فرق يهودية مجهولة تتنازعها الاختلافات الدينية

المعلومة المثيرة في هذا الكتاب أن اليهود السود من نسل العبرانيين الإسرائيليين يعتقدون أنهم الشعب المختار وقد اصطفاهم الله لأنهم من نسل إبراهيم وإسحق ويعقوب
المعلومة المثيرة في هذا الكتاب أن اليهود السود من نسل العبرانيين الإسرائيليين يعتقدون أنهم الشعب المختار وقد اصطفاهم الله لأنهم من نسل إبراهيم وإسحق ويعقوب
TT

فرق يهودية مجهولة تتنازعها الاختلافات الدينية

المعلومة المثيرة في هذا الكتاب أن اليهود السود من نسل العبرانيين الإسرائيليين يعتقدون أنهم الشعب المختار وقد اصطفاهم الله لأنهم من نسل إبراهيم وإسحق ويعقوب
المعلومة المثيرة في هذا الكتاب أن اليهود السود من نسل العبرانيين الإسرائيليين يعتقدون أنهم الشعب المختار وقد اصطفاهم الله لأنهم من نسل إبراهيم وإسحق ويعقوب

صدر عن دار «لندن تاغس» كتاب جديد للدكتور جعفر هادي حسن يحمل عنوان «فِرق يهودية معاصرة»، وقد ضمّ الكتاب خمس فِرق يهودية لا يعرفها القارئ العادي باستثناء فِرقة «الفلاشا» التي كُتب عنها الكثير من الأبحاث والدراسات المتخصصة. أما الفِرق الأخرى فهي مجهولة للقارئ العربي وأن الباحث نفسه لم يطلِّع حتى على مقالة واحدة باللغة العربية عن فِرقة اليهود الأفارقة الأميركيين، فما بالكم ببقية الفِرق مثل اليهود اليسوعيين، واليهودية البشرية وفِرقة مكويا اليابانية؟
ينطوي هذا الكتاب الفكري على بِنية معلوماتية موزّعة بين ثناياه لعل أبرزها شَتات بني إسرائيل بعد تدمير الهيكل من قِبل الرومان، وتبدّدهم في مختلف أرجاء العالم، فيما ضاعت منهم 12 قبيلة يعتقدون أنها وجدت طريقها إلى الحدود الأفغانية - الباكستانية، واليابان، وبعض البلدان الأفريقية. أما موجة الشَتات الثانية فقد بدأت زمنياً بالقرنين الخامس عشر والسادس عشر حينما قام الإسبان والبرتغاليون والهولنديون والإنجليز لاحقاً باسترقاق الأفارقة في غانا وأخذهم عبيداً إلى أوروبا والعالم الجديد. وكان بينهم الكثير من اليهود الذي سوف يقررون بعد 400 سنة من التهجير القسري، والغربة، والمعاناة العودة إلى «أرض الأجداد» ليبنوا مملكتهم من جديد لأنهم يعتبرون المنفى الأميركي رمزاً لبابل التي سبتهم، واستعبدتهم، وزرعت في ذاكرتهم الجمعية ذكريات سيئة عن الأسر والنفي في بلاد ما بين النهرين.
المعلومة المثيرة في هذا الكتاب أن اليهود السود من نسل العبرانيين الإسرائيليين يعتقدون أنهم الشعب المختار وقد اصطفاهم الله لأنهم من نسل إبراهيم وإسحق ويعقوب، أما سبب شتاتهم فيردونه إلى كثرة ذنوبهم، ويشككون في اليهود البيض ويرجعونهم إلى نسل عيسى.
يشتمل الفصل الأول على ثماني مجموعات رئيسة انبثقت عن فِرقة اليهود الأفارقة الأميركيين نذكر منها «كنيسة الله الحيّ، عمود الحق وأساسه لكل الشعوب»، «المعبد الصهيوني الموريشي»، «المحافظون على الشريعة»، فالأولى تلتزم بفريضة السبت، وعيد الفصح، والثانية تشجع على الهجرة إلى إثيوبيا، والثالثة تريد العودة إلى أرض الأجداد.
يتمحور الفصل الثاني على مجموعة «الشعب الأفريقي العبراني الإسرائيلي الأورشليمي» التي أسسها بن عامي، وقد وضعت هذه المجموعة خططاً لإنشاء دولة عالمية حيث بدأوا برحلة معاكسة من أميركا إلى ليبيريا قبل ذهابهم لإسرائيل. وفي عام 1965 صرّح بن عامي قائلاً: «إنّ إسرائيل هي أرض تراثنا ولذلك علينا أن نرجع إليها الآن» (ص50). وقد ادعى بأن الله قد أوحى إليه وأمرهُ بضرورة العودة إلى إسرائيل لينشئ مملكته على الأرض شرط أن يبقى في ليبيريا ثلاث سنوات ونصف السنة حتى يتطهروا من العفن الذي أصابهم عندما كانوا يعيشون في أميركا. وقد رفضوا كل محاولات الاندماج والتجنّس لأنهم عبرانيون إسرائيليون ويتحرقون شوقاً «للعودة إلى وطنهم الأم». وحينما عادوا أصيبوا بصدمة كبيرة فقد أسكنوهم في صحراء النقب والضفة الغربية، ولم يسمحوا لهم بالعمل والدراسة لأنهم مقيمون غير شرعيين، ولم تعترف رئاسة الحاخامية في إسرائيل بيهوديتهم، ولم تمنح مواليدهم الجدد شهادات ميلاد. ومع ذلك فقد شجع الكثير من السياسيين والمفكرين عودة الأفارقة الأميركيين إلى القارة السمراء وعلى رأسهم الرئيس الغاني نكروما الذي دعا الغانيين للعودة إلى البلاد، كما حرّض بول كوفي، وهو أثري أميركي أفريقي في الولايات المتحدة على عودة الأفارقة إلى سيراليون، كما شجّع إدوار ويلموت بلايدن إلى عودة الأفارقة إلى بلدانهم الأصلية. وبالمقابل هناك من عارض فكرة العودة وأيدّ فكرة الاندماج مع المجتمع الأبيض أمثال فردريك دوغلاس ومارتن لوثر كنغ. بينما كان بن عامي يطالب الإدارة الأميركية بمساعدة الراغبين في العودة الطوعية لكنهم لم يحصلوا من الكونغرس إلا على منحة قدرها مليون دولار لإنشاء مستوطنة بعد أن وافقت عليها إسرائيل.
كرّس هادي حسن الفصل الثالث ليهود إثيوبيا «الفلاشا». وبحسب الرحالة اليهودي المغامر إلداد هاداني الذي سافر إلى هناك والتقى الكثير من اليهود وذكر بأن قبيلة «دان» قد هاجرت إلى إثيوبيا لأنها لم ترد أن تشترك في الحرب الأهلية بعد وفاة سليمان بن داود، كما هاجرت معها ثلاث قبائل أخرى وهي نفتالي وآشر وجاد غير أن رئاسة الحاخامية اعتبرت قبيلة «دان» من القبائل الضائعة. ويعتقد جاك فيتلوفتش أن الفلاشا يهود حقيقيون بالدم والنسب وليسوا متحولين كما يرى البعض. وكلمة فلاشا تعني أجانب أو منفيين باللغة الجعزية، وهم يختنون أولادهم، ويلتزمون بأحكام السبت وقضية الطهارة، ويعتقد قسسهم «بأن الإثيوبيين هم الشعب المختار بدل اليهود لأن التابوت في حمايتهم» (ص115). يسكن الفلاشا في قرى منعزلة عند الأنهار ومصادر المياه، ويمتهنون الحدادة وصناعة الأواني الفخارية. وبما أن الحدادين متهمون بالسحر فقد نُسجت حولهم الأساطير التي تقول بأنهم يتحولون في الليل إلى ضباع تأكل الجثث في المقابر. ويقدر عددهم بحدود مائتي ألف يهودي وحينما تم نقلهم إلى إسرائيل طلبت منهم رئاسة الحاخامية أن يتزوجوا على وفق الطريقة الأرثودكسية، وأن يرتمسوا بالماء، وأن يختتنوا أمام الحاخامين، وكانت أوضاعهم السكنية والصحية مزرية الأمر الذي دفع بعضهم للانتحار.
يركز الباحث في الفصل الرابع على «اليهود اليسوعيين» Messianic Jews ولا يترجم اسم هذه الفرقة ترجمة حرفية وهي «اليهود المسيحانيين» لأن المعنى الأول أدق، فهم يهود ويؤمنون بعيسى «اليسوع» كنبي ومخلّص وينتظر أتباع هذه الفرقة ظهوره الثاني ولا ينتظرون مسيحاً آخر. وهناك الكثير من رجال الدين الذين تحولوا من اليهودية إلى المسيحية بعد أن قرأوا العهد الجديد مثل المبشّر هنري شتيرن، والحاخام المجري أغاز لينخشتاين الذي دعاهم للإيمان بعيسى دون أن يتخلوا عن يهوديتهم. لكن الرئاسة الحاخامية كانت لهم بالمرصاد فأصدرت عقوبات صارمة ضد كل يهودي يؤمن بعيسى تصل إلى طرده من اليهودية. لا تؤمن هذه المجموعة بالتبشير لذلك يتناقص عددهم يوماً بعد يوم. يعتقد اليسوعيون «أن وعد الرب لليهود كان قد ألغي بمجيء اليسوع عيسى، وأن شعب الكنيسة هو الشعب المختار» (ص213).
لم يقتنع الباحث في الفصل الخامس بترجمة فرقة Humanistic Judaism باليهودية الإنسانية، بل ترجمها بـ«اليهودية البشرية» لأن المقصود هنا «أن البشر اليهود هم الذين أوجدوا هذه الديانة اليهودية دون تدخل من خالق» (ص225). ويعتبر أتباع هذه الفرقة أن اليهودية ثقافة وليست ديناً، كما ينتقدون التوراة كثيراً لأن قصصها متناقضة، وتفضي إلى الارتباك والتشويش، وأن الشخصية اليهودية هي نتاج التاريخ اليهودي وليس نتاج التوراة. وخلاصة القول «إن التوراة هي كتاب أدبي وحقها أن توضع في مكان مشرف في متحف الكتب اليهودية» (ص231).
أما الفصل السادس والأخير فيسلّط الضوء على فرقة مكويا اليابانية التي تؤكد على الأصل العبري للعقيدة المسيحية وترى أن بناء معبد الشنتو لا يختلف كثيراً عن شكل المعبد اليهودي. لا يتزوج أتباع هذه الفرقة من خارج فرقتهم ويعتقدون بأنهم أحفاد قبيلة زبولون، وهي إحدى قبائل بني إسرائيل الضائعة. ويعتقد إيكورو تشيما، مؤسس هذه الفرقة بأن «سور الصين العظيم قد بناه يهود الشتات» (ص266). لم يشر الباحث إلى فرق يهودية معروفة مثل القرّائين، والدونمة، والحسيديم، والحريديم لأنه أصدر كتباً عنها. كما لم يتوقف عند الفرق الإصلاحية والمحافظة لأنها تحتاج إلى أبحاث علمية مطولة.


مقالات ذات صلة

كاتدرائية نوتردام الفرنسية تتعافى من الحريق... وتكشف عن هيئتها الجديدة للعالم

يوميات الشرق جانب من كاتدرائية نوتردام دو باريس في باريس، بعد ترميمها، 29 نوفمبر 2024 (رويترز)

كاتدرائية نوتردام الفرنسية تتعافى من الحريق... وتكشف عن هيئتها الجديدة للعالم

بعد أكثر من خمس سنوات من أعمال ترميم واسعة، كشفت كاتدرائية نوتردام في العاصمة الفرنسية باريس عن هيئتها الجديدة للعالم اليوم الجمعة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
أوروبا أعضاء فرع الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية يحضرون اجتماعاً في دير القديس بانتيليمون في كييف يوم 27 مايو 2022 (رويترز)

الأمم المتحدة قلقة من حظر أوكرانيا الكنيسة الأرثوذكسية الروسية

أعلن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أنه يدرس حظر كييف للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المرتبطة بروسيا، قائلاً إنه يثير مخاوف جدية بشأن حرية المعتقد.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
آسيا البابا فرنسيس أثناء وصوله إلى مطار سوكارنو هاتا الدولي في جاكرتا (أ.ف.ب)

البابا فرنسيس يصل إلى إندونيسيا في مستهل أطول رحلة خارجية خلال ولايته

البابا فرنسيس يصل إلى إندونيسيا في محطة أولى ضمن جولة له على 4 دول. وتتمحور الزيارة بشكل خاص حول الحوار الإسلامي المسيحي.

«الشرق الأوسط» (جاكرتا)
أميركا اللاتينية الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي خلال زيارته إلى القدس 6 فبراير 2024 (أ.ب)

كيف تحول تأييد الرئيس الأرجنتيني لإسرائيل واهتمامه المتزايد باليهودية مصدر قلق لبلاده؟

لقد أظهر الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي، وهو كاثوليكي بالميلاد، اهتماماً عاماً متزايداً باليهودية، بل وأعرب حتى عن نيته في التحوّل إلى اليهودية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
آسيا رجال الشرطة يقفون للحراسة مع وصول المسلمين لأداء صلاة الجمعة في مسجد جيانفابي في فاراناسي 20 مايو 2022 (أ.ف.ب)

الهند: قوانين مقترحة للأحوال الشخصية تثير مخاوف المسلمين

من المقرر أن تطرح ولاية هندية يحكمها حزب رئيس الوزراء ناريندرا مودي قوانين الأحوال الشخصية العامة الجديدة المثيرة للجدل والتي ستطبَّق على جميع الأديان.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

سيمون سكاما
سيمون سكاما
TT

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

سيمون سكاما
سيمون سكاما

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما» Simon Schama، في كتابه «قصة اليهود» The story of the Jews الصادر عن دار نشر «فينتغ بوكس» في لندن Vintige Books London، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين في دلتا النيل في مصر سنة 475 قبل الميلاد حتى نفيهم من إسبانيا سنة 1492 ميلادية. وهو يذكر أنهم في البداية كانوا عبيداً في مصر وطُردوا بشكل جماعي، وهم حتى اليوم يحتفلون بذكرى تحررهم من العبودية في مصر. وقد أمرهم إلههم بعدم العودة إلى مصر لكنهم عصوا أمره وعادوا مراراً وتكرارً إليها. واعتماداً على أسفار موسى الخمسة، وعلى آثار عمليات التنقيب في مصر، كانت بين يدي الكاتب مادة خصبة أعانته على جمع أدلة تفيده في نثر كتابه الذي يتناول مدة زمنية أسهمت في تكوين مصير مَن حُكم عليهم بالعيش حياة الشتات في الشرق والغرب.

ويذكر الكاتب أن اليهود عاشوا حياة الشتات، وأنهم أقلية مسحوقة دائماً بين قطبين، وبين حضارتين عظيمتين؛ بين الحضارة الأخمينية وحضارة الإغريق، بين بابل ووادي النيل، بين البطالمة والسلوقيين، ثم بين الإغريق والرومان.

وهكذا عاشوا منغلقين في قوقعة في أي مجتمع يستقرون فيه ، فمثلاً فترة انتشار الإمبراطورية الإغريقية وجدوا صعوبة في الحصول على المواطَنة الإغريقيّة لأنها كانت تعتمد على ثلاث ركائز: المسرح، والرياضة (الجيمانيزيوم) التي لا يمكن أن تتحقق من دون ملاعبَ العريُ التامُّ فيها إلزاميٌّ، الشيء الذي لا يتماشى مع تعاليم اليهودية، والدراسة الأكاديمية، التي لا يمكن أن يصلوا إليها.

صحيح أنهم عاشوا في سلام مع شعوب المنطقة (سوريين، وإغريقاً، وروماناً، وفُرساً، وآشوريين، وفراعنة، وفينيقيين) لكن دائماً كانوا يشعرون بأن الخطر على الأبواب، حسب الكاتب، وأي حدث عابر قد يتحول إلى شغب ثم تمرُّد ثم مجزرة بحقهم. ومن الطبيعي أن تتبع ذلك مجاعة وصلت أحياناً إلى تسجيل حالات أكل الأحذية وحتى لحوم البشر، ومذابح جماعية تشمل الأطفال والنساء وتدنيس المقدسات. ويضرب الكاتب هنا مثلاً بمحاولة انقلاب فاشلة قام بها القديس ياسون على الملك السلوقي أنطيوخس إبيفانيوس الرابع، فتحول هذا الأخير إلى وحش، وأمر بقتل كل يهودي في شوارع القدس وهدم المقدسات، وقدَّم الخنازير أضحية بشكل ساخر بدلاً من الخراف، وأجبر اليهود على أكل لحم الخنزير، وأخذ آلاف الأسرى لبيعهم في سوق النخاسة. وبعد فترة استقرار قصيرة في القدس، وأفول الحضارة الإغريقيّة لتحل مكانها الحضارة الرومانية، ذهب وفد من اليهود إلى الملك الروماني لمناشدته منح اليهود في القدس حكماً ذاتياً.

طبعاً هذه كانت مماطلة لا تُلغي وقوع الكارثة لكن تؤجلها. حتى إن الملك غاليكولا أمر ببناء تمثال له على هيئة إله وتنصيبه وسط معبد اليهود الذين كانوا يَعدّون ذلك من الكبائر.

حتى جاء اليوم الذي وقف فيه على أبوابها الملك الروماني بومبي الكبير فارضاً حصاراً دام عامين انتهى باصطحابه الأسرى اليهود مقيدين بالسلاسل لعرضهم في شوارع روما، تلت ذلك هجرة جماعية كانت آخر هجرة لهم. وهم فسروا ذلك بوصفه عقاباً إلهياً «لأنه لا يمكن أن يكون الله قد تخلى عنهم في وقت السلم كما في وقت الحرب. لأن السلم لم يكن سلم عزٍّ بل كان ذلاً».

وفي أوروبا العصور الوسطى، كان مفروضاً عليهم ارتداء شعار خاص لتمييزهم أيضاً عن باقي الناس، ومُنعوا من العمل في الوظائف الرسمية الحكومية مثل مهن الطبيب والمحامي والقاضي، حتى المهن الحرفية تم حرمانهم من التسجيل في نقاباتها. هذا بالنسبة ليهود الأشكنازي، أما بالنسبة ليهود إسبانيا السفاردي، فقد أصدرت الملكة إيزابيلا سنة 1492 (نفس سنة خروج الإسلام من إسبانيا) قانوناً لطرد اليهود من إسبانيا، ومنع اليهود من ارتداء الملابس الفاخرة، والتجول فقط في النهار، والعيش في أحياءً منعزلة، كما لا يحق لهم العمل مع المسيحيين أو العكس أو يكون عندهم خادمة مسيحية مثلاً، ومنعهم من امتلاك عقارات أو منح القروض إلا بشروط معينة...

لكن ما سبب هذا الاضطهاد بحق اليهود؟

حسب الكاتب، هناك سببان: أولاً وشايتهم إلى الملك الروماني وتحريضه لمحاكمة يسوع وهتافهم وقت صلبه «اقتلوه... اقتلوه»، أما السبب الآخر فهو أن الملكة إيزابيلا وضعت أمام اليهود الاختيار بين ثلاثة احتمالات: اعتناق المسيحية أو القتل أو الطرد، في حملةٍ لتطهير البلد من اليهودية. القليل من اليهود اعتنق المسيحية؛ خوفاً، وكان يطلق عليهم اسم «كونفرتو»، أو «المسيحيون الجدد»، لكن في السر استمروا في ممارسة طقوسهم اليهودية، وكان يطلق عليهم اسم «Marranos».

كتاب «قصة اليهود» لم يقتصر فقط على ذلك، فإلى إلى جانب فصول عن الحملات والحروب، هناك فصول عن اليهود في شبه الجزيرة العربية فترة النبي محمد، عليه الصلاة والسلام، ويهود الأندلس، وصلاح الدين الأيوبي، ويهود مصر، وكذلك يهود بريطانيا، ويهود إسبانيا. وكذلك يفتح لنا الكتاب نوافذ على الحياة الاجتماعية والثقافية لشعوب ذاك الزمان، ويسرد تفاصيل الهندسة المعمارية بجماليّاتها خصوصاً لدى الإغريق، حيث اشتهرت عمارتهم بالأعمدة والإفريز والرواق والفسيفساء، الشيء الذي أخذه منهم اليهود.

لكنَّ هناك نقاطاً أخفق المؤلف في تسليط الضوء عليها أو طرحها في سياق المرحلة التاريخية التي يتناولها الكتاب، ومنها مرحلة حياة عيسى، عليه السلام، من لحظة ولادته حتى وقت محاكمته وصلبه، رغم أهميتها في مجريات الأحداث بتفاصيلها التي كانت انعطافاً كبيراً في تاريخ اليهود خصوصاً والعالم عموماً. ثانياً، وعلى الرغم من دقة وموضوعية المعلومات ورشاقة السرد، فإن الكاتب لم يذكر لحظات أو مراحل إيجابية عن حياة اليهود بقدر ما ذكر أهوال الحروب والحملات ضدهم وتوابعها عليهم.

وأعتمد المؤلف على المخطوطات parchments، أو رسائل على ورق البردي، وعلى قطع فخارية أثرية اكتُشفت في القرن الماضي ضمن حملات بتمويل حكومي ضخم لبعثات أثرية بريطانية وأميركية وفرنسية تسمى «Fact finding expenditures»، أي «بعثات البحث عن الحقيقة». وكذلك على وثائق تروي قصص ناس عاديين من عقود زواج أو ملفات دعاوى قضائية، بالإضافة إلى مؤلفات المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلافيو.