مواجهة عالمية ضد الأصولية والإرهاب

يكرس د. العيسى جهوده لتبيان حقيقة الإسلام ومبادئه السمحة في ترسيخ منهج الوسطية والاعتدال

بابا الفاتيكان مستقبلاً الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى سبتمبر الماضي («الشرق الأوسط»)
بابا الفاتيكان مستقبلاً الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى سبتمبر الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

مواجهة عالمية ضد الأصولية والإرهاب

بابا الفاتيكان مستقبلاً الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى سبتمبر الماضي («الشرق الأوسط»)
بابا الفاتيكان مستقبلاً الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى سبتمبر الماضي («الشرق الأوسط»)

أضحت الأصولية والتطرف والغلو وبالاً على البشرية في حاضرات أيامنا، ولهذا باتت مسؤولية مكافحتها تقع على عاتق كل فئات المجتمع، وبنوع خاص المسؤولين عن الحواضن الدينية، ومردّ ذلك أن الأديان هي المسلمات المؤكدة، التي يمضي وراءها المؤمنون بها، وحال استقام قادتها في طريق اللقاء والاتفاق وتباعدت عنهم سبل الخلاف والافتراق، فإن الناظر إلى المشهد يدرك أن القادم أفضل وأن المواجهة أنجع وأفعل حال اتحاد الجهود والاتفاق على طيب العقود والعهود من أجل خير الإنسان في كل زمان ومكان.

في هذا السياق لا بد من الوقوف أمام الجهود التي تقوم بها رابطة العالم الإسلامي في الغرب من أجل الوصل الحضاري مع شعوب وأمم العالم، وقد كان مؤتمرها الأخير في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة خطوة فاعلة في سبيل بناء مزيد من الجسور للتواصل والتعاطي بطريقة صادقة ممنهجة مع إشكاليات الإسلام والمسلمين في الغرب.
على أن الزيارة التي قام بها أمين عام الرابطة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى إلى حاضرة الفاتيكان واللقاء مع البابا فرنسيس بابا روما، وتالياً مع الكاردينال جان لويس توران رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان، قد اكتسبت أهمية ومذاقاً خاصّين في هذا التوقيت الملتهب من جراء خطايا الأصوليين وتطرف المتطرفين في كل أرجاء الأرض ومن كل أتباع الأديان، رغم أن الدين والعنف لا يتفقان، سيما أن الديانات تملك موارد أخلاقية قادرة على المساهمة في الأخوة والسلام.

الرابطة دعوة للوفاق لا للافتراق
تُعرّف رابطة العالم الإسلامي بأنها منظمة إسلامية شعبية عالمية مقرها مكة المكرمة، وتُعنى بالدعوة الإسلامية ومد جسور التعاون الإسلامي والإنساني مع الجميع، وتنسّق الجهود في مجالات التعريف بالإسلام وشرح مبادئه وتعاليمه ودحض الشبهات والافتراءات ضده.
ولعل الذين تابعوا أعمال مؤتمر الرابطة الأخير الذي عُقد في مكة المكرمة في مارس (آذار) الماضي قد توقفوا طويلاً أمام الميثاق الذي صدر عنه، وطالب الهيئات والمؤسسات الحكومية والأهلية في العالم الإسلامي بترسيخ القيم العليا في الإسلام الداعية إلى المحبة والبر والتسامح والتعايش والوئام والحيلولة دون أسباب النزاع والفرقة والكراهية، ومن ذلك تفهم سُنة الخالق في الاختلاف والتنوع والتعددية.
الميثاق نفسه دعا الهيئات والمؤسسات والمراكز الإسلامية الحكومية والأهلية إلى توعية الشباب المسلم بخطر الأفكار المتطرفة والتصدي للرسائل السلبية التي تبثها الوسائل الإعلامية الإرهابية، لا سيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي والدخول في تفاصيلها وتفكيكها.
والشاهد أن أهمية ذلك المؤتمر أنه نبّه، ومن جديد، إلى أن الإرهاب ليس قضية مواجهة أمنية أو عسكرية فحسب، على أهمية الأمر هنا، بل هي مواجهة قائمة في عالم افتراضي واسع لا نطاق جغرافياً له، وعليه يمكن حصاره، ومن هنا تتأتى حتمية تضافر الجهود الإنسانية والإيمانية مع جميع أتباع الأديان.

العيسى... الانفتاح الخلاق لا الانغلاق
مَن يصنع الأشياء العظيمة.. الأشخاص أم الأحداث؟ اتفق جمهور العلماء على أن الأشخاص هم الفاعلون الحقيقيون وهم من يخلقون الأحداث ويدفعونها دفعاً نحو الآفاق.
في هذا السياق يعنّ لنا أن نتوقف أمام شخصية الدكتور العيسى الذي يقود اليوم رابطة العالم الإسلامي وفكره المنطلق في الآفاق الذي مهّد الطريق إلى اللقاء في حاضرة الفاتيكان.
يكرس العيسى وقته وجهوده الدائمة لتبيان حقيقة الإسلام ومبادئه السمحة ودأبها في ترسيخ منهج الوسطية والاعتدال، ويشدد أبداً ودوماً على التصدي لتيارات الغلو والتطرف، ويدفع لجهة الانفتاح الإيجابي المتوازن على الثقافات والحضارات كافة أخذاً وعطاءً.
ولعل الذين تابعوا الكلمة التي ألقاها الشيخ العيسى في مؤتمر «التعايش الاجتماعي وتنوع الديانات» في مدينة ديربن بجنوب أفريقيا في شهر أبريل (نيسان) الماضي، قد وقر لديهم شعور بأن رابطة العالم الإسلامي تلعب هذه الأيام دوراً ريادياً في محاربة دعوات الكراهية والأصولية.
في كلمته قال الشيخ الدكتور العيسى: «إن الشعوب الواعية وممثلي الأديان والعلماء والمفكرين ومؤسسات التعليم ومنصات التأثير يجب أن تحارب ظاهرة الكراهية التي سببت الكثير من المآسي وأوقدت الكثير من الحروب».
وعند العيسى أيضاً أن التطرف استفاد من ظاهرة الكراهية لأنها دعمت نظرياته وزادت من أتباعه، حيث يقوم الإرهاب على أساس أن الآخر يكرهنا ويحاربنا، وعندما يكون هذا واقعاً فإنه يصدق نظرية الإرهاب، لذلك لا بد من مواجهة الكراهية بعزيمة قوية ووعي كامل بمخاطرها حتى نعيش في سلام.
في هذا الإطار يمكننا أن نطرح علامة استفهام: هل هي مصادفة قدرية أم موضوعية أن يوجد الدكتور العيسى على رأس رابطة العالم الإسلامي في الوقت الذي يترأس فيه السدة البطرسية في الفاتيكان فرنسيس الرجل المحبوب من العالم الإسلامي، كظاهرة فريدة في تاريخ العلاقات بين الطرفين، لا سيما بعد المواقف المشهودة الحاسمة والحازمة إيجاباً لا سلباً تجاه الإسلام والمسلمين عبر سنوات حبريته الأربع الماضية، وقضاياهم المشتعلة، سيما الإسلاموفوبيا البغيضة، تلك التي باتت تطارد جموع المسلمين في أوروبا وأميركا والتي ينكرها الرجل ويدعو إلى ثقافة اللقاء والحوار والنظر إلى الآخر نظرة ملؤها الأخوة والمحبة والسلام؟

فرنسيس والأصولية المنبوذة
تكاد الأرواح تتلاقى بين البابا فرنسيس والدكتور العيسى في طريق مواجهة الأصولية الخطيرة، ففي لقائه مع السفراء المعتمدين لدى الكرسي الرسولي أول العام ندد البابا فرنسيس بـ«الجنون القاتل» للإرهاب الأصولي، ودعا مجدداً كل السلطات الدينية والسياسية إلى التوحد في التصدي للمتطرفين.
يذهب بابا روما إلى أننا ندرك، وللأسف، أن الاختيار الديني في يومنا هذا، عوضاً عن الانفتاح على الآخرين، يمكن أن يُستخدم ذريعةً للانغلاق والتهميش والعنف «وقد أشار بنوع خاص إلى الإرهاب الذي يحمل صبغة أصولية»، والذي حصد في العام المنصرم الكثير من الضحايا في مختلف أنحاء العالم، في أفغانستان وبنغلاديش وبلجيكا وبوركينا فاسو ومصر وفرنسا وألمانيا والأردن والعراق ونيجيريا وباكستان والولايات المتحدة الأميركية وتونس وتركيا.
الأصولية التي تقود إلى الإرهاب عند الحبر الأعظم جنون قاتل يسيء استخدام الله من أجل نشر الموت، في محاولة منه لفرض رغبة السيطرة والتسلط، ولهذا أطلق الرجل ذو الرداء الأبيض نداء إلى كل السلطات الدينية كي تتوحد في التأكيد بقوة أنه لا يمكن لأحد أن يقتل باسم الله، معتبراً أن «الإرهاب الأصولي هو ثمرة بؤس روحي ذريع يكون أحياناً مرتبطاً بفقر اجتماعي كبير، ويمكن أن يُهزم بالكامل فقط من خلال إسهام مشترك من قبل القادة الدينيين والسياسيين».
هل من وصية واجبة الوجود يطلقها فرنسيس لكل القادة الدينيين والسياسيين في هذا الإطار؟
من أجل مكافحة خلاقة للأصولية التي تقود إلى الإرهاب يسطر البابا «على هؤلاء واجب نقل القيم الدينية التي لا تقبل أي تناقضات بين مخافة الله ومحبة القريب، ولهؤلاء الأخيرين واجب ضمان الحق في الحرية الدينية في الحيز العام، مقرّين بالإسهام الإيجابي والبنّاء الذي تقدمه من أجل بناء مجتمع مدني لا تعتبر فيه متناقضة الانتماءات الاجتماعية حسب مبدأ المواطنة والبعد الروحي للحياة، ومن مسؤولية الحكام أيضاً أن يَحولوا دون توفر الشروط التي تصير أرضاً خصبة لانتشار الأصولية.

الأصولية خطر كامن في الجماعة الدينية
هل الأصولية التي تسعى رابطة العالم الإسلامي مع الفاتيكان لمواجهتها مقتصرة على دين بعينه أو ملة قائمة بذاتها؟
في لقاء روما الأخير كان الدكتور العيسى يؤكد أنه ليس هناك دين في أصله متطرف، وقد شدد على أن أي دين لا يخلو من بعض الأتباع المتطرفين، مبيناً أن الرابطة ترحب بالتواصل والتعاون مع الفاتيكان من خلال المجلس البابوي في كل ما يحقق الأهداف المشتركة لا سيما نشر السلام والوئام.
يكاد حديث الدكتور العيسى هنا يتطابق بالمطلق مع تصريحات البابا فرنسيس في ديسمبر (كانون الأول) الماضي عبر حديثه لصحيفة «تيرتيو» الكاثوليكية البلجيكية، حينما أشار إلى أن «لكل الأديان جماعات أصولية»، مؤكداً «جميع الأديان، حتى نحن أيضاً».
البابا في حديثه أشار إلى أنه «ليس هناك دين يمكنه إثارة الحرب بحد ذاته فلا يمكن إشعال فتيل الحرب وفقاً لأي دين»، وبالتالي «فإن الإرهاب والحرب لا علاقة لهما بالدين»، بل إنهما يستخدمان تشوهات دينية لتبرير أعمالهما.
تجيء مواقف البابا فرنسيس وسط تصاعد متزايد لليمين المتطرف أوروبياً وأميركياً، وبنوع خاص بدأت أوروبا تستشعر حالة من القلق بعد فوز حزب «البديل من أجل ألمانيا» في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وجميع الاتجاهات القومية الشوفينية تجتمع مع القوى الكارهة للإسلام والمسلمين حول ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، والقول بأن الإسلام كدين والمسلمين كمؤمنين هم أصل ومنبع الإرهاب.
هنا نطالع رأياً مغايراً للبابا فرنسيس ضمّنه رسالته بمناسبة اليوم العالمي للسلام الذي يصادف الأول من يناير (كانون الثاني) من كل عام، قال فيه بحزم وحسم: «أكرر وبقوة أنه ليس هناك دين إرهابي، وأن العنف تدنيس لاسم الله»، وأردف: «علينا ألا نكلّ أبداً من تكرار أن اسم الله لا يمكنه تبرير العنف مطلقا»، فـ«السلام وحده مقدس، وليست الحرب»، مضيفاً أن «قوة السلاح خادعة» وأن «الكنيسة ملتزمة بتنفيذ استراتيجيات اللاعنف لتعزيز السلام في العديد من البلدان»، وذلك من خلال «حث الجهات الفاعلة الأكثر عنفاً على بذل الجهود لبناء سلام عادل».

البابا والعيسى خدمة السلام ونشر الوئام
في اللقاء الذي جمع البابا فرنسيس بالشيخ العيسى بدا واضحاً ومن خلال تبادل وجهات النظر حول عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك أن هناك توجهاً إيجابياً خلاقاً للعمل معاً من أجل صالح السلام والوئام العالمي، وبخاصة التعاون بين الفاتيكان والعالم الإسلامي في قضايا السلام والتعايش ونشر المحبة.
لم يكن اللقاء صورياً، سيما أنه قد تم التطرق إلى ضرورة مراجعة التعليم المدرسي لمواجهة الأصولية.
وأمام هذه الجزئية تحديداً نذكّر بما أشار إليه الشيخ العيسى من قبل حين ذهب إلى أن مخالفة حتمية التعايش أنتجت صراع وصدام الحضارات الذي خلّف الكثير من المآسي والحروب، ومن أسباب هذا الصراع تقصير دور التعليم في اتخاذ خطوات إيجابية نحو تحفيز التفكير في عقول الأجيال بعيداً عن البرمجة والتلقين، ووجوب تعليمهم كيف يفكرون وكيف يختارون بعيداً عن البرمجة السلبية التي تصبح أداة سهلة لأي توظيف يدار عن طريق تكثيف التأثير أو إثارة العواطف أو الإيحاء عن طريق ما يسمى العقل الجمعي، ومن هنا يتم خلق الكراهية وسلبيات الصراع الديني والفكري والحضاري لينشأ لاحقاً الصدام والتشدد والتطرف، حيث الكل خاسر.

الرابطة والفاتيكان... ثقافة اللقاء
كم هي ملحة ثقافة اللقاء لعالمنا هذا الذي يبني الجدران أحياناً ويحوّل الكابوس الأسوأ إلى واقع وحقيقة، إلى العيش كأعداء.
لذلك يحيي المتابع عالياً نتائج هذا اللقاء التقدمي الذي يقطع الطريق على دعاة الكراهية والخصام، سيما بعدما قررت الرابطة المؤلفة من 6 أشخاص بالإضافة إلى المعنيين في الدائرة البابوية تعيين «لجنة دائمة مشتركة في المستقبل القريب»، كما ورد في بيان صدر عن الكرسي الرسولي بعد اللقاء، للتنسيق بين الجانبين.
زيارة الدكتور العيسى ووفد رابطة العالم الإسلامي لحاضرة الفاتيكان اعتبرها الكاردينال «توران» مناسبة لفتح صفحة جديدة من الصداقة والتعاون بين الفاتيكان والعالم الإسلامي، لمواجهة التحديات والأخطار التي تواجه العالم اليوم وتحتاج إلى تكاتف الجميع.
الزيارة القيمة لوفد الرابطة أيضاً عمدت إلى مقابلة جماعة «سانت إيغيديو» المشهورة ببحثها عن السلام العالمي، ولقاء رئيس لجنة الحوار فيها «أندريا ترينتي» الذي أوضح بدوره أن المنظمة تتطلع من خلال هذه الزيارة إلى فتح آفاق جديدة مع الشرق ليكون السلام هو الهدف الأساسي من هذا التعاون لمواجهة جميع التحديات والعقبات التي تواجه الإنسانية.

هل من خلاصة؟
اللقاء المتميز الأخير يوضح عمق وثقل المسؤولية الملقاة على عاتق رجال الدين وقادة الجمعيات الدينية، هؤلاء قادرون على مساعدة المجتمعات الإنسانية على فهم مبدأ مسؤولية الحماية من التطرف والغلو والأصولية... الديانات تساعد على التمييز بين الخير والشر وعلى ممارسة الخير من خلال الأعمال الحسنة، والصلاة مدعوة إلى بناء ثقافة اللقاء والسلام المصنوعة من الصبر والتفاهم والخطوات المتواضعة والملموسة.
المشاعر الدينية الحقيقية بعيدة كل البعد عن العنف، ومن هذا المنطلق يتعين على القادة الدينيين أن يعززوا الإقرار في الإرث القانوني العالمي المرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقيم الدينية الحقيقية...
المحبة والتضامن والحوار واحترام الآخرين... الحل وبداية الطريق لمواجهة الأصولية الشريرة.


مقالات ذات صلة

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يوميات الشرق جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير القادم، ما الذي يتم إعداده للزائر؟

عبير مشخص (لندن)
ثقافة وفنون المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الدكتور سالم بن محمد المالك (صورة من الموقع الرسمي للإيسيسكو)

«الإيسيسكو» تؤكد أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي

أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، الدكتور سالم بن محمد المالك، أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
أوروبا رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس يتحدث خلال اجتماع ترشيح الحزب في أوسنابروك ودائرة ميتيلمس في ألاندو بالهاوس (د.ب.أ)

زعيم المعارضة الألمانية يؤيد تدريب أئمة المساجد في ألمانيا

أعرب زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس عن اعتقاده بأن تدريب الأئمة في «الكليةالإسلامية بألمانيا» أمر معقول.

«الشرق الأوسط» (أوسنابروك (ألمانيا))
المشرق العربي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬ في خطبة الجمعة بأكبر جوامع مدينة دار السلام التنزانية

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬، خطبةَ الجمعة ضمن زيارة لتنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)
شمال افريقيا شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها «جامعة العلوم الإسلامية الماليزية» (مشيخة الأزهر)

شيخ الأزهر: مأساة فلسطين «جريمة إبادة جماعية» تجاوزت بشاعتها كل الحدود

لفت شيخ الأزهر إلى أن «ظاهرة جرأة البعض على التكفير والتفسيق وما تسوغه من استباحة للنفوس والأعراض والأموال، هي ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».