شكل الإعلام الفلسطيني المحلي، جزءاً هاماً من «الانقسام الداخلي»، منذ بدء الاقتتال ثم سيطرت حماس على قطاع غزة منتصف عام 2007. وعلى مدار عشرة أعوام، تحول الإعلام إلى جزء مهم في معركة الصراع الداخلي بين حركتي فتح وحماس، وذلك على الأقل بحكم السياسات العليا التي ترسم وتحكم توجهات وسائل الإعلام على مختلف أنواعها المرئية والمسموعة والمكتوبة، وحتى من خلال شبكات التواصل الاجتماعي.
وليس سراً أنه كان للصحافيين الفلسطينيين دور بارز في تشجيع ممارسات طرفي الانقسام وتبرير أفعالهم، إما بحكم أنهم جزء من الحزب السياسي، أو أنهم جزء من مؤسسة تابعة له أو قريبة منه.
وتدعم وسائل الإعلام الفلسطيني في الضفة الغربية السلطة الفلسطينية، بحكم أن بعضها يتقاضى دعما مباشرا من السلطة، أو تميل إلى تأييدها في وجه حماس، أما في قطاع غزة، فتتبع معظم وسائل الإعلام الفصائل الفلسطينية، وبعضها يؤيد حماس.
ولا يمكن الإشارة إلى إعلام مستقل في غزة، فيما يمكن الإشارة إلى ذلك في الضفة الغربية، ولكن مع «رقابة ذاتية» لصالح إرضاء السلطة وتجنب المواجهة معها.
وبحسب معطيات حصلت عليها «الشرق الأوسط»، فإن هناك أكثر من 37 محطة تلفزيونية بالأراضي الفلسطينية، تم إغلاق بعضها بسبب إجراءات الاحتلال أو نقص الدعم خاصة في الضفة الغربية كالمحطات الأرضية الصغيرة.
ويوجد في الضفة نحو 30 محطة تلفزيونية، أبرزها تلفزيون فلسطين الرسمي وفضائية الفلسطينية، بينما في غزة يوجد 5 محطات أبرزها فضائية «الأقصى» التابعة لحماس و«الكوفية» التابعة لتيار محمد دحلان، وهنا القدس المستقلة والمدعومة من جهات لبنانية وإيرانية، بينما توجد محطتان فضائيتان مهمتان تتبعان لـ«الجهاد الإسلامي» وحماس هما فلسطين اليوم والقدس وتبثان من لبنان ولهما استوديوهات كبيرة بغزة.
كما يوجد 35 إذاعة محلية، من بينها أكثر من 14 إذاعة في قطاع غزة منها أربعة لحركة حماس وخامسة لحكومتها بغزة تسمى الرأي، واثنتان للجهاد الإسلامي واثنتان للجبهتين الشعبية والديمقراطية، وأخرى للجان المقاومة، وإذاعات مختلفة مدعومة من أطراف حزبية عدة. وفي الضفة توجد واحدة رسمية تابعة لهيئة الإعلام الفلسطيني التابعة للسلطة، والأخرى جميعها خاصة ومحلية.
أما الصحف، فيوجد منها 4 صحف رئيسية تطبع بشكل يومي، وهي «القدس» و«الأيام» و«الحياة الجديدة» وجميعها تطبع في الضفة وتعد الحياة الوحيدة التابعة للسلطة، والصحيفة الرابعة، تسمى «فلسطين» وتطبع في غزة ومحسوبة على حماس. ناهيك بالصحف الأسبوعية، ومن بينها «الاستقلال» التابعة للجهاد الإسلامي و«الرسالة» التابعة لحماس.
وتملك جميع وسائل الإعلام السابقة صفحات كبيرة على شبكات التواصل الاجتماعي يتابعها الملايين وتحتوي جميعها على مواد تؤيد جهة على حساب أخرى.
ولا يمكن حصر المواقع الإخبارية على تمثل وكالات أخبار، وأبرزها وكالة معا ومقرها الرئيسي في الضفة الغربية، ولها مكتب كبير في غزة، وهي وكالة مستقلة، لكنها تميل أكثر إلى تأييد السلطة الفلسطينية.
وقال المحلل السياسي والكاتب طلال عوكل: «وسائل الإعلام الفلسطيني موزعة ومملوكة لأطراف الانقسام، وهي جزء مهم من هذا الحالة، لقد غرقت في وحل الانقسام وهي تتحمل أيضاً المسؤولية عما جرى في كثير من الحالات عندما راحت تستقطب وتحرض وتعمدت تبرير أفعال كل طرف وفقا لتوجهاتها السياسية».
وأضاف لـ«الشرق الأوسط»، «مع بداية الانقسام بدأت تتضخم وسائل الإعلام عند الطرفين وأصبحت من المغانم وكأنها من أسلحة الدفاع عن النفس». مشيراً إلى زيادة كبيرة في انتشار الإذاعات المحلية والمواقع وصفحات التواصل الاجتماعي ووجود انخراط واضح للصحافيين حتى أصبحوا من أدوات تبرير الانقسام.
ويرى عوكل أن خارطة وسائل الإعلام توزعت وفقا لسياسات الأحزاب الفلسطينية.
ولا يرى عوكل وجود إعلام مستقل مؤثر. وقال: «إن الإعلام المستقل محدود وضعيف، وفي ذات الوقت يخضع لضغوطات وتأثيرات من الإعلام الحزبي ودور الأحزاب والفصائل التي تضغط عليه».
ويرجع عوكل جزءا من حالة الإعلام الفلسطيني إلى سطوة الأحزاب الفلسطينية التي لا تراعي الديمقراطية والرأي العام وحرية الإعلام ولا تتأثر بالدعوات لإنهاء الانقسام سواء من الإعلام المستقل وإن كان محدوداً أو من منظمات المجتمع المدني وغيرها.
وتؤكد التقلبات في الحالة التحريرية لوسائل الإعلام تبعيتها للأحزاب التي تدعمها وتعمل على توجيهها وفق التطورات المحلية والإقليمية.
ويقر الصحافي محمد ياسين من صحيفة «الرسالة» التابعة لحركة حماس، أن الإعلام الفلسطيني أثر بشكل سلبي على الانقسام الداخلي، وعمل على تأجيج مواطن الخلاف ومواقف الشقاق وأثار الضغائن وشحن النفوس، وأقحم الجمهور في تفاصيل ومتاهات لها أول وليس لها آخر، وعزز ثقافة الانقسام ومفرداته على حساب الوحدة الوطنية والمصالح العليا للقضية الفلسطينية، على حساب الصراع الحقيقي مع الاحتلال.
وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «الإعلام المحلي أتاح المجال واسعا أمام القيادات الفلسطينية المتشنجة لتبث سمومها في روح المجتمع الفلسطيني، بل الأدهى والأمر الوصول إلى مرحلة اختلاق الأخبار الكاذبة وفبركة القصص المسيئة للطرف الآخر بما وسع الهوة والفجوة بين طرفي الانقسام».
ومن وجهة نظره: «تحول الإعلام الفلسطيني إلى ساحة مواجهة ومنبر لتبادل الشتائم والمناكفات والإساءة أحيانا للرموز الوطنية».
ويرى ياسين أن الصحافيين لعبوا دورا مهما في حالة الانقسام، من خلال الاصطفاف مع طرف ضد آخر بعيدا عن أبجديات المهنة وضوابط وأخلاقيات العمل الإعلامي، أو من خلال التخلي عن المسؤولية المجتمعية وفقد الوعي الكافي بخطورة ما يتم بثه من سموم في روح المجتمع الفلسطيني.
وتابع: «يكفي استخدام الكثير من الصور المبثوثة والمفردات والمصطلحات التي جرى استخدامها من قبل أولئك الإعلاميين ووسائل الإعلام لتعزيز الفرقة وزيادة الشرخ ونسف كل جهود التهدئة والإصلاح ولم الشمل في كثير من المحطات».
وعلى الرغم من ذلك لا يعارض ياسين فكرة الإعلام الحزبي، ويرى أنه له «دور إيجابي وبناء في المجتمعات المتحضرة والتي تسودها قيم الديمقراطية والعدالة»، لكن المشكلة من وجهة نظره هي في «حدة الاستقطاب في المجتمع الفلسطيني التي نتجت عن حالة الانقسام حرفت بوصلة الإعلام إجمالا، مما حول الإعلام الحزبي إلى منبر للتشهير بالخصم وتشويه صورته وتحطيم معنويات جمهوره من خلال بث الأخبار والتقارير المسيئة له».
وأضاف: «حتى الإعلام المستقل والخاص تأثر بحالة الانقسام ولم يسلم من تداعياته وجرى إقحامه بشكل أو آخر في أتون الصراع الداخلي».
وتتفق الصحافية يافا أبو عكر التي تعمل في كثير من وسائل الإعلام المحلية بغزة والضفة، بأن الإعلام الفلسطيني كان له تأثير قوي على تعزيز الانقسام بين الشركاء في شقي الوطن. معتبرةً أن «غزة باتت تأسس إعلام حزبي تابع لطرف الانقسام، والشق الآخر من الوطن له إعلام مركز ضد وحدة الشعب الفلسطيني».
وأضافت: «الإعلام المسيس يروج لما يؤمن به أو لما تؤمن به الجهة الإعلامية التابع لها، ومن الطبيعي أن يكون موجهاً ضد الطرف الآخر».
وأشارت إلى ما تعرض له الإعلامي الفلسطيني على مدار سنوات الانقسام من معاناة كبيرة جراء تعرضه للاعتقال أو حتى التحقيق معه حول عمله، وربما شهد بالفترة الأخيرة تقديمه للنيابة بحجة سوء استخدام التكنولوجيا. مشيرةً إلى أن ذلك يأتي نتاج عملية بث السموم من الإعلام الحزبي المحسوب على طرف ضد طرف آخر.
وخلال سنوات الانقسام تعرض الصحافيون في غزة والضفة لانتهاكات كبيرة سواء بالاستدعاء أو الاعتقال أو التهجم عليهم في بعض الأحيان كما جرى مع كثير من الصحافيين خاصة في قطاع غزة مع بداية أحداث الانقسام ما بين عامي 2006 – 2007، وكان من أبرز من تم الاعتداء عليهم مراسل قناة العربية سابقا سيف الدين شاهين، وثلاثة صحافيين محليين كانوا يعملون في صوت الحرية المحسوب على قائد جهاز الأمن الوقائي آنذاك محمد دحلان.
ولوحظ في الآونة الأخيرة اشتداد عمليات الاعتقال بحق الصحافيين وتوجيه اتهامات مختلفة لهم ووضع قضايا ضدهم أمام المحاكم، مما دفع حماس وفتح لتبادل غير مباشر وغير معلن بإفراج أمن غزة التابع لحماس عن مراسل تلفزيون فلسطين فؤاد جرادة بعد اعتقال دام نحو شهرين، مقابل الإفراج عن خمسة صحافيين اعتقلهم الأمن الفلسطيني بالضفة منهم مراسلون يتبعون لوسائل إعلام محسوبة على حماس أو مقربة منها.
وانتقد مركز مدى للحريات الإعلامية انتهاكات حرية التعبير في الضفة وغزة. داعياً إلى تشكيل أوسع تحالف من مؤسسات المجتمع المدني للدفاع عن حرية التعبير ووقف سياسة اعتقال الصحافيين.
ورفض المركز إقدام السلطة الفلسطينية على إقرار قانون الجرائم الإلكترونية في ظل حالة من التكتم الشديد وبعيداً عن أي مشاورات أو نقاش مع مؤسسات المجتمع المدني، مشيراً إلى أن هذا القانون يحد من حرية التعبير ويتنافى مع المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعتها دولة فلسطين.
الإعلام الفلسطيني داعم للسلطة في الضفة... ومتمسك بـ{حماس} في غزة
الصحافيون أصبحوا من أدوات تبرير الانقسام
الإعلام الفلسطيني داعم للسلطة في الضفة... ومتمسك بـ{حماس} في غزة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة