الممثلون الرجال يقاومون زحف سنوات الحياة

كشف حساب موسم صيف يكاد ينتهي

«الجميلة والوحش» الفيلم الأعلى نجاحاً هذا الصيف - توم كروز وأنابيلا ووليس في «المومياء» - لقطة من «الملك آرثر: أسطورة السيف» لم ينجز ما وعد به
«الجميلة والوحش» الفيلم الأعلى نجاحاً هذا الصيف - توم كروز وأنابيلا ووليس في «المومياء» - لقطة من «الملك آرثر: أسطورة السيف» لم ينجز ما وعد به
TT

الممثلون الرجال يقاومون زحف سنوات الحياة

«الجميلة والوحش» الفيلم الأعلى نجاحاً هذا الصيف - توم كروز وأنابيلا ووليس في «المومياء» - لقطة من «الملك آرثر: أسطورة السيف» لم ينجز ما وعد به
«الجميلة والوحش» الفيلم الأعلى نجاحاً هذا الصيف - توم كروز وأنابيلا ووليس في «المومياء» - لقطة من «الملك آرثر: أسطورة السيف» لم ينجز ما وعد به

إذا ما كانت الصورة غير واضحة تماماً بالنسبة للمراقبين والمشاهدين، فهي غامضة تماماً بالنسبة لاستوديوهات هوليوود حالياً.
الذي حدث هو أنّ الصيف جاء ويكاد الآن يمضي من دون أن تحقق معظم الأفلام الكبيرة التي حشدت له الإيرادات الموعودة.
هل هو سوء تخطيط؟ توفير كمي أكثر من المطلوب؟ أم أنّ الجمهور اكتفى من تلك الحكايات التي تقع ما بين الأرض والفضاء وتقدم شخصيات ليس فيها ما يُصدّق بعد ما تم غمسها ببحر من المؤثرات البصرية؟
الأفلام التي تثير هذه الأسئلة كثيرة وكلها مكلفة. لدينا، على سبيل المثال، «المومياء». نقلة إلى الأمس بدمجه بالحاضر حول تلك اللعنة التي تحط على كل من يكشف تلك المومياء الأنثى وشرورها التي يحاول توم كروز التغلب عليه إنقاذاً للبشرية كلها. اللعنة ذاتها أصابت الفيلم الذي أنتجته «يونيفرسال» إذ اكتفى بـ80 مليون دولار في السوق الأميركية وهو الذي تكلف 125 مليوناً. لولا الأسواق الخارجية التي لبّته بنحو 300 مليون دولار لاعتبر الفيلم كارثة.
التقاط نفس
فيلم آخر سقط في هذا الصيف مدوياً هو «الملك آرثر: أسطورة السيف» الذي كلّف وورنر 175 مليون دولار وأنجز 115 مليون دولار حول العالم. هنا صليل السيوف وصهيل الجياد والمعارك المنفّذة على الكومبيوتر بأناس مُبتدعون لم ينقذ الأسطورة الشهيرة للملك آرثر وسعيه لاستحواذ ذلك السيف المغروز في الصخر الذي لا يستطيع إخراجه سواه. الكثافة في استخدام ما يعرف بـCGI (كمبيوتر جنيراتد إيماجيري) شكّلت حاجزاً دون اللقاء مع أبرز ما في تلك الأسطورة من قيمة: المواقف البطولية القادرة على صون تلك الأحداث الأسطورية.
طبعاً لا ينحصر رفض المشاهدين للأفلام بالأفلام التي غازلت حكايات الماضي، بل امتد ليشمل أي فيلم تعدت فيه نسبة المؤثرات البصرية المذكورة الحاجة إليها. المثال الأكبر على ذلك ما حدث لفيلم لوك بيسون «فاليريان ومدينة الألف كوكب» الذي كلّف هذا المنتج - المخرج الفرنسي 177 مليون دولار وأنجز حتى الآن 114 مليون دولار علما بأن أحلام بيسون كانت محاكاة أي إنتاج هوليوود بتقديم فيلم خيالي - فانتازي مليء بالأحداث المستقبلية المشحونة دائماً بالمغامرات. النتيجة كانت أكثر من 5 آلاف استخدام للحيل الغرافيكية وسقوط مدوٍ آخر في صالات السينما الأميركية وغير الأميركية على حد سواء.
إنّه كما لو أنّ الجمهور يريد أن تعطيه هوليوود فرصة لالتقاط أنفاسه، وهو بالتأكيد بات يفضل الانتقاء بعناية على مجرد الإقبال على كل ما هو معروض كما في الأعوام الماضية ما يبرهن على أنّ هوليوود، كعادتها، استثمرت هجمة الجمهور على الأفلام السابقة من النوع الخيالي - العلمي المدموج بالأسطورة والممتزج بالمواقف القتالية والمصنوعة مخاطرها على الكمبيوتر، لإغراق السوق بكل هذا العدد متمنية في كل مرّة أن لا يخطئ الفيلم هدفه.
وفي غمار سقوط الأفلام المذكورة وفوقها «ترانسفورمرز: الفارس الأخير» و«بايووتش» (باراماونت) و«أليان: كوفينانت» (فوكس) و«البرج الداكن» و«ذ إيموجي موڤي» (صوني) و«قراصنة الكاريبي» و«كارز 3» (ديزني) فإنّ هذا الفشل يفتح الباب على موضوع ما إذا كان ممثلو هذه الأفلام يستحقون المكافآت الكبيرة المصروفة عليهم: جوني ديب، وتوم كروز، وروبرت داوني جونيور وسواهم، يتقاضون ما يوازي 20 في المائة من الميزانية (عن طريق الأجر المباشر وطريق النسبة على الدولار الأول).
«المومياء» هو الخسارة الكبيرة الأولى للممثل توم كروز منذ سنوات، وذلك ليس بالنظر إلى إيراداته، بل بمقارنتها بميزانية كل فيلم من أفلامه. فعلى سبيل المثال، لم ينجز «فالكيري»، سنة 2008 سوى 83 مليون دولار، لكن تكلفته لم تزد بدورها عن ذلك المبلغ. فيلمه اللاحق «فارس ويوم» تكلف 117 مليون دولار، لكنّه جلب ضعف ذلك من الإيرادات العالمية. «المومياء» كان من تلك التي شكلت تحدياً للممثل الباحث عن سلسلة جديدة يقوم بها لجانب «المهمّة: مستحيلة» التي ما زالت السلسلة الأكثر شهرة وإيراداً بالنسبة إليه.
سنوات الحياة
جوني ديب ليس في وضع أفضل على الإطلاق. كل الأفلام التي خاض بطولتها خلال السنوات العشر الأخيرة لم تفلح في تثبيت مكانته خارج سلسلة «فرسان الكاريبي» بما فيها الإخفاق الأكبر الذي وقع قبل عامين لفيلم «ذا لون رانجر» الذي تكلف 215 مليون دولار وفوقها نحو 100 مليون دولار لتسويقه وترويجه لكنه اكتفى، بعد ثلاثة أسابيع، بإيراد قدره 250 مليون دولار من بينها 89 مليون دولار في الولايات المتحدة وكندا.
حتى «فرسان الكاريبي» في جزئه الخامس هذا العام ترنح قليلاً مقلدا ترنح جوني ديب في أدائه شخصية القرصان المذكور. ووضع ول سميث وروبرت داوني جونيور وبن أفلك وهيو جاكمان ومارك وولبرغ وسواهم ممن أدوا بطولات أفلام خيال علمية أو أفلام «أكشن» ليست أفضل بكثير.
التجارب التي حاول عبرها جوني ديب وول سميث وروبرت داوني جونيور تمثيل أدوار إنسانية لم تحقق نجاحاً يجعل أياً من هؤلاء راغباً في ترك الأنواع الجماهيرية التي تبرر له قبض عشرة ملايين و15 مليون و20 مليون دولار عن الفيلم الواحد.
البعض في الواقع لم يجد ما يستطيع استيعابه وخشي الفشل وابتعد تماماً كما الحال مع الكوميدي جيم كاري والممثلة كاميرون داياز. ساندرا بولوك لم تعد تظهر كثيراً بعد موجة من الأفلام المتتابعة انتهت قبل ثلاث سنوات.
في سياق هذا الوضع، تتسلل حقيقة أنّ هوليوود ما زالت تعتمد على ممثلين تجاوزوا سنوات الشباب لأداء أدوار الشباب. ممثلون باتت أعمارهم تتراوح ما بين الخمسين والستين من العمر بينما شخصيات القوّة والمغامرة التي يمثلونها هي ما بين الثلاثين والأربعين سنة من العمر أو نحوها.
هذا دائماً ما حدث في كل سينما شعبية (هندية، مصرية، أميركية، فرنسية، إلخ…) لأن التركيبة الجاهزة للنجاح في مسلسل سينمائي ما تعتمد، في أحد أبرز أركانها، على الممثل الذي يدخل هذه الأدوار وهو لا يزال مناسباً ولا يغادرها إلّا من بعد أن أصبح على مشارف الكهولة. شون كونيري، على سبيل المثال، دخل سلسلة «جيمس بوند»، سنة 1962، وهو في الثانية والثلاثين من عمره وغادرها، سنة 1983، وقد أصبح في الثالثة والخمسين.
لكن غيره، وفي المرحلة الحالية، لا يستطيع أن يتوقف.
روبرت داني جونيور في الثانية والخمسين من عمره، جوني دب بلغ، في يونيو (حزيران) الماضي الرابعة والخمسين من العمر. توم كروز أصبح في الخامسة والخمسين. ليام نيسون، بطل سلسلة Taken أصبح في الخامسة والستين من العمر. التحدي الماثل أمام هؤلاء وسواهم هو أن عليهم أن يظهروا على الشاشة بالقوّة واللياقة البدنية التي كانوا عليها قبل خمسة عشر سنة أو عشرين سنة سابقة.
توم كروز كان يفاخر حتى حين قريب، بأنه يقوم بكل مشاهد المخاطر بنفسه (هو من تدلى بنفسه من برج خليفة في دبي في الجزء قبل الماضي من «المهمة: مستحيلة»)، لكنه في «المومياء» تخلى عن الكثير من تلك المشاهد وأضر بنفسه خلال تصوير ما تبقى منها.
الكثير من شروط هذه اللياقة يتطلب تمارين يومية بحيث إذا ما كشف الممثل عن جسده بداً مقنعاً: عضلات قوية، صدر متين، رشاقة قوام إلخ…
البعض الآخر، كما حال بن أفلك (44 سنة)، وجد لزاماً عليه بناء عضلات وأكتاف ولياقات بدنية في سن ما بعد الشباب لكي يفوز بالدور المعروض عليه. في حالة بن أفلك، فإن القيام بتأدية شخصية باتمان في الفيلم الجديد «باتمان ضد سوبرمان» كان مهمّاً لدرجة أنه دخل إعادة تأهيل بدني شملت إضافة في الوزن (من 89 كيلو إلى 109 كيلو) ورفع أثقال. صحيح أن البدلة السوداء تقوم بواجبها في منح الممثل شكل الرجل المقنع في واحد من تلك الشخصيات الخيالية، مثل سوبرمان وباتمان وآيرون مان، إلا أن العضلات الحقيقية ضرورية خصوصاً عندما ينزع هذا السوبر هيرو بدلته ليظهر في شخصيته الواقعية.
الأعلى نجاحاً
في المقابل، هناك الممثلون الآتون من الرياضة وكمال الأجسام. هؤلاء لا يحتاجون لبناء أبدان قوية لأنّهم تمتعوا بها منذ سنوات ما قبل دخولهم منطقة الأدوار البطولية، لذلك لم يكن عليهم سوى مواصلة التمارين عوض البدء بها من الأساس.
أحد هؤلاء طبعاً آرنولد شوارتزنيغر الذي كان بطلاً في كمال الأجسام ودواين جونسون الذي مارس (آذار) المصارعة. سلفستر ستالون هو أيضاً من ذلك الجيل الذي أدرك أنّ عليه أن يكسب الجمهور بتقديم نفسه على نحو مقنع وذلك من أيام «روكي» في الثمانينات.
لكن حتى هؤلاء، وفوقهم ستيفن سيغال وكيانو ريفز وفن ديزل، باتوا الآن في السن الذي يحتم إيجاد مخرج ما لجنون الكمال الجسماني أو الاعتكاف إلى الأدوار التي لا تتطلب جهوداً بدنية، كما يفعل شوارنزنيغر حالياً.
بعض هؤلاء، كما كيانو ريفز وتوم كروز، بات يخفف من عدد المشاهد التي تتطلب تمثيل المخاطر لكي ينجو من فخ اللامصداقية. ستيفن سيغال بات، على سبيل المثال، لا يقاتل بالخفة ذاتها، وفي أفلامه الأخيرة أخذ يكتفي بتوجيه الضربات عوض ما اشتهر به من المشاركة كليا في القتال.
من ناحيته، فإن ريفز في سلسلة «ماتريكس» كان هو الممثل المقبل - المدبر في سينما الأكشن. اليوم صار لزاما تزويده ببدلاء إذا ما لعب فيلماً يتطلب جهداً بدنياً مميزاً.
كل ذلك يمر في فلتر المعاينة عندما تتهاوى أفلام مكلفة من بطولة ممثلين مشهود لهم بالنجاحات السابقة. والحال أن مراجعة النسبة الناجحة من أفلام الصيف لا تكفي للتأكيد بأن أفلام القوّة والخيال (علمياً أو كأساطير فانتازية) باتت الضمان الأفضل لموسم صيف ناجح.
أحد أهم مزايا الأفلام التي حققت نجاحاً لا بأس به في هذا الموسم كانت تلك التي تمنح المرأة وجوداً بالغ الأهمية في لعبة التشويق والمخاطرة. في شهر مايو (أيار) من هذا العام خرج فيلمان من هذا النوع أولهما بعنوان «حتى الخرفان لها أسنان» (Even Lambs Have Teeth) لكنه لم ينجز أي قدر من النجاح. الثاني Lady Blood Fight بطولة آمي جونستون وهو بدوره لم يكن أكثر من جس نبض. لكن «حراس المجرة، 2» حفل بمشاهد المرأة المقاتلة. في الحقيقة نظرة على الملصق تكفي للإيعاز بأن الشركة المنتجة «ديزني ومارڤل ستديوز» أدركت أن المرأة عليها أن تقود أو، على الأقل، المشاركة فعلياً في البطولة فتم تصميم ملصق يضعها في الصدارة ووراءها شريكها الرجل. في الفيلم تبدي زو سالدانا قدرات قتال مماثلة كتلك التي يوفرها شريكها كريس برات.
والإيراد هنا كان رغيداً: 862 مليون دولار مقابل 200 مليون دولار كميزانية. بذلك هو ثاني النجاحات الكبرى المسجلة بين أفلام الصيف هذه السنة وحتى الآن. إذ يأتي بعد الفيلم الكرتوني «حقارتي 3» (Despicable Me 3) الذي تم عرضه في يونيو وخطف 920 مليون و689 ألف دولار عالمياً.
قبل نهاية شهر مايو خرج «قراصنة الكاريبي 5» إلى العروض وحقق نجاحاً وضعه في المركز السادس إذ بلغت إيراداته العالمية 785.‬559.‬302 دولار وهذا مباشرة بعد «ووندر وومان»، الذي ينتمي إلى البطولات النسائية، الذي جذب 792 مليون دولار وأنجز الرقم الخامس.
في المركز الثاني «القدر والغضب» (The Fate and the Furious) مع فان ديزل في البطولة بمليار و237 مليون و444 ألف دولار، أما المنصة العليا فمن نصيب الفيلم الفانتازي «الجميلة والوحش» الذي جمع مليار و260 ألفاً و122 دولار.
لم ينته الصيف بعد لكن عروض النصف الثاني من هذا الشهر لا تتضمن أفلام «سوبر هيرو» ولا أعمالاً بالغة التكلفة لكي يتم بناء جدار من الأوهام عليها. آخر ما كان في بال هوليوود في هذا المجال («البرج الداكن») سقط بضراوة والأمل في بعض النجاحات الأكثر تواضعاً من حيث الميزانية والمختلفة في نوعها على غرار النجاح الذي ينجزه حالياً «دنكيرك».
هذا إلى جانب أن سينما الرسوم المتحركة لديها عملان أو ثلاثة لإطلاقها أحدها «باليرينا» (وهو إنتاج فرنسي ناطق بالإنجليزية كحال أفلام كرتونية فرنسية أخرى حديثة) و«باتمان وهارلي كوين» وكلاهما سينافسان بعضهما البعض في اليوم الأخير من هذا الشهر.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».