بعض الحالات الصحية التي تُصنف ضمن حالات الاضطرابات النفسية قد تكون أشد ضرراً على صحة الإنسان بالمقارنة مع حالات صحية جسدية، وهذا جانب قد لا يُلقي له الأهمية اللازمة بعض العاملين في الأوساط الطبية.
وكنتيجة تلقائية لتدني الاهتمام الطبي بتلك الحالات، فإن الأشخاص الذين يُعانون من تلك الحالات قد لا يتنبهون لأضرارها الصحية، وقد لا يُحاولون بذل الجهد اللازم للتخلص منها أو تخفيف تأثيراتها الصحية عليهم. ولذا؛ قد نلحظ أن الأطباء لا يتركون مناسبة للتنبيه إلى السمنة وأضرارها الصحية، وكيفية التغلب عليها ووسائل خفض وزن الجسم، وغير ذلك من المظاهر الإيجابية للاهتمام الطبي بشأن السمنة. لكن في المقابل، لا نلحظ اهتماماً طبياً مماثلاً عن الحديث مع المرضى عن مدى عيشهم حالات الوحدة Loneliness والعزلة الاجتماعية Social Isolation وما التأثيرات الصحية المتوقعة عليهم من ذلك، وبخاصة في الحرص على تناول الطعام الصحي وتناول الأدوية والحرص على ممارسة الرياضة البدنية اليومية والحرص على المتابعة لدى الطبيب وإجراء الفحوص التي يطلبها الأطباء وغيرها من مظاهر الاهتمام بالصحة الشخصية.
والسؤال: هل التأثيرات الصحية السلبية للسمنة أعظم من تلك التي قد يسببها عيش البعض حالة الوحدة والانعزال الاجتماعي عن أفراد الأسرة والأقارب والأصحاب وزملاء العمل؟
دعونا نراجع ما قالته الرابطة الأميركية لعلم النفس American Psychological Association، وذلك من خلال تخصيصها الجلسة العامة رقم 3328 ضمن فعاليات المؤتمر السنوي 125 للرابطة، الذي عُقد في الخامس من أغسطس (آب) الحالي بواشنطن العاصمة، التي كانت الجلسة العلمية بعنوان: «الوحدة: تهديد متزايد للصحة العامة». ونشرت الرابطة على موقعها الإلكتروني خبر هذه الجلسة العلمية تحت عنوان «وحيدٌ جداً لدرجة أني سأموت، الباحثون يقولون إن العزلة الاجتماعية والوحدة يُمكن أن تشكل تهديداً للصحة يفوق تهديد السمنة». وأضافت: «قد تمثل الوحدة والعزلة الاجتماعية خطرا أكبر على الصحة العامة من السمنة، وتأثيرها آخذ في الازدياد وسوف تستمر في النمو، وفقا للبحوث المقدمة في المؤتمر السنوي الـ125 للرابطة الأميركية للعلم النفس».
وعلّقت البروفسورة جوليان هولت لونستاد، أستاذة علم النفس في بريغهام يونغ، بقولها: «إن التواصل مع الآخرين اجتماعياً يعتبر على نطاق واسع حاجة إنسانية أساسية وحاسمة في كل من الشعور بالرفاه الصحي والبقاء على قيد الحياة. وهناك نسبة متزايدة من سكان الولايات المتحدة يواجهون الآن الوحدة والعزلة الاجتماعية بشكل منتظم». وأضافت قائلة: «ويقدر أن نحو 42.6 مليون شخص من البالغين فوق عمر 45 سنة في الولايات المتحدة يعانون من الشعور بالوحدة المزمنة Chronic Loneliness، وفقا لنتائج دراسة الوحدة»، وكانت الباحثة قد نشرت دراسة حديثة لها حول الوحدة ضمن عدد يونيو (حزيران) من مجلة العلاقات الشخصية Personal Relationships. واستطردت قائلة: «وبالإضافة إلى ذلك، تظهر أحدث بيانات التعداد الأميركي أن أكثر من ربع السكان يعيشون وحدهم، وأكثر من نصف السكان غير متزوجين، ومنذ التعداد السابق، انخفضت معدلات الزواج وعدد الأطفال لكل أسرة. وتشير هذه الاتجاهات إلى أن الأميركيين أصبحوا أقل ارتباطاً اجتماعياً ويعانون من مزيد من الشعور بالوحدة».
وضمن الجلسة العلمية عرضت البروفسورة هولت لونستاد نتائج دراستين تحليليتين، في إحداهما راجع الباحثون 148 دراسة طبية حول الوحدة شملت ما مجموعه 300 ألف شخص، وفي نتائجها لاحظ الباحثون ارتباط كبيراً بين التواصل الاجتماعي وحصول انخفاض بنسبة 50 في المائة في خطورة احتمالات الوفاة المُبكّرة Premature Death. كما راجعوا نتائج دراسة أخرى شملت مراجعة نتائج 70 دراسة سابقة ضمت ما مجموعه 3.4 مليون شخص لفحص تأثيرات حالات العزلة الاجتماعية والوحدة والعيش المنزلي وحيداً وتأثيرات تلك الحالات على خطورة احتمالات الوفاة المُبكّرة.
وبالمحصلة، وفق ما قاله الباحثون: تأثير هذه الحالات الثلاث أكبر من عوامل خطورة صحية معروفة جيداً كالسمنة على وجه التحديد. ولذا قالت البروفسورة هولت لونستاد «ثمة أدلة علمية قوية على أن الوحدة والعزلة الاجتماعية تزيد من خطورة حصول الوفاة المُبكّرة بشكل أكبر من عوامل أخرى. ومع ارتفاع نسبة الأشخاص الكبار في السن فإننا نتوقع أن التأثيرات الصحية العامة للعزلة الاجتماعية والوحدة سترتفع، والواقع أن هناك الكثير من الأمم في العالم التي تقول إنها تواجه حالة وباء الوحدة Loneliness Epidemic، والتحدي الصحي الذي نواجهه الآن هو ما سنفعل إزاء هذا الأمر».
وطرحت البروفسورة هولت لونستاد حلولا عدة ممكنة، وتضمن أول تلك الحلول المقترحة أن يقوم الأطباء بإجراء سؤال لمرضاهم حول مدى عيشهم حالة الوحدة والعزلة الاجتماعية، كما طرحت حلولاً أخرى تتعلق بتنشئة الأطفال والمراهقين على تنمية مهارات تواصلهم الاجتماعي، والذي بالطبع لا يُقصد به التواصل الاجتماعي عبر وسائط وتطبيقات الإنترنت، بل التواصل الاجتماعي الفعلي مع أفراد الأسرة والأقارب، وكبار السن منهم على وجه الخصوص، إضافة إلى الأصدقاء. وطرحت أيضاً التواصل مع زملاء العمل وأصدقاء الدراسة، وضرورة تهيئة الإنسان لنفسه لمرحلة ما بعد التقاعد عن العمل الوظيفي.
والواقع أن الشعور بالوحدة هو تفاعل عاطفي معقد لعيش حالة العزلة الاجتماعية، ولدى كبار السن، والمرضى منهم بأمراض مزمنة على وجه الخصوص، تتفاقم المشكلة لأسباب اجتماعية وعقلية وعاطفية ومادية. وفي كثير من الأحيان، يكون الحل قريب جداً، لكنه هو السبب في الوقت نفسه بنشوء حالة الوحدة والانعزال الاجتماعي، ذلك أن أفراد الأسرة من الأبناء والبنات والأحفاد والإخوة والأخوات هم منْ يجدر أن يكونوا الـ«حلّ» للحيلولة دون عيش الشخص المتقدم في العمر أو في مراحل متوسطة من الغمر، حالة الوحدة والانعزال الاجتماعي، لكن في كثير من الأمثلة الواقعية للمرضى نلاحظ أن أفراد الأسرة أولئك هم منْ يزيدون عمق المشكلة.
الشعور بالوحدة أكثر ضرراً من السمنة
الشعور بالوحدة أكثر ضرراً من السمنة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة