مسرحية «شو كارلوس أحسن مني؟» دعوة لتقديم الحبّ على الوحدة

في قصة رومانسية تشبه بقالبها الفيلم السينمائي

الثنائي وسام صليبا وجنيفر يمّن في «شو كارلوس أحسن منّي؟» (مسرح مونو)
الثنائي وسام صليبا وجنيفر يمّن في «شو كارلوس أحسن منّي؟» (مسرح مونو)
TT

مسرحية «شو كارلوس أحسن مني؟» دعوة لتقديم الحبّ على الوحدة

الثنائي وسام صليبا وجنيفر يمّن في «شو كارلوس أحسن منّي؟» (مسرح مونو)
الثنائي وسام صليبا وجنيفر يمّن في «شو كارلوس أحسن منّي؟» (مسرح مونو)

ليس من الضروري أن يحمل العرض المسرحي دائماً فلسفةً عميقةً أو رسائل تتطلب التحليل ليترك أثره في جمهوره. فهواة المسرح قد يستمتعون بعرض خفيف يرسم البسمة على وجوههم، ويمنحهم جرعات من الدفء في ليالي ديسمبر (كانون الأول) الباردة عبر قصة رومانسية. هذه حال مسرحية «شو كارلوس أحسن مني؟» للمخرجة لينا أبيض، التي بنتها على ثلاثية فنية تضم وسام صليبا، وجنيفر يمّين، وعبد الرحيم العوجي. وبذلك يطبّق العرض المثل الفرنسي القائل: «يجمع بين المفيد والممتع». وتُعرَض المسرحية على خشبة «مونو» في بيروت.

تألقت يمّين مع صليبا في أكثر من ديو غنائي (مسرح مونو)

تتخلل العرض لمسات موسيقية وغنائية تُنعش الذاكرة الجماعية بمجموعة أغنيات أجنبية من الزمن الجميل، من بينها مقاطع من فيلم «تايتانيك» وأغنية دين مارتن بعنوان «sway with me»، ومقاطع أغانٍ أخرى مثل «سأنجو» لغلوريا غاينر. وخلال المسرحية عبّر الحضور عن تفاعله بالتصفيق الحار على أنغام الأغنيات.

أما القصة التي كتبها وليد اليازجي، فهي بسيطة في حبكتها، وتتمحور حول الصراع بين الحب والعزلة. فرغم الصدمات التي يتعرَّض لها الشخص في علاقة عاطفية، فإن هاجس الحب يظل يلوح في الأفق. ومهما حاول التخلّص من مشاعره الرومانسية بأسلوب أو بآخر، فإن الحب يظل الغالب في النهاية. فالوحدة تُثقل كاهل صاحبها، لا سيما إذا كان من طينة بطل المسرحية رجا (وسام صليبا). فهو يشعر بالفراغ حين يكون وحيداً، ويفضّل نسج الحبّ ولو من باب الوهم الجميل، معتقداً أن الصبية التي يتعرَّف إليها ستكون «فتاة أحلامه» ويؤسس معها لعائلة سعيدة.

الثنائي وسام صليبا وجنيفر يمّن في «شو كارلوس أحسن منّي؟» (مسرح مونو)

تمرّ المسرحية على خيبات أمل تشكّل عنواناً عريضاً لكثير من العلاقات الإنسانية، لا سيما تلك المرتبطة بقصص الحب، كالخيانة والإهمال والانفصال، وكلّها تترك طعماً مريراً لدى أصحابها. وتغرقهم في عزلة تفرضها نتائج تجربة عاطفية غير موفّقة.

وهنا يأتي دور الصديق الصدوق جوني (عبد الرحيم العوجي)، الذي يجسّد شخصية مدير أعمال رجا وصديقه المقرّب. فهو يعرف نقاط ضعفه وموهبته الفنية، ومطّلع على تفاصيل إحباطاته العاطفية، فينصحه بالتوقّف عن ملاحقة مشاعره والتركيز على مشروعاته الفنية للخروج من الحلقة المقفلة التي يعيشها، ويذكِّره بأن كثيراً من المطربين العالميين قدّموا روائعهم الفنية إثر علاقات حب فاشلة. ويؤكّد له رجا في المقابل قدرته على ذلك. فيعقدان شرطاً يقضي بأن يدفع الخاسر ألف دولار للرابح. غير أنّ الصديق، وفي محاولة منه للفوز بالشرط، يدبّر له مكيدة ليقع في فخّها.

تدخل على الخط الصبية ليليان (جنيفر يمّين)، وتوهمه بأنها جاسوسة روسية مهمتها مراقبة جاره كارلوس. وتنشأ بين الاثنين علاقة فنية في البداية. وتتجلّى في أدائهما المشترك لأغنيات يحبّانها، قبل أن تتطوّر لاحقاً إلى قصة حب حقيقية. وتحرص المخرجة لينا أبيض منذ اللحظة الأولى على تلوين العرض بالفرح، مترجمةً ذلك بديكورات أنيقة وإضاءة دافئة، متسمة بروح الأعياد عبر شجرة الميلاد والشموع.

ويبرز عبد الرحيم العوجي بوصفه الأكثر تميّزاً على مستوى الأداء التمثيلي، إذ كان بارعاً في إيصال النكتة السريعة. وبتلوين شخصيته بخطوط كوميدية خفيفة. فكان حضوره على الخشبة كفيلاً بإثارة الضحك بعفوية. في المقابل، ارتكز نجاح جنيفر يمّين ووسام صليبا بشكل أساسي على انسجامهما الغنائي، الذي تفوّق عموماً على أدائهما التمثيلي. ولم تخلُ المسرحية من مواقف مضحكة قائمة على أداء الممثلين الثلاثة معاً، لا سيما تلك المرتبطة بالثلاجة الهدية التي قدّمها جوني لصديقه الفنان، فشكّلت مخبأ تدخل منه ليليان خلسة إلى منزل رجا، كما تختبئ فيها عند وصول الصديق كي لا يخسر الشرط.

عبد الرحيم العوجي ووسام صليبا في مشهد من المسرحية (مسرح مونو)

ومع اقتراب ساعة الحقيقة، تعترف ليليان لصديق رجا بأنها وقعت في حب هذا الأخير، وبأن اللعبة التي خاضتها تحوّلت بالنسبة إليها مشاعر حقيقية.

وتستخدم لينا أبيض، من خلال نص كتبه اليازجي، مواقف من الحياة اليومية اللبنانية، مسلّطة الضوء على الأزمة الاقتصادية، وأيضاً على طقوس الاحتفال بالأعياد، والتي تنتهي غالباً بأحاديث سياسية. وكثيراً ما تلجأ أبيض إلى الموسيقى لكسر لحظات التوتّر، وتوظّفها ضمن حبكة النص للتعبير عن المشاعر. فيغدو العمل قريباً من فيلم سينمائي غنائي خفيف الظل. ويبرز نجاح لينا أبيض في ضخ مشاعر الفرح عند الحضور، عندما ترى معظمهم يخرجون من العمل مبتسمين.

ويكتشف الجمهور في النهاية لغز عنوان المسرحية «شو كارلوس أحسن مني؟» المرتبط بقصة هروب رجل الأعمال اللبناني كارلوس غصن من اليابان داخل صندوق آلة موسيقية. فقد استوحى رجا خيوط لعبته من هذه الحادثة، مستبدلاً صندوق الثلاجة الهدية بصندوق الآلة الموسيقية، ولتدخل ليليان إلى منزله خلسة، مبرّراً فعلته بالعبارة الشهيرة: «شو كارلوس أحسن مني؟».

وتُختتم المسرحية برسالة بسيطة مفادها أنّ الإنسان لا يستطيع العيش من دون فسحة أمل ممزوجة بالحب. فكارلوس غصن حين سئل كيف تحمّل مشقّة السفر وهو محتجز في تلك العلبة، أجاب بأن فكرة لقائه زوجته التي يحبّها، كانت الدافع الأساسي وراء ذلك.


مقالات ذات صلة

«قذرات غبيات»… بريجيت ماكرون تأسف إذا آذت نساءً ضحايا عنف جنسي

أوروبا بريجيت ماكرون زوجة الرئيس الفرنسي تصل إلى مراسم إحياء الذكرى العاشرة لهجمات إرهابية في باريس... 13 نوفمبر 2025 (أ.ب)

«قذرات غبيات»… بريجيت ماكرون تأسف إذا آذت نساءً ضحايا عنف جنسي

قالت بريجيت ماكرون، زوجة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنها تشعر بـ«الأسف» إذا كانت تصريحاتها قد آذت نساءً تعرّضن للعنف الجنسي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق مشهد من مسرحية «تكلم حتى أراك» في أول أيام المهرجان (هيئة المسرح)

«مهرجان الرياض للمسرح» ينطلق لتكريم الرواد ورعاية المبدعين

انطلق، الاثنين، مهرجان الرياض للمسرح في دورته الثالثة، الذي تنظِّمه هيئة المسرح والفنون الأدائية، ويشهد على مدى 7 أيام عروضاً للمسرحيات التي تأهلت للمشارَكة.

عمر البدوي (الرياض)
يوميات الشرق تُعرض المسرحية ابتداء من 18 الحالي (مسرح زقاق)

«ما بين بين» لجنى بو مطر... خسارات عالقة بين المبهم والمحسوس

يبدأ عرض المسرحية في 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي على خشبة مسرح «زقاق» في بيروت، ويستمرّ حتى 21 منه...

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق ريم أحمد في لقطة من مسرحية «كارمن»  (البيت الفني للمسرح)

القاهرة تستضيف 16 عرضاً بمهرجان «المسرح العربي»

أعلنت الهيئة العربية للمسرح عن مشاركة 16 عرضاً مسرحياً من مختلف الدول العربية، في الدورة الـ16 من مهرجان «المسرح العربي» التي تنظمها الهيئة.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تضمن العرض بعضاً من أغاني أم كلثوم خصوصاً عن فلسطين (وزارة الثقافة المصرية)

«سيرة في حب أم كلثوم»... مسرحية للعرائس تستعيد رحلة «الست»

في إطار استعادة مصر لسيرة أم كلثوم بالتزامن مع مرور 50 عاماً على رحيلها، استضاف «مسرح نهاد صليحة» بأكاديمية الفنون المصرية عرضاً مسرحياً للعرائس.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

مصر: الكثبان الرملية تحاصر واحة الخارجة وتهدّد مركز إنتاج الحرير

وزارة الزراعة ومحافظة الوادي الجديد توقعان بروتوكولاً لحماية إنتاج الحرير (وزارة الزراعة المصرية)
وزارة الزراعة ومحافظة الوادي الجديد توقعان بروتوكولاً لحماية إنتاج الحرير (وزارة الزراعة المصرية)
TT

مصر: الكثبان الرملية تحاصر واحة الخارجة وتهدّد مركز إنتاج الحرير

وزارة الزراعة ومحافظة الوادي الجديد توقعان بروتوكولاً لحماية إنتاج الحرير (وزارة الزراعة المصرية)
وزارة الزراعة ومحافظة الوادي الجديد توقعان بروتوكولاً لحماية إنتاج الحرير (وزارة الزراعة المصرية)

في ظل التحديات البيئية المتزايدة التي تشهدها مناطق الصحراء الغربية بمصر، خصوصاً منخفض الخارجة، الذي تتقدم نحوه سلاسل من الكثبان الرملية تهدد الطرق والمنشآت والمساحات الزراعية، ومن بينها المنطقة التي يقع فيها مركز إنتاج الحرير، تم توقيع بروتوكول تعاون بين مركز بحوث الصحراء، ومحافظة الوادي الجديد، لتنفيذ مشروع «حماية المركز الإقليمي لإنتاج الحرير بواحة الخارجة من أخطار زحف الرمال».

ووفقاً للبروتوكول، تتولى محافظة الوادي الجديد تنفيذ عدد من الأعمال الأساسية الداعمة للمشروع، وتتضمن: «حفر بئر للري مجهزة بكامل مستلزماتها لتوفير المياه اللازمة لعمليات التثبيت والزراعة، وإنشاء شبكات ري متكاملة لخدمة الحواجز النباتية ومصدات الرياح، ضمن منظومة الحماية من زحف الرمال».

ويزرع في مركز إنتاج الحرير نحو 255 فداناً من شجر التوت، ويعد من أهم مشروعات التنمية الزراعية بمحافظة الوادي الجديد.

في المقابل، يتولى مركز بحوث الصحراء الجانب الفني والتنفيذي للمكونات العلمية والهندسية للمشروع، وتشمل: إنشاء الحواجز الأمامية في الاتجاهات الأكثر تعرضاً لحركة الكثبان الرملية للحد من سرعة الزحف، وإقامة الأحزمة الخضراء ومصدات الرياح حول مركز إنتاج الحرير، باستخدام أنواع نباتية مقاومة للجفاف، وذات قدرة عالية على التثبيت، وتدريب كوادر بمحافظة الوادي الجديد على إدارة منظومة الحماية، والتعامل مع التغيرات البيئية في المناطق الجافة، والإشراف الفني والصيانة والمتابعة الدورية لجميع الأعمال المنفذة؛ لضمان كفاءة وفاعلية منظومة الحماية طوال مدة المشروع»، وفق بيان لوزارة الزراعة المصرية، الثلاثاء.

وكان مجلس الوزراء المصري عقد اجتماعاً في مايو (أيار) الماضي، واستعرض خطة تستهدف توطين صناعة الحرير الطبيعي من خلال إقامة مراكز إنتاج الحرير في مختلف المحافظات.

وعرض اللواء محمد الزملوط، محافظ الوادي الجديد، الموقف التنفيذي لمبادرة إنتاج الحرير الطبيعي، حتى مايو 2025، موضحاً أن عدد المعامل المجهزة يصل إلى 32 معملاً، كما تصل المساحة المنزرعة إلى نحو 344 فداناً و14 صوبة زراعية، ويتم تنفيذ 25 مشروعاً في هذا الإطار، وفق بيان سابق لرئاسة مجلس الوزراء.

فيما أكد علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، حرص الوزارة على دعم الجهود التنموية في محافظة الوادي الجديد، وتعزيز قدرات المناطق الصحراوية على مواجهة المخاطر البيئية، خصوصاً حركة الرمال التي تمثل أحد أبرز التحديات أمام التوسع الزراعي والتنمية المستدامة في واحة الخارجة.

وأشار إلى أن ذلك المشروع سيسهم في زيادة إنتاجية مركز إنتاج الحرير، فضلاً عن تحسين الحركة على الطرق المحيطة بالمركز والمهددة بزحف الرمال، لافتاً إلى تخطيط وتنفيذ وإدارة برامج مقاومة زحف الرمال، بما يسهم في الخطة الوطنية لمكافحة التصحر بالصحراء الغربية.

من جانبه، أكد محافظ الوادي الجديد التعاون الدائم والمثمر بين وزارة الزراعة ومحافظة الوادي الجديد، في العديد من المجالات المرتبطة بتحقيق التنمية الزراعية المستدامة في المحافظة، مشيراً إلى أن المشروع يستهدف حماية هذه المساحات من التناقص نتيجة زحف الرمال، وضمان استمرار الإنتاج ودعم استدامته.


مصر للاهتمام بـ«السياحة الأدبية» واستثمار «زخم» المتحف الكبير

نجيب محفوظ تناول العديد من شوارع وحواري مصر الفاطمية في رواياته (متحف نجيب محفوظ على فيسبوك)
نجيب محفوظ تناول العديد من شوارع وحواري مصر الفاطمية في رواياته (متحف نجيب محفوظ على فيسبوك)
TT

مصر للاهتمام بـ«السياحة الأدبية» واستثمار «زخم» المتحف الكبير

نجيب محفوظ تناول العديد من شوارع وحواري مصر الفاطمية في رواياته (متحف نجيب محفوظ على فيسبوك)
نجيب محفوظ تناول العديد من شوارع وحواري مصر الفاطمية في رواياته (متحف نجيب محفوظ على فيسبوك)

من مبنى ذي طابع تراثي بحي الجمالية، يحمل اسم أديب نوبل نجيب محفوظ، بدأ الخبير السياحي المصري، بسام الشماع، في شرح طبيعة المكان بشوارعه ومبانيه التاريخية وحواريه وأزقته وشخوصه التي تبدو كأنها خارجة لتوها من إحدى الروايات الأدبية.

مجموعة السائحين الذين اصطحبهم الشماع إلى هذا المكان كانت لهم أسئلة «مثيرة للاهتمام»، وفق قوله لـ«الشرق الأوسط»، مضيفاً: «لقد سألوني عن تاريخ المكان وعن شخصيات في روايات نجيب محفوظ مثل شخصية (سي السيد) التي ظهرت في ثلاثيته الشهيرة (بين القصرين – قصر الشوق – السكرية)»، مؤكداً أنهم كان لديهم فضول لمعرفة المزيد عن هذه الأماكن.

وبعد الزخم الذي حققه المتحف المصري الكبير في جذب السائحين منذ افتتاحه، تسعى مصر إلى تسليط الضوء على نمط سياحي جديد، يتمثل في السياحة الأدبية. ويعتمد هذا النمط على ربط السائح بالأحياء والمواقع التي ذُكرت في الأعمال الأدبية ذات الشهرة الواسعة، مثل أعمال أديب نوبل نجيب محفوظ، وروايات إحسان عبد القدوس، وغيرهم من رموز الأدب العربي.

«كأنك تتجول بداخل رواية»، هكذا يصف الخبير السياحي المصري، محمد كارم، فكرة السياحة الأدبية التي يراها غير مستغلة في مصر بالقدر الكافي، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الأمر يحتاج إلى 3 خطوات ليأتي هذا النمط بالمستهدف منه، وهي أن يكون هناك اعتراف رسمي بالسياحة الأدبية كمنتج له مسارات وبرامج، والشراكة بين السياحة والثقافة والقطاع الخاص لتحويل الأماكن الروائية إلى تجرية حية، بالإضافة إلى تسويق ذكي دولياً يستهدف السائح المثقف خصوصاً في أوروبا وأميركا اللاتينية، وهو ما سيكون لها مردود سياحي كبير».

مشهد من حي الجمالية بالقاهرة الفاطمية (صفحة خريطة مشروعات مصر)

وتزخر مصر بالعديد من الأماكن الحيوية والتراثية التي تم ذكرها في روايات وأعمال أدبية متنوعة، كما توجد متاحف لأدباء كبار لهم شهرة عالمية مثل متحف نجيب محفوظ في حي الجمالية بالقاهرة الفاطمية، ومتحف قسطنطين كفافيس في الإسكندرية، ومن قبلهما متحف أحمد شوقي «كرمة ابن هانئ» ومتحف طه حسين «رامتان» في الجيزة.

وتعمل وزارة السياحة والآثار على الترويج لهذا النمط السياحي خلال الفترة المقبلة، بعد أن ركزت عليه خلال منتدى نظمته بالشراكة مع منصة «TripAdvisor» العالمية، وعدّت نمط السياحة الأدبية، له مردود اقتصادي مهم وقادر على جذب أعداد كبيرة من الزائرين. وفق بيان للوزارة.

ولفت الشماع إلى أن الزخم الذي حققه المتحف المصري الكبير منذ افتتاحه يشجع على ترويج العديد من الأنماط السياحية الجديدة ومنها السياحة الأدبية، متوقعاً أن يسهم المتحف المصري الكبير بزيادة عدد السائحين الوافدين لمصر هذا العام لأكثر من 20 مليون سائح.

ووفق إحصاءات حكومية وتصريحات للمسؤولين، وصل متوسط عدد زوار المتحف الكبير في أول أيام افتتاحه إلى 19 ألف زائر يومياً، أكثر من القدرة الاستيعابية التي قُدرت من قبل بنحو 15 ألف زائر يومياً، وتستهدف مصر زيادة عدد السائحين إلى 30 مليون سائح بحلول عام 2031، ومن المتوقع أن تحقق الحركة السياحية بنهاية هذا العام ما يقرب من 19 مليون سائح، وأن يزيد عائدها على 18 مليار دولار.

وتراهن مصر على التنوع في منتجاتها السياحية، وفق كارم، الذي يلفت إلى أن «الأماكن التي كتب عنها نجيب محفوظ مثل الجمالية والحسين وبين القصرين وخان الخليلي وزقاق المدق، يمكن أن تتحول لمسارات سياحية متكاملة تربط الروايات بالمكان»، مشيراً إلى «أهمية استغلال الزخم الذي حققه المتحف المصري الكبير في التأكيد على التنوع والابتكار في المنتجات والمقاصد السياحية المصرية».

وسبق أن أطلقت مصر حملة ترويجية لمقاصدها السياحية حملت عنوان «مصر... تنوع لا يضاهى» للتأكيد على تنوع المنتجات السياحية الموجودة بها مثل السياحة الثقافية والشاطئية والعلاجية والبيئية وسياحة السفاري والمغامرات وسياحة المؤتمرات... وغيرها.


رحيل أيقونة الغناء السوداني ونقيب الفنانين عبد القادر سالم

صورة أيقونية للراحل (صفحته على «فيسبوك»)
صورة أيقونية للراحل (صفحته على «فيسبوك»)
TT

رحيل أيقونة الغناء السوداني ونقيب الفنانين عبد القادر سالم

صورة أيقونية للراحل (صفحته على «فيسبوك»)
صورة أيقونية للراحل (صفحته على «فيسبوك»)

في مشهد غلبت عليه مشاعر الحزن والأسى، ودَّع السودانيون أحد أبرز وجوههم الثقافية والموسيقية، الدكتور عبد القادر سالم، الذي توفي في العاصمة الخرطوم بعد معاناة قصيرة مع المرض، عن عمر ناهز 77 عاماً.

وُلد الراحل في مدينة الدلنج بولاية جنوب كردفان عام 1946، ويعد من أبرز الأصوات الغنائية التي عرَّفت السودان، خصوصاً غربه، على العالم، من خلال مشروع فني وغنائي، جمع بين الروح الشعبية والبناء الأكاديمي، والإبداع الموسيقي الممزوج بإرث غني من الإيقاعات والإحساس.

وتعبيراً عن الفقدان، قال الصحافي محمد الأسباط لـ«الشرق الأوسط»: «أفقت من نومي اليوم على خبر فاجع، أصابني بحزن عميم، كأنما فقدت شخصاً من العائلة، فعبد القادر سالم لم يكن مجرد فنان، بل أيقونة للغناء الكردفاني والسوداني، وخسارته خسارة كبيرة تضاف لخسائر الناس الذين أفنتهم مأساة الحرب».

من الدلنج إلى أوروبا

نشأ عبد القادر سالم في بيئة غنية بالتقاليد والموسيقى المحلية، حيث مثلت ولاية كردفان مخزوناً لا ينضب من الإيقاعات والمفردات الشعرية، وبدأ بالغناء في محيطه المحلي، قبل أن ينتقل إلى الخرطوم، حيث أتيحت له فرص أوسع للظهور والانتشار».

بدأ مع الفرقة الغنائية الشهيرة «فرقة فنون كردفان»، وشارك معها في مهرجانات الثقافة أواخر الستينات، وهناك عرفه الجمهور السوداني بصوته المختلف.

عندما صدح سالم على خشبة المسرح القومي بـ«اللوري حل بي»، وهي الأغنية التي أصبحت لاحقاً من الأغنيات الخالدة في الوجدان السوداني، يقول صديقه الشاعر التجاني الحاج موسي لـ«الشرق الأوسط»: «كان صوت عبد القادر سالم جديداً في طبيعته، كان حضوره قوياً، ومليئاً بالدفء الإنساني».

نقل إيقاع «المردوم» إلى مسارح العالم

لم يكتفِ سالم بالغناء داخل السودان، بل حمل فنه إلى العواصم الأوروبية، مشاركاً في مهرجانات ومناسبات فنية وثقافية، عرَّف خلالها الجمهور الأجنبي على الإيقاعات السودانية، مثل: «المردوم، والنقارة، والكرن»، وهي إيقاعات ميَّزت تراث غرب السودان.

كان أول فنان سوداني تنتج له شركة بريطانية «أسطوانة»، وسجل عدداً من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الخارج.

وتعد أغنية «ليمون بارا» إحدى أشهر أغنيات سالم، فقد لاقت رواجاً كبيراً، حتى إن بعض المغنين الأوروبيين حاولوا تقليده، وأداءها وبعض أعماله بأساليبهم.

بين الفن والعلم

جمع سالم بين التعليم والفن منذ بداياته، فقد تخرج في معهد التربية بمدينة الدلنج، ثم عمل معلماً في عدد من مدارس كردفان، قبل أن ينتقل إلى الخرطوم، ليلتحق بكلية الموسيقى والمسرح، ويتابع مسيرته الأكاديمية والفنية بالتوازي.

كما عمل مدرساً في دولة تشاد، وهناك أسس المدرسة السودانية الثانوية، مساهماً في نشر التعليم وسط الجالية السودانية.

حصل سالم على درجة الدكتوراه في مجال الفولكلور الشعبي، وكان أستاذاً مشاركاً في عدة جامعات، ودرَّس لأجيال من طلاب الموسيقى، الذين أصبح بعضهم اليوم نجوماً في الساحة الفنية.

يقول وزير الثقافة والإعلام السابق جراهام عبد القادر لـ«الشرق الأوسط» عن الرجل: «لم يكن عبد القادر سالم فناناً فقط، بل كان مشروعاً ثقافياً متكاملاً»، ويتابع: «كان رجلاً أكاديمياً، وموسيقياً، وباحثاً، ومعلماً».

تجديد الغناء السوداني

تميز أسلوب الراحل الموسيقي، بقدرته على الانتقال السلس بين السلم الخماسي التقليدي الذي تقوم عليه موسيقى الوسط والشمال، والسلم السباعي العالمي الذي تتغنى به الجماعات الثقافية في غرب البلاد، مما منح أعماله جاذبية خاصة، وجعلها قادرة على عبور الثقافات.

وأدخل الآلات الغربية دون أن يفرّط في أصالة موسيقاه، وكان حريصاً على أن يحافظ على الطابع السوداني في كل ما يقدمه، فكان بحق أحد المجددين الحقيقيين في الموسيقى السودانية الحديثة.

فنان ونقابي

لم يقتصر نشاط سالم على الغناء والتدريس، بل كان ناشطاً في العمل الثقافي العام، إذ شغل رئاسة اتحاد المهن الموسيقية لفترة طويلة -اتحاد الفنانين- وكان عضواً بارزاً في لجان المصنفات الأدبية والفنية، وداعماً لحقوق الفنانين وتنظيم العمل الموسيقي في البلاد.

شارك في عدد من المؤتمرات الإقليمية والدولية، الخاصة بحماية التراث الموسيقي والفولكلوري، وكان له حضور معتبر في مناقشات تطوير السياسات الثقافية.

حضور إنساني

في زمن الحرب والانقسامات، ظل عبد القادر سالم حاضراً إلى جانب الناس، لم يغادر الخرطوم رغم ما شهدته من دمار ومعاناة منذ اندلاع الحرب قبل زهاء ثلاث سنوات، متضامناً مع زملائه، ومشاركاً في دعمهم مادياً ومعنوياً، وأطلق عدداً من المبادرات لمساندة الفنانين المتضررين من الحرب.

يقول وزير الثقافة جراهام عبد القادر لـ«الشرق الأوسط»: «في وقت اختار فيه كثيرون مغادرة الخرطوم، بقي عبد القادر سالم، مشاركاً في الحياة العامة، ومبادراً لدعم زملائه في المحنة».

إرث فني ووجداني

من أشهر أعماله التي لا تزال تتردد حتى اليوم: «مكتول هواك يا كردفان»، و«ليمون بارا»، و«غاب تومي»، و«بسامة»، وهي أغنيات تمثل وثائق وجدانية تحافظ على اللغة والمكان والوجدان السوداني، وتدرَّس اليوم في كليات الموسيقى بوصفها مراجع فنية وتراثية.

شارك بأعمال غنائية مع شعراء مرموقين، أبرزهم عبد الله الكاظم، وفصيلي جماع، وترك بصمته في مكتبة الإذاعة السودانية بعدد من الأعمال الخالدة.

نعي رسمي وشعبي

نعت الدولة الراحل رسمياً، وقال مجلس السيادة في بيان: «عبد القادر سالم كان من أبرز أعمدة الموسيقى في البلاد، وصوتاً شغوفاً بالتراث، حيث صال وجال في مختلف دول العالم معرِّفاً بالإرث السوداني، خصوصاً الكردفاني الأصيل»، وتابع البيان: «لقد شهدت له المسارح ودور الفنون بمثابرته واجتهاده، في البحث الأكاديمي المرتبط بالموسيقى».

لكن ما هو أبقى من النعي الرسمي، هو ما زرعه في وجدان الناس، حيث لا يزال صوته يتردد في البيوت، وعلى أجهزة المذياع القديمة، ومشغلات الصوت الحديثة، وفي الحفلات المدرسية، وجلسات الطرب، وذاكرة شعب بأكمله.

يقول محمد الأسباط: «لقد أطفأت الحرب الكثير من قناديل الفن، لكنّ منارات مثل عبد القادر سالم لا تنطفئ، إنها تبقى هادية، لمن يأتي بعده».