كمال الشناوي أوصى بتقديم قصة حياته كما كتبها

تزوج شادية على الشاشة وشقيقتها في الواقع... وأحب راقية إبراهيم!

شادية وكمال الشناوي ثنائي العصر الذهبي
شادية وكمال الشناوي ثنائي العصر الذهبي
TT

كمال الشناوي أوصى بتقديم قصة حياته كما كتبها

شادية وكمال الشناوي ثنائي العصر الذهبي
شادية وكمال الشناوي ثنائي العصر الذهبي

يجمعني أنا والأستاذ كمال نفس اللقب (الشناوي) وكثيرا ما كان يحدث أن يسألني البعض هل أنت ابن الأستاذ كمال، أقول لهم مع الأسف لم أنل هذا الشرف، وبعدها أتصل به تليفونيا ليتحول الموقف إلى دعابة بيننا.
من حسن حظي أنني كنت واحدا من المقربين إليه، ومن بين قلائل من الصحافيين يرتاح إليهم، ويشي لهم بالكثير، حتى أنني قبل رحيله بعامين فقط صورت له لحساب إحدى شركات الإنتاج تسجيلا تلفزيونيا امتد نحو أكثر من خمس ساعات، حكي فيه الكثير من الوقائع، انتقلنا فيها بين البيت والمستشفى، حيث كان يتلقى العلاج الطبيعي.
كمال الشناوي الذي غادرنا في مثل هذه الأيام قبل نحو 6 سنوات ترك لنا رصيدا رائعا يربو على أكثر من 200 فيلم سينمائي، ناهيك عن بصمته التلفزيونية الرائعة والخاصة جدا، حيث كان هو واحدا من الجيل الثاني بين النجوم سبقه بسنوات قليلة أنور وجدي وعماد حمدي وحسين صدقي ويحيي شاهين؛ لكنه سبق في النجومية كلا من فريد شوقي ورشدي أباظة وشكري سرحان.
كان كمال الشناوي لديه دائما قدرة على الانضباط العاطفي وعلى القراءة الصحيحة للحياة الفنية، فهو لا يبالغ في قيمة ما يقدمه للناس، وأيضا لا يبخس حق نفسه؛ ولهذا ظل على الأفيش اسما له بريقه، وصورة لها جاذبيتها عند الجمهور.
مع مرور السنوات، كان يحافظ على لياقته، ومن طقوسه التي باح لي بها الانضباط؛ فهو لا يسهر سوى يوم واحد في الأسبوع، وينام بين الحين والآخر على لوح خشبي تجنبا للانزلاق الغضروفي، ويصحو يوميا لممارسة رياضة المشي في حي الدقي بمدينة الجيزة حيث يقطن.
وعندما وصل لمشارف التسعين، فهو من مواليد 1918، شعر بدنو أجله واقتراب النهاية، وكان التلفزيون قد عرض مسلسلات لعدد من الشخصيات من أصدقائه الفنانين وهو يقينا يعلم الكثير والحقيقي عنها، إلا أنه أكتشف الكثير من الزيف في هذه المسلسلات يُقدم باعتباره حقيقية، مثل مسلسلات «السندريلا» عن حياة سعاد حسني، و«العندليب» عن حياة عبد الحليم، و«الشحرورة» عن حياة صباح، وأيضا عن ليلي مراد وتحية كاريوكا وإسماعيل ياسين، وغيرهم.
انزعج كمال الشناوي مما يراه مغايرا للحقيقة في مواقف كان هو شاهدا عليها، بعض الفنانين مثل هند رستم أوصت ألا يقدم أحد حياتها حفاظا على صدق التاريخ، وبالفعل ابنتها الوحيدة بسنت رفضت كل المشروعات لتقديم حياتها في أعمال درامية، كما أن الفنانة القديرة مديحة يسري - متعها الله بالصحة والعافية - جعلتنا جميعا، شهودا على وصيتها بألا نسمح لأحد بتقديم قصة حياتها، شادية فوجئت قبل ثماني سنوات بأن هناك مسلسلا يتناول حياتها وشرعوا فعلا في تصويره وأسند دورها إلى دُنيا سمير غانم، فأوقفت التصوير؛ خوفا من تشويه صورتها أو تقديم أشياء تجافي الحقيقة.
كمال الشناوي، على العكس، رحب تماما بأن تُقدم حياته، على الشاشة، لكنه قرر وعلى طريقة المثل الشهير «بيدي لا بيد عمرو» أن يكتب هو القصة والسيناريو وأوصى ابنه المخرج السينمائي محمد الشناوي أن يتولى الإشراف على كل التفاصيل، كما كتبها بالضبط، ومن المؤكد أن كثيرا من المواقف حكاها كمال لابنه ربما لم يدونها كلها في السيناريو، ومن البديهي أنه سيتضمنها أيضا في أحداث الفيلم أو المسلسل الذي يُقدمه عن أبيه.
كمال الشناوي تنازعه في الحقيقة مواهب عدة، الغناء والفن التشكيلي والتمثيل، وأيضا التدريس، مارس على استحياء الغناء في عدد من الأفلام، عندما يجمعه «دويتو» مع شادية مثل أغنية «سوق على مهلك» وصباح «زي العسل»، لكنه لم يكتف بهذا القدر؛ بل قرر أن يدرس أيضا أصول الغناء أكاديمياً في معهد الموسيقى، وكما روى لي تقدم للإذاعة وأجازوا صوته، لكنه اشترط عليهم عند إذاعة أي أغنية له أن يذكروا اسمه مسبوقا بلقب الأستاذ، وحيث إن هذا الطلب كان صعبا في التنفيذ، وبخاصة أن الإذاعة لم تتعود مثلا أن تقول الأستاذ عبد الوهاب أو فريد أو عبد الحليم فلم تتم الموافقة، قال لي كمال الشناوي «كنت أعلم استحالة تلبية هذا الطلب، لكني قررت بدلا من الانسحاب أن أضع شرطا تعجيزيا»، قلت له ماذا لو وافقوا على أن يقدموك بلقب الأستاذ المطرب كمال الشناوي؟، أجابني ضاحكا «كنت سوف أغني كما ينبغي أن يكون غناء الأستاذ لأثبت للجميع أنني فعلا الأستاذ»، وأضاف «في الحقيقة أنا كنت أرى في عبد الحليم حافظ صورة المطرب الناجح جماهيريا مع الناس، ولا أدعي أنني كنت من الممكن أن أنافسه، وكنت من معجبيه ومتابعيه ومن شلة الأصدقاء، فهو في النهاية من نفس الجيل، ولا تنسَ أن أخي عبد القادر الشناوي تزوج من السيدة عليّة شقيقة عبد الحليم، كان يربطنا إطار عائلي واحد، وبالصدفة امتد هذا الرباط حتى الآن، ابني محمد تزوج ابنة عليّة شقيقة عبد الحليم».
ويبقي أيضا الفنان الدرامي بداخله كان وظل يشغل المساحة الأهم، فهو من الممكن كممثل أن يحيل الأداء الموسيقي إلى أداء درامي، حيث يطوع الفنان حركاته الجسدية التعبيرية وكأنه يتحرك وفق نوتة موسيقية، هو فقط الذي يقرأ رموزها، وهكذا نجح في هذا النوع من التعبير، وهذا ما منحه فعلا بصمة خاصة في فن الأداء، ويبقى الفنان التشكيلي الذي كان كمال الشناوي بصدد فعلا افتتاح معرض له يضم كل لوحاته، وعددها 12، كما قال لي، شاهدت في بيته بعض لوحاته الأخيرة التي لم تكتمل، وكان قبل ثورة 25 يناير يريد فعلا الانتهاء منها لإقامة أول معرض تشكيلي له، إلا أن أحداث الثورة، أوقفت مشروعه بسبب قانون حظر التجوال الذي واكب الأشهر الأولى للثورة، كما أن المرض كان قد اشتد عليه فلم يتمكن من استكمال اللوحات، قال لي كمال الشناوي إنه أبدا لم يتخل عن عين الفنان التشكيلي التي ظلت تلازمه في كل اختياراته الدرامية التعبير باللون أو الهارمونية، وأيضا التضاد بالألوان كلها تفاصيل من الممكن للممثل أن يعثر على معادل درامي لها في فن الأداء.
وأضاف موهبة رابعة أنه أساسا مدرس؛ فلقد تخرج فعلا من كلية التربية الفنية وعُيّن مدرسا لفن الرسم، وكان يصطحب معه إلى الفصل معزة ويطلب من الطلبة أن يرسموا واحدة تشبهها، ومن المفارقات التي لا ينساها أن أحد الطلبة الذين درّس لهم بالمدرسة أصبح بعد ذلك هو أحد رجال ثورة 23 يوليو، والغريب كما قال لي كمال الشناوي إنه كان أكثرهم شغبا في الفصل الدراسي، ولن أذكر اسمه؛ حتى لا أثير حفيظة الورثة، إلا أن كمال الشناوي كان رأيه أن الممثل بداخله أستاذ يلقي المعلومة والحكمة للجمهور، المهم أن يراعي الجاذبية في توصيل الفكرة.
سألته يوما عن روشتة الاستمرار كيف يراها وما هو المعيار؟، أجابني «مهما قلت لك من أسباب موضوعية يبقي هناك شيء خاص جدا، ومضة خاصة يمنحها الله، لا يدركها الفنان مباشرة هي التي تضمن له الاستمرار».
نعم، إذا كان مقياس النجومية هو الوسامة فإنه الوسامة المشوبة بالإشعاع، وإذا كان مقياس النجومية هو الحضور فإن له طلة لا تنسى، إن كل شروط النجومية تنطبق عليه، الحضور والوهج، إلا شرط واحد فقط لا ينطبق عليه إنه العمر الافتراضي، لكل نجم عمر فني يصل فيه للذروة ثم يبدأ مرحلة الانزواء، لكنه وعلى مدى يقترب من ستين عاما ظل في البؤرة اسمه يتصدر الأفيشات في السينما والتترات في التلفزيون... إنه نجم لكل الأجيال إنه «كمال الشناوي» إنه الكمال اسما ومعنى!
كان في مرحلة المراهقة يستهويه الفن التشكيلي ويمسك بالريشة والألوان ويمنح كل طاقته للوحة، يحيل المساحة البيضاء إلى مشاعر وأحاسيس يفرغ فيها وجدانه، ثم يكافئ نفسه بالذهاب إلى السينما مع شلة الأصدقاء... كان يرى أن الواقع يخلق الفن الحقيقي؛ ولهذا كان يمزج دائما بينهما.
النقطة الفارقة في حياة كمال الشناوي هي تلك التي كان عليه أن يترك التدريس ليتفرغ للتمثيل السينمائي، وكان لديه شرط لا يقبل التنازل عنه وهو البطولة... لا يرضى كمال الشناوي إلا بالنجاح الطاغي منذ أن قدمه نيازي مصطفى بطلاً في أول أفلامه «غني حرب»، ومن بعدها لم يغادر قطار البطولة وتعثرت الطرق بينه وبين نيازي، ولم يكمل المسيرة معه، لكن المخرج الذي يحتل مساحة بارزة في وجدان ومشاعر كمال الشناوي هو مخرج الروائع حسن الإمام أحد تلاميذ نيازي مصطفى... لكن التلميذ عرف مفاتيح كمال الشناوي أكثر من الأستاذ واستكمل معه باقي المشوار!
حسن الإمام له موقع متميز على الخريطة الفنية والإنسانية لكمال الشناوي... وكان أيضاً لكمال الشناوي موقع خاص على مشاعر وسينما حسن الإمام؛ فهو بالنسبة له ليس مجرد نجم جماهيري كل منهما وجد نفسه في الآخر... وبدأت الرحلة مع «ظلموني الناس»، و«ساعة لقلبك» ثم «بنات الليل»، و«الجسد»، و«وداع في الفجر» وغيرها من الأفلام... حسن الإمام يقدم دائماً درجة من السخونة في أفلامه، هذه السخونة تنتقل مباشرة للجمهور وتعبّر عن نفسها عن طريق إيرادات الأفلام... كمال الشناوي كان واحدا من أهم أسلحة حسن الإمام في تحقيق تلك الجماهيرية!
كمال الشناوي له عند كل المخرجين رصيد ضخم وأكثر من فيلم لا ينسى... مثلاً كمال الشيخ «اللص والكلاب»... محمود ذو الفقار «المرأة المجهولة»... علي بدر خان «الكرنك»... «سعيد مرزوق» في واحد من أهم أفلامه «المذنبون»... «خيري بشارة» في فيلم من أفلام البدايات «العوامة 70»... شريف عرفة «الإرهاب والكباب»، حيث لعب دور وزير الداخلية وحافظ بأستاذية على تلك الشعرة وهو يؤدي دور وزير في وزارة الداخلية، وينبغي أن يلتزم بكل التفاصيل التي تؤكد هيبته؛ فهو عنوان للانضباط، في الوقت نفسه فإن «كمال الشناوي» يضيف إليه قدرا لا ينكر من خفة الظل... الأداء المرح الذي تميز به كمال الشناوي تجد لديه تنويعات كثيرة وأفلاما مثل «الأستاذة فاطمة»، و«الحموات الفاتنات»، و«سكر هانم» ثم استمر في «طأطأ وريكا وكاظم بيه»، و«الواد محروس بتاع الوزير» ثم فيلم «ظاظا»، حيث شارك هاني رمزي البطولة وهو من إخراج علي عبد الخالق، وضرب هاني رمزي مثلاً لكل النجوم عندما أصر على أن يأتي اسمه تالياً في التترات لكمال الشناوي.
زمن الفن الجميل لم يكن كله جمالا كما تعودنا أن نصفه، مثلا لم يكن أنور وجدي وهو من الجيل الأسبق لكمال الشناوي يشعر بأن كمال الشناوي، فنان موهوب، بل كان يعتبره ظاهرة مؤقتة سرعان ما تنتهي، وإنه مجرد فتي وسيم، وسوف يجد نفسه خارج الخريطة الفنية خلال سنوات قلائل، وأراد كمال الشناوي أن يردها له فقال عندما سألوه، إن أنور وجدي لا يزال يلعب دور الفتي الأول رغم أن لديه كرشا يسبقه بنحو مترين، كما أنه صار صاحب لُدغ معتبر يملأ وجهه وكأنه قد صار لُدغا تم تركيب وجه عليه.
ويعترف كمال الشناوي بأنه كان قاسيا على أنور وجدي، وتم الصلح بينه وبين أنور وجدي في نهاية الأمر.
سألت كمال الشناوي عن موقفه السياسي... قال لي «عاصرت الملكية والجمهورية من خلال أربعة رؤساء محمد نجيب، وجمال عبد الناصر، وأنور السادات، وحسني مبارك»... وأضاف «قضيتي هي أن أدافع عن حرية الإنسان... الفن هو المعادل للحرية، لكني لم أضع نفسي في إطار حزبي صارم»، ورغم ذلك فإن لكمال الشناوي موقفا سياسيا عبر عنه عندما وافق على أن يؤدي دور «خالد صفوان» في «الكرنك»، وكان المقصود بهذه الشخصية هو رجل المخابرات الأول في عهد «عبد الناصر» وهو «صلاح نصر»!
هل يستطيع أحد أن ينسى أشهر ثنائي عرفته شاشة السينما كمال الشناوي وشادية، أو شادية وكمال الشناوي... لقد تغلغل هذا الثنائي في وجدان الناس إلى درجة أن كمال الشناوي ظل يتلقى حتى رحيله خطابات من المعجبين يسألونه عن شادية باعتبارها زوجته، وأظن أن شادية لا تزال تتلقى هذا النوع من الخطابات، حتى في عصر المحمول، في حين أن الحقيقة هي أن كمال الشناوي تزوج شقيقتها عفاف شاكر، يقول كمال الشناوي «ظروف خاصة جداً لا أبوح بها أحاطت بهذا الزواج»، أما الحب المستحيل في حياته كان حبه للحسناء اليهودية الديانة الفنانة راقية إبراهيم، التي غنى عبد الوهاب لها أغنيته الشهيرة «حكيم عيون» في فيلمه الرائع «رصاصة في القلب» التي يقول فيها «عشان تبطلي تاكلي جلاس وتدوبي في قلوب الناس»، لكنها لم تشعر بكمال الذي كان قلبه فعلا يذوب حبا وهياما بها، ولم تبادله المشاعر وكما قال لي كان حبا من طرف واحد، ولكنه أحب وتزوج من الراقصة هاجر حمدي، وأنجب منها ابنا، أما الحب الذي ملأ حياته وظلت الحبيبة مخلصة له حتى رحيلها في عز شبابها فإنها ناهد شريف، وتزوجها عرفيا، ثم تزوج من سيدة سورية وظلت حتى النهاية معه!
لكن الناس لا تعترف سوى بحب واحد لم يحدث سوى على الشاشة وهو حبه لشادية، وكان قد وضع خطته لتقديم جزء ثان لفيلم يقدمانه في منتصف الثمانينات، يبدأ مع نهاية أي فيلم قديم بينهما (أبيض وأسود) وذهابهما للمأذون، ليقدما من خلاله أزمة منتصف العمر للمتزوجين، إلا أنه بعد اعتزال شادية أوقف المشروع، وقال لي «لن يصدق أحد هذا الفيلم من دون شادية»!


مقالات ذات صلة

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)
سينما دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق الفنان المصري أحمد زكي قدم أدواراً متنوعة (أرشيفية)

مصر تقترب من عرض مقتنيات أحمد زكي

أعلن وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو عن عرض مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، ضمن سيناريو العرض الخاص بمركز ثروت ‏عكاشة لتوثيق التراث.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق وصيفات العروس يبتهجن في حفل زفافها بالفيلم (القاهرة السينمائي)

«دخل الربيع يضحك»... 4 قصص ممتلئة بالحزن لبطلات مغمورات

أثار فيلم «دخل الربيع يضحك» الذي يُمثل مصر في المسابقة الدولية بمهرجان «القاهرة السينمائي» في دورته الـ45 ردوداً واسعة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من مهرجان «القاهرة السينمائي» (رويترز)

أفلام فلسطينية ولبنانية عن الأحداث وخارجها

حسناً فعل «مهرجان القاهرة» بإلقاء الضوء على الموضوع الفلسطيني في هذه الدورة وعلى خلفية ما يدور.

محمد رُضا (القاهرة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».