في العرض المسرحي المصري «بحلم وأنا صاحي»، لا يبدو البطل الغارق في فراغه الداخلي امتداداً لحالته الشخصية وحدها، بل انعكاساً لحالة ذهنية ونفسية معقدة باتت تطارد الإنسان المعاصر في زمن تتشابك فيه تعقيدات الواقع لدرجة تجعل «الهروب» منه يبدو واقعاً بديلاً أقل قسوة.
يمهّد الفصل الأول للعرض الذي يستضيفه مسرح «روابط» في وسط القاهرة لحالة الغضب المتصاعد بين بطل العرض «حسن» وزوجته، فتبدو الزوجة في حالة استنفار تجاه زوجها الذي تصفه بـ«اليائس»، معلنة رغبتها في الانفصال. وفي الوقت نفسه يستقبل الزوجان التعيسان صديقين مقرّبين (زوج وزوجته)، لتبدأ مقارنة صامتة ومشحونة بالغضب بين كل شريك ونظيره، تفرض نفسها على الحوار بين الشخصيات الأربع، كاشفةً عن كثير من خفايا النظرة التي يحملها كل منهم للآخر.
يتمثّل التحدي الأبرز في العرض في تجسيد شخصية تمثل «الخيال» الملازم للبطل؛ ذلك الملاذ الذي يلجأ إليه كلما ضاق واقعه. تظهر الشخصية في البداية كأنها تجسيد لفكرة «الشيطان» الذي يُوسوس للبطل، مرتديةً عباءة سوداء ووجهاً مرسوماً بملامح فانتازية، غير أن العرض يكشف تدريجياً جوهر هذه الشخصية «الظل» التي تعبّر عن تأثير الخيال أو الوهم على تصرفات صاحبها.

يقول المخرج، مؤلف العرض المسرحي المصري، محمد سمير: «أردتُ تجسيد شخصية تعادل فكرة الخيال، وكان تحويل هذا المعنى المجرّد إلى شخصية على الخشبة من أكبر تحديات العرض، حتى الملامح الشيطانية، المتمثلة في قدرته على تزيين الفكرة، كانت مُوظَّفة ضمن طبقات تلك الشخصية الفانتازية». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «على مدار العرض يظهر تطوّر علاقة البطل بخياله، من اعتماده الكامل عليه للهروب من واقعه عبر التوهم بسيناريوهات لا يمكن أن تحدث، وصولاً إلى اكتشافه في النهاية أنه مسجون داخل وهمه الشخصي».

يؤدي الفنان المصري يوسف حشيش دور «حسن» ضمن مجموعة من الوجوه الجديدة التي قدّمت أداء لافتاً، لا سيما في المشاهد التي تعاقبت فيها الانفعالات الدرامية المتناقضة التي تمتد من البكاء إلى الضحك الهستيري. ففي أحد الفصول يطلب البطل من «خياله» أن يريه مشاعر زوجته وصديقه الأقرب والفتاة التي يتمنى أن تحبه إذا رحل عن الحياة، فيتخيلهم أولاً في حالة وداع حارّ، قبل أن يقوده خياله إلى النقيض تماماً؛ إذ يتخيل احتفاءهم بموته، فلا يجد في داخله القدرة حتى على تخيّل أنه محبوب في حياته أو في مماته.
ويكرّس المؤلف لتعقيد شخصية البطل بفتح مسار درامي لعلاقته بالأب والأم، فيطلب من «خياله» أن يغوص في مواجهة معهما تكشف عن شعوره القديم بالوحدة والقسوة والخوف منذ طفولته.

يوضح سمير: «كان مسار الأب والأم مطلوباً منه أن يؤسّس بشكل أعمق لشخصية البطل الهارب الذي عانى من صدمة كبيرة بعد فقدهما في حادث أليم، فيستعيد علاقته بهما، ويستعيد معها لحظات من طفولته التي هي في الحقيقة محاولة للتشافي عبر التعبير عن ألمه الداخلي».
لا يعتمد العرض على الإبهار البصري بقدر ما يعتمد على توظيف المساحة المسرحية لخلق تكوينات متجاورة تتسع لتعاقب الأفكار والأزمنة التي يمر بها البطل، ولإضفاء حالة من الحميمية على الأجواء الأسرية، كما في الركن الذي تخيّل نفسه جالساً فيه مع أمه في مطبخها وهي تطهو الطعام كما كان يتذكرها.
ويستعين العرض في ختامه بأغنية تعادل الشجن الذي قاد البطل لاتخاذ قرارات صعبة للمرة الأولى في حياته، منها إنهاء علاقته الزوجية ومواجهة صديقه الوحيد بعد خصومة. ويبدو هذا المشهد تتويجاً لصراعه الذهني مع «الوهم» الذي يسكنه، إذ يطلب منه أن يتركه لمواجهة نفسه، في حين يتوسّل إليه الوهم ألا يفارقه، فيسأله: «لو تركتك، كيف ستواجه وحدك اليأس والفقد والحزن؟».

