لا يزال فيلم الخلية في سباق مع نفسه، فهو يحتل المركز الأول في الإيرادات والفارق شاسع ويزداد اتساعاً مع الفيلم الذي يليه في الشباك وهو «الكنز». استطاع «الخلية» حتى كتابة هذه السطور أن يصل إلى رقم مليوني دولار، وهو بمقياس السينما المصرية يعد أحد الأرقام الاستثنائية.
بعد العرض الخاص للفيلم، تدافع عدد من الصحافيين حول بطل الفيلم أحمد عز وسألوه عن دوره في العمل الفني، وما هي الاحتمالات لكي يحقق الفيلم أرقاماً قياسية في دور العرض وبعضهم تطرق إلى كواليس الفيلم، ورأيه في التجربة الثانية التي جمعته مع المخرج طارق العريان، وهل يقبل أن يشارك المطربة أصالة زوجة العريان في فيلم سينمائي.
كل الأسئلة السابقة وغيرها والتي تقع في النطاق نفسه، أجاب عنها عز بقدر كبير من الارياحية، وكانت تعلو وجهه ابتسامة، حتى جاء السؤال، الذي من الواضح أن عز لم يفاجأ به، وهو السؤال الذي يطارد عز منذ نحو أربع سنوات، وهو ما الذي يعقب به على الحكم الذي أصدرته المحكمة قبل ساعات من عرض فيلمه في سباق العيد، السؤال أو إن شئت الدقة «القنبلة الموقوتة» التي لا أظن عز فوجئ بها، وهي ما الذي تقوله عن حكم المحكمة برفض الطعن في نسب طفليه إليه، وأصبحا من الناحية القانونية يحملان اسمه، ولم يعد هناك مفر من الاعتراف بهما خاصة أنه يرفض إجراء تحليل (دي إن أيه)، مما أضعف حجته في إنكار النسب، مما دفع القاضي إلى التأكد من أنهما حقاً طفليه، لم يتوقف عز كثيرا أمام هذا السؤال، واعتبره ربما مؤامرة لإحراجه في ليلة عُرسه، أقصد ميلاد فيلمه، بل لعله اعتبره مكيدة من الفنانة زينة أم طفليه، فجاءت إجابته غير متوقعة، واكتفي بأن قال للجميع بعد أن رسم ابتسامة على وجهه: «كل سنة وأنتم طيبين»، وأكمل طريقه للخروج من القاعة.
استحواذ على الإيرادات
الإيرادات لم تتأثر فعلاً بأي شيء خارج الشريط السينمائي، الناس كما تعودت ممارسة حياتها الطبيعية وهي ترى ما يجري في الدنيا من اغتيالات وأعاصير وقتل ودمار، فهم أيضا قرروا مشاهدة الفيلم من دون إنزال أي عقاب أدبي على بطل الفيلم، وهكذا استحوذ «الخلية» بمفرده على نصف الإيرادات الكلية للسينما.
الفيلم السينمائي في العادة رهان على جاذبية النجم، ولا شك أن عز لديه قسط وافر من الجاذبية، إلا أن هذا الفيلم تحديداً، بالإضافة إلى نجومية أحمد عز، وقدرة المخرج على قراءة جمهوره، فاستطاع المخرج طارق العريان أن يُقدم شريطا سينمائيا قادرا على أن يُمسك بمشاعر الناس ليحبس أنفاسه وحتى اللحظة الأخيرة، وهو يتابع بكل شغف وحب بطله أحمد عز وهو يقهر زعيم الإرهابيين الذي أدى دوره الفنان السوري سامر المصري بعد أن أراد بمصر شراً.
السينما تواكب السياسة
للفن أدوار متعددة، يؤديها وبكفاءة عالية، والسينما تحديداً باعتبارها أكثر أنواع الفنون اقترابا من الجمهور، حيث تتسع دائرتها لتصل إلى الملايين، وهكذا واكبت السينما في العالم كله الأحداث السياسية والوطنية، ووثقت مثلاً في أوروبا ولا تزال الحربين الأولى والثانية، ولم تتوقف السينما العالمية عن إرسال المزيد لنا من تلك الأفلام، إلا أننا ولنكن حققنا فشلا ذريعاً في هذا المجال، مع الأسف وبنسبة كبيرة السينما العربية وليست فقط المصرية، لم نكن على قدر المسؤولية في توثيق الأحداث التي عشناها، مثلا حرب 73 وهو النصر العربي على العدو الإسرائيلي، عجزت السينما حتى الآن عن تسجيله فنياً على الشاشة، وهو خطأ يقترب من تخوم الخطيئة، تركنا الميدان لإسرائيل لكي تنفرد هي بتقديم وجهة نظرها المجحفة في حرب 73.
العالم مثلا يُقدم بين الحين والآخر أعمالا درامية عن التنظيم الظلامي «داعش»، بينما نحن تراجعنا تماماً عن تلك الخطوة ولا يوجد في الجعبة سوى فيلم هزلي قدمناه مؤخراً اسمه «دعدوش» وقبله بعام «قرموطي على خط النار»، وعلى الطريقة نفسها، وبالمناسبة ليس لي أدنى اعتراض على تقديم الحروب بل وكل القضايا المصيرية التي نعيشها، برؤية ساخرة، ولكن هناك فرقا بين الكوميديا والتهريج وما شاهدناه في «دعدوش» وقبله «القرموطي» ينتمي للتهريج، السينما معادلة تجمع بين الفكرة والمعالجة، وتستطيع من خلالها تمرير رسائل سياسية أو اجتماعية، ومن هنا جاءت رسالة هذا الفيلم المنسوجة من دون مباشرة في بنائه الذي يجمع بين كل جماليات السينما.
الإرهاب... وتر حساس
كانت نقطة الانطلاق هي حادث اغتيال النائب العام، الذي دبرته قوى الشر في مصر قبل نحو عامين، لم يقل مباشرة على الشاشة ذلك فهو ليس فيلما توثيقيا، ولكنه كان يُدرك أن هذا المشهد لم يغادر ذاكرة جمهوره لبشاعته، كما أنه ينشط ذاكرة الجمهور، من خلال الارتكاز على مؤثرين، الأول هو الرغبة في الثأر لدى الناس، كما أنه يقدم دليلا عمليا على قوة الإرهاب الذي يتدثر عنوة بالدين وقدرته على الوصول للجميع، حتى الشخصيات التي بطبعها تحظى برقابة وحماية، وهذا في الحقيقة يلعب دوره الإيجابي في زيادة الشغف بالطرف الآخر في المعادلة، كلما كان الخصم قوياً استطعت أن تضمن أعلى درجات المتابعة.
الفيلم يعزف على وتر حساس، وهو يتناول الإرهاب الذي لم يعد فقط على الحدود بل هناك عمليات استطاع رجال الشرطة اكتشافها قبل وقوعها في الداخل، وهناك عمليات أخرى نجح الإرهابيون في تنفيذها.
ثلاثة أصدقاء، اثنان في العمليات الخاصة (أحمد عز وأحمد صفوت)، والثالث محمد ممدوح في الأمن الوطني، كاتب السيناريو صلاح الجهيني كان تقليديا ومباشرا وهو يزرع فكرته، إلا أن الجمهور كانت لديه رغبة لا شعورية في أن يقدم له عمل فني لا يُجهده كثيرا في التلقي، يستشهد أحمد صفوت بيد الإرهاب، ويشعر عز بأن عليه الانتقام من قاتليه وبأي طريق حتى لو اخترق القانون، وهنا يتدخل ممدوح الذي يحاول أن يضم إليه عز في قطاع الأمن والاستخبارات حتى يقترب أكثر من تنظيم العصابة، ولا يخترق القانون، المفروض على رجل الشرطة الالتزام به، إلا أن الرغبة في الانتقام أحيانا كانت تسيطر على أحمد عز، وينسى المحددات التي يقرها القانون، حتى في التعامل مع الخارجين على القانون.
دراما تقليدية
الفيلم لا يحمل أي جديد على مستوى الدراما، فبه كل الملامح التقليدية، التي رأيناها من قبل في العديد من أعمال التشويق المماثلة، وكيف أن العصابة حتى تحصل على عز تخطف ابن أحمد صفوت لتجبره على أن يستسلم لها حتى يتم الإفراج عن الطفل. الخطوط الرئيسية والثانوية تشعرك بأنك شاهدتها من قبل عشرات المرات.
اختار المخرج طارق العريان موقع المترو بذكاء، حيث يتكدس الآلاف، ويصبح الأمر مهيئاً لكي تنجح الخطة في الاستحواذ على القسط الأكبر من الهلع لدى الجمهور، عندما يصبح زمن تفجير العبوة الناسفة الموضوعة بالشنطة - التي أجبر عز على أن يحملها - هو الزمن الفعلي للحدث.
طارق العريان هو واحد من أهم مخرجي الأكشن (الحركة) في السينما العربية، منذ أن قدم في التسعينات أفلاما مثل «الإمبراطور» و«الباشا» بطولة الراحل أحمد زكي، وهو دائما يُمسك بكل التفاصيل لكي يجعل المتفرج على الموجة تماما ولا يستطيع الفكاك. إنها حرفية المخرج، عربة المترو تتحرك وبداخلها القنبلة الموقوتة، وفي تبادل النيران يقتل سائق المترو، وذلك حتى تزداد مساحة التشويق أكثر، ويظل الأمر معلقاً، ونحن ننتظر البطل بملامحه التقليدية وهو القادر على أن ينقذ الجميع، مضحياً بنفسه وحتى اللحظة الأخيرة، وهكذا يصفق الجمهور للبطل على الشاشة، وهو يفصل يدوياً العربة من القاطرة ليلقي بنفسه بعدها، وينقذ المئات، وتنفجر القاطرة بعيدا عنها ليقتل الإرهابي، وتأتي المكافأة بأن يتزوج في نهاية الأمر الفتاة الجميلة الحسناء التي يحبها «أمينة خليل».
الفيلم يجمع بين ثلاثة عناصر جاذبة التشويق والعاطفة والكوميديا، ليصبح الأمر متكاملا، طبعاً الشخصية التي يؤديها أحمد عز تحتاج إلى قدرة على المزج بين القوة الجسدية وخفة الظل، وهو بالفعل ما يتوفر في عز، الذي من الواضح أنه كانت لديه لمحاته الخاصة، بالإضافة إلى أن محمد ممدوح الذي أضفى قدراً من الحضور وخفة الظل على الشخصية التي يلعبها بنجاح وألق، إلا أن ممدوح يحتاج إلى كثير من التدريب الصوتي، لأن مخارج ألفاظه المتلعثمة ليست في صالحه، حيث يتشابه أداؤه بسبب تلك الحالة التي تصاحبه أثناء الحوار وفي كل المواقف، حتى صارت وكأنها تعبر عن الإنسان محمد ممدوح، وليست الشخصية الدرامية، وتلك هي المشكلة.
عناصر عديدة تفوقت في هذا الفيلم، موسيقى هشام نزيه، وتصوير مازن المتجول، كلها مؤثرات لعبت دورا إيجابيا في التنفيذ لخلق الإحساس بالتماهي مع الفيلم.
جماهيرية رغم ملفات شائكة
نجح الشريط السينمائي قطعاً في تحقيق جماهيرية تستطيع أن ترصدها رقمياً، ولكن الأهم هو التماس العاطفي، شاهدت بعد العرض الكثير من الشباب وهم يريدون أن يصبحوا في صورة هذا البطل الذي جسده عز، وبرغم أن الفيلم مسموح فقط لمن هم أكبر من 12 عاما، وذلك طبقا لقانون التصنيف العمري الذي تُطبقه مصر منذ ثلاث سنوات، رغم أن الفيلم يصلح في الحقيقة لكل الأعمار.
فهو يعزف حقاً على المشاعر المتأججة في ضمير المشاهدين ضد التطرف والإرهاب، قفز الفيلم بأحمد عز درجات أعلى للجماهيرية، وتسامح الجمهور معه برغم القضية التي لا تزال تتداولها المحاكم وتتناول طفليه اللذين لا يريد الاعتراف بهما، وفي الوقت نفسه يخشى من إنكار الأبوة علنا، ويكتفي فقط بأن يسارع بالطعن في كل حكم قضائي يثبت ذلك.
الجمهور تجاوز كل ذلك وصدق فقط البطل، الذي يحمل اسم «سيف»، بكل ما تحمله الكلمة من دلالات. استطاع البطل أن يقهر التنظيم، وعبر عن ذلك الموقف بمساحة من التصفيق تكررت في العديد من دور العرض. الجمهور صدق «سيف» الضابط الشجاع، فلم يتوقف عن إعلان إعجابه به، والدليل هو الأرقام التي يحققها. وضع الناس حاجزا بين النجم المحبوب الذي يؤدي دور ضابط الشرطة، وبين الإنسان الذي يترك طفلين يكبران وهما لا يدريان من هو أبوهما. الجمهور ضبط موجته فقط على الشريط السينمائي، ولا يعنيه ما قبل وما بعد فيلم «لخلية»!!