مبادرة «ابتكر من أجل اللاجئين» تجمع الإنسانية والتكنولوجيا تحت سقف واحد

هدفها إيجاد حلول طويلة الأمد تعالج أكثر التحديات خطورة

مبادرة «ابتكر من أجل اللاجئين» تجمع الإنسانية والتكنولوجيا تحت سقف واحد
TT

مبادرة «ابتكر من أجل اللاجئين» تجمع الإنسانية والتكنولوجيا تحت سقف واحد

مبادرة «ابتكر من أجل اللاجئين» تجمع الإنسانية والتكنولوجيا تحت سقف واحد

هي ورشة عمل لا تشبه غيرها، كونها تجمع تحت سقفها الإنسانية والتكنولوجيا من أجل التخفيف من معاناة اللاجئين السوريين. فضمن النسخة الثانية من مبادرة «ابتكر من أجل اللاجئين» التي ينظمها «منتدى mite لريادة الأعمال في العالم العربي» (mitefarab)، وبالتزامن مع أصعب أزمة لاجئين يشهدها العالم في تاريخه المعاصر، يقيم المنتدى المذكور والتابع للمعهد التكنولوجي لجامعة ماساتشوستس الأميركية، مسابقة تهدف إلى إيجاد حلول مبتكرة طويلة الأمد تعالج أكثر التحديات خطورة التي يواجهها اللاجئون، وذلك بالاعتماد على أحدث الابتكارات والتطورات في عالم التكنولوجيا. أما باب الترشح لها فهو مشرّع أمام الراغبين بالمشاركة فيها لغاية 27 نوفمبر (تشرين الثاني)، وسيجري إعلان نتائجه الرسمية ضمن حفل يقام في العاصمة الأردنية عمان في 27 و28 يناير (كانون الثاني) المقبل.
«إننا بصدد تلقي طلبات الترشح والأفكار المتعلقة بهذه المسابقة للسنة الثانية على التوالي، والشرط الأساسي فيها هو ارتكازها على عنصر التكنولوجيا كونه يُدخل الفكرة المقدمة في خانة الابتكار لمواكبة الحداثة في أيامنا الحالية»، تقول فرح شمص المديرة المنسقة للمنتدى في لبنان. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «نتلقى سنوياً الألوف من الأفكار التي يتم غربلتها على مرحلتين للوصول إلى مرحلة التصفيات النهائية بحيث نختار منها 7 ابتكارات فقط».
طلاب جامعيون وخريجو معاهد وأشخاص عاديون، إضافة إلى اللاجئين أنفسهم، يشاركون عادة في هذه المسابقة التي قدّمت في نسختها الأولى من العام الماضي 7 ابتكارات جديدة ساهمت في التخفيف من مشاكل النازحين إلى لبنان. «هناك نحو 15 في المائة من مجموع طلبات الترشح للمسابقة يقدمها اللاجئون أنفسهم، وقد فاز معنا أحدهم في العام الماضي. ومن بين 1500 طلب نتلقاها نختار 500 على أن تصل في المرحلة نصف النهائية إلى 20، ومن ثم يتم اختيار 7 أفكار ابتكارية ناجحة، حسب رأي لجنة متخصصة تشرف على المسابقة، ويشارك فيها اختصاصيون وكذلك المؤسسة الرئيسة لهذه المنظمة هالة فاضل» توضح فرح.
ومن الأفكار التي لاقت طريقها إلى مرحلة التنفيذ في العام الماضي مبادرة «نتكلّم» التي تساعد اللاجئين السوريين أو الفلسطينيين وغيرهم لإيجاد فرصة عمل تساهم في تأمين لقمة عيش كريمة لهم. وترتكز هذه الفكرة على تعليم اللغة العربية عبر الإنترنت (أونلاين) لأي شخص يرغب في ذلك أينما وجد في العالم. فيما ارتكزت فكرة أخرى حملت عنوان «ليد لايف» على تأمين وسيلة إنارة آمنة للأطفال لا تحتاج إلى الكهرباء، وتعتمد على ضوء «ليد». كما شكّل ابتكار «change water lab» وسيلة لإيجاد طريقة معينة تسمح للاجئين بتنظيف المياه الملوثة وتنقيتها، فتصبح صالحة للاستعمال. كما لاقى ابتكار خاص لتبريد المياه (evaptaimers) داخل المخيمات طريقه أيضاً إلى التنفيذ بعد نجاحه في المسابقة، والذي استوحاه الفريق المبتكر من طريقة تبريد قديمة ترتكز على الرمل والمياه.
جائزة مالية تبلغ نحو 20 ألف دولار أميركي ينالها أصحاب الابتكارات، الذين يجب أن يتقدموا للمشاركة في هذه المسابقة كفريق وليس كأفراد، مما يساهم في تنفيذ اختراعهم، وكيفية تطبيقه على الأرض. أما ورش العمل التي ترافق التحضيرات لهذه المسابقة، فتتوزع على عدة مناطق في لبنان، استهلت في بيروت (ديجيتال ديستريكت) لتنتقل قريباً إلى طرابلس (في 2 و3 نوفمبر المقبل) وفي البقاع (في 27 و28 نوفمبر المقبل) وفي العاصمة الأردنية عمان (في 13 و14 و15 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي).
«يبقى هدفنا الأول والأخير في هذا المنتدى هو إيجاد فرص عمل لأكبر عدد ممكن من الشباب العربي وإلى التشجيع لتأسيس شركات ناشئة عربية من خلال دعمهم مادياً ومعنوياً، فتترك تأثيرات إيجابية على مجتمعنا ككل»، تختم فرح شمص حديثها.
ويقوم المشاركون في هذه المسابقة عادة بزيارة مخيمات اللاجئين في لبنان للاطلاع عن كثب على حاجاتهم، مما يبلور ويوضح الأجواء التي يجب أن تدور حولها ابتكاراتهم. وهذا العام ينوي القيمون على هذه المسابقة الاستعانة بشخصية معروفة للترويج لها، على أن تشارك في الفعاليات النهائية للمنتدى، التي تقام في الأردن (جامعة الملك حسين).



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».