سريان حظر الطيران في كردستان... وبغداد تلوح بعمل مشترك للسيطرة على المعابر

السيستاني يخرج عن صمته ويرفض التقسيم ويدعو للاحتكام إلى الدستور... والعبادي: السيطرة على المنافذ ليست لتجويع الكرد

مسافرون في مطار أربيل يصطفون للحاق بآخر الطائرات المقلعة قبل سريان حظر الطيران (أ.ب)
مسافرون في مطار أربيل يصطفون للحاق بآخر الطائرات المقلعة قبل سريان حظر الطيران (أ.ب)
TT

سريان حظر الطيران في كردستان... وبغداد تلوح بعمل مشترك للسيطرة على المعابر

مسافرون في مطار أربيل يصطفون للحاق بآخر الطائرات المقلعة قبل سريان حظر الطيران (أ.ب)
مسافرون في مطار أربيل يصطفون للحاق بآخر الطائرات المقلعة قبل سريان حظر الطيران (أ.ب)

توقفت حركة الطيران الدولي من وإلى إقليم كردستان العراق، منذ مساء أمس، بعد أن فرضت الحكومة المركزية في بغداد حظرا جويا، وجد استجابة دولية واسعة، ردا على تصويت الإقليم لصالح الاستقلال. وفي حين عمدت سلطات إقليم كردستان، أمس، إلى التهدئة، عبر الدعوة إلى اجتماع طارئ مع سلطات بغداد، لحل المشكلة، إلا أنها في الوقت نفسه رفضت تسليم 3 منافذ حدودية إلى السلطات الاتحادية في بغداد. وتلوح في الأفق معركة المعابر الثلاث، بعد أن أكدت وزارة الدفاع العراقية لاحقا، أنها تخطط للسيطرة على المعابر بالتنسيق مع إيران وتركيا. والمعابر الثلاثة الرئيسية هي معبر إبراهيم الخليل على الحدود مع تركيا، ومعبري باشماغ وحاج عمران مع إيران.
وعلقت كل شركات الطيران الأجنبية تقريبا رحلاتها إلى مطاري أربيل والسليمانية استجابة لإخطار من حكومة بغداد التي تسيطر على المجال الجوي للبلاد. والحظر الذي بدأ سريانه الثالثة بتوقيت غرينتش، مساء أمس الجمعة، لا يسري على الرحلات الداخلية من كردستان وإليها، لذا من المتوقع أن يصل المسافرون إلى هناك عبر التوقف في الغالب بمطار بغداد الذي سيواجه ضغوطا بسبب الرحلات الإضافية. واكتظ مطارا أربيل والسليمانية بالمسافرين الأجانب أمس، قبل ساعات على سريان قرار تعليق الرحلات الدولية. وسعت وزارة النقل والمواصلات في كردستان إلى تفادي الأسوأ فطلبت من السلطة المركزية في بغداد في رسالة: «عقد اجتماع طارئ بين ممثلي سلطات الطيران المدني الاتحادية وممثلي المطارين في الوقت والمكان الذي ترونه مناسبا لغرض إيجاد تفاهم مشترك»، وما زالت تنتظر الرد، حسب وكالة الصحافة الفرنسية.
لكن الأجواء لا تشير إلى المصالحة، ورغم مساعي السلطات الكردية إلى التهدئة بالتأكيد أنها لن تعلن الاستقلال تلقائيا، قررت سلطات بغداد فرض إجراءات انتقامية مستبعدة أي حوار. وصرح مسؤول عراقي كبير: «لا مفاوضات، رسمية أو سرية، مع المسؤولين الأكراد. ولن تجري أي مفاوضات قبل أن يعلنوا إلغاء نتائج الاستفتاء ويسلموا السلطة في نقاطهم الحدودية ومطاراتهم والمناطق المتنازع عليها إلى سلطات بغداد». غير أن مديرة مطار أربيل تالار فائق صالح أفادت الجمعة أن «الرحلات الإنسانية والعسكرية والدبلوماسية مستثناة من الحظر». وغادرت الرحلة الأخيرة من أربيل إلى فيينا الساعة الثالثة بتوقيت غرينتش، فيما غادرت طائرة للخطوط العراقية السليمانية متجهة إلى دبي. وأضافت صالح: «الوضع الذي نحن فيه مؤسف. من المفترض أن تكون هيئة الطيران المدني مستقلة، لكن في العراق يمكن لأي شخص أن يتخذ قرارا»، داعية القادة في بغداد إلى «التوقف عن معاقبة شعب بأكمله».
من جهته دخلت المرجعية الدينية العليا في النجف على خط الأزمة لأول مرة، بدعوة جميع الأطراف الالتزام بالدستور العراقي والاحتكام إلى رأي المحكمة الاتحادية العليا لحل الأزمة المتصاعدة، مطالبة أطراف الأزمة بالعودة إلى المسار الدستوري. وفي خطبة الجمعة التي ألقاها ممثل المرجعية أحمد الصافي في كربلاء عن أعربت عن أسفها «لمحاولات تقسيم البلاد». وقال الصافي أثناء الخطبة: «ما إن تجاوز الشعب العراقي الصابر المحتسب محنة الإرهاب الداعشي أو كاد أن يتجاوزها بفضل تضحيات الرجال الأبطال في القوات المسلحة والقوى المساندة لهم حتى أصبح وللأسف الشديد في مواجهة محنة جديدة تتمثل بمحاولة تقسيم البلد واقتطاع شماله». وأضاف الصافي إن المرجعية «تدعو جميع الأطراف إلى الالتزام بالدستور العراقي نصاً وروحاً والاحتكام إليه بما يجري بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم والرجوع إلى المحكمة الاتحادية والالتزام بقراراتها وأحكامها».
ودعا الصافي المسؤولين في الإقليم إلى الرجوع إلى «المسار الدستوري لحل القضايا الخلافية»، محذراً من أن «القيام بخطوات التقسيم والانفصال ومحاولة جعل ذلك أمراً واقعاً سيؤدي إلى عواقب غير محمودة تمس المواطنين الكرد، وربما يؤدي إلى ما هو أخطر من ذلك»، لأن «ذلك سيفسح المجال لتدخل الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية في الشأن العراقي». وفي وقت طالبت المرجعية بضرورة ألا «تؤثر التطورات السياسية الأخيرة» سلبا على العلاقة المتينة بين أبناء الوطن من العرب والتركمان والكرد وغيرهم، حذّر رئيس الوزراء حيدر العبادي من المساس بالمواطنين الكرد، معتبرا أن سيطرة الحكومة على المنافذ البرية والجوية «ليست لتجويع» المواطنين العاديين. وقال العبادي في بيان صادر عن مكتبه إن «الحكومة العراقية تحافظ على حقوق ومكتسبات جميع أبناء شعبنا، وبضمنهم أبناء شعبنا الكردي، وإن أي إجراء يتخذ تراعي فيه عدم المساس بهم».
مشيراً إلى أن «سيطرة الحكومة المركزية على المنافذ البرية والجوية في إقليم كردستان ليست للتجويع ومنع المؤن والحصار على المواطنين في الإقليم كما يدعي بعض مسؤولي إقليم كردستان ويحاولون ترويجه». ورأى البيان أن الهدف من وراء ذلك إنما هو «إجراءات لدخول وخروج البضائع والأفراد إلى الإقليم تحت سيطرة الحكومة الاتحادية والأجهزة الرقابية الاتحادية، كما هو معمول به في كل المنافذ العراقية لضمان عدم التهريب ولمنع الفساد».
كما أشار البيان إلى أن «فرض السلطة الاتحادية في مطارات إقليم كردستان يتمثل بنقل سلطة المطارات في كردستان إلى السلطة الاتحادية حسب الدستور كما هو الحال في كل المطارات العراقية في المحافظات الأخرى وحسب ما معمول به في جميع دول العالم». وشدد بيان العبادي على أن ذلك «لا يمثل عقوبة للمواطنين في الإقليم إنما هو إجراء دستوري وقانوني أقره مجلس الوزراء لمصلحة المواطنين في كردستان والمناطق الأخرى».
وكان رئيس الوزراء حيدر العبادي تعهد عشية إجراء استفتاء كردستان، بفرض ما سماه «قوة الدستور والقانون» في كل مناطق إقليم كردستان.
في سياق متصل، رحب رئيس الوزراء حيدر العبادي، أمس، بموقف المرجعية الدينية بشأن أزمة الاستفتاء وأبدى تأييده لتوجيهاتها.
وثمن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء في بيان، موقف المرجعية الدينية، الداعي للحفاظ على وحدة البلد وتحديد الدستور والمحكمة الاتحادية كمرجعية لحل أي خلافات مع إقليم كردستان، مشيرا إلى أن هذا الموقف «يتوافق مع الموقف الذي اتخذه رئيس مجلس الوزراء الرافض للانفصال والتقسيم»، مضيفا: «نرحب بما طرحته المرجعية الدينية في خطبتها (أمس) الجمعة ونؤيد توجيهاتها التي تعبر عن الموقف الوطني برفض استفتاء كردستان واعتباره غير دستوري، إضافة إلى الحفاظ على المواطنين الأكراد».
إلى ذلك، أيّد المجلس الإسلامي الأعلى ما تضمنته خطبة مرجعية النجف من «رؤى حول قضية استفتاء كردستان ومشروع الانفصال، وما رافقه من أزمة سياسية، وتداعيات على الصعيدين المحلي والدولي». وقال بيان صادر عن المجلس الإسلامي الأعلى إنه «يتمسك بقوة بالرؤية الحكيمة للمرجعية العليا، ويؤكد على أهمية العمل وفق نهجها، ويدعو كل القوى الوطنية لاعتبار توجيهات المرجعية خريطة الطريق لمواجهة خطر التقسيم، وحفظ وحدة العراق وأمنه وسلامة وحقوق أبنائه بكل أطيافهم الدينية والمذهبية والقومية». وأصدر حزب «الدعوة الإسلامية» بزعامة نائب الرئيس نوري المالكي بياناً أيّد فيه ما جاء في خطبة مرجعية النجف.



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.