ناقشت، أمس، لجنتا الحوار السياسي الليبي، الذي احتضنته تونس لليوم الثاني على التوالي، إشكالية هيكلة السلطة التنفيذية وصلاحياتها، ضمن التعديلات التي تتم مناقشتها على بنود الاتفاق السياسي بين الفرقاء الليبيين. وستتواصل جلسات الحوار بين الفرقاء الليبيين إلى يوم الاثنين المقبل لإتاحة الفرصة للاستماع لأكبر عدد ممكن من القيادات السياسية الليبية.
وواصلت قيادات سياسية ليبية توافدها أمس على العاصمة التونسية، خصوصا من بين قيادات القبائل الليبية، للمشاركة في جلسات الحوار التي تجمع ممثلين لمجلس النواب الليبي (البرلمان) ومجلس الدولة، والهادفة إلى تعديل الاتفاق السياسي الموقع بين الفرقاء الليبيين بمدينة الصخيرات المغربية سنة 2015، برعاية بعثة الأمم المتحدة في ليبيا.
وخلال اليوم الأول من الاجتماعات تم الاتفاق على نظام عمل لجنتي الحوار بين المجلسين، يقضي بعقد جلسة يومية في مقر البعثة الأممية خلال الفترة الصباحية، على أن يتم في ختامها تحديد النقطة التالية المبرمجة للحوار، وذلك لإتاحة الفرصة أمام الوفود لمناقشتها مع لجنة الحوار الليبية الموسعة، على أن يعقد كل وفد اجتماعا تشاوريا بشكل يومي خلال الفترة المسائية.
وحسب مصادر ليبية مطلعة، فمن المتوقع أن تكون جلسات أمس والأيام المقبلة مخصصة للقيادات السياسية الممثلة للجنتي الحوار فحسب، دون حضور وسائل الإعلام، وأن تكون هناك جلسات ليبية - ليبية تعقبها كلمات مسائية مقتضبة، إما لممثل ليبي تابع الجلسات، وإما لغسان سلامة المبعوث الأممي إلى ليبيا. لكن وعلى عكس ما كان متوقعا فإن جلسات الحوار التي تمت أمس تجاهلت موضوع حذف المادة الثامنة المحددة لصلاحيات القائد الأعلى للجيش الليبي خليفة حفتر.
من جهتها، كشفت سلطنة المسماري، عضو لجنة الحوار بمجلس النواب، أن اللجنة المكلفة بتعديل اتفاق الصخيرات، التي تمارس أعمالها في تونس، ركزت أمس على مناقشة قضايا السلطة التنفيذية المتمثلة في المجلس الرئاسي، من حيث الصلاحيات وآلية اختيار الأسماء المرشحة. وأضافت في بيان نشره موقع مجلس النواب الإلكتروني أن الجلسات التي عقدت مساء أول من أمس «لم تتطرق إلى مناقشة المادة الثامنة من الاتفاق السياسي، بل تم التركيز على القضايا التي تحمل درجة أعلى من التوافق»، مشيرة إلى أن «المادة الثامنة وصفة القائد الأعلى هي محل الخلاف الحقيقي».
وفي السياق ذاته، قال عبد السلام نصية، رئيس لجنة الحوار المنبثقة عن مجلس النواب الليبي، في تصريح إعلامي، إن مهمة جلسات الحوار المنعقدة في تونس «صعبة ومصيرية، وتحتاج إلى رجال من نوع خاص»، مؤكدا أن استعادة بناء الدولة الليبية تتطلب أربعة أسس تتمثل في وجود هياكل حكومية قوية وقادرة على مواجهة القضايا والأزمات، وتشكيل جيش وطني ومؤسسة أمنية تبسط سيطرتها على كامل البلاد، وإرساء دعائم مصالحة سياسية شاملة تستند إلى مشروع الدولة المدينة ومبدأ التداول السلمي على السلطة، ورابعا وأخيرا سن دستور ليبي جديد للبلاد يمكن من التنافس على السلطة.
في غضون ذلك، اختتم المشير خليفة حفتر أمس، زيارته إلى إيطاليا بعد عقد مجموعة من المباحثات مع عدد من المسؤولين السياسيين والأمنيين الإيطاليين. وتمخضت الزيارة بالأساس عن دعوة إيطاليا للمشير حفتر إلى نزع زيه العسكري والتخلي عن التحركات العسكرية ضد حكومة الوفاق، التي تحظى بدعم الأمم المتحدة، والعمل على مواجهة خصومه سياسيا، والمشاركة في «المسار السياسي، إن كان ينوي تقديم نفسه لقيادة البلاد» مستقبلاً، وهو الأمر الذي أرجعه متابعون للشأن الداخلي، في اتصال مع «الشرق الأوسط»، إلى أن المشير «أصبح رقما في المعادلة الليبية»، خصوصا بعد سيطرته على الهلال النفطي، وفرض سيطرته على 90 في المائة من البلاد. وخلال زيارته إلى روما التقى قائد الجيش الليبي وزيرة الدفاع الإيطالي روبرتا بينوتي، والداخلية ماركو مينيتي، وقائد الجيش الإيطالي الجنرال كلوديو غرساينو، وقد أبلغت الحكومة الإيطالية حفتر بأنه «إذا كان ينوي تقديم نفسه لقيادة ليبيا، فعليه الاندماج في المسار السياسي».
ونُقل عن مصادر محلية أن حفتر «تلقى رسالة غير قابلة للالتباس» خلال اجتماعه بالمسؤولين الإيطاليين، مفادها بأنه «يتعين عليه مواجهة خصومه سياسيا، والتخلي عن التحركات العسكرية ضد المجلس الرئاسي لحكومة (الوفاق الوطني) الذي يرأسه فائز السراج في طرابلس»، وفقا لـ«آكي» الإيطالية.
وبحسب صحيفة «لا ريبوبليكا» الإيطالية فقد وجهت بينوتي حديثها إلى قائد الجيش الليبي، مشددة على أن «عملية التفاوض التي يقودها مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة بدأت للتو ونحن نؤيدها، ويجب على الجميع في ليبيا دعم المفاوضات السياسية، وعدم استخدام السلاح لغرض سياسي».
وقال عضو بالمجلس الرئاسي، رفض ذكر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»، إن الجانب الإيطالي «يسعى للحفاظ على مصالحه في ليبيا، وبالتالي فهو يريد استقرار البلاد، بعيدا عن استخدام السلاح... والسيد السراج دعا خليفة حفتر أكثر من مرة إلى احترام الشرعية، لكن هذا الأخير يفضل العمل العسكري، وهذا من شأنه إدخال البلاد في دوامة».
ويرى المحلل السياسي الليبي فوزي الحداد، أن قائد الجيش الليبي «أصبح في بؤرة الاهتمام الدولي»، وأرجع ذلك إلى أنه «يبسط سيطرته على آبار النفط»، كما أن قوات الجيش تهيمن على 90 في المائة من الأراضي الليبية، فضلا عن تحرير كثير من المدن من تنظيمي داعش والقاعدة، مضيفا أن حفتر «أصبح رقما مهما في الأزمة الليبية لا غنى عنه، وانضمامه إلى العملية السياسية يجنب البلاد التوتر والنزاع المسلح».
وردا على ما نقلته مصادر إيطالية بأن المسؤولين في روما أبلغوا حفتر بأنه «إذا كان ينوي تقديم نفسه لقيادة ليبيا، فعليه أن يختار المسار السياسي»، أشار المسؤول الليبي إلى أن حفتر قال إن «ترشحه من عدمه في أي انتخابات رئاسية مقبلة مرهون بإرادة الشعب، ودوره حاليا ينحصر في كونه قائدا للجيش الذي يخوض معارك ضد مختلف الجماعات الإرهابية في البلاد».
وبزيارة حفتر إلى روما تكون إيطاليا قد طوت صفحة من التوتر المؤقت معه، بعدما سبق ولوح في الثالث من أغسطس (آب) بالتصدي لأي سفن إيطالية تقترب من المياه الإقليمية الليبية دون تصريح، اعتراضا على موافقة البرلمان الإيطالي بإرسال قطع بحرية إلى بلاده، في إطار المحاولات للحد من عبور المهاجرين البحر المتوسط باتجاه أوروبا.
جلسات الحوار الليبي في تونس تبحث هيكلة السلطة التنفيذية وصلاحياتها
روما تدعو حفتر للتخلي عن التحركات العسكرية ضد حكومة الوفاق... والمشاركة في «المسار السياسي»
جلسات الحوار الليبي في تونس تبحث هيكلة السلطة التنفيذية وصلاحياتها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة