مواجهة عالمية ضد الأصولية والإرهاب

يكرس د. العيسى جهوده لتبيان حقيقة الإسلام ومبادئه السمحة في ترسيخ منهج الوسطية والاعتدال

بابا الفاتيكان مستقبلاً الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى سبتمبر الماضي («الشرق الأوسط»)
بابا الفاتيكان مستقبلاً الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى سبتمبر الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

مواجهة عالمية ضد الأصولية والإرهاب

بابا الفاتيكان مستقبلاً الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى سبتمبر الماضي («الشرق الأوسط»)
بابا الفاتيكان مستقبلاً الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى سبتمبر الماضي («الشرق الأوسط»)

أضحت الأصولية والتطرف والغلو وبالاً على البشرية في حاضرات أيامنا، ولهذا باتت مسؤولية مكافحتها تقع على عاتق كل فئات المجتمع، وبنوع خاص المسؤولين عن الحواضن الدينية، ومردّ ذلك أن الأديان هي المسلمات المؤكدة، التي يمضي وراءها المؤمنون بها، وحال استقام قادتها في طريق اللقاء والاتفاق وتباعدت عنهم سبل الخلاف والافتراق، فإن الناظر إلى المشهد يدرك أن القادم أفضل وأن المواجهة أنجع وأفعل حال اتحاد الجهود والاتفاق على طيب العقود والعهود من أجل خير الإنسان في كل زمان ومكان.

في هذا السياق لا بد من الوقوف أمام الجهود التي تقوم بها رابطة العالم الإسلامي في الغرب من أجل الوصل الحضاري مع شعوب وأمم العالم، وقد كان مؤتمرها الأخير في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة خطوة فاعلة في سبيل بناء مزيد من الجسور للتواصل والتعاطي بطريقة صادقة ممنهجة مع إشكاليات الإسلام والمسلمين في الغرب.
على أن الزيارة التي قام بها أمين عام الرابطة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى إلى حاضرة الفاتيكان واللقاء مع البابا فرنسيس بابا روما، وتالياً مع الكاردينال جان لويس توران رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان، قد اكتسبت أهمية ومذاقاً خاصّين في هذا التوقيت الملتهب من جراء خطايا الأصوليين وتطرف المتطرفين في كل أرجاء الأرض ومن كل أتباع الأديان، رغم أن الدين والعنف لا يتفقان، سيما أن الديانات تملك موارد أخلاقية قادرة على المساهمة في الأخوة والسلام.

الرابطة دعوة للوفاق لا للافتراق
تُعرّف رابطة العالم الإسلامي بأنها منظمة إسلامية شعبية عالمية مقرها مكة المكرمة، وتُعنى بالدعوة الإسلامية ومد جسور التعاون الإسلامي والإنساني مع الجميع، وتنسّق الجهود في مجالات التعريف بالإسلام وشرح مبادئه وتعاليمه ودحض الشبهات والافتراءات ضده.
ولعل الذين تابعوا أعمال مؤتمر الرابطة الأخير الذي عُقد في مكة المكرمة في مارس (آذار) الماضي قد توقفوا طويلاً أمام الميثاق الذي صدر عنه، وطالب الهيئات والمؤسسات الحكومية والأهلية في العالم الإسلامي بترسيخ القيم العليا في الإسلام الداعية إلى المحبة والبر والتسامح والتعايش والوئام والحيلولة دون أسباب النزاع والفرقة والكراهية، ومن ذلك تفهم سُنة الخالق في الاختلاف والتنوع والتعددية.
الميثاق نفسه دعا الهيئات والمؤسسات والمراكز الإسلامية الحكومية والأهلية إلى توعية الشباب المسلم بخطر الأفكار المتطرفة والتصدي للرسائل السلبية التي تبثها الوسائل الإعلامية الإرهابية، لا سيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي والدخول في تفاصيلها وتفكيكها.
والشاهد أن أهمية ذلك المؤتمر أنه نبّه، ومن جديد، إلى أن الإرهاب ليس قضية مواجهة أمنية أو عسكرية فحسب، على أهمية الأمر هنا، بل هي مواجهة قائمة في عالم افتراضي واسع لا نطاق جغرافياً له، وعليه يمكن حصاره، ومن هنا تتأتى حتمية تضافر الجهود الإنسانية والإيمانية مع جميع أتباع الأديان.

العيسى... الانفتاح الخلاق لا الانغلاق
مَن يصنع الأشياء العظيمة.. الأشخاص أم الأحداث؟ اتفق جمهور العلماء على أن الأشخاص هم الفاعلون الحقيقيون وهم من يخلقون الأحداث ويدفعونها دفعاً نحو الآفاق.
في هذا السياق يعنّ لنا أن نتوقف أمام شخصية الدكتور العيسى الذي يقود اليوم رابطة العالم الإسلامي وفكره المنطلق في الآفاق الذي مهّد الطريق إلى اللقاء في حاضرة الفاتيكان.
يكرس العيسى وقته وجهوده الدائمة لتبيان حقيقة الإسلام ومبادئه السمحة ودأبها في ترسيخ منهج الوسطية والاعتدال، ويشدد أبداً ودوماً على التصدي لتيارات الغلو والتطرف، ويدفع لجهة الانفتاح الإيجابي المتوازن على الثقافات والحضارات كافة أخذاً وعطاءً.
ولعل الذين تابعوا الكلمة التي ألقاها الشيخ العيسى في مؤتمر «التعايش الاجتماعي وتنوع الديانات» في مدينة ديربن بجنوب أفريقيا في شهر أبريل (نيسان) الماضي، قد وقر لديهم شعور بأن رابطة العالم الإسلامي تلعب هذه الأيام دوراً ريادياً في محاربة دعوات الكراهية والأصولية.
في كلمته قال الشيخ الدكتور العيسى: «إن الشعوب الواعية وممثلي الأديان والعلماء والمفكرين ومؤسسات التعليم ومنصات التأثير يجب أن تحارب ظاهرة الكراهية التي سببت الكثير من المآسي وأوقدت الكثير من الحروب».
وعند العيسى أيضاً أن التطرف استفاد من ظاهرة الكراهية لأنها دعمت نظرياته وزادت من أتباعه، حيث يقوم الإرهاب على أساس أن الآخر يكرهنا ويحاربنا، وعندما يكون هذا واقعاً فإنه يصدق نظرية الإرهاب، لذلك لا بد من مواجهة الكراهية بعزيمة قوية ووعي كامل بمخاطرها حتى نعيش في سلام.
في هذا الإطار يمكننا أن نطرح علامة استفهام: هل هي مصادفة قدرية أم موضوعية أن يوجد الدكتور العيسى على رأس رابطة العالم الإسلامي في الوقت الذي يترأس فيه السدة البطرسية في الفاتيكان فرنسيس الرجل المحبوب من العالم الإسلامي، كظاهرة فريدة في تاريخ العلاقات بين الطرفين، لا سيما بعد المواقف المشهودة الحاسمة والحازمة إيجاباً لا سلباً تجاه الإسلام والمسلمين عبر سنوات حبريته الأربع الماضية، وقضاياهم المشتعلة، سيما الإسلاموفوبيا البغيضة، تلك التي باتت تطارد جموع المسلمين في أوروبا وأميركا والتي ينكرها الرجل ويدعو إلى ثقافة اللقاء والحوار والنظر إلى الآخر نظرة ملؤها الأخوة والمحبة والسلام؟

فرنسيس والأصولية المنبوذة
تكاد الأرواح تتلاقى بين البابا فرنسيس والدكتور العيسى في طريق مواجهة الأصولية الخطيرة، ففي لقائه مع السفراء المعتمدين لدى الكرسي الرسولي أول العام ندد البابا فرنسيس بـ«الجنون القاتل» للإرهاب الأصولي، ودعا مجدداً كل السلطات الدينية والسياسية إلى التوحد في التصدي للمتطرفين.
يذهب بابا روما إلى أننا ندرك، وللأسف، أن الاختيار الديني في يومنا هذا، عوضاً عن الانفتاح على الآخرين، يمكن أن يُستخدم ذريعةً للانغلاق والتهميش والعنف «وقد أشار بنوع خاص إلى الإرهاب الذي يحمل صبغة أصولية»، والذي حصد في العام المنصرم الكثير من الضحايا في مختلف أنحاء العالم، في أفغانستان وبنغلاديش وبلجيكا وبوركينا فاسو ومصر وفرنسا وألمانيا والأردن والعراق ونيجيريا وباكستان والولايات المتحدة الأميركية وتونس وتركيا.
الأصولية التي تقود إلى الإرهاب عند الحبر الأعظم جنون قاتل يسيء استخدام الله من أجل نشر الموت، في محاولة منه لفرض رغبة السيطرة والتسلط، ولهذا أطلق الرجل ذو الرداء الأبيض نداء إلى كل السلطات الدينية كي تتوحد في التأكيد بقوة أنه لا يمكن لأحد أن يقتل باسم الله، معتبراً أن «الإرهاب الأصولي هو ثمرة بؤس روحي ذريع يكون أحياناً مرتبطاً بفقر اجتماعي كبير، ويمكن أن يُهزم بالكامل فقط من خلال إسهام مشترك من قبل القادة الدينيين والسياسيين».
هل من وصية واجبة الوجود يطلقها فرنسيس لكل القادة الدينيين والسياسيين في هذا الإطار؟
من أجل مكافحة خلاقة للأصولية التي تقود إلى الإرهاب يسطر البابا «على هؤلاء واجب نقل القيم الدينية التي لا تقبل أي تناقضات بين مخافة الله ومحبة القريب، ولهؤلاء الأخيرين واجب ضمان الحق في الحرية الدينية في الحيز العام، مقرّين بالإسهام الإيجابي والبنّاء الذي تقدمه من أجل بناء مجتمع مدني لا تعتبر فيه متناقضة الانتماءات الاجتماعية حسب مبدأ المواطنة والبعد الروحي للحياة، ومن مسؤولية الحكام أيضاً أن يَحولوا دون توفر الشروط التي تصير أرضاً خصبة لانتشار الأصولية.

الأصولية خطر كامن في الجماعة الدينية
هل الأصولية التي تسعى رابطة العالم الإسلامي مع الفاتيكان لمواجهتها مقتصرة على دين بعينه أو ملة قائمة بذاتها؟
في لقاء روما الأخير كان الدكتور العيسى يؤكد أنه ليس هناك دين في أصله متطرف، وقد شدد على أن أي دين لا يخلو من بعض الأتباع المتطرفين، مبيناً أن الرابطة ترحب بالتواصل والتعاون مع الفاتيكان من خلال المجلس البابوي في كل ما يحقق الأهداف المشتركة لا سيما نشر السلام والوئام.
يكاد حديث الدكتور العيسى هنا يتطابق بالمطلق مع تصريحات البابا فرنسيس في ديسمبر (كانون الأول) الماضي عبر حديثه لصحيفة «تيرتيو» الكاثوليكية البلجيكية، حينما أشار إلى أن «لكل الأديان جماعات أصولية»، مؤكداً «جميع الأديان، حتى نحن أيضاً».
البابا في حديثه أشار إلى أنه «ليس هناك دين يمكنه إثارة الحرب بحد ذاته فلا يمكن إشعال فتيل الحرب وفقاً لأي دين»، وبالتالي «فإن الإرهاب والحرب لا علاقة لهما بالدين»، بل إنهما يستخدمان تشوهات دينية لتبرير أعمالهما.
تجيء مواقف البابا فرنسيس وسط تصاعد متزايد لليمين المتطرف أوروبياً وأميركياً، وبنوع خاص بدأت أوروبا تستشعر حالة من القلق بعد فوز حزب «البديل من أجل ألمانيا» في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وجميع الاتجاهات القومية الشوفينية تجتمع مع القوى الكارهة للإسلام والمسلمين حول ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، والقول بأن الإسلام كدين والمسلمين كمؤمنين هم أصل ومنبع الإرهاب.
هنا نطالع رأياً مغايراً للبابا فرنسيس ضمّنه رسالته بمناسبة اليوم العالمي للسلام الذي يصادف الأول من يناير (كانون الثاني) من كل عام، قال فيه بحزم وحسم: «أكرر وبقوة أنه ليس هناك دين إرهابي، وأن العنف تدنيس لاسم الله»، وأردف: «علينا ألا نكلّ أبداً من تكرار أن اسم الله لا يمكنه تبرير العنف مطلقا»، فـ«السلام وحده مقدس، وليست الحرب»، مضيفاً أن «قوة السلاح خادعة» وأن «الكنيسة ملتزمة بتنفيذ استراتيجيات اللاعنف لتعزيز السلام في العديد من البلدان»، وذلك من خلال «حث الجهات الفاعلة الأكثر عنفاً على بذل الجهود لبناء سلام عادل».

البابا والعيسى خدمة السلام ونشر الوئام
في اللقاء الذي جمع البابا فرنسيس بالشيخ العيسى بدا واضحاً ومن خلال تبادل وجهات النظر حول عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك أن هناك توجهاً إيجابياً خلاقاً للعمل معاً من أجل صالح السلام والوئام العالمي، وبخاصة التعاون بين الفاتيكان والعالم الإسلامي في قضايا السلام والتعايش ونشر المحبة.
لم يكن اللقاء صورياً، سيما أنه قد تم التطرق إلى ضرورة مراجعة التعليم المدرسي لمواجهة الأصولية.
وأمام هذه الجزئية تحديداً نذكّر بما أشار إليه الشيخ العيسى من قبل حين ذهب إلى أن مخالفة حتمية التعايش أنتجت صراع وصدام الحضارات الذي خلّف الكثير من المآسي والحروب، ومن أسباب هذا الصراع تقصير دور التعليم في اتخاذ خطوات إيجابية نحو تحفيز التفكير في عقول الأجيال بعيداً عن البرمجة والتلقين، ووجوب تعليمهم كيف يفكرون وكيف يختارون بعيداً عن البرمجة السلبية التي تصبح أداة سهلة لأي توظيف يدار عن طريق تكثيف التأثير أو إثارة العواطف أو الإيحاء عن طريق ما يسمى العقل الجمعي، ومن هنا يتم خلق الكراهية وسلبيات الصراع الديني والفكري والحضاري لينشأ لاحقاً الصدام والتشدد والتطرف، حيث الكل خاسر.

الرابطة والفاتيكان... ثقافة اللقاء
كم هي ملحة ثقافة اللقاء لعالمنا هذا الذي يبني الجدران أحياناً ويحوّل الكابوس الأسوأ إلى واقع وحقيقة، إلى العيش كأعداء.
لذلك يحيي المتابع عالياً نتائج هذا اللقاء التقدمي الذي يقطع الطريق على دعاة الكراهية والخصام، سيما بعدما قررت الرابطة المؤلفة من 6 أشخاص بالإضافة إلى المعنيين في الدائرة البابوية تعيين «لجنة دائمة مشتركة في المستقبل القريب»، كما ورد في بيان صدر عن الكرسي الرسولي بعد اللقاء، للتنسيق بين الجانبين.
زيارة الدكتور العيسى ووفد رابطة العالم الإسلامي لحاضرة الفاتيكان اعتبرها الكاردينال «توران» مناسبة لفتح صفحة جديدة من الصداقة والتعاون بين الفاتيكان والعالم الإسلامي، لمواجهة التحديات والأخطار التي تواجه العالم اليوم وتحتاج إلى تكاتف الجميع.
الزيارة القيمة لوفد الرابطة أيضاً عمدت إلى مقابلة جماعة «سانت إيغيديو» المشهورة ببحثها عن السلام العالمي، ولقاء رئيس لجنة الحوار فيها «أندريا ترينتي» الذي أوضح بدوره أن المنظمة تتطلع من خلال هذه الزيارة إلى فتح آفاق جديدة مع الشرق ليكون السلام هو الهدف الأساسي من هذا التعاون لمواجهة جميع التحديات والعقبات التي تواجه الإنسانية.

هل من خلاصة؟
اللقاء المتميز الأخير يوضح عمق وثقل المسؤولية الملقاة على عاتق رجال الدين وقادة الجمعيات الدينية، هؤلاء قادرون على مساعدة المجتمعات الإنسانية على فهم مبدأ مسؤولية الحماية من التطرف والغلو والأصولية... الديانات تساعد على التمييز بين الخير والشر وعلى ممارسة الخير من خلال الأعمال الحسنة، والصلاة مدعوة إلى بناء ثقافة اللقاء والسلام المصنوعة من الصبر والتفاهم والخطوات المتواضعة والملموسة.
المشاعر الدينية الحقيقية بعيدة كل البعد عن العنف، ومن هذا المنطلق يتعين على القادة الدينيين أن يعززوا الإقرار في الإرث القانوني العالمي المرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقيم الدينية الحقيقية...
المحبة والتضامن والحوار واحترام الآخرين... الحل وبداية الطريق لمواجهة الأصولية الشريرة.


مقالات ذات صلة

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يوميات الشرق جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير القادم، ما الذي يتم إعداده للزائر؟

عبير مشخص (لندن)
ثقافة وفنون المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الدكتور سالم بن محمد المالك (صورة من الموقع الرسمي للإيسيسكو)

«الإيسيسكو» تؤكد أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي

أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، الدكتور سالم بن محمد المالك، أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
أوروبا رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس يتحدث خلال اجتماع ترشيح الحزب في أوسنابروك ودائرة ميتيلمس في ألاندو بالهاوس (د.ب.أ)

زعيم المعارضة الألمانية يؤيد تدريب أئمة المساجد في ألمانيا

أعرب زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس عن اعتقاده بأن تدريب الأئمة في «الكليةالإسلامية بألمانيا» أمر معقول.

«الشرق الأوسط» (أوسنابروك (ألمانيا))
المشرق العربي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬ في خطبة الجمعة بأكبر جوامع مدينة دار السلام التنزانية

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬، خطبةَ الجمعة ضمن زيارة لتنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)
شمال افريقيا شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها «جامعة العلوم الإسلامية الماليزية» (مشيخة الأزهر)

شيخ الأزهر: مأساة فلسطين «جريمة إبادة جماعية» تجاوزت بشاعتها كل الحدود

لفت شيخ الأزهر إلى أن «ظاهرة جرأة البعض على التكفير والتفسيق وما تسوغه من استباحة للنفوس والأعراض والأموال، هي ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.