محفوظ عبد الرحمن... «حلواني» الدراما العربية

كتب «ناصر» وكان يفكر في مبارك

TT

محفوظ عبد الرحمن... «حلواني» الدراما العربية

ثلاثة من رؤساء مصر ارتبط بهم الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن: عبد الناصر والسادات ومبارك، كتب فيلماً عن «ناصر»، ونفى أنه كتب من الباطن فيلم السادات، برغم تأكيد المخرج محمد خان، بينما كان يفكر في كتابة فيلم عن مبارك باسم «الضربة الجوية».
هل كان الفيلم كمشروع قابلاً للتنفيذ حقاً أم مجرد نوايا لدى مبارك ثم تراجع عنها؟ طبعا لا يمكن الجزم بشيء، ولكن محفوظ بعد أن كتب فيلم «ناصر 56» إخراج محمد فاضل وبطولة أحمد زكي، حقق نجاحا في الشارع، وأحدث وقتها دويا، وأعاد صورة إيجابية لعبد الناصر، كانت قد تأثرت كثيراً سلباً في زمن الرئيس أنور السادات، وذلك عندما سمح السادات بإنتاج العديد من الأفلام التي تتناول ما كان يعرف بـ«زوار الفجر» و«مراكز القوى»، المقصود هو أن الأمن كان يتدخل بشراسة في حياة الناس وكلها تنال من زمن عبد الناصر، ولم يتغير الموقف في بداية عهد مبارك حتى جاء «ناصر 56» عام 1996، الذي كان يعد بمثابة سابقة خطيرة للإعلام الرسمي، وكان السؤال: هل رحبت الأجهزة بسهولة في خروج الفيلم للنور؟.
وهو من الأفلام القليلة التي تم تصويرها بـ«الأبيض والأسود» وحقق عند عرضه إيرادات ضخمة. ومن المقولات التي نسبت لمبارك وقتها أنه قال: «هو عبد الناصر لسه بيحكمنا من التربة»، ربما العبارة غير مؤكدة، ولكن المؤكد أن مبارك أراد بعدها مباشرة وكرد فعل أن تُقدم حياته في فيلم سينمائي من إنتاج الدولة أيضا مثل «ناصر»، وأن يتم تأكيد بطولته في الضربة الجوية التي كانت هي بمثابة الوشاح الذي يضعه على صدره، وتم بالفعل التواصل مع محفوظ عبد الرحمن الذي روى لي أن جلسة واحدة جمعته مع مبارك، وكان يريد التعرف على كثير من المواقف والتفاصيل في حياة مبارك، ولكن الجلسة لم تتكرر، وفي مثل هذه الأمور المتعلقة برئاسة الجمهورية لا أحد يسأل متى تعقد الجلسة الثانية مع الرئيس.
طبعا لا يجوز وليس من المنطقي أن نقول هل كان مثلا محفوظ سيعترض على تقديم حياة مبارك في عمل فني؟ أكيد لم يكن لديه ترف الاعتراض، وذهابه بعد تلقيه الدعوة من الرئاسة منطقي، ولكن من المؤكد لم يكن سيجبره أحد على أن يكتب حياة مبارك كما يريد بالضبط مبارك، ولكن كان ينبغي أن نضع في الحسبان وجهة نظر محفوظ، الصدفة أوقفت العمل الفني ولم يتم استكماله، ومحفوظ نفسه لم يقل يوما إنه رفض الكتابة لمبارك حتى بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، فلقد ترك الباب مواربا.
إلا أن الموقف الغامض في حياته عندما قال المخرج محمد خان قبل عامين أو ثلاثة ولأول مرة مفجرا تلك المفاجأة أن سيناريو فيلم «أيام السادات» شارك في تأليف جزء كبير منه محفوظ عبد الرحمن.
الفيلم منسوب على «التترات» للكاتب الكبير أحمد بهجت الذي منحه مبارك وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى تقديرا له، هو والمخرج محمد خان والبطل أحمد زكي، كان قد تردد أن الكاتب الكبير علي سالم باعتباره صديقا لأحمد زكي، وكان من المعروف أنه من أكثر الداعمين للسادات سياسيا هو الذي شارك بالكتابة من الباطن في السيناريو، ولكن حتى لا يساء التفسير السياسي للفيلم اتفق على عدم كتابة اسمه، وظل هذا مجرد تكهن فلم يؤكد أو ينفي ذلك قطعيا علي سالم، ولكن جاء طرح اسم الكاتب الكبير محفوظ عبد لرحمن ليغير الدفة تماما.
سألت محفوظ وقتها وأكد لي أن هذا لم يحدث وكل ما هنالك أنه بحكم علاقته بأحمد زكي قرأ السيناريو مثل آخرين، واقترح مشهدا واحدا كتبه في الفيلم، ولكن حتى هذا المشهد لم يصوره في النهاية محمد خان. وكان تحليله أن خان ربما اختلط عليه الأمر، وعندما عدت لخان ترك الباب هو أيضا مفتوحا فلم يؤكد أو ينف شيئاً.
محفوظ عبد الرحمن كان يعتبر أحمد زكي هو النجم الأقرب إليه، ولقد ازدادت العلاقة الشخصية والفنية حميمية بعد تقديم فيلم «ناصر 56»، وهذا النجاح الذي حققه الفيلم الذي كان من المفروض أن يتولى إخراجه في البداية عاطف الطيب، وهو من المخرجين أيضا الذين يعتز بهم محفوظ ويرتاح للعمل معه أحمد زكي، ولكن القدر لم يمهل عاطف، فاسند السيناريو لمحمد فاضل، كان زكي يحلم أيضا بشخصيات تاريخية متعددة يُقدم حياتها مثل عبد الحليم، ورجل الاقتصاد الأول طلعت حرب، والمشير عبد الحكيم عامر، وطلب من محفوظ الكتابة عنهم تباعا، ووضع أحمد في خطته أن نقطة البداية هي عبد الحليم، كان في ذهنه أنه من المستحسن أن يبدأ بحليم بعيدا عن الشخصيات السياسية بعد فيلمي ناصر والسادات، كما أن حياة عبد الحليم ثرية تسمح له قطعا بأن يحقق المعادلة الصعبة، وهي فيلم عن مطرب شهير وفي الوقت نفس يحمل متعة أن تروي حياة تتخللها قصص الحب والأغنياتـ وكيف استطاع هذا الطفل اليتيم الذي قضي وقتا طويلا في الملجأ، أن يُصبح هو مطرب العرب الأول، خاصة أن نجاح مسلسل أم كلثوم كان لا يزال وقتها حديث الناس.
طلب محفوظ فسحة من الوقت، بينما كان أحمد زكي يتعجل الكتابة ليتقدم للجمهور بهذا المشروع، وأراد أحمد أن يضع محفوظ أمام الأمر الواقع، كان محفوظ قد انتقل وقتها قبل أسابيع قليلة للسكن في مدينة 6 أكتوبر. عرف بالضبط أحمد زكي أين يقطن وما هو أقرب مكان ليضع عليه الإعلان الملاصق للشقة، وعندما يفتح محفوظ شباك الشرفة في الصباح الباكر سيجد أمامه ملصق إعلاني «حليم»، وبه صورة بعد المكياج الملائم لأحمد زكي، وتحت الصورة تأليف محفوظ عبد الرحمن وإخراج شريف عرفة.
وهكذا صار الأمر يشكل تحديا لمحفوظ، خاصة أن الإعلان به إشارة قريبا، بينما هو لم يكن قد كتب حرفا واحدا، فأمسك بالقلم وبدأ فورا الكتابة، ولكن مع الأسف كان المرض الشرس يُطل بضراوة على أحمد زكي، وهو يواجه المرض بشيئين العلاج الكيماوي برغم قسوته وأيضا بالوقوف أمام الكاميرا، بالطبع كان مجهود أحمد بحكم قسوة المرض لا يسمح له بالكثير من الجهد، وجاءت المحطة الأخيرة في الفيلم وهو ما عرف وقتها بالخطة «رقم 2»، والتي تعني ماذا نفعل لو لم يستطع أحمد استكمال التصوير، وهكذا تمت كتابة سيناريو بديل وزرع شخصية مذيع أداها جمال سليمان، حيث يجري حوارا طويلا مع أحمد زكي، ويتم التقطيع الفني والدرامي بين إجابة وأخرى لأحمد زكي لمشاهد يؤديها هيثم أحمد زكي في أول إطلالة فنية له، كان أحمد زكي غير مرحب باحتراف هيثم التمثيل إلا بعد أن ينهي أولا دراسته، إلا أن القدر كان أسرع، وتم بالفعل تنفيذ الخطة رقم 2، ولكن أثناء التنفيذ حدثت مشكلات وتباين في الرؤية الفنية بين محفوظ والمخرج شريف عرفة، ولأول مرة نقرأ على الشاشة هذا «التتر» الفيلم تأليف محفوظ عبد الرحمن، والسيناريو على الشاشة شريف عرفة.
وبالطبع تأثر كثيرا محفوظ بهذا الموقف، ولم يكن سعيدا بالتجربة برمتها. صحيح أنه لم يبح علنا بغضبه للإعلام ولكنه كان يصرح للمقربين بأنه غير سعيد بالتجربة، ورغم ذلك في عام 2006 عندما أقيم آخر «بينالي للسينما العربية في باريس» وبعد رحيل أحمد زكي بعام واحد أقيم تكريم لفيلم «حليم» في إطار الاحتفال بأحمد زكي، وحضره محفوظ وزوجته الفنانة سميرة عبد العزيز التي أدت في الفيلم دور «عليّة» شقيقة عبد الحليم الكبرى، وحصل محفوظ على التكريم حباً في أحمد زكي.
آخر عمل فني عُرض له هو «أهل الهوى»، المسلسل الذي كان يروي علاقة الشيخ سيد درويش وبيرم التونسي في المرحلة من عام 1917 وحتى رحيل سيد درويش عام 1923. ولاقي المسلسل حظا عاثرا، فلقد كان مرشحا لإخراجه المخرج الفلسطيني صديق محفوظ عباس أرناؤوط، حيث قدما معا العديد من الأعمال الدرامية، لكن بعد ثورة 25 يناير بدأ يتردد في التلفزيون المصري التابع للدولة مقولة «جحا أولى بلحم طوره»، وأن المخرج المصري من حقه أن يحصل على فرصته أولا، ومع الأسف وجدت هذه المقولة صدى لدى القائمين على قطاع الإنتاج في التلفزيون المصري، وتم استبعاد عباس، وتتابع أكثر من مخرج على المسلسل مثل الراحل إسماعيل عبد الحافظ حتى تم الاستقرار على عمر عبد العزيز، ولم يوفر قطاع الإنتاج ميزانية تليق بهذا العمل الفني، كما تم إسناد دوري سيد درويش وبيرم التونسي إلى إيمان البحر درويش وفاروق الفيشاوي، رغم أن الشخصيتين مفروض دراميا أنهما في العشرينات، بينما الفيشاوي وإيمان كانا في الستينيات من العمر، وعندما كتبت ذلك دافع الأستاذ محفوظ عن اختيارات المخرج، وحقق المسلسل، كما كان متوقعا، فشلا ذريعا، ولم يعد أحد يتذكره، حتى عند كتابة خبر الرحيل أغفل أغلب الزملاء كتابة اسم المسلسل، وكان لديه أيضا مشروع «سره الباتع» ليوسف إدريس، وكان من المفترض أن يقدمها خالد يوسف كمسلسل وفيلم، ولكن تعثر المشروع، كما قال لي خالد يوسف، لأن محفوظ لم يُكمل الكتابة لظروفه الصحية.
تقول الأغنية الفولكلورية الشهيرة: «اللي بنى مصر كان في الأصل حلواني» وهي بالمناسبة حقيقة تاريخية، لأن القائد جوهر الصقلي الذي كلفه الخليفة الفاطمي المعز لدين الله ليبني القاهرة والمقصود بها في الضمير الجمعي الشعبي أنها تعني مصر، كان في الأصل حلواني بحق وحقيقي.
من أشهر الأعمال الدرامية التي كتبها محفوظ عبد الرحمن مسلسل «بوابة الحلواني» الذي يتغنى فيها علي الحجار بتلك الأغنية الفولكلورية في «التتر». القوى الناعمة هي التي تبني الشعوب وهكذا يساهم كبار المبدعين في بناء الشعوب روحيا، ومحفوظ عبد الرحمن أحد هؤلاء الكبار.
محفوظ لم يكن مجرد مبدع مصري، بل كان عربيا في إبداعه العديد من أعمال أنتجت وعُرضت في الخليج العربي مثل «سليمان الحلبي» و«ليلة سقوط غرناطة» وفيلم «القادسية» إنتاج مؤسسة السينما العراقية وغيرها.
إنه عاشق التاريخ العربي، المؤمن بمبادئ الوحدة العربية، كان ناصريا في أفكاره، ولكنه على الجانب الآخر لا أتذكر أنه وصل لمرحلة «الدوجما» في حبه لناصر، كانت لديه إطلالة على الزمن يمزجها بالشخصيات التي يتناولها.
منح محفوظ عبد الرحمن الدراما التاريخية مذاقا خاصا، فهو يضعها في إطار جاذب، إلا أنه لا يخون الحقيقة ولا التاريخ. من المؤكد أنه قدم مسلسل «أم كلثوم» كصورة مثالية تماما، وكان يخشى أن يقترب من أي مواقف قد تُثير نوعا من الجدل، كما أنه كان يميل دراميا إلى الأسلوب المحافظ في التناول، حيث الأستاذ الراحل محفوظ يميل أكثر إلى المنهج الأخلاقي في التعبير، وأعماله الدرامية كانت ولا تزال قادرة على التنفس، فهو بحق «حلواني الدراما العربية».



«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم
TT

«يوم 13» يطارد «هارلي» في سباق إيرادات «الفطر السينمائي» بمصر

أحمد داود في لقطة من الفيلم
أحمد داود في لقطة من الفيلم

حقق فيلم الرعب والإثارة «يوم 13» مفاجأة خلال الأيام الماضية في شباك التذاكر بمصر، حيث حصد أعلى إيراد يومي متفوقاً على فيلم «هارلي» لمحمد رمضان، الذي لا يزال محتفظاً بالمركز الأول في مجمل إيرادات أفلام موسم عيد الفطر محققاً ما يزيد على 30 مليون جنيه مصري حتى الآن (نحو مليون دولار أميركي)، بينما يطارده في سباق الإيرادات «يوم 13» الذي حقق إجمالي إيرادات تجاوزت 20 مليون جنيه حتى الآن.
ويعد «يوم 13» أول فيلم عربي بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتدور أحداثه في إطار من الرعب والإثارة من خلال عز الدين (يؤدي دوره الفنان أحمد داود) الذي يعود من كندا بعد سنوات طويلة باحثاً عن أهله، ويفاجأ بعد عودته بالسمعة السيئة لقصر العائلة المهجور الذي تسكنه الأشباح، ومع إقامته في القصر يكتشف مغامرة غير متوقعة. الفيلم من تأليف وإخراج وائل عبد الله، وإنتاج وتوزيع شركته وشقيقه لؤي عبد الله «أوسكار»، ويؤدي بطولته إلى جانب أحمد داود كل من دينا الشربيني، وشريف منير، وأروى جودة، كما يضم عدداً من نجوم الشرف من بينهم محمود عبد المغني، وفرح، وأحمد زاهر، ومحمود حافظ، وجومانا مراد، ووضع موسيقاه هشام خرما.
وقال مخرج الفيلم وائل عبد الله في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إنه ليس متفاجئاً بالإيرادات التي حققها الفيلم، ولكنه كان متخوفاً من الموسم نفسه ألا يكون جيداً، قائلاً إن «إقبال الجمهور حطم مقولة إن جمهور العيد لا يقبل إلا على الأفلام الكوميدية، وإنه يسعى للتنوع ولوجود أفلام أخرى غير كوميدية، وإن الفيصل في ذلك جودة الفيلم، مؤكداً أن الفيلم احتل المركز الأول في الإيرادات اليومية منذ انتهاء أسبوع العيد».
وكشف عبد الله أن الفيلم استغرق عامين، خلاف فترات التوقف بسبب جائحة كورونا، وأنه تضمن أعمال غرافيك كبيرة، ثم بعد ذلك بدأ العمل على التقنية ثلاثية الأبعاد التي استغرق العمل عليها عشرة أشهر كاملة، مؤكداً أنه درس طويلاً هذه التقنية وأدرك عيوبها ومميزاتها، وسعى لتلافي الأخطاء التي ظهرت في أفلام أجنبية والاستفادة من تجارب سابقة فيها.
وواصل المخرج أنه كان يراهن على تقديم الفيلم بهذه التقنية، لا سيما أن أحداً في السينما العربية لم يقدم عليها رغم ظهورها بالسينما العالمية قبل أكثر من عشرين عاماً، موضحاً أسباب ذلك، ومن بينها ارتفاع تكلفتها والوقت الذي تتطلبه، لذا رأى أنه لن يقدم على هذه الخطوة سوى أحد صناع السينما إنتاجياً وتوزيعياً، مشيراً إلى أن «ميزانية الفيلم وصلت إلى 50 مليون جنيه، وأنه حقق حتى الآن إيرادات وصلت إلى 20 مليون جنيه».
ورغم عدم جاهزية بعض السينمات في مصر لاستقبال الأفلام ثلاثية الأبعاد، فقد قام المخرج بعمل نسخ «2 دي» لبعض دور العرض غير المجهزة، مؤكداً أن استقبال الجمهور في القاهرة وبعض المحافظات للفيلم لم يختلف، منوهاً إلى أن ذلك سيشجع كثيراً على تقديم أفلام بتقنية ثلاثية الأبعاد في السينما العربية.