دار الأوبرا المصرية تحتفل بمرور 29 عاماً على افتتاحها

بمجموعة عروض موسيقية غربية وعربية و«باليه زوربا»

ملصق الاحتفالية
ملصق الاحتفالية
TT

دار الأوبرا المصرية تحتفل بمرور 29 عاماً على افتتاحها

ملصق الاحتفالية
ملصق الاحتفالية

تقيم دار الأوبرا المصرية اليوم الثلاثاء احتفالية فنية كبرى على المسرح الكبير بمناسبة مرور 29 عاماً على تأسيسها، بمشاركة 500 فنان يمثلون مختلف الفرق الفنية.
وتأتي الاحتفالية بالتزامن مع بدء الموسم الفني الجديد لدار الأوبرا المصرية، الذي يشهد مشاركة الكثير من الفرق الفنية المصرية والعالمية التي تقدم عروضاً جديدة لأول مرة على مسارح الأوبرا بالقاهرة والإسكندرية ودمنهور.
ويبدأ الاحتفال بافتتاحية موسيقية مارش رقم 1 للموسيقار الإنجليزي العالمي إدوارد إلغار، وبعدها يغني الكورال مع الأوركسترا جزءاً من كارمينا بورانا للموسيقار الألماني العالمي كارل أورف، ثم يغني مطربو الموسيقي العربية: «أحمد عفت، وغادة آدم، ونهاد فتحي، ونهى حافظ، وأحمد محسن، وآيات فاروق» رائعة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب «صوت الجماهير»، بتوزيع جديد للموسيقار جمال سلامة، وعقب ذلك، تقدم فرقة باليه أوبرا القاهرة رقصة السيرتاكي من باليه زوربا.
ويقدم نجوم غناء الأوبرا المصريون العالميون: إيمان مصطفى، وإنجي محسن، وعمرو مدحت، ومصطفى محمد، وهشام الجندي، مقتطفات من الفاصل الأول من أوبرا التروفاتوري للموسيقار الإيطالي العالمي فيردي، وأغنية «لا أحد ينام» من أوبرا توراندوت للموسيقار العالمي بوتشيني، بمشاركة أوركسترا القاهرة السيمفوني، بقيادة المايسترو ناير ناجي، وكورال أوبرا القاهرة تدريب الدومانياتو، وكورال أكابيلا تدريب مايا جيفينريا، وفرقة باليه أوبرا القاهرة، من تدريب وتصميم رقصات أرمينيا كامل، ونجوم الغناء الأوبرالي، وكوال وصوليست الموسيقى العربية.
ويختتم الاحتفال بالسلام الوطني المصري، كما يعرض ضمن فقرات الاحتفال فيلم وثائقي وصور أرشيفية عن أهم الشخصيات والفرق الفنية التي زارت دار الأوبرا المصرية خلال 29 عاماً، أعده سامر ماضي وخالد منير.
وقالت رئيسة دار الأوبرا المصرية د. إيناس عبد الدايم، إن الاحتفالية تمثل احتفاء خاصاً برسالة الفن التي تنطلق من قلب مصر النابض بالتاريخ والناطق بالثقافة والفنون إلى العالم أجمع، كما أنها تؤكد أن دار الأوبرا أيقونة للفنون والثقافة المصرية، وباعتبارها نافذة هامة يطل منها الجمهور على ثقافات الآخر، وتهدف إلى مد جسور التواصل بين مختلف دول العالم، وتفعيل حوار الثقافات والتقاء الحضارات.
من جانبه، يقول الفنان هاني حسن، الراقص الأول في فرقة باليه القاهرة، والملقب بـ«زوربا المصري» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الاحتفالية تعني الكثير لنا كمصريين أولا، وكفنانين ثانيا، استطعنا الحفاظ على الفن المصري وعلى دار الأوبرا، إحدى أيقونات الفن والثقافة في العالم من بطش الإخوان عام 2013، ومحاولتهم الهجوم على الأوبرا والقضاء على الفن المصري؛ لذا أعتبر اختيار جزء من باليه (زوربا) الذي كان أول عرض تقدمه الأوبرا المصرية بعد ثورة 30 يونيو (حزيران) تكريما لي ولزملائي من الفنانين بدار الأوبرا المصرية على صمودنا واعتصامنا لمواجهتهم للحفاظ على الفنون المصرية».
وأوضح حسن أن الاحتفالية سوف تتضمن الرقصة الأخيرة من باليه «زوربا» والمعروفة برقصة «السيرتاكي»، قائلا: «مدة الرقصة 23 دقيقة وهي تمثل الجزء الأخير من باليه زوربا الذي قدمته أكثر من 20 مرة في مصر وخارجها ومنها: في نابولي مع فرقة أوبرا سان كارلو، وفي نهائي أولمبياد أثينا 2004، وحاز إعجابا عالميا، كما حظي من قبل حينما قدمته بأوبرا أثينا بإعجاب نيودوراكس مؤلف موسيقى زوربا العالمية».
وكان هاني حسن قد تم تكريمه بعد تقديم «زوربا» لمدة أربعة أيام على المسرح الكبير بدار الأوبرا، وتسلم تمثالا برونزيا يحمل اسم «زوربا المصري» صممه د. أسامة السروي؛ تقديرا لدوره الكبير في حشد الفنانين والمثقفين لمنع الهجمة الشرسة على فناني مصر من قبل «الإخوان المسلمين»، حيث قدم عروضه في الشارع إلى جانب كبار المثقفين والفنانين.
وكانت دار الأوبرا المصرية الحالية قد افتتحت يوم 10 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1988، بعد أن احترقت دار الأوبرا الخديوية التي شيدها الخديوي إسماعيل عام 1869، واحترقت في 28 أكتوبر عام 1971، بعد أن ظلت منارة ثقافية لمدة 102 عاما. وتم افتتاح الأوبرا الحالية في عهد وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، وبحضور الرئيس الأسبق حسني مبارك، والأمير توموهيتو أوف ميكاسا وهو الشقيق الأصغر لإمبراطور اليابان. كما شاركت اليابان لأول مرة في مصر والعالم العربي وأفريقيا في افتتاح هذا الصرح الثقافي بعرض الكابوكى الذي يضم خمسين عضواً، بالإضافة إلى فنانين من أعلى مرتبة في مجالات الموسيقى والأوبرا والباليه.
وتضم الأوبرا الحالية 3 مسارح هي: الكبير (1200) مقعد، والصغير (500) مقعد، والمكشوف (600) مقعد، ولعبت دوراً مهماً في إثراء الحركة الفنية في مصر خلال العقدين الماضيين، حيث تضم فرقة باليه أوبرا القاهرة، وأوركسترا القاهرة السيمفوني، والفرقة القومية للموسيقى العربية، وفرقة الرقص المسرحي الحديث. وتقيم الأوبرا صالونات ثقافية ومعارض فن تشكيلي ومهرجانات موسيقية صيفية لفرق الهواة، كما تعرض أعمال كبار الفنانين والفرق العالمية باتجاهاتها المختلفة.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».