تتويج «يوم للستات» المصري بجائزة مهرجان السينما الأفريقية بالمغرب

في مسابقة رسمية تنافس فيها 14 فيلماً

TT

تتويج «يوم للستات» المصري بجائزة مهرجان السينما الأفريقية بالمغرب

أسدل الستار، مساء السبت، بمدينة خريبكة (وسط المغرب)، على فعاليات الدورة العشرين لمهرجان السينما الأفريقية، الذي تواصلت فعالياته منذ التاسع من الشهر الجاري، بتتويج الفيلم المصري «يوم للستات»، لمخرجته كاملة أبو ذكرى، بالجائزة الكبرى (عثمان صامبين). وعادت جائزة لجنة التحكيم للفيلم السنغالي «فيليسيتي» لمخرجه السنغالي - الفرنسي ألان كوميز، وفاز الفيلم الموزمبيقي «قطار السكر والملح» لمخرجه البرازيلي ليسينو أزيفيدو بجائزتي الإخراج والسيناريو، فيما ذهبت جائزة أول دور رجالي (محمد بسطاوي) للممثل الجنوب أفريقي تابو راميتشي عن فيلم «كالوتشي»؛ وتوجت الممثلة السنغالية فيرو تشنادا بيا بجائزة أول دور نسائي عن فيلم «فيليسيتي»، فيما فاز جويل كراكيزي عن الفيلم الرواندي «البلجيكي الأسود» بجائزة ثاني أفضل دور رجالي، وناكي سي سيفني عن الفيلم البوركينابي «حدود» بجائزة ثاني أفضل دور نسائي. فيما عادت «جائزة دون كيشوت»، التي تمنحها الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب، للفيلم السنغالي «فليسيتي».
وتدور قصة «يوم للستات»، الذي هو من بطولة وإنتاج إلهام شاهين، وتأليف هناء عطية، فيما تقوم فيه بباقي أدوار البطولة كل من نيللي كريم وناهد السباعي وهالة صدقي ورجاء حسين وشيماء سيف، علاوة على محمود حميدة وفاروق الفيشاوي وأحمد الفيشاوي وإياد نصار وأحمد داود، حول «ثلاث نساء يعشقن الحياة كما يرثين الحزن والفقد، وينتفضن ضد أغلال فكرية ومجتمعية تكبح حريتهن وطموحهن للانعتاق، من خلال فضاءين متناقضين، الحارة حيث يسود الظلام، والمسبح الذي يرمز للنور»، متمحوراً حول «خبر افتتاح حمام سباحة جديد بالقرب من إحدى المناطق الشعبية»، الذي «سيصبح حديث الجميع، خاصة مع تخصيصه يوم الأحد للسيدات فقط، وهو ما يؤدي إلى جمع العديد من السيدات المنحدرات من خلفيات اجتماعية مختلفة، حيث تحلم عزة منذ زمن بارتداء ملابس السباحة، وتجد شامية من يستمع إليها حين تتحدث عن حياتها الخاصة، وتحاول ليلى تجاوز حزنها على ابنها الراحل».
وتنافس على جوائز الدورة التي نظمتها، تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، مؤسسة مهرجان السينما الأفريقية بخريبكة، بدعم من المجمع الشريف للفوسفات والمركز السينمائي المغربي، 14 فيلماً، من 14 دولة، وهي «البلجيكي الأسود» لجان لوك هابياريمان من رواندا، و«قطار سكر وملح» لليسينيو أزيفيدو من موزمبيق، و«وولو» لداودا كوليبالي من مالي، و«حياة» لرؤوف الصباحي من المغرب، و«أطفال الجبل» لبريسيلا أناني من غانا، و«فيليسيتي» لألان كوميز من السنغال، و«حدود» لأبولين تراور من بوركينا فاسو، و«بالتوفيق للجزائر» لفريد بنتومي من الجزائر، و«نحبك هادي» لمحمد بنعطية من تونس، و«يوم للستات» لكاملة أبو ذكرى من مصر، و«كالوشي ماندلا» لوالتر ديب من أفريقيا الجنوبية، و«تنظيم غير قابل للتحكم» لأرنولد أكانزي من أوغندا، و«العاصفة الأفريقية، قارة تحت التأثير» لسيلفيستر أموسو من بينين، و«سوليم» لستيفان أف من طوغو.
وضمت لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للدورة، التي ترأسها الكاتب والشاعر المغربي عبد اللطيف اللعبي، والمخرج والمنتج بيدرو بيمانتا (موزمبيق)، ونيكو سيمون رئيس «أوروبا سينما» باللوكسمبورغ، والممثلة رقية نيانك (السنغال)، والفنانة التشكيلية زوليخة بوعبد الله (الجزائر)، والممثلة صونية عكاشة (المغرب)، والمؤلف والملحن راي ليما (الكونغو)؛ بينما تكونت لجنة تحكيم جائزة (دون كيشوت) من الجيلالي بوجو (النادي السينمائي بالمحمدية) وبوشعيب الجاموسي (النادي السينمائي بالقنيطرة) وخالد بنرشيد (جمعية النادي السينمائي بخريبكة).
وتضمن برنامج دورة هذه السنة من المهرجان الذي يرى المنظمون أن «استمراره، طوال أربعين سنة، هو، قبل كل شيء، شغف بالسينما والنشاط الثقافي، وتجسيد للإرادة المطلقة للمثقفين والسينمائيين المغاربة لخلق مظاهرة للفن للسابع تحتفي بزخم وعظمة الهوية الأفريقية»، ندوات على علاقة بتوجه المظاهرة، بينها ندوة رئيسية، تناولت «قضية الهوية في السينما الأفريقية». كما نظمت إدارة المهرجان، بفضاء السجن المحلي بخريبكة، بشراكة مع المندوبية العامة للسجون بالمغرب، ثلاث ندوات، تناولت «صورة المهاجر الأفريقي في السينما»، و«القانون المتعلق بالهجرة إلى المغرب: حقوق وواجبات المهاجر الأفريقي»، و«الهجرة والإدماج الثقافي: الإجراءات والتحديات».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)