يصل بعض الفنانين إلى طريق مسدود مع جمهورهم بتقديم أدوار تكاد تكون مستهلكة، دون أن تترك أثرا لديهم، فيقوم بعضهم بالبعد عن الشاشة لفترة مؤقتة، والبحث عن دور يعيده مرة أخرى إلى جمهوره، بينما يستمر الآخرون في تقديم هذه الأدوار بشكل مكرر، حتى يصلوا إلى «قمة الفشل» من وجهة نظر النقاد، وكذلك الجمهور الذي يعزف عن مشاهدة أفلامهم بدور السينما.
الفنان الكوميدي محمد سعد، الشهير بشخصية «اللمبي»، هو خير نموذج لتلك النظرية، حيث ظل يقدم أعمالاً فنية خلال السنوات الأخيرة، تم انتقادها بشكل لاذع، ولم تحقق أعماله أي إيرادات، قبل أن يقوم بتغيير جلده الكوميدي هذا العام بفيلم «الكنز»، بالاشتراك مع الفنان الشاب محمد رمضان، واستطاع «سعد» من خلال دوره البعيد عن الكوميديا، لفت الأنظار إليه مرة أخرى، واستوقف أداؤه إعجاب الجمهور والنقاد، الذين اعتبروا دوره التراجيدي بمثابة إعادة اكتشاف.
وقال الفنان محمد سعد لـ«الشرق الأوسط»، عن سبب تغير جلده من الكوميديا إلى التراجيديا: «فكرة تغيير نمط الأدوار التي أقدمها كانت تراودني منذ فترة طويلة، وأرى أنها تأخرت كثيرا، حتى جاءتني فرصة فيلم (الكنز)، والعمل مع الأستاذ شريف عرفة، وهو مخرج لديه خبرة كبيرة، ويعرف كيف يضع الفنان في قالب مختلف وغير نمطي، ويستطيع إعادة اكتشافه مرة أخرى، فشخصية بشر الكتاتني رئيس البوليس السياسي إبان فترة حكم الملك فاروق أعادتني لجمهوري، والفضل يرجع للكاتب عبد الرحيم كمال، وشركة الإنتاج التي لم تبخل عليّ في العمل لظهوره بأفضل صورة، وسعدت كثيراً بردود الفعل التي وصلت إلي من إشادة بعض النقاد والإعلاميين والجمهور».
لم يكن محمد سعد النموذج الوحيد في السينما المصرية الذي قام بتغيير أدواره الاعتيادية، لكن توجد نماذج كثيرة أعيد اكتشافها مرة أخرى، مثل الفنان ياسر جلال، الذي اعتاد لعب دور الظل في الأفلام والمسلسلات، وكان أغلبها يدور حول الشر، قبل أن يظهر في مسلسل ظل الرئيس بالبطولة المطلقة لأول مرة في حياته، ونال المسلسل الذي عرض في رمضان الماضي على إشادة النقاد.
جيل الفنانات الشابات أيضاً كان له من تغيير أدواره الاعتيادية نصيب، فالفنانة غادة عادل أعادت حساباتها بعد أن قدمت فيلم «في شقة مصر الجديدة»، للمخرج محمد خان، حيث غيَّرَت جلدها تماماً، وابتعدت عن الأدوار الخفيفة، بالإضافة إلى الفنانة روبي التي أعادت اكتشاف نفسها في مسلسل «سجن النسا»، بعد سنوات من التجريب، ومنذ عامين أطلت علينا الفنانة منة شلبي، بتقديم دور يهودية بمسلسل «حارة اليهود»، الذي أكد قدرتها علي تجسيد شخصيات عميقة ومؤثرة، وواصلت شلبي تألقها مرة أخرى في موسم مسلسلات شهر رمضان الماضي، بتقديم دور الأجنبية بمسلسل «واحة الغروب»، الذي اعتبره البعض نقطة تحول في مسيرتها الفنية.
أما الفنانة ريهام عبد الغفور التي شاركت في مسلسل «لا تطفئ الشمس»، فقد تركت أثراً كبيراً لدى الجمهور، وأشاد بها النقاد وزملاؤها من الفنانين، وهو ما يثير تساؤلات البعض، من المسؤول عن إعادة اكتشاف الممثل فنياً، تقول الناقدة الفنية، خيرية البشلاوي: «تقع المسؤولية علي العملية الإنتاجية، والمخرج، والمؤلف، بل وجميع المشتركين في العمل، فالممثل مجرد أداة، وممكن أن يعاد اكتشافه عن طريق مخرج مخضرم، يدخل الممثل في تحدي لتغيير الصورة النمطية المستقرة في ذهن الجمهور، التي أضحكتهم لفترات طويلة».
وأضافت البشلاوي: «عندما يكرر ممثل شخصية بعينها، فهذا يرجع إلى استغلال المنتج لنجاح هذه الشخصية، وهذا ما حدث مع الفنان محمد سعد، عندما قدم شخصية (اللمبي)، في فيلم (الناظر)، وبدأ استنساخها في شخصيات أخرى، لكن بعد ظهوره في فيلم (الكنز) بشكل مختلف مع المخرج شريف عرفة، مخرج فيلم (الناظر) أيضاً، فهذا يدل على قدرات المخرج الذي يضع بصمته علي الممثل، ويحوله من شخصية لأخرى، وهذا يحتاج إلى مجهود كبير من الممثل أيضاً».
وتابعت الناقدة الفنية قائلة: «الفنان محمد رمضان كان يمشي على طريقة محمد سعد، عندما قدم شخصية (عبده موتة) التي تم استنساخها في أكثر من عمل، لكن سرعان ما خرج من هذه الشخصية، واستطاع تقديم شخصيات أخرى مختلفة وناجحة، وهذا يرجع إلى ظروف السينما التجارية التي تستنزف كل طاقات الفنان في شخصية واحدة، لنجاحه في المرة الأولى، فيكون الممثل مفعولاً به، ومجرد مؤدٍّ، والوحيد الذي يُستثنى من هذه الفكرة، هو الفنان عادل إمام، الذي استطاع التحكم في العملية الإنتاجية، وفرض سطوته عليها، ولا يمكن لأي ممثل آخر فعل ذلك حتى لو كان صاحب أعلي إيرادات».
وأوضحت البشلاوي قائلة: «فنانون كثيرون استطاعوا التحول من شخصية إلى أخرى، كالراحلين أحمد زكي، ومحمود عبد العزيز»، لافتة إلى أن إشكالية حبس الشخصية في شكل معين، وتنميطها باختزال الشخصية الإنسانية، بمواصفات معينة، كانت سبباً في نجاح بعض الفنانين القدامى مثل إسماعيل ياسين الذي تم توظيف أدواره في قضايا وطنية مضحكة، وأيضاً الراحلة زينات صدقي، وعبد الفتاح القصري، حيث لم يطالبهم أحد بالتغير».
إعادة اكتشاف الممثل فنياً... على من تقع المسؤولية؟
إعادة اكتشاف الممثل فنياً... على من تقع المسؤولية؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة