شوقي بزيع
لم أفاجأ تماماً حين اتصل بي الكاتب والباحث التونسي الطاهر لبيب، ليزف لي نبأ صدور عمله الروائي الأول «في انتظار خبر إن».
«حين التقيت به في دربٍ ريفي لم تكن المياه قد افترقت عن أحلامها بعد مضى في طريقه متعَباً وآخذاً معه عينيّ لم تكن أزهار المنثور وهي تودّعه أكثر جلالاً وارتفاعاً وظلّ قلبي العاشق يخفق كالراية في الريح لا جراح في جسدي غير أن وجهي كان يتغطى بالدموع» لم يكن هذا النص الذي كتبته غابرييلا ميسترال في مطالع القرن الفائت، سوى واحد من نصوص كثيرة مماثلة، أرّخت الشاعرة التشيلية من خلالها لقصة الحب المؤثرة التي ربطتها بروميليو أوريتا، الموظف البسيط في شركة السكك الحديدية التشيلية.
لا تختلف قصة الحب المأساوية التي جمعت بين عروة بن حزام وابنة عمه عفراء بنت عقال، عن عشرات القصص المماثلة التي نسبها الرواة إلى شعراء بني عذرة، سواء من حيث رابطة الدم التي تجمع بين العاشقَين المنتميين إلى القبيلة نفسها، أو من حيث التفريق بينهما بذرائع مختلفة وما يستتبع ذلك من مكابدات جسدية ونفسية مضنية، وصولاً إلى النهايات المفجعة للعلاقة، التي يصل مسارها التصاعدي في ذراه الأخيرة إلى تصدع الجسد واختلاط العقل وصولاً إلى الموت. وفي تفاصيل القصة أن عروة لم يكن يتجاوز الرابعة من عمره حين توفي أبوه حزام، فكفله عمه عقال بن مهاصر.
قلّ أن حملت قصة من قصص الحب عند العرب من الوجوه والدلالات، ونفذت إلى المناطق المتداخلة للعلاقة بين العشق والموت، كما هو حال العلاقة التي جمعت بين وضاح اليمن وأم البنين زوجة الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك. ففي هذه القصة تحضر بكامل عدّتها، العناصر المتصلة بالغواية والافتتان بالحياة والشهوة المحرمة، فيما تظهر بالمقابل الكلفة الباهظة للجمال، والأنياب السوداء للموت المنتظر ضحاياه عند مفترقات الغفلة اللاهية. ولد عبد الرحمن بن إسماعيل الحميري في منطقة خولان القريبة من صنعاء عام 708، وفيما يعيد البعض نسبه إلى الفرس، يؤكد آخرون أصله العربي الذي تعود سلسلة أنسابه إلى سبأ بن يعرب بن قحطان.
حين اتصل بي الصديق عبده وازن قبل أيام داعياً إياي لحضور مسرحية «إذا هوى» لعلي شحرور، لم أتردد في تلبية الدعوة؛ لأن لاسمي روجيه عساف وحنان الحاج علي من الجاذبية وقوة الحضور، ما أثار لديّ الرغبة في اكتشاف ما يمكن لهذا الثنائي أن يقدمه بعدُ، في ظل انهيار المدينة وخوائها المتعاظم. ومع أنني لم أشاهد أياً من الأعمال السابقة لشحرور، فقد أثار ما قرأته عنه فضولاً مماثلاً لديّ، للتأكد مما إذا كان المخرج الشاب قادراً على رفد بطليه المخضرمين بأسباب الحيوية والتجدد اللازمين لاكتشاف مناطق في دواخلهما لم يكتشفاها بعدُ، ولتقديم هذه المناطق سافرةً وبلا أقنعة أمام الملأ.
لم تكن قصة الحب المؤثرة التي جمعت بين ليلى الأخيلية وتوبة الحميري، لتختلف كثيراً عن سياق القصص المماثلة التي شهدتها حقبة صدر الإسلام والعقود الأولى من العصر الأموي. ومع أن قصة هذا الثنائي العاشق لم تنل من الشهرة والتداول مقدار ما نالته قصص العذريين، بسبب طبيعتها الواقعية وخلوها من الأسطرة والشطط المفرط، إلا أن أكثر ما يميزها عن مثيلاتها هو أن ليلى في هذه القصة لا تكتفي بموقع المعشوقة الغائبة والملهِمة، والمتلقية لردود الأفعال، بل هي المرأة الفاعلة والمتقدة ذكاء، والشاعرة التي تضاهي الرجل العاشق موهبةً وقوةَ حضور.
لم تكن العلاقة العاطفية التي جمعت بين الشاعرة الروسية المعروفة آنا أخماتوفا، والرسام الإيطالي الشهير أميديو موديلياني، منبتة تماماً عن سياق «الغزو» الأنثوي الروسي للقارة الأوروبية في القرنين الفائتين. فقبل علاقة أخماتوفا وموديلياني بعدة عقود كانت هناك لو سالومي التي خلبت لب نيتشه وريلكه وفرويد وعباقرة آخرين.
«خرجتُ من ظلمات المجهول إلى عالم غير مستعد لتقبلي. أمي حاولت التخلص مني في الشهور الأولى من حملها بي. عشر مرات حملت أمي ولكنها لم تحاول الإجهاض قط إلا حين جاء دوري»، هذا ما تستهل به فدوى طوقان كتاب سيرتها «رحلة جبلية، رحلة صعبة»، معتبرة أن رفض الأم بالنسبة للطفلة التي ولدت في نابلس عام 1917، الحدث الأكثر دلالة على المأساة الأصلية لوجودها النافل، وعلى شعورها اللاحق بالنبذ والتهميش.
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة
