مواجهة عالمية ضد الأصولية والإرهاب

يكرس د. العيسى جهوده لتبيان حقيقة الإسلام ومبادئه السمحة في ترسيخ منهج الوسطية والاعتدال

بابا الفاتيكان مستقبلاً الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى سبتمبر الماضي («الشرق الأوسط»)
بابا الفاتيكان مستقبلاً الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى سبتمبر الماضي («الشرق الأوسط»)
TT

مواجهة عالمية ضد الأصولية والإرهاب

بابا الفاتيكان مستقبلاً الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى سبتمبر الماضي («الشرق الأوسط»)
بابا الفاتيكان مستقبلاً الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور محمد العيسى سبتمبر الماضي («الشرق الأوسط»)

أضحت الأصولية والتطرف والغلو وبالاً على البشرية في حاضرات أيامنا، ولهذا باتت مسؤولية مكافحتها تقع على عاتق كل فئات المجتمع، وبنوع خاص المسؤولين عن الحواضن الدينية، ومردّ ذلك أن الأديان هي المسلمات المؤكدة، التي يمضي وراءها المؤمنون بها، وحال استقام قادتها في طريق اللقاء والاتفاق وتباعدت عنهم سبل الخلاف والافتراق، فإن الناظر إلى المشهد يدرك أن القادم أفضل وأن المواجهة أنجع وأفعل حال اتحاد الجهود والاتفاق على طيب العقود والعهود من أجل خير الإنسان في كل زمان ومكان.

في هذا السياق لا بد من الوقوف أمام الجهود التي تقوم بها رابطة العالم الإسلامي في الغرب من أجل الوصل الحضاري مع شعوب وأمم العالم، وقد كان مؤتمرها الأخير في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة خطوة فاعلة في سبيل بناء مزيد من الجسور للتواصل والتعاطي بطريقة صادقة ممنهجة مع إشكاليات الإسلام والمسلمين في الغرب.
على أن الزيارة التي قام بها أمين عام الرابطة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى إلى حاضرة الفاتيكان واللقاء مع البابا فرنسيس بابا روما، وتالياً مع الكاردينال جان لويس توران رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان، قد اكتسبت أهمية ومذاقاً خاصّين في هذا التوقيت الملتهب من جراء خطايا الأصوليين وتطرف المتطرفين في كل أرجاء الأرض ومن كل أتباع الأديان، رغم أن الدين والعنف لا يتفقان، سيما أن الديانات تملك موارد أخلاقية قادرة على المساهمة في الأخوة والسلام.

الرابطة دعوة للوفاق لا للافتراق
تُعرّف رابطة العالم الإسلامي بأنها منظمة إسلامية شعبية عالمية مقرها مكة المكرمة، وتُعنى بالدعوة الإسلامية ومد جسور التعاون الإسلامي والإنساني مع الجميع، وتنسّق الجهود في مجالات التعريف بالإسلام وشرح مبادئه وتعاليمه ودحض الشبهات والافتراءات ضده.
ولعل الذين تابعوا أعمال مؤتمر الرابطة الأخير الذي عُقد في مكة المكرمة في مارس (آذار) الماضي قد توقفوا طويلاً أمام الميثاق الذي صدر عنه، وطالب الهيئات والمؤسسات الحكومية والأهلية في العالم الإسلامي بترسيخ القيم العليا في الإسلام الداعية إلى المحبة والبر والتسامح والتعايش والوئام والحيلولة دون أسباب النزاع والفرقة والكراهية، ومن ذلك تفهم سُنة الخالق في الاختلاف والتنوع والتعددية.
الميثاق نفسه دعا الهيئات والمؤسسات والمراكز الإسلامية الحكومية والأهلية إلى توعية الشباب المسلم بخطر الأفكار المتطرفة والتصدي للرسائل السلبية التي تبثها الوسائل الإعلامية الإرهابية، لا سيما عبر مواقع التواصل الاجتماعي والدخول في تفاصيلها وتفكيكها.
والشاهد أن أهمية ذلك المؤتمر أنه نبّه، ومن جديد، إلى أن الإرهاب ليس قضية مواجهة أمنية أو عسكرية فحسب، على أهمية الأمر هنا، بل هي مواجهة قائمة في عالم افتراضي واسع لا نطاق جغرافياً له، وعليه يمكن حصاره، ومن هنا تتأتى حتمية تضافر الجهود الإنسانية والإيمانية مع جميع أتباع الأديان.

العيسى... الانفتاح الخلاق لا الانغلاق
مَن يصنع الأشياء العظيمة.. الأشخاص أم الأحداث؟ اتفق جمهور العلماء على أن الأشخاص هم الفاعلون الحقيقيون وهم من يخلقون الأحداث ويدفعونها دفعاً نحو الآفاق.
في هذا السياق يعنّ لنا أن نتوقف أمام شخصية الدكتور العيسى الذي يقود اليوم رابطة العالم الإسلامي وفكره المنطلق في الآفاق الذي مهّد الطريق إلى اللقاء في حاضرة الفاتيكان.
يكرس العيسى وقته وجهوده الدائمة لتبيان حقيقة الإسلام ومبادئه السمحة ودأبها في ترسيخ منهج الوسطية والاعتدال، ويشدد أبداً ودوماً على التصدي لتيارات الغلو والتطرف، ويدفع لجهة الانفتاح الإيجابي المتوازن على الثقافات والحضارات كافة أخذاً وعطاءً.
ولعل الذين تابعوا الكلمة التي ألقاها الشيخ العيسى في مؤتمر «التعايش الاجتماعي وتنوع الديانات» في مدينة ديربن بجنوب أفريقيا في شهر أبريل (نيسان) الماضي، قد وقر لديهم شعور بأن رابطة العالم الإسلامي تلعب هذه الأيام دوراً ريادياً في محاربة دعوات الكراهية والأصولية.
في كلمته قال الشيخ الدكتور العيسى: «إن الشعوب الواعية وممثلي الأديان والعلماء والمفكرين ومؤسسات التعليم ومنصات التأثير يجب أن تحارب ظاهرة الكراهية التي سببت الكثير من المآسي وأوقدت الكثير من الحروب».
وعند العيسى أيضاً أن التطرف استفاد من ظاهرة الكراهية لأنها دعمت نظرياته وزادت من أتباعه، حيث يقوم الإرهاب على أساس أن الآخر يكرهنا ويحاربنا، وعندما يكون هذا واقعاً فإنه يصدق نظرية الإرهاب، لذلك لا بد من مواجهة الكراهية بعزيمة قوية ووعي كامل بمخاطرها حتى نعيش في سلام.
في هذا الإطار يمكننا أن نطرح علامة استفهام: هل هي مصادفة قدرية أم موضوعية أن يوجد الدكتور العيسى على رأس رابطة العالم الإسلامي في الوقت الذي يترأس فيه السدة البطرسية في الفاتيكان فرنسيس الرجل المحبوب من العالم الإسلامي، كظاهرة فريدة في تاريخ العلاقات بين الطرفين، لا سيما بعد المواقف المشهودة الحاسمة والحازمة إيجاباً لا سلباً تجاه الإسلام والمسلمين عبر سنوات حبريته الأربع الماضية، وقضاياهم المشتعلة، سيما الإسلاموفوبيا البغيضة، تلك التي باتت تطارد جموع المسلمين في أوروبا وأميركا والتي ينكرها الرجل ويدعو إلى ثقافة اللقاء والحوار والنظر إلى الآخر نظرة ملؤها الأخوة والمحبة والسلام؟

فرنسيس والأصولية المنبوذة
تكاد الأرواح تتلاقى بين البابا فرنسيس والدكتور العيسى في طريق مواجهة الأصولية الخطيرة، ففي لقائه مع السفراء المعتمدين لدى الكرسي الرسولي أول العام ندد البابا فرنسيس بـ«الجنون القاتل» للإرهاب الأصولي، ودعا مجدداً كل السلطات الدينية والسياسية إلى التوحد في التصدي للمتطرفين.
يذهب بابا روما إلى أننا ندرك، وللأسف، أن الاختيار الديني في يومنا هذا، عوضاً عن الانفتاح على الآخرين، يمكن أن يُستخدم ذريعةً للانغلاق والتهميش والعنف «وقد أشار بنوع خاص إلى الإرهاب الذي يحمل صبغة أصولية»، والذي حصد في العام المنصرم الكثير من الضحايا في مختلف أنحاء العالم، في أفغانستان وبنغلاديش وبلجيكا وبوركينا فاسو ومصر وفرنسا وألمانيا والأردن والعراق ونيجيريا وباكستان والولايات المتحدة الأميركية وتونس وتركيا.
الأصولية التي تقود إلى الإرهاب عند الحبر الأعظم جنون قاتل يسيء استخدام الله من أجل نشر الموت، في محاولة منه لفرض رغبة السيطرة والتسلط، ولهذا أطلق الرجل ذو الرداء الأبيض نداء إلى كل السلطات الدينية كي تتوحد في التأكيد بقوة أنه لا يمكن لأحد أن يقتل باسم الله، معتبراً أن «الإرهاب الأصولي هو ثمرة بؤس روحي ذريع يكون أحياناً مرتبطاً بفقر اجتماعي كبير، ويمكن أن يُهزم بالكامل فقط من خلال إسهام مشترك من قبل القادة الدينيين والسياسيين».
هل من وصية واجبة الوجود يطلقها فرنسيس لكل القادة الدينيين والسياسيين في هذا الإطار؟
من أجل مكافحة خلاقة للأصولية التي تقود إلى الإرهاب يسطر البابا «على هؤلاء واجب نقل القيم الدينية التي لا تقبل أي تناقضات بين مخافة الله ومحبة القريب، ولهؤلاء الأخيرين واجب ضمان الحق في الحرية الدينية في الحيز العام، مقرّين بالإسهام الإيجابي والبنّاء الذي تقدمه من أجل بناء مجتمع مدني لا تعتبر فيه متناقضة الانتماءات الاجتماعية حسب مبدأ المواطنة والبعد الروحي للحياة، ومن مسؤولية الحكام أيضاً أن يَحولوا دون توفر الشروط التي تصير أرضاً خصبة لانتشار الأصولية.

الأصولية خطر كامن في الجماعة الدينية
هل الأصولية التي تسعى رابطة العالم الإسلامي مع الفاتيكان لمواجهتها مقتصرة على دين بعينه أو ملة قائمة بذاتها؟
في لقاء روما الأخير كان الدكتور العيسى يؤكد أنه ليس هناك دين في أصله متطرف، وقد شدد على أن أي دين لا يخلو من بعض الأتباع المتطرفين، مبيناً أن الرابطة ترحب بالتواصل والتعاون مع الفاتيكان من خلال المجلس البابوي في كل ما يحقق الأهداف المشتركة لا سيما نشر السلام والوئام.
يكاد حديث الدكتور العيسى هنا يتطابق بالمطلق مع تصريحات البابا فرنسيس في ديسمبر (كانون الأول) الماضي عبر حديثه لصحيفة «تيرتيو» الكاثوليكية البلجيكية، حينما أشار إلى أن «لكل الأديان جماعات أصولية»، مؤكداً «جميع الأديان، حتى نحن أيضاً».
البابا في حديثه أشار إلى أنه «ليس هناك دين يمكنه إثارة الحرب بحد ذاته فلا يمكن إشعال فتيل الحرب وفقاً لأي دين»، وبالتالي «فإن الإرهاب والحرب لا علاقة لهما بالدين»، بل إنهما يستخدمان تشوهات دينية لتبرير أعمالهما.
تجيء مواقف البابا فرنسيس وسط تصاعد متزايد لليمين المتطرف أوروبياً وأميركياً، وبنوع خاص بدأت أوروبا تستشعر حالة من القلق بعد فوز حزب «البديل من أجل ألمانيا» في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وجميع الاتجاهات القومية الشوفينية تجتمع مع القوى الكارهة للإسلام والمسلمين حول ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، والقول بأن الإسلام كدين والمسلمين كمؤمنين هم أصل ومنبع الإرهاب.
هنا نطالع رأياً مغايراً للبابا فرنسيس ضمّنه رسالته بمناسبة اليوم العالمي للسلام الذي يصادف الأول من يناير (كانون الثاني) من كل عام، قال فيه بحزم وحسم: «أكرر وبقوة أنه ليس هناك دين إرهابي، وأن العنف تدنيس لاسم الله»، وأردف: «علينا ألا نكلّ أبداً من تكرار أن اسم الله لا يمكنه تبرير العنف مطلقا»، فـ«السلام وحده مقدس، وليست الحرب»، مضيفاً أن «قوة السلاح خادعة» وأن «الكنيسة ملتزمة بتنفيذ استراتيجيات اللاعنف لتعزيز السلام في العديد من البلدان»، وذلك من خلال «حث الجهات الفاعلة الأكثر عنفاً على بذل الجهود لبناء سلام عادل».

البابا والعيسى خدمة السلام ونشر الوئام
في اللقاء الذي جمع البابا فرنسيس بالشيخ العيسى بدا واضحاً ومن خلال تبادل وجهات النظر حول عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك أن هناك توجهاً إيجابياً خلاقاً للعمل معاً من أجل صالح السلام والوئام العالمي، وبخاصة التعاون بين الفاتيكان والعالم الإسلامي في قضايا السلام والتعايش ونشر المحبة.
لم يكن اللقاء صورياً، سيما أنه قد تم التطرق إلى ضرورة مراجعة التعليم المدرسي لمواجهة الأصولية.
وأمام هذه الجزئية تحديداً نذكّر بما أشار إليه الشيخ العيسى من قبل حين ذهب إلى أن مخالفة حتمية التعايش أنتجت صراع وصدام الحضارات الذي خلّف الكثير من المآسي والحروب، ومن أسباب هذا الصراع تقصير دور التعليم في اتخاذ خطوات إيجابية نحو تحفيز التفكير في عقول الأجيال بعيداً عن البرمجة والتلقين، ووجوب تعليمهم كيف يفكرون وكيف يختارون بعيداً عن البرمجة السلبية التي تصبح أداة سهلة لأي توظيف يدار عن طريق تكثيف التأثير أو إثارة العواطف أو الإيحاء عن طريق ما يسمى العقل الجمعي، ومن هنا يتم خلق الكراهية وسلبيات الصراع الديني والفكري والحضاري لينشأ لاحقاً الصدام والتشدد والتطرف، حيث الكل خاسر.

الرابطة والفاتيكان... ثقافة اللقاء
كم هي ملحة ثقافة اللقاء لعالمنا هذا الذي يبني الجدران أحياناً ويحوّل الكابوس الأسوأ إلى واقع وحقيقة، إلى العيش كأعداء.
لذلك يحيي المتابع عالياً نتائج هذا اللقاء التقدمي الذي يقطع الطريق على دعاة الكراهية والخصام، سيما بعدما قررت الرابطة المؤلفة من 6 أشخاص بالإضافة إلى المعنيين في الدائرة البابوية تعيين «لجنة دائمة مشتركة في المستقبل القريب»، كما ورد في بيان صدر عن الكرسي الرسولي بعد اللقاء، للتنسيق بين الجانبين.
زيارة الدكتور العيسى ووفد رابطة العالم الإسلامي لحاضرة الفاتيكان اعتبرها الكاردينال «توران» مناسبة لفتح صفحة جديدة من الصداقة والتعاون بين الفاتيكان والعالم الإسلامي، لمواجهة التحديات والأخطار التي تواجه العالم اليوم وتحتاج إلى تكاتف الجميع.
الزيارة القيمة لوفد الرابطة أيضاً عمدت إلى مقابلة جماعة «سانت إيغيديو» المشهورة ببحثها عن السلام العالمي، ولقاء رئيس لجنة الحوار فيها «أندريا ترينتي» الذي أوضح بدوره أن المنظمة تتطلع من خلال هذه الزيارة إلى فتح آفاق جديدة مع الشرق ليكون السلام هو الهدف الأساسي من هذا التعاون لمواجهة جميع التحديات والعقبات التي تواجه الإنسانية.

هل من خلاصة؟
اللقاء المتميز الأخير يوضح عمق وثقل المسؤولية الملقاة على عاتق رجال الدين وقادة الجمعيات الدينية، هؤلاء قادرون على مساعدة المجتمعات الإنسانية على فهم مبدأ مسؤولية الحماية من التطرف والغلو والأصولية... الديانات تساعد على التمييز بين الخير والشر وعلى ممارسة الخير من خلال الأعمال الحسنة، والصلاة مدعوة إلى بناء ثقافة اللقاء والسلام المصنوعة من الصبر والتفاهم والخطوات المتواضعة والملموسة.
المشاعر الدينية الحقيقية بعيدة كل البعد عن العنف، ومن هذا المنطلق يتعين على القادة الدينيين أن يعززوا الإقرار في الإرث القانوني العالمي المرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقيم الدينية الحقيقية...
المحبة والتضامن والحوار واحترام الآخرين... الحل وبداية الطريق لمواجهة الأصولية الشريرة.


مقالات ذات صلة

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يوميات الشرق جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير القادم، ما الذي يتم إعداده للزائر؟

عبير مشخص (لندن)
ثقافة وفنون المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الدكتور سالم بن محمد المالك (صورة من الموقع الرسمي للإيسيسكو)

«الإيسيسكو» تؤكد أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي

أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، الدكتور سالم بن محمد المالك، أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
أوروبا رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس يتحدث خلال اجتماع ترشيح الحزب في أوسنابروك ودائرة ميتيلمس في ألاندو بالهاوس (د.ب.أ)

زعيم المعارضة الألمانية يؤيد تدريب أئمة المساجد في ألمانيا

أعرب زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس عن اعتقاده بأن تدريب الأئمة في «الكليةالإسلامية بألمانيا» أمر معقول.

«الشرق الأوسط» (أوسنابروك (ألمانيا))
المشرق العربي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬ في خطبة الجمعة بأكبر جوامع مدينة دار السلام التنزانية

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬، خطبةَ الجمعة ضمن زيارة لتنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)
شمال افريقيا شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها «جامعة العلوم الإسلامية الماليزية» (مشيخة الأزهر)

شيخ الأزهر: مأساة فلسطين «جريمة إبادة جماعية» تجاوزت بشاعتها كل الحدود

لفت شيخ الأزهر إلى أن «ظاهرة جرأة البعض على التكفير والتفسيق وما تسوغه من استباحة للنفوس والأعراض والأموال، هي ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».