهيرة. هناك يلتقي بضابط استخبارات يعلمه بأنّ مهمته الحقيقية ستكون إعداد تقارير عن أحد البارزين في الحركة، الذي نعرف أنّه ليس سوى ابن العامل ناتوش، وأن زوجته التي ليست سوى السينمائية الشابة التي قابلته في الفيلم السابق بحثاً عن أبيه - هي الآن مسجونة بتهمة التحريض على الإضراب الذي وقع في ميناء غدانسك في الواقع.
يقبل وينكيل المهمة المحددة له وينطلق محققاً. يكتشف أن علاقة الابن بوالده لم تكن جيدة، فقد أراد ناتوش الأب من ابنه الابتعاد عن المشاكل الطلابية التي عصفت في 1968، ما دفع بالابن لاتهام والده بالجبن والضعف. لكن والده يسقط قتيلاً في ظروف أحداث أخرى وقعت في 1970 وتختفي جثته مع أصابع تشير إلى أن السلطات هي التي قتلته.
إزاء هذه المعلومات وبعد الاستماع إلى أنجيسكا وموقفها، وبعد الوقوف على الحقائق التي جمعت مصير هؤلاء، يدرك وينكيل حقيقة ما حوله، ويعي المسؤولية التي على عاتقه، وبصعوبة يبدأ الرفض ومقاومة الضغط الرسمي عليه. وبصعوبة كذلك يبدأ بإزاحة الخوف الكامن في داخله من جراء اتخاذ موقف مناقض لمهمته. لكنه ينتصر، ويرفض تسليم الأشرطة ثم يستقيل من عمله. لقد وجد وينكيل الجانب الذي عليه أن يقف إلى صفه.
كما في «رجل من مرمر»، ينتقل ڤايدا من الحاضر إلى الماضي، لكنّنا هنا أمام عدة أزمنة ماضية والمخرج يعمد لتقديمها أحياناً بوثائقيات (تستخدم لأول مرة لتكشف عن الأحداث الغامضة التي وقعت في 1968) وأحياناً بإعادة التمثيل، ويدمج ما يقع مع وينكيل اليوم وبين ما حدث مع الشخصيات الأخرى بالأمس من دون عناء. وهو بكل ذلك يبلور أسلوبه في استخدام الوثيقة وطي ذلك في إطار المعالجة التقريرية التي كان ڤايدا يعتمدها في بعض أعماله.
أندريه ڤايدا كان أكثر السينمائيين البولنديين التصاقاً بالمقاومة ضد السلطات البولندية قبيل انهيار المنظومة الشيوعية، وهذان الفيلمان تأكيد على ذلك.


مقالات ذات صلة

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

سينما «من المسافة صفر» (مشهراوي فَنْد)‬

8 أفلام عن أزمات الإنسان والوطن المُمزّق

تُحرّك جوائز «الأوسكار» آمال العاملين في جوانب العمل السينمائي المختلفة، وتجذبهم إلى أمنية واحدة هي، صعود منصّة حفل «الأوسكار» وتسلُّم الجائزة

محمد رُضا‬ (سانتا باربرا - كاليفورنيا)
سينما «موعد مع بُل بوت» (سي د.ب)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم.

محمد رُضا‬ (لندن)
يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
TT

شاشة الناقد: تضحيات صحافيين وانتهاكات انظمة

 «موعد مع بُل بوت» (سي د ب)
«موعد مع بُل بوت» (سي د ب)

RENDEZ‪-‬VOUS AVEC POL‪-‬POT ★★★

* إخراج: ريثي بَنه (فرنسا/ كمبوديا)

يأتي فيلم «موعد مع بُل بوت» في وقت تكشف فيه الأرقام سقوط أعداد كبيرة من الصحافيين والإعلاميين قتلى خلال تغطياتهم مناطق التوتر والقتال حول العالم. ويُذكّر الفيلم أن الصحافة في تاريخها العريق، دائماً ما وجدت نفسها أمام مسؤوليات وتحديات عديدة. في هذا الفيلم الذي أخرجه ريثي بَنه عن الأحداث التي عصفت في بلاده سنة 1978 اقتباسات عن كتاب الصحافية إليزابيث بَكَر (Becker) وعن تجربتها بصفتها واحدة من 3 صحافيين دُعوا لمقابلة بُل بوت، رئيس وزراء كمبوديا وأحد قادة منظمة «الخمير الحمر» (Khmer Rouge) المتهمة بقتل ما لا يقل عن مليون و500 كمبودي خلال السبعينات. الصحافيان الآخران هما الأميركي ريتشارد دودمان، والأسكوتلندي مالكوم كالدويل.

لا يبدو أن المخرج اتّبع خُطى الكتاب كاملةً بل تدخّل بغايةِ ولوج الموضوع من جانب الحدث الذي وضع حياة الثلاثة في خطر بعدما جاءوا للتحقيق ومقابلة بُل بوت. في الواقع دفع الأميركي حياته ثمناً لخروجه عن جدول الأعمال الرسمي والتقاطه صوراً تكشف عن قتلٍ جماعي. وفي الفيلم لحظة مختصرة لكنها قاسية التأثير عندما يَلقى الصحافي حتفه غرقاً في نهر دُفع إليه.

الفرنسية إيرين جاكوب التي تؤدي شخصية الكاتبة بَكَر تُعايش بدورها الوضع بكل مأساته. تُفصل عن زميلها ولم تعد تعرف عنه شيئاً، وتمر بدورها بتجربة مخيفة لم تكن تعلم إذا ما كانت ستخرج منها حية.

في باطن هذا الفيلم الجيد على تواضع إنتاجه، تُطرح أسئلة فيما إذا كان الصحافي يستطيع أن يقبل التحوّل إلى جزءٍ من البروباغاندا. وهل هو أداة لنقل الرأي الرسمي بغياب حرية التعبير؟ وماذا لو فعل ذلك وماذا لو لم يفعل؟

هو ليس بالفيلم السّهل متابعته من دون معرفة ذلك التاريخ ودلالاته حول العلاقة بين النُّظم الفاشية والإعلام. والحرية التي لا تُمنح لصحافيين محليين هي نفسها التي لا تُمنح كذلك للأجانب ما دام عليهم نقل ما يُقال لهم فقط.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

‪THE‬ WRESTLE‪R‬ ★★

* إخراج: إقبال حسين شودهوري (بنغلاديش).

يقترب الرجل المسن موجو (ناصر أودين خان) وسط أشجار ليست بعيدة عن شاطئ البحر وينتقل من واحدة لأخرى ماداً يديه إليها كما لو كان يريد أن يدفعها بعيداً أو أن يُزيحها من مكانها. ومن ثَمّ يتركها ويركض صوب أخرى ليقوم بالفعل نفسه قبل أن يعود إليها. يبعث هذا المشهد على تكراره سخرية غير مقصودة. قد تكون طريقة قديمة لممارسة تمارين المصارعة أو التدريب الوحيد المُتاح في تلك القرية، لكن موجو جادٌ في محاولته لدفع الأشجار إلى الخلف أو تغيير مواقعها، استعداداً لملاقاة مصارع أصغر منه سنّا وأكبر حجماً في المباراة المقبلة.

«المصارع» (أبلبوكس فيلمز)

هناك كثير مما يتأمله المخرج شودهوري بطيئاً قبل تلك المباراة وما بعدها. بعضُ المشاهد لديها نسبة معقولة من الشِّعر الناتج عن تصوير الطبيعة (ماء، أشجار، حياة... إلخ) وبعضها الآخر لا يفضي إلى تقدير خاص. في نصف الساعة الأولى يعكس المخرج شغفاً ما بتصوير شخصياته من الخلف. عندما يتخلى المخرج عن هذه العادة لاحقاً، يستبدل بتلك اللقطات سلسلة من المشاهد البعيدة عن شخصياته في الغالب. هنا يتحسّن تأطير اللقطات على نحوٍ نافع ولو أن شغله على الدراما يبقى غير ذي مكانة.

يطرح الفيلم مشكلة رجلٍ لا يريد الاعتراف بالواقع ويتحدى من هو أكثر قوّة منه. يحقّق طموحه بلقاء المصارع الآخر ويخفق في التغلب عليه. في الواقع يسقط أرضاً مغشياً ومن ثمّ نراه لاحقاً في بيت العائلة قبل أن يعود إلى تلك الأشجار ليصارعها. المخرج (ثاني فيلم له) طموح، لكن أدواته التّعبيرية وإمكانياته التي تفرض نفسها على السيناريو وحجم الفيلم بأسره، محدودة.

* عروض: موسم الجوائز ومهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

ONE OF THOSE DAYS WHEN HEMME DIES ★★★

* إخراج: مراد فرات أوغلو (تركيا).

قرب نهاية الفيلم يبدأ الشاب أيوب مراجعة ما مرّ به طوال اليوم. لقد انطلق غاضباً من المُشرِف على العمل عندما شتم أمّه. يعمل أيوب في حقلٍ لتجفيف الطاطم. ويعرف المخرج كيف يوظّف المكان، درامياً (سهل منبطح تحت شمس حامية وصعوبة العمل)، وجمالياً (تلك الثمار المقطوعة إلى نصفين والملقاة فوق شراشف على مد النظر).

«أحد تلك الأيام التي مات فيها هيمي» (مهرجان مراكش)

نقطة الخلاف أن أيوب يُطالب بأتعابه، لكن المُشرف على العمل لم يتقاضَ المال بعد ليدفع له، مما يؤجّج غضب أيوب فينشب شجار بينهما. يركب دراجته النارية وينطلق صوب بلدته. في منزله مسدسٌ سيتسلّح به وفي البال أن يعود لينتقم. معظم الفيلم هو رحلة على الدراجة التي تتعطل مرّتين قبل إصلاحها عند المساء. الأحداث التي تقع على الطريق وفي القرية الصغيرة تُزيّن الموضوع بشخصيات تدخل وتخرج من الحدث الرئيسي الماثل. في أحد هذه الأحداث الثانوية يُساعد أيوب رجلاً عجوزاً اشترى بطيخة ولا يستطيع حملها، فيوصله والبطيخة إلى داره. وفي مشهد آخر يستمع لتوبيخ زوج شقيقته لأنه كان عرض عليه العمل في شركته ورفض. لا يقول لنا الفيلم لماذا رفض ما ينتقص من بنية الموضوع وأسباب عزوف أيوب على تنفيذ وعده لنفسه بالانتقام.

اعتمد المخرج هذين المشهدين وسواهما لملء الوقت الممتد بين عزم أيوب على الانتقام وعزوفه عن ذلك. لكنه هذه المشاهد ضرورية رغم أن الفيلم ينتهي من دون أن يبني حجة دامغة لقرار أيوب النهائي. هذا الفيلم دراما مصوّرة جيداً ومكتوبة بدراية، رغم الهفوات المذكورة.

* عروض حالياً في مهرجان «مراكش»

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز