أكد الفنان التونسي، ظافر العابدين، أن مشاركته في الجزء الثاني من فيلم «السلم والثعبان» المعروض حالياً في الصالات السينمائية ارتبطت بعدة عوامل منها إعجابه بالجزء الأول، وشعوره بالفضول، ورغبته في معرفة ما سيتضمنه الجزء الجديد، بجانب رغبته في التعاون مع المخرج طارق العريان، مشيراً إلى علاقة الصداقة التي جمعته مع عمرو يوسف منذ تعاونهما سوياً في مسلسل «نيران صديقة» قبل سنوات باعتبار أن ذلك سبب إضافي شجعه على خوض التجربة.
وقال العابدين لـ«الشرق الأوسط» إن «الجزء الثاني لا يستغل نجاح الجزء الأول، بل جاء رغبة في اكتشاف كيف يمكن للفيلم أن يحكي اليوم قصة أكثر نضجاً، وأكثر اقتراباً من العلاقات الإنسانية كما هي ملتبسة، ومتوترة، ومحمّلة بتفاصيل صغيرة يصعب الإمساك بها»، مشيراً إلى أن هذه التركيبة المعتمدة على التقاط مساحات شديدة الدقة في الحياة، وثقته في طريقة تقديم المخرج للفكرة التي يطرحها جعلته يتحمس للمشاركة.
ووصف شخصية «أمير» التي يقدمها بأنها «صعبة رغم بساطتها، وعدم وجود أحداث كبيرة بها، فهي لا تعتمد على الانفجارات الدرامية، ولا على انفعالات حادة، بل على ما يحدث بين السطور، نظرة، وتردّد، وحركة غير مكتملة»، وفق قوله، معتبراً أن «هذا النوع من الأدوار ليس سهلاً إطلاقاً، لأن على الممثل أن يمنح الشخصية ثقلاً من دون أن يصرّح، وأن يتحرك على إيقاع داخلي هادئ يحتاج إلى حضوره الكامل».

وقال إن «أصعب ما في التجربة لم يكن مشاهد بعينها، بل الحفاظ على توازن الشخصية، وتركها تمشي على هذا الخيط الرفيع من دون أن تميل إلى المبالغة، أو البرود، وهو أمر لا يتحقق إلا بالتحضير»، وأكد الفنان التونسي أنه لا يدخل أي مشروع من دون مذاكرة طويلة، ثم حوار مستمر مع المخرج لضبط الاتجاهات الدقيقة للدور.
وبالتوازي مع العمل بالفيلم، كان العابدين يعمل على مشروع له أهمية خاصة لديه، وهو فيلم «فلسطين 36» مع المخرجة آن ماري جاسر، وهو الفيلم الذي اعتبره محاولة لفتح نافذة على لحظة تاريخية شديدة الحساسية، لحظة يتأسّس فيها ما سيقود لاحقاً إلى النكبة، وما ستترتب عليه تحولات عميقة في الشرق الأوسط كله عام 1936 بتفاصيل لم تقدم بهذا العمق من قبل.
ويرى ظافر العابدين أن «السينما العربية لم تغص بما يكفي في هذه الفترة، وأن ما يميّز الفيلم هو أنه لا يقدّم الأحداث بوصفها تقريريّة، أو سياسية فحسب، بل من خلال حساسية إنسانية تُظهر كيف عاش الناس تلك التبدلات، وكيف تشكّلت التصدعات الأولى التي لم تُرمّم إلى اليوم».
وعدّ أن أهمية «فلسطين 36» تتجاوز التوثيق، موضحاً: «هو فيلم تاريخي مهم، لكنه في الوقت ذاته عمل درامي لديه قدرة على ملامسة المشاهد من الداخل، وعلى خلق صلة بين الماضي واللحظة الحاضرة»، مشيراً إلى أن الدور البريطاني في تلك الفترة كان محوراً أساسياً في الحكاية، والفيلم يضيء على تفاصيل قلّما خاضت فيها السينما العربية، من سياسات بطيئة تراكمت عبر السنوات، إلى قرارات صنعت نتائج لم يكن أحد يتخيّل حجمها آنذاك.
وحول تصريحات المخرجة بأنها لم تتوقع موافقته على الاشتراك بسبب التزاماته، وطبيعة العمل، قال ظافر العابدين إنه شعر بشرف كبير حين عُرض عليه الدور، وأضاف أن «العمل مع مخرجة تمتلك بصمة بصرية دقيقة، وجرأة في الطرح كان من الأسباب القوية لقبولي الدور، بل تحمست جداً لتقديم شخصية فلسطينية، وقد منحني الفيلم فرصة لأكون جزءاً من سردية مهمة».

وتطرق العابدين إلى الرحلة التي قطعها فيلم «فلسطين 36» عالمياً، مع بداية عرضه في النسخة الماضية من مهرجان «تورونتو السينمائي» وترشيحه لتمثيل فلسطين بجوائز الأوسكار، ووصولاً إلى المشاركة في مهرجان «البحر الأحمر السينمائي»، معتبراً أنها رحلة تليق بطبيعته، وجرأته، مع بداية عروضه في بريطانيا، وآيرلندا بأرقام مشجعة، معرباً عن أمله في أن يصل الفيلم بهذه الرحلة إلى جمهور أوسع في العالم العربي، وأن يتمكن الجمهور من التفاعل مع التجربة، وأن يكون له أثر حقيقي في إعادة النظر إلى تلك المرحلة التاريخية.
يخوض الفنان التونسي تجربة جديدة في مشروعه السينمائي «صوفيا» وهو الفيلم البريطاني-التونسي الذي أخرجه ويشارك في بطولته جيسيكا براون فيندلي، وجوناثان هايد، وقيس الستي، وهبة عبوك، وزياد عيادي، وسعاد بن سليمان، ويعرض للمرة الأولى ضمن فعاليات مهرجان «مراكش السينمائي».
وقال العابدين عن هذه التجربة: «الفيلم يمثل خطوة مختلفة تماماً في مسيرتي، ليس فقط لكونه إنتاجاً مشتركاً بين تونس وبريطانيا، وهو أمر قليل الحدوث، بل لأنه يفتح مساحة جديدة للتجريب، وأتاح لي العمل في بيئة مختلفة من دون أن أتخلى عن جذوري».

وأضاف أن «المشروع يقدّم تجربة تجمع بين الحسّ التونسي في التعامل مع التفاصيل، والحياة اليومية، وبين الأسلوب البريطاني الذي يعتمد على بناء درامي محكم وإنتاج دقيق، ما جعل الفيلم يتشكل على أنه عمل هجين قادر على مخاطبة جمهورين في وقت واحد».
تدور أحداث الفيلم حول «إميلي» التي تُسابق الزمن للعثور على ابنتها، بينما زوجها المُنفصل عنها، والذي يقوم بدوره ظافر أيضاً، يزيد من الغموض الموجود في الأحداث.
وبين السينما والمهرجانات، يعود ظافر إلى الدراما في رمضان المقبل من خلال المسلسل اللبناني «ممكن» مع نادين نسيب نجيم، وهو عمل يعتبره تجربة مختلفة في السياق اللبناني، ويشعر بأنه يفتح أمامه مساحة جديدة للعودة إلى الدراما اللبنانية بعد غياب.

