الإعلام الفلسطيني داعم للسلطة في الضفة... ومتمسك بـ{حماس} في غزة

الصحافيون أصبحوا من أدوات تبرير الانقسام

الإعلام الفلسطيني داعم للسلطة في الضفة... ومتمسك بـ{حماس} في غزة
TT

الإعلام الفلسطيني داعم للسلطة في الضفة... ومتمسك بـ{حماس} في غزة

الإعلام الفلسطيني داعم للسلطة في الضفة... ومتمسك بـ{حماس} في غزة

شكل الإعلام الفلسطيني المحلي، جزءاً هاماً من «الانقسام الداخلي»، منذ بدء الاقتتال ثم سيطرت حماس على قطاع غزة منتصف عام 2007. وعلى مدار عشرة أعوام، تحول الإعلام إلى جزء مهم في معركة الصراع الداخلي بين حركتي فتح وحماس، وذلك على الأقل بحكم السياسات العليا التي ترسم وتحكم توجهات وسائل الإعلام على مختلف أنواعها المرئية والمسموعة والمكتوبة، وحتى من خلال شبكات التواصل الاجتماعي.
وليس سراً أنه كان للصحافيين الفلسطينيين دور بارز في تشجيع ممارسات طرفي الانقسام وتبرير أفعالهم، إما بحكم أنهم جزء من الحزب السياسي، أو أنهم جزء من مؤسسة تابعة له أو قريبة منه.
وتدعم وسائل الإعلام الفلسطيني في الضفة الغربية السلطة الفلسطينية، بحكم أن بعضها يتقاضى دعما مباشرا من السلطة، أو تميل إلى تأييدها في وجه حماس، أما في قطاع غزة، فتتبع معظم وسائل الإعلام الفصائل الفلسطينية، وبعضها يؤيد حماس.
ولا يمكن الإشارة إلى إعلام مستقل في غزة، فيما يمكن الإشارة إلى ذلك في الضفة الغربية، ولكن مع «رقابة ذاتية» لصالح إرضاء السلطة وتجنب المواجهة معها.
وبحسب معطيات حصلت عليها «الشرق الأوسط»، فإن هناك أكثر من 37 محطة تلفزيونية بالأراضي الفلسطينية، تم إغلاق بعضها بسبب إجراءات الاحتلال أو نقص الدعم خاصة في الضفة الغربية كالمحطات الأرضية الصغيرة.
ويوجد في الضفة نحو 30 محطة تلفزيونية، أبرزها تلفزيون فلسطين الرسمي وفضائية الفلسطينية، بينما في غزة يوجد 5 محطات أبرزها فضائية «الأقصى» التابعة لحماس و«الكوفية» التابعة لتيار محمد دحلان، وهنا القدس المستقلة والمدعومة من جهات لبنانية وإيرانية، بينما توجد محطتان فضائيتان مهمتان تتبعان لـ«الجهاد الإسلامي» وحماس هما فلسطين اليوم والقدس وتبثان من لبنان ولهما استوديوهات كبيرة بغزة.
كما يوجد 35 إذاعة محلية، من بينها أكثر من 14 إذاعة في قطاع غزة منها أربعة لحركة حماس وخامسة لحكومتها بغزة تسمى الرأي، واثنتان للجهاد الإسلامي واثنتان للجبهتين الشعبية والديمقراطية، وأخرى للجان المقاومة، وإذاعات مختلفة مدعومة من أطراف حزبية عدة. وفي الضفة توجد واحدة رسمية تابعة لهيئة الإعلام الفلسطيني التابعة للسلطة، والأخرى جميعها خاصة ومحلية.
أما الصحف، فيوجد منها 4 صحف رئيسية تطبع بشكل يومي، وهي «القدس» و«الأيام» و«الحياة الجديدة» وجميعها تطبع في الضفة وتعد الحياة الوحيدة التابعة للسلطة، والصحيفة الرابعة، تسمى «فلسطين» وتطبع في غزة ومحسوبة على حماس. ناهيك بالصحف الأسبوعية، ومن بينها «الاستقلال» التابعة للجهاد الإسلامي و«الرسالة» التابعة لحماس.
وتملك جميع وسائل الإعلام السابقة صفحات كبيرة على شبكات التواصل الاجتماعي يتابعها الملايين وتحتوي جميعها على مواد تؤيد جهة على حساب أخرى.
ولا يمكن حصر المواقع الإخبارية على تمثل وكالات أخبار، وأبرزها وكالة معا ومقرها الرئيسي في الضفة الغربية، ولها مكتب كبير في غزة، وهي وكالة مستقلة، لكنها تميل أكثر إلى تأييد السلطة الفلسطينية.
وقال المحلل السياسي والكاتب طلال عوكل: «وسائل الإعلام الفلسطيني موزعة ومملوكة لأطراف الانقسام، وهي جزء مهم من هذا الحالة، لقد غرقت في وحل الانقسام وهي تتحمل أيضاً المسؤولية عما جرى في كثير من الحالات عندما راحت تستقطب وتحرض وتعمدت تبرير أفعال كل طرف وفقا لتوجهاتها السياسية».
وأضاف لـ«الشرق الأوسط»، «مع بداية الانقسام بدأت تتضخم وسائل الإعلام عند الطرفين وأصبحت من المغانم وكأنها من أسلحة الدفاع عن النفس». مشيراً إلى زيادة كبيرة في انتشار الإذاعات المحلية والمواقع وصفحات التواصل الاجتماعي ووجود انخراط واضح للصحافيين حتى أصبحوا من أدوات تبرير الانقسام.
ويرى عوكل أن خارطة وسائل الإعلام توزعت وفقا لسياسات الأحزاب الفلسطينية.
ولا يرى عوكل وجود إعلام مستقل مؤثر. وقال: «إن الإعلام المستقل محدود وضعيف، وفي ذات الوقت يخضع لضغوطات وتأثيرات من الإعلام الحزبي ودور الأحزاب والفصائل التي تضغط عليه».
ويرجع عوكل جزءا من حالة الإعلام الفلسطيني إلى سطوة الأحزاب الفلسطينية التي لا تراعي الديمقراطية والرأي العام وحرية الإعلام ولا تتأثر بالدعوات لإنهاء الانقسام سواء من الإعلام المستقل وإن كان محدوداً أو من منظمات المجتمع المدني وغيرها.
وتؤكد التقلبات في الحالة التحريرية لوسائل الإعلام تبعيتها للأحزاب التي تدعمها وتعمل على توجيهها وفق التطورات المحلية والإقليمية.
ويقر الصحافي محمد ياسين من صحيفة «الرسالة» التابعة لحركة حماس، أن الإعلام الفلسطيني أثر بشكل سلبي على الانقسام الداخلي، وعمل على تأجيج مواطن الخلاف ومواقف الشقاق وأثار الضغائن وشحن النفوس، وأقحم الجمهور في تفاصيل ومتاهات لها أول وليس لها آخر، وعزز ثقافة الانقسام ومفرداته على حساب الوحدة الوطنية والمصالح العليا للقضية الفلسطينية، على حساب الصراع الحقيقي مع الاحتلال.
وأضاف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «الإعلام المحلي أتاح المجال واسعا أمام القيادات الفلسطينية المتشنجة لتبث سمومها في روح المجتمع الفلسطيني، بل الأدهى والأمر الوصول إلى مرحلة اختلاق الأخبار الكاذبة وفبركة القصص المسيئة للطرف الآخر بما وسع الهوة والفجوة بين طرفي الانقسام».
ومن وجهة نظره: «تحول الإعلام الفلسطيني إلى ساحة مواجهة ومنبر لتبادل الشتائم والمناكفات والإساءة أحيانا للرموز الوطنية».
ويرى ياسين أن الصحافيين لعبوا دورا مهما في حالة الانقسام، من خلال الاصطفاف مع طرف ضد آخر بعيدا عن أبجديات المهنة وضوابط وأخلاقيات العمل الإعلامي، أو من خلال التخلي عن المسؤولية المجتمعية وفقد الوعي الكافي بخطورة ما يتم بثه من سموم في روح المجتمع الفلسطيني.
وتابع: «يكفي استخدام الكثير من الصور المبثوثة والمفردات والمصطلحات التي جرى استخدامها من قبل أولئك الإعلاميين ووسائل الإعلام لتعزيز الفرقة وزيادة الشرخ ونسف كل جهود التهدئة والإصلاح ولم الشمل في كثير من المحطات».
وعلى الرغم من ذلك لا يعارض ياسين فكرة الإعلام الحزبي، ويرى أنه له «دور إيجابي وبناء في المجتمعات المتحضرة والتي تسودها قيم الديمقراطية والعدالة»، لكن المشكلة من وجهة نظره هي في «حدة الاستقطاب في المجتمع الفلسطيني التي نتجت عن حالة الانقسام حرفت بوصلة الإعلام إجمالا، مما حول الإعلام الحزبي إلى منبر للتشهير بالخصم وتشويه صورته وتحطيم معنويات جمهوره من خلال بث الأخبار والتقارير المسيئة له».
وأضاف: «حتى الإعلام المستقل والخاص تأثر بحالة الانقسام ولم يسلم من تداعياته وجرى إقحامه بشكل أو آخر في أتون الصراع الداخلي».
وتتفق الصحافية يافا أبو عكر التي تعمل في كثير من وسائل الإعلام المحلية بغزة والضفة، بأن الإعلام الفلسطيني كان له تأثير قوي على تعزيز الانقسام بين الشركاء في شقي الوطن. معتبرةً أن «غزة باتت تأسس إعلام حزبي تابع لطرف الانقسام، والشق الآخر من الوطن له إعلام مركز ضد وحدة الشعب الفلسطيني».
وأضافت: «الإعلام المسيس يروج لما يؤمن به أو لما تؤمن به الجهة الإعلامية التابع لها، ومن الطبيعي أن يكون موجهاً ضد الطرف الآخر».
وأشارت إلى ما تعرض له الإعلامي الفلسطيني على مدار سنوات الانقسام من معاناة كبيرة جراء تعرضه للاعتقال أو حتى التحقيق معه حول عمله، وربما شهد بالفترة الأخيرة تقديمه للنيابة بحجة سوء استخدام التكنولوجيا. مشيرةً إلى أن ذلك يأتي نتاج عملية بث السموم من الإعلام الحزبي المحسوب على طرف ضد طرف آخر.
وخلال سنوات الانقسام تعرض الصحافيون في غزة والضفة لانتهاكات كبيرة سواء بالاستدعاء أو الاعتقال أو التهجم عليهم في بعض الأحيان كما جرى مع كثير من الصحافيين خاصة في قطاع غزة مع بداية أحداث الانقسام ما بين عامي 2006 – 2007، وكان من أبرز من تم الاعتداء عليهم مراسل قناة العربية سابقا سيف الدين شاهين، وثلاثة صحافيين محليين كانوا يعملون في صوت الحرية المحسوب على قائد جهاز الأمن الوقائي آنذاك محمد دحلان.
ولوحظ في الآونة الأخيرة اشتداد عمليات الاعتقال بحق الصحافيين وتوجيه اتهامات مختلفة لهم ووضع قضايا ضدهم أمام المحاكم، مما دفع حماس وفتح لتبادل غير مباشر وغير معلن بإفراج أمن غزة التابع لحماس عن مراسل تلفزيون فلسطين فؤاد جرادة بعد اعتقال دام نحو شهرين، مقابل الإفراج عن خمسة صحافيين اعتقلهم الأمن الفلسطيني بالضفة منهم مراسلون يتبعون لوسائل إعلام محسوبة على حماس أو مقربة منها.
وانتقد مركز مدى للحريات الإعلامية انتهاكات حرية التعبير في الضفة وغزة. داعياً إلى تشكيل أوسع تحالف من مؤسسات المجتمع المدني للدفاع عن حرية التعبير ووقف سياسة اعتقال الصحافيين.
ورفض المركز إقدام السلطة الفلسطينية على إقرار قانون الجرائم الإلكترونية في ظل حالة من التكتم الشديد وبعيداً عن أي مشاورات أو نقاش مع مؤسسات المجتمع المدني، مشيراً إلى أن هذا القانون يحد من حرية التعبير ويتنافى مع المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعتها دولة فلسطين.


مقالات ذات صلة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

العالم العربي تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

أظهر التقرير السنوي لحرية الصحافة لمنظمة «مراسلون بلا حدود»، اليوم الأربعاء، أن تونس والسنغال كانتا من بين الدول التي تراجعت في الترتيب، في حين بقيت النرويج في الصدارة، وحلّت كوريا الشمالية في المركز الأخير. وتقدّمت فرنسا من المركز 26 إلى المركز 24.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

ندّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اليوم (الثلاثاء)، باستهداف الصحافيين، مشيراً إلى أنّ «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم». وقال في رسالة عبر الفيديو بُثّت عشية الذكرى الثلاثين لـ«اليوم العالمي لحرية الصحافة»، إن «كلّ حرياتنا تعتمد على حرية الصحافة... حرية الصحافة هي شريان الحياة لحقوق الإنسان»، وفقاً لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أن «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم»، مشيراً إلى أنّه «يتمّ استهداف الصحافيين والعاملين في الإعلام بشكل مباشر عبر الإنترنت وخارجه، خلال قيامهم بعملهم الحيوي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

ذكرت جمعية تعنى بالدفاع عن وسائل الإعلام أن تهمة التجسس وجهت رسمياً لصحافي صيني ليبرالي معتقل منذ عام 2022، في أحدث مثال على تراجع حرية الصحافة في الصين في السنوات الأخيرة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». كان دونغ يويو، البالغ 61 عاماً والمعروف بصراحته، يكتب افتتاحيات في صحيفة «كلارتي» المحافظة (غوانغمينغ ريباو) التي يملكها الحزب الشيوعي الحاكم. وقد أوقف في فبراير (شباط) 2022 أثناء تناوله الغداء في بكين مع دبلوماسي ياباني، وفق بيان نشرته عائلته الاثنين، اطلعت عليه لجنة حماية الصحافيين ومقرها في الولايات المتحدة. وقالت وزارة الخارجية اليابانية العام الماضي إنه أفرج عن الدبلوماسي بعد استجو

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم العربي المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

بدا لافتاً خروج أربعة وزراء اتصال (إعلام) مغاربة سابقين ينتمون إلى أحزاب سياسية مختلفة عن صمتهم، معبرين عن رفضهم مشروع قانون صادقت عليه الحكومة المغربية الأسبوع الماضي، لإنشاء لجنة مؤقتة لمدة سنتين لتسيير «المجلس الوطني للصحافة» وممارسة اختصاصاته بعد انتهاء ولاية المجلس وتعذر إجراء انتخابات لاختيار أعضاء جدد فيه. الوزراء الأربعة الذين سبق لهم أن تولوا حقيبة الاتصال هم: محمد نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب «التقدم والاشتراكية» المعارض، ومصطفى الخلفي، عضو الأمانة العامة لحزب «العدالة والتنمية» المعارض أيضاً، والحسن عبيابة، المنتمي لحزب «الاتحاد الدستوري» (معارضة برلمانية)، ومحمد الأعرج، عضو

«الشرق الأوسط» (الرباط)
المشرق العربي «الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

«الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

انتقدت جامعة الدول العربية ما وصفته بـ«التضييق» على الإعلام الفلسطيني. وقالت في إفادة رسمية اليوم (الأربعاء)، احتفالاً بـ«يوم الإعلام العربي»، إن هذه الممارسات من شأنها أن «تشوّه وتحجب الحقائق». تأتي هذه التصريحات في ظل شكوى متكررة من «تقييد» المنشورات الخاصة بالأحداث في فلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما في فترات الاشتباكات مع القوات الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
TT

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)

«إحدى الوظائف الرئيسية لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل في القدرة على توحيد الناس وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات» اختتم المنتدى الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» أخيراً أعماله في موسكو، مطلِقاً آليات لتعزيز التواصل مع المؤسسات الثقافية والإبداعية في عشرات البلدان، بهدف تحويل المنتدى -كما قال منظموه- إلى «منصة فريدة لتبادل الخبرات وتطوير أساليب الابتكار والإبداع في عالم متعدد لا تهيمن عليه الثقافة الغربية وحدها بأساليبها القديمة».

جمع المنتدى، عبر النقاشات التي دارت خلال ورشات العمل «قادة الصناعات الإبداعية من روسيا ودول أخرى، لمناقشة آفاق تطوير الصناعة والمخاطر والفرص التي أحدثها التقدم السريع للتكنولوجيا الجديدة في حياة الناس وإبداعهم».

عاصمة عالمية للإعلام والثقافة

ووفقاً لحكومة العاصمة الروسية موسكو، التي رعت تنظيم المنتدى، فإن من بين أهداف إطلاقه «تحويله إلى فعالية تُنظّم بشكل دوري وتكريس رؤية جديدة للتعاون الثقافي والإعلامي والإبداعي تقودها موسكو». ومن جهتها، رأت رئاسة المنتدى أن موسكو «عزّزت عبره مكانتها بين عواصم الثقافة في العالم، وباتت تجذب انتباه الخبراء في الصناعات الإبداعية والمتخصصين المشهورين من مختلف أنحاء العالم، من الولايات المتحدة وفرنسا إلى الهند والصين». وبهذا المعنى فإن روسيا «ما زالت تحتفظ بهويتها الثقافية، على الرغم من العقوبات والتحديات المعاصرة، بل تمضي قدماً أيضاً نحو تطوير أشكال جديدة من التفاعل في مجالات السينما ووسائل الإعلام الجديدة وغيرها من الصناعات الإبداعية».

وحقاً، جمع منتدى «الثقافة والإعلام والرقمنة» في دورته الأولى متخصصين في مجالات السينما، والألعاب، والإعلام، والتكنولوجيا، والصناعات الإبداعية؛ للبحث عن توازن جديد بين الأهداف التجارية والمصالح العامة، وإمكانيات الآلات وقدرات البشر.

ولمدة يومين، تواصل المشاركون من مختلف دول العالم في ورشات عمل لبحث المواضيع الرئيسة المطروحة التي توزّعت على عدة محاور؛ بينها: اقتصاد وسائل الإعلام الجديدة، والتأثير المتبادل بين وسائل الإعلام الجديدة والسينما، والاتصالات، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن تطوير ألعاب الفيديو، والمساحات الافتراضية، والرياضات الإلكترونية.

تقارب وأرضية مشتركة

رؤية المنتدى تقوم، بالدرجة الأولى، على محاولة تعزيز التقارب والتنسيق من أجل «إيجاد أرضية مشتركة وتطوير أساليب جديدة وفريدة للإبداع بين روسيا ودول مجموعة (بريكس+)» والدول العربية، لا سيما في مجال منصات الثقافات وتشابكها. وبذا لا يُخفي المنظمون الهدف الأساسي المتمثل في محاولة «كسر» الحصار الغربي، والعمل على تشكيل منصة فريدة تُسهم في تطوير حوار دولي بين روسيا وشركائها في الدول العربية والبلدان الأخرى التي تعمل مثل روسيا لإيجاد روابط جديدة للتعاون في ظل التغيّرات السريعة على بيئة المعلومات العالمية.

لذا، رأى المنتدى في جلسات الحوار أن إحدى الوظائف الرئيسة لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل «في القدرة على توحيد الناس، وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات واللغات المختلفة عبر استخدام الشبكات الاجتماعية، والمدوّنات، ومحتوى الفيديو». وعدّ أن تأثير مساحة الإعلام الجديدة يتمثّل أيضاً في إمكانية إنشاء مبادرات مشتركة - مشاريع مشتركة، وأحداث ثقافية، وبرامج تعليمية تهدف إلى تعزيز الروابط وتوسيع آفاق التعاون المتبادل.

برنامج اليوم الأول تضمّن جلسة رئيسة بعنوان «مستقبل التواصل والتواصل من أجل المستقبل»، شاركت فيها نخبة من كبار المخرجين العالميين؛ مثل: أمير كوستوريكا، وأوليفر ستون، استعرضوا خلالها دور السينما في تجاوز الحواجز الثقافية وتعزيز التفاهم بين الشعوب. وفي كلمته، شدّد كوستوريكا على أن «السينما لا تُقاس بقيمتها المالية بقدر ما تحمله من مضامين وأفكار عميقة»، مشيراً إلى تأثير أفلام المخرج أندريه تاركوفسكي التي على الرغم من محدودية مشاهدتها عند إصدارها، اكتسبت قاعدة جماهيرية واسعة على مر الزمن، بفضل طرحها أسئلة جوهرية عن الحياة.

أما ستون فأكد أن «السينما اليوم في مرحلة تطور مستمر، تتضمّن رؤى فنية جديدة وإمكانيات إبداعية متاحة حتى في المدن الصغيرة»، داعياً إلى احتضان هذا التغيير وتقدير الماضي في الوقت ذاته.

الحضور العربي

وفي الجلسات عن العالم العربي، شارك لوبو سيوس مقدم البرامج الحوارية في دبي، وعلي الزكري رئيس قسم التحرير الرقمي في صحيفة «البيان» في دبيّ، وعلا الشافعي رئيسة تحرير صحيفة «اليوم السابع» المصرية، والصحافي اللبناني نبيل الجبيلي. وأكد المنتدى تعزيز الروابط بين الشعوب، كونها تُسهم في خلق أرضية مشتركة وتقديم طرق مبتكرة للإبداع. ورأى المشاركون أن العلاقات بين روسيا ودول «بريكس» لا سيما الدول العربية تستند إلى التفاعل الثقافي وتشابك الثقافات؛ مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون والإبداع المشترك.

وعن دور السينما، بين وسائل هذا التعاون، فإنها عُدّت جسراً فعّالاً يربط بين العالمين الروسي والعربي. إذ إن الأفلام لا تكتفي بعرض جوانب من حياة شعوب معينة، بل تساعد أيضاً على تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية؛ مما يخلق قصصاً عالمية قادرة على التأثير في قلوب المشاهدين في كل مكان.

ومن ثم، تناول المنتدى دور الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة واعدة في عملية التأليف والإنتاج السينمائي، بجانب بحث الفرص التي توفرها المنصات الرقمية لتمكين المواهب الشابة.

جانب من الحضور يسجلون اللحظة بهواتفهم الجوّالة (الشرق الأوسط)

منصة مهمة لتبادل الخبرات

مع مشاركة أكثر من 70 متحدثاً من 10 دول، شكّل المنتدى منصة مهمة لتبادل الخبرات وتعزيز التواصل الثقافي بين روسيا والعالم، بما يُسهم في دفع عجلة الابتكار والتنوع في قطاعي الإعلام والسينما العالميين. وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال جورجي بروكوبوف، رئيس شركة موسكينو - مركز موسكو السينمائي، إن المنتدى -الأول من نوعه- يُنظّم «في لحظة محورية؛ إذ تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي والابتكارات الرقمية على إعادة تشكيل الصناعات الإبداعية بشكل أساسي». وأردف أن «الملعب العالمي بات أكثر توازناً... وظهرت مناطق جديدة، أو عزّزت مناطق، كانت موجودة أصلاً في هذه الصناعة، مكانتها لتتحول إلى مراكز لإنتاج الأفلام والتلفزيون».

وأوضح بروكوبوف أن موسكو استثمرت، بمبادرة من رئيس بلديتها سيرغي سوبيانين، بكثافة في «بناء مجموعات إبداعية عالمية المستوى» في المدينة وإنشاء شبكات تعاون مع مراكز إبداعية مماثلة في جميع أنحاء العالم. ولقد انصب أحد البرامج الأساسية على تطوير صناعة السينما. وتابع أن «مجموعة صناعة الأفلام الروسية وصلت إلى حجم مماثل (من حيث مرافق الإنتاج ومعداتها المتطورة) لتلك الموجودة في كاليفورنيا أو مومباي (...) تتغيّر صناعة الأفلام العالمية بسرعة، ولم يعد الأمر يقتصر على (هوليوود)، النموذج القديم؛ حيث تُملى ثقافة واحدة، والأذواق العالمية تتلاشى». ثم كشف عن أن عدد الأفلام الروائية المنتجة في دول «بريكس» تضاعف أكثر من ثلاث مرات على مدى العقدين الماضيين، في حين ظل عدد الإنتاجات في الغرب ثابتاً إلى حد كبير.

داخل القاعة (الشرق الأوسط)

التطور في «بريكس» ودول الخليج العربي

ومن ثم، أفاد بأن تقنيات الذكاء الاصطناعي تسمح بتكييف المحتوى المتنوع مع السياقات المحلية بسلاسة. وبالنسبة إلى دول مجموعة «بريكس» فإنها، مثل روسيا، «تتطلّع إلى تعزيز التعاون مع القطاع الإبداعي المزدهر في الخليج العربي، بما يمثّل فرصة مثيرة لاستكشاف أسواق جديدة».

وزاد المسؤول أن الأوساط الروسية «تتابع باهتمام كبير ما يحدث في المملكة العربية السعودية. إن تفاني الحكومة في رعاية المواهب وجعل المملكة واحدة من المراكز الإبداعية الرائدة في العالم أمر رائع حقاً. ومن الملهم أن نرى كيف تتحوّل المملكة بسرعة إلى قوة إبداعية عالمية مع الحفاظ على تراثها الثقافي الغني».