الطلاب الموريتانيون في مصر... أزمة في توزيع 90 مقعداً جامعياً مجانياً

السفارة أحالت الملفات إلى وزارة التعليم العالي والأخيرة تلتزم الصمت

طلاب من عدة جنسيات أمام حرم جامعة الأزهر بالقاهرة (غيتي)
طلاب من عدة جنسيات أمام حرم جامعة الأزهر بالقاهرة (غيتي)
TT

الطلاب الموريتانيون في مصر... أزمة في توزيع 90 مقعداً جامعياً مجانياً

طلاب من عدة جنسيات أمام حرم جامعة الأزهر بالقاهرة (غيتي)
طلاب من عدة جنسيات أمام حرم جامعة الأزهر بالقاهرة (غيتي)

لا تزال أزمة الطلاب الموريتانيين في مصر مع سفارة بلدهم في القاهرة مستمرة، رغم التهدئة والابتعاد عن التصعيد، فيما تؤكد السفارة أن ملف المقاعد الجامعية المعفاة من الرسوم لم يعد بحوزتها، وإنما أصبحت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الموريتانية هي التي تتولى تسيير وتوزيع هذه المقاعد المجانية التي تقدم سنوياً من طرف السلطات المصرية، في إطار اتفاقية التبادل الثقافي بين البلدين.
- مصير مجهول
الأزمة اندلعت في شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، عندما نظم طلاب موريتانيون اعتصاماً داخل مباني السفارة، وهو الاعتصام الذي لوح السفير الموريتاني في القاهرة باستدعاء الشرطة المصرية من أجل فضه، وأثيرت ضجة إعلامية كبيرة في موريتانيا حول هذا التهديد، ولكن بعد مفاوضات بين الطلاب وجهات داخل السفارة تم التوصل إلى تسوية ودية مكنت من فض الاعتصام بطريقة سلمية.
ومع أن الطلاب توقفوا عن الاحتجاج أمام وداخل مباني السفارة في القاهرة، إلا أنهم يؤكدون أنهم يواجهون هذا العام الجامعي (2017 - 2018) «مصيراً مجهولاً وواقعاً صعباً»، بعد أن «رفضت» السفارة منحهم مقاعد التبادل الثقافي التي يصل عددها إلى أكثر من 90 مقعداً جامعياً معفاة من الرسوم تمنحها الجامعات المصرية سنوياً للطلاب الموريتانيين، وكانت السفارة هي التي تتولى توزيعها ويكفي للحصول عليها التقدم بملف وطلب بسيط.
- تحت وصاية وزارة التعليم
في آخر تطورات الأزمة، وجه الطلاب الموريتانيون في مصر رسالة مفتوحة إلى الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، يطالبونه فيها بالتدخل الفوري من أجل حل الأزمة و«منع ضياع مستقبل عشرات الطلاب الجدد»، وفق نص الرسالة. وفيما يتهم الطلاب السفارة الموريتانية في القاهرة بالتلاعب بهذه المقاعد المجانية، والمماطلة في منحها للطلاب الذين يستحقونها، نفت السفارة هذه التهمة، وقال مصدر مأذون في السفارة لـ«الشرق الأوسط» إنها لم تعد مسؤولة عن تسيير ومنح هذه المقاعد الدراسية، التي أصبحت تحت وصاية مباشرة من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في نواكشوط.
وأوضح المصدر ذاته أن وزير التعليم العالي والبحث العلمي الموريتاني سيدي ولد سالم، وقع على اتفاقية مع الجانب المصري، في يوليو (تموز) الماضي، تتولى بموجبها الوزارة تسيير هذه المقاعد الدراسية؛ وذلك ضمن خطة موريتانية جديدة تهدف إلى تسيير المنح الدراسية واستغلالها من أجل تكوين خبرات وطنية في تخصصات مطلوبة في السوق.
وقالت السفارة الموريتانية في القاهرة إن جميع ملفات الطلاب التي كانت بحوزة ملحقيتها الثقافية تمت إحالتها إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في نواكشوط، وذلك من أجل دراستها واتخاذ الإجراء المناسب بشأنها، بناء على طلب من الوزارة. وأضافت أنه «ليس للسفارة ولا الملحقية الثقافية أي دخل في ذلك، لأن هذا هو الإجراء الإداري الطبيعي المتبع في جميع السفارات، حيث تتلقي السفارة لائحة من الوزارة الوصية، والسفارات ملزمة بتنفيذ التوصيات التي ترد منها»، وفق تعبير المصدر.
واستغرب المصدر ضغط الطلاب المستمر على السفارة وملحقيتها الثقافية، بدل التوجه إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي؛ الجهة الوصية على توزيع المنح الدراسية، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه «في السنوات الماضية عندما كانت المقاعد توزع من طرف السفارة لم تحدث أي مشاكل، والطلاب يشهدون على ذلك»، وفق تعبير المصدر.
- صخب إعلامي
في ظل تفاعل الأزمة بين الطلاب والسفارة، وتداولها على نطاق واسع في الصحافة المحلية الموريتانية، لا تزال وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تلتزم الصمت حيال الموضوع، مع أن الوزير سيدي ولد سالم كان قد استقبل في مكتبه بنواكشوط السفير المصري المعتمد لدى موريتانيا ماجد مصلح نافع، خلال الأيام الأولى للأزمة.
ومع أن اللقاء انتهى من دون الإدلاء بأي تصريحات صحافية، فإن الوكالة الموريتانية للأنباء (الرسمية) قد كتبت في برقية إخبارية مقتضبة أن اللقاء خصص «لاستعراض علاقات التعاون القائمة بين البلدين الشقيقين، وسبل تطويره، خاصة فيما يتعلق باختصاص قطاع التعليم العالي والبحث العلمي»، من دون إعطاء تفاصيل أكثر.
وحظيت الأزمة بين الطلاب والسفارة بتغطية إعلامية واسعة من طرف الصحافة الموريتانية، وكانت محل اهتمام كبير لدى الرأي العام المحلي؛ إذ أعلنت عدة نقابات طلابية عن دعمها هؤلاء الطلاب؛ واتهمت هذه النقابات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالهيمنة على منح الطلاب في ظل شكوك حول «نزاهة» آلية التوزيع المعتمدة من طرف الوزارة.
- تضامن طلابي
الاتحاد العام للطلاب الموريتانيين أعلن وقوفه إلى جانب الطلاب الموريتانيين في مصر «حتى تتحقق مطالبهم»، ودعا وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى «العدول فورا عن قرار تولي تسيير وتوزيع المقاعد الجامعية المصرية، ومنح التسجيل للطلاب عن طريق السفارة كما جرت به العادة في السنوات المنصرمة».
أما الاتحاد الوطني لطلبة موريتانيا، وهو واحد من أكثر التنظيمات الطلابية قوة وتنظيماً، فقد أصدر بياناً صحافياً أعلن فيه رفضه القاطع لما قال إنه «الاعتداء على الطلاب الموريتانيين في مصر وتهديد السفارة الموريتانية لهم دون مبرر»، مشيراً إلى أنه يتوجب حل الأزمة في أسرع وقت وإلا فإنه سيدخل على خط التصعيد في جامعة نواكشوط.
وتمنح مصر ما يزيد على 90 مقعدا جامعيا كل عام لصالح الطلاب الموريتانيين، تتوزع على النحو التالي: 40 مقعدا في إطار اتفاقية مع وزارة التعليم العالي، و30 مقعداً في إطار اتفاقية مع وزارة الصيد، و22 مقعدا تقدمها وزارة الخارجية المصرية.
- اتفاقية تعاون
في آخر اتفاقية تعاون موقعة بين مصر وموريتانيا في شهر مايو (أيار) الماضي، وضع البلدان أسس تعاون وشراكة بين «الشركة الوطنية المصرية للثروة السمكية والأحياء المائية» والحكومة الموريتانية، في مجال التأهيل والتدريب والبحث العلمي والاستزراع السمكي، وبناء سفن الصيد وإدارة الموانئ والتفتيش الصحي وجودة المنتج والاستثمار والتصنيع والتثمين والتبادل التجاري.
وتأتي هذه الاتفاقية في ظل توجه موريتانيا نحو تنفيذ استراتيجية وطنية لتشجيع الموريتانيين على العمل في قطاع الصيد؛ إذ تعد موريتانيا واحدة من أغنى دول العالم بالأسماك، ولكن أغلب العاملين في هذا القطاع من الأجانب (سنغاليون وماليون وغامبيون)، بسبب عزوف الموريتانيين عن البحر نتيجة لثقافة بدوية متجذرة في المجتمع، ومن المنتظر أن يتم تكوين آلاف الموريتانيين على مهن متعددة في مجال الصيد.
وتشير الاتفاقية الأخيرة مع مصر إلى أن الطلاب الموريتانيين سيستفيدون من منح دراسية مجانية في المؤسسات التعليمية المصرية في مجال علوم البحار والثروة السمكية، وذلك مساهمة من مصر في دعم الاستراتيجية الموريتانية لتوجيه مواطنيها نحو العمل والاستثمار في قطاع الصيد.
وبموجب هذه الاتفاقية، ستقدم جامعة الإسكندرية 10 منح دراسية مجانية للطلاب الموريتانيين في مرحلة الدراسات العليا، مقسمة إلى 5 منح دكتوراه، و5 منح للماجستير. وكذلك 10 منح دراسية مجانية لمرحلة الدراسات العليا من جامعة كفر الشيخ في تخصص الثروة السمكية وعلوم البحار. كما يقدم المعهد القومي لعلوم البحار التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي 15 منحة للدراسات العليا للطلاب الموريتانيين في مختلف التخصصات البحرية.


مقالات ذات صلة

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

الولايات المتحدة​ دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

أظهر بحث جديد أن مدى جودة مدرستك الثانوية قد يؤثر على مستوى مهاراتك المعرفية في وقت لاحق في الحياة. وجدت دراسة أجريت على أكثر من 2200 من البالغين الأميركيين الذين التحقوا بالمدرسة الثانوية في الستينات أن أولئك الذين ذهبوا إلى مدارس عالية الجودة يتمتعون بوظيفة إدراكية أفضل بعد 60 عاماً، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز». وجد الباحثون أن الالتحاق بمدرسة مع المزيد من المعلمين الحاصلين على تدريب مهني كان أوضح مؤشر على الإدراك اللاحق للحياة. كانت جودة المدرسة مهمة بشكل خاص للمهارات اللغوية في وقت لاحق من الحياة. استخدم البحث دراسة استقصائية أجريت عام 1960 لطلاب المدارس الثانوية في جميع أنحاء الولايات المتحدة

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

نفت الحكومة المصرية، أمس السبت، عزمها «إلغاء مجانية التعليم الجامعي»، مؤكدة التزامها بتطوير قطاع التعليم العالي. وتواترت أنباء خلال الساعات الماضية حول نية الحكومة المصرية «إلغاء مجانية التعليم في الجامعات الحكومية»، وأكد مجلس الوزراء المصري، في إفادة رسمية، أنه «لا مساس» بمجانية التعليم بكل الجامعات المصرية، باعتباره «حقاً يكفله الدستور والقانون لكل المصريين».

إيمان مبروك (القاهرة)
«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

لا يزال برنامج «تشات جي بي تي» يُربك مستخدميه في كل قطاع؛ وما بين إعجاب الطلاب والباحثين عن معلومة دقيقة ساعدهم «الصديق (جي بي تي)» في الوصول إليها، وصدمةِ المعلمين والمدققين عندما يكتشفون لجوء طلابهم إلى «الخصم الجديد» بهدف تلفيق تأدية تكليفاتهم، لا يزال الفريقان مشتتين بشأن الموقف منه. ويستطيع «تشات جي بي تي» الذي طوَّرته شركة الذكاء الصناعي «أوبن إيه آي»، استخدامَ كميات هائلة من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت وغيرها من المصادر، بما في ذلك حوارات ومحادثات بين البشر، لإنتاج محتوى شبه بشري، عبر «خوارزميات» تحلّل البيانات، وتعمل بصورة تشبه الدماغ البشري. ولا يكون النصُّ الذي يوفره البرنامج

حازم بدر (القاهرة)
تحقيقات وقضايا هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

رغم ما يتمتع به «تشات جي بي تي» من إمكانيات تمكنه من جمع المعلومات من مصادر مختلفة، بسرعة كبيرة، توفر وقتاً ومجهوداً للباحث، وتمنحه أرضية معلوماتية يستطيع أن ينطلق منها لإنجاز عمله، فإن للتقنية سلبيات كونها قد تدفع آخرين للاستسهال، وربما الاعتماد عليها بشكل كامل في إنتاج موادهم البحثية، محولين «تشات جي بي تي» إلى أداة لـ«الغش» العلمي.

حازم بدر (القاهرة)
العالم العربي بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

اعتبر محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، ووزير الخارجية المغربي الأسبق، أن مسألة التعايش والتسامح ليست مطروحة على العرب والمسلمين في علاقتهم بالأعراق والثقافات الأخرى فحسب، بل أصبحت مطروحة حتى في علاقتهم بعضهم ببعض. وقال بن عيسى في كلمة أمام الدورة الحادية عشرة لمنتدى الفكر والثقافة العربية، الذي نُظم أمس (الخميس) في أبوظبي، إن «مسألة التعايش والتسامح باتت مطروحة علينا أيضاً على مستوى بيتنا الداخلي، وكياناتنا القطرية، أي في علاقتنا ببعضنا، نحن العرب والمسلمين».

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
TT

{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)

منذ 15 عاما حينما تأسست مكتبة الإسكندرية الجديدة، وكان الطلاب والباحثون من مختلف أنحاء مصر يشدون الرحال إلى «عروس المتوسط» للاستفادة من الأوعية المعرفية كافة التي تقدمها المكتبة لزائريها، والاطلاع على خدمات المكتبة الرقمية والدوريات العلمية والبحوث، لكن الجديد أن كل ذلك أصبح متاحا في 20 محافظة في مختلف أنحاء مصر وللطلاب العرب والأفارقة والأجانب المقيمين في مصر كافة من خلال «سفارات المعرفة».

فعاليات لنبذ التطرف
لم تكتف مكتبة الإسكندرية بأنها مركز إشعاع حضاري ومعرفي يجمع الفنون بالعلوم والتاريخ والفلسفة بالبرمجيات بل أسست 20 «سفارة معرفة» في مختلف المحافظات المصرية، كأحد المشروعات التي تتبع قطاع التواصل الثقافي بالمكتبة لصناعة ونشر الثقافة والمعرفة ورعاية وتشجيع الإبداع الفني والابتكار العلمي.
ويقول الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط»: «هذا المشروع من أدوات المكتبة لنشر العلم والثقافة في مصر والعالم أجمع، ووجود هذه السفارات يساعد المكتبة على تحقيق أهدافها على نطاق جغرافي أوسع. ونحن هذا العام نسعى لمحاربة التطرف الذي ضرب العالم، وخصصنا السمة الرئيسية للمكتبة هذا العام (نشر التسامح تعظيم قيمة المواطنة، ونبذ العنف والتصدي للإرهاب) والتي سوف نعلن عن فعالياتها قريبا». يضيف: «نتمنى بالطبع إقامة المزيد من السفارات في كل القرى المصرية ولكن تكلفة إقامة السفارة الواحدة تزيد على مليون جنيه مصري، فإذا توافر الدعم المادي لن تبخل المكتبة بالجهد والدعم التقني لتأسيس سفارات جديدة».

خطط للتوسع
تتلقى مكتبة الإسكندرية طلبات من الدول كافة لتفعيل التعاون البحثي والأكاديمي، يوضح الدكتور الفقي: «أرسلت لنا وزارة الخارجية المصرية مؤخرا خطابا موجها من رئيس إحدى الدول الأفريقية لتوقيع بروتوكول تعاون، وتسعى المكتبة لتؤسس فروعا لها في الدول الأفريقية، وقد أوصاني الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعلاقات الأفريقية، ونحن نوليها اهتماما كبيرا».
يؤكد الدكتور الفقي «المكتبة ليست بعيدة عن التعاون مع العالم العربي بل هناك مشروع (ذاكرة الوطن العربي) الذي سيكون من أولوياته إنعاش القومية العربية».
«مواجهة التحدي الرقمي هو أحد أهداف المكتبة منذ نشأتها»، يؤكد الدكتور محمد سليمان، رئيس قطاع التواصل الثقافي، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «مشروع سفارات المعرفة يجسد الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في نقل المعرفة لكل مكان في مصر، ومصطلح (سفارة) يعني أن للمكتبة سيطرة كاملة على المكان الذي تخصصه لها الجامعات لتقديم الخدمات كافة، بدأ المشروع عام 2014 لكنه بدأ ينشط مؤخرا ويؤدي دوره في نشر المعرفة على نطاق جغرافي واسع».
يضيف: «تقدم المكتبة خدماتها مجانا للطلاب وللجامعات للاطلاع على الأرشيف والمكتبة الرقمية والمصادر والدوريات العلمية والموسوعات التي قام المكتبة بشراء حق الاطلاع عليها» ويوضح: «هناك 1800 فعالية تقام بالمكتبة في مدينة الإسكندرية ما بين مؤتمرات وورشات عمل وأحداث ثقافية ومعرفية، يتم نقلها مباشرة داخل سفارات المعرفة بالبث المباشر، حتى لا تكون خدمات المكتبة قاصرة على الباحثين والطلاب الموجودين في الإسكندرية فقط».
«كل من يسمح له بدخول الحرم الجامعي يمكنه الاستفادة بشكل كامل من خدمات سفارة المعرفة ومكتبة الإسكندرية بغض النظر عن جنسيته» هكذا يؤكد الدكتور أشرف فراج، العميد السابق لكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، والمشرف على «سفارات المعرفة» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه السفارات هي أفرع لمكتبة الإسكندرية تقدم للباحثين خدماتها والهدف من هذا المشروع هو تغيير الصورة النمطية عن المكتبة بأنها تخدم النخبة العلمية والثقافية، بل هذه الخدمات متاحة للطلاب في القرى والنجوع» ويضيف: «يمكن لأي باحث من أي دولة الحصول على تصريح دخول السفارة من مكتب رئيس الجامعة التي توجد بها السفارة».

صبغة دبلوماسية
حول اسم سفارات المعرفة ذي الصبغة الدبلوماسية، يكشف الدكتور فراج «للمصطلح قصة قانونية، حيث إن قسم المكتبات يدفع للناشرين الدوليين مبلغا سنويا يقدر تقريبا بنحو 25 مليون، لكي تكون الدوريات العلمية المتخصصة والمكتبات الرقمية العالمية متاحة لمستخدمي المكتبة، ولما أردنا افتتاح فروع للمكتبة في المدن المصرية واجهتنا مشكلة بأن هذه الجهات ستطالب بدفع نفقات إضافية لحق استغلال موادها العلمية والأكاديمية لكن مع كونها سفارة فإنها تتبع المكتبة ولها السلطة الكاملة عليها».
ويضيف: «تهدف السفارات لإحداث حراك ثقافي ومعرفي كامل فهي ليست حكرا على البحث العلمي فقط، وقد حرصنا على أن تكون هناك فعاليات خاصة تقام بكل سفارة تخدم التنمية الثقافية في المحافظة التي أقيمت بها، وأن يتم إشراك الطلاب الأجانب الوافدين لكي يفيدوا ويستفيدوا، حيث يقدم كل منهم عروضا تقديمية عن بلادهم، أو يشارك في ورشات عمل عن الصناعات اليدوية التقليدية في المحافظات وبالتالي يتعرف على التراث الثقافي لها وهذا يحقق جزءا من رسالة المكتبة في تحقيق التلاحم بين شباب العالم».
تتيح سفارات المعرفة للطلاب أنشطة رياضية وفنية وثقافية، حيث أسست فرق كورال وكرة قدم تحمل اسم سفارات المعرفة، وتضم في عضويتها طلابا من مختلف الجامعات والتخصصات وتنافس الفرق الجامعية المصرية. ويلفت الدكتور فراج «تقيم سفارات المعرفة عددا من المهرجانات الفنية وورشات العمل ودورات تدريبية لتشجيع الطلاب على بدء مشروعاتهم الخاصة لكي يكونوا أعضاء منتجين في مجتمعهم خاصة في المدن السياحية».

قواعد موحدة
تم عمل بروتوكول تعاون مع وزارة التعليم العالي والجامعات الحكومية ومع التربية والتعليم ومع أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ويوجد بكل سفارة شخصان تكون مهمتهما إرشاد الطلاب للمصادر الرقمية للمكتبة، وتقديم برنامج الأحداث والفعاليات الخاص بالمكتبة لمدة 3 شهور مقبلة، لكي يتمكن الباحث من تحديد المؤتمرات التي يرغب في حضورها عبر البث الحي».
كل قواعد المكتبة تتبع في كل سفارة ويتم التحكم في الأنظمة والأجهزة كافة عبر السفارات العشرين، من مكتبة الإسكندرية بالشاطبي حيث تتابع المكتبة السفارات العشرين عبر شاشات طوال فترة استقبال الباحثين من الساعة الثامنة النصف صباحا وحتى الخامسة مساء.
ويكشف الدكتور فراج «السفارة تنفق نحو نصف مليون كتكلفة سنوية، حيث توفر الخدمات والأجهزة كافة للجامعات بشكل مجاني، بل تساعد سفارات المعرفة الجامعات المصرية في الحصول على شهادات الأيزو من خلال ما تضيفه من تكنولوجيا وإمكانيات لها. ويؤكد فراج «يتم إعداد سفارة في مرسى مطروح لخدمة الطلاب هناك وسوف تقام مكتبة متكاملة في مدينة العلمين الجديدة».

أنشطة مجتمعية
يشير الدكتور سامح فوزي، المسؤول الإعلامي لمكتبة الإسكندرية إلى أن دور سفارات المعرفة يتخطى مسألة خدمة الباحثين وتخفيف عبء الحصول على مراجع ومصادر معلومات حديثة بل إن هذه السفارات تسهم في تطوير المجتمع بشكل غير مباشر، أما الأنشطة المجتمعية ذات الطابع العلمي أو الثقافي فهي تخلق جواً من الألفة بين أهل القرى وبين السفارة».
تُعد تلك السفارات بمثابة مراكز فرعية للمكتبة، فهي تتيح لروادها الخدمات نفسها التي تقدمها مكتبة الإسكندرية لجمهورها داخل مقرها الرئيسي، وتحتوي على جميع الأدوات والامتيازات الرقمية المقدمة لزوار مكتبة الإسكندرية؛ مثل إتاحة التواصل والاستفادة من الكثير من المشروعات الرقمية للمكتبة، مثل: مستودع الأصول الرقمية (DAR)؛ وهو أكبر مكتبة رقمية عربية على الإطلاق، ومشروع وصف مصر، ومشروع الفن العربي، ومشروع الأرشيف الرقمي لمجلة الهلال، ومشروع ذاكرة مصر المعاصرة، ومشروع «محاضرات في العلوم» (Science Super Course)... إلخ، بالإضافة لإتاحة التواصل مع الكثير من البوابات والمواقع الإلكترونية الخاصة بالمكتبة، مثل: موقع «اكتشف بنفسك»، والملتقى الإلكتروني (Arab InfoMall)، وبوابة التنمية... إلخ. ذلك إلى جانب خدمة «البث عبر شبكة الإنترنت»، التي تقدِّم بثاً حياً أو مسجلاً للفعاليات التي تقام بمركز مؤتمرات مكتبة الإسكندرية؛ حتى يُتاح لزائري المكتبة مشاهدتها في أي وقت بشكل سلس وبسرعة فائقة. علاوة على ذلك، تتيح مكتبة الإسكندرية لمستخدمي سفارات المعرفة التمتع بخدمات مكتبة الوسائط المتعددة، واستخدام نظام الحاسب الآلي فائق السرعة (Supercomputer).