عند نهاية عصر برنامج الفضاء «أبولو»، وقبل عام من سير الإنسان على سطح القمر لأول مرة عام 1972، جادل بحث أعدته مؤسسة ناسا لعلوم الفضاء بشأن وجود أنفاق كبيرة تحت سطح القمر. كان هناك سبب منطقي لهذا الاعتقاد؛ فربما أن حمماً بركانية اندلعت وسالت لأميال طويلة لتصنع فجوات تحت سطح القمر كما حدث عندما اندفعت حمم كومانا لتنحت الأنفاق التي نراها اليوم في هاواي.
لكن كيف يبدو الكهف الذي وجد بفعل الحمم البركانية فوق سطح القمر؟ في الحقيقة، لأنها محمية من النيازك والإشعاعات التي تضرب السطح، ربما تكون تلك الأنفاق قد احتفظت بأدلة توضح تاريخ نشأة القمر وتعطينا إجابات وافية عن نشأته الغامضة. فلطالما حلم العلماء ببناء قواعد داخل الكهوف الطبيعية على سطح القمر يستطيع فيها مكتشفو القمر النوم في أمان داخل بيوت قابلة للنفخ، تحميهم من العواصف التي تهب فوق السطح.
بيد أن كهوف الحمم البركانية بدت محيرة شأن الكهوف التي اكتشفت فوق سطح كوكب المريخ. فقد افترض عالم وكالة ناسا رونالد غريلي عام 1971 أن أحد أعظم القنوات بـ«تلال ماريوس» ربما تكون نفقا منهارا، لكنه نفى أن تكون أيا من البعثات السابقة قد صورت ولو مدخلا لكهف تحت سطح القمر، وهو ما جعل البعض يتشكك في وجودها من الأساس.
وبعد مرور نصف قرن من نشر بحث عالم الفضاء المعروف غريلي، وبعد أن هجرت «ناسا» القمر، ذكر باحثون يابانيون الأسبوع الجاري أنهم وجدوا دليلا لم يسبقهم إليه أحد عن وجود تلك الأنفاق.
واعتبرت اليابان مكوكها الفضائي الذي أطلقت عليه اسم «كوغايا أوروبتر» البعثة الفضائية الأكبر للقمر منذ برنامج أبولو. انطلقت رحلة كوغايا عام 2007 تحمل أحدث الأجهزة والأقمار الصناعية وبعثة هدفها حل أعقد الألغاز التي تكشف نشأة القمر.
في عام 2009، انحرف كوغايا مسافة 60 ميلا فوق تلال «ماريوس» ليلتقط صورة لحفرة عميقة واسعة. لكن الحفر ليست بالشيء الغريب فوق سطح القمر المليء بالثقوب، غير أن مركبة استكشاف «لونر ريكونساينس أوروبتر» استطاعت التقاط صورة أخرى قريبة من السطح، وفق رواية فريق الباحثين اليابانيين والأميركان في بحث مجلة «جيوفيزيكال ريسيرش» الذي نشر الأسبوع الجاري. «تبلغ مساحة الحفرة على الأقل سبعة أمتار شرقا وغربا تحت سقف حفرتين أخريين»، لتشكل ما يشبه فوهة نفق.
لم تظهر الصورة المعتمة أكثر من ذلك، فهي لم تبين ما إذا كان الكهف يمتد عدة أميال مثل أنفاق الحمم البركانية المفترضة، أو أن نهاية النفق لا تتعدى ما نراه في الصورة.
استغرق الأمر سنوات لاكتشاف الحقيقة، فقد حصلت اليابان على مساعدة أخرى من الولايات المتحدة عام 2011 عندما استخدمت «ناسا» سفينتي فضاء، أطلقت على الأولى اسم «غرافيتي ريكوفري» والثانية «إنتريور لابوراتوري»، ليحلق في مدار حول القمر.
استطاعت السفينة الثانية رصد تعرجات دقيقة داخل نطاق جاذبية القمر رسمت من خلالها جبالا وبعض الملامح تحت السطح. وعندما حلقت السفينة فوق تلال «ماريوس»، وفق ما دونه الباحثون، اكتشفت السفينة شيئا طويلا مجوفا تحت السطح يمتد مسافة 31 ميلا من مكان اكتشاف حفرة «كيغايا».
ولذلك عاد «كيغايا» إلى بؤرة الأحداث مجددا، حيث استخدم اليابانيون موجات رادار داخل النفق على أمل سماع أصوت.
ومع تكرار المحاولة مرات ومرات، سمع الباحثون صدى مميزا للصوت، واعتقدوا أنه ربما يكون قد ارتد من سقف أو أرض الكهف، وأن ذلك سيعني أن المكان هو كهف وجد بفعل الحمم البركانية.
وبحسب المعهد الياباني للفضاء وعلوم الفلك، فإن طول النفق يبلغ 31 ميلا، ويعتقد أنه قديم، وربما يكون مدفونا على عمق 300 قدم وربما يحوي ثلجا أو ماء.
إن صحت كل تلك الافتراضات، فسيتحقق ما حلم به علماء برنامج أبولو القديم. وفي تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية، قال جونشي هورياما، أحد محرري البحث المذكور: «لم نكن متأكدين من وجود تلك الأنفاق، لكن بعد أن تأكدنا، علينا البحث عما تحويه بداخلها».
*خدمة: {واشنطن بوست} خاص بـ {الشرق الأوسط}