سبيده فارسي: غياب الفلسطينيين عن الإعلام العالمي دفعني لدعمهم سينمائياً

المخرجة الإيرانية قالت لـ«الشرق الأوسط» إن فوزها بجوائز «الجمهور» بالمهرجانات أمرٌ يسعدها

مشهد من الفيلم (الشركة المنتجة)
مشهد من الفيلم (الشركة المنتجة)
TT

سبيده فارسي: غياب الفلسطينيين عن الإعلام العالمي دفعني لدعمهم سينمائياً

مشهد من الفيلم (الشركة المنتجة)
مشهد من الفيلم (الشركة المنتجة)

قالت المخرجة الإيرانية سبيده فارسي إن فكرة فيلمها الوثائقي «ضع روحك على كفّك وامشِ» وُلدت من لحظة صدمة وحيرة، حين كانت تجوب العالم مع فيلمها السابق في مهرجانات دولية، لتجد نفسها في مواجهة حدثٍ مأساويّ قلب نظرتها إلى العالم رأساً على عقب مع اندلاع «حرب غزّة»، مشيرةً إلى أنها، مثل غيرها من الناس، كانت تتابع الأخبار من مدن مختلفة، لكنها شعرت بغياب الصوت الفلسطيني تماماً في التغطية الإعلامية.

وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها لم تجد أحداً يسأل الفلسطينيين أنفسهم كيف يعيشون تلك الحرب، أو كيف يواجهون ما وصفتها بأنها «إبادة»، مشيرةً إلى أنها قررت الاقتراب أكثر من الحقيقة لتحاول الفهم بنفسها، ليس فقط بصفتها إنسانة، بل بوصفها صانعة أفلام تؤمن بأن السينما فعل مقاومة ومعرفة في الوقت نفسه.

وأكّدت أنّ «نيّتها الأولى كانت الذهاب إلى غزّة، وحاولت فعل ذلك عبر معبر رفح، لكنها اصطدمت باستحالة العبور؛ وعندها اتجهت إلى القاهرة، حيث تعرّفت إلى مجموعة من اللاجئين الفلسطينيين في حيّ مدينة نصر، وبدأت في تصوير شهاداتهم».

المخرجة الإيرانية (حسابها على «فيسبوك»)

وأوضحت أنّها «شعرت بالإحباط لأنّها كانت تبحث عن صوتٍ من الداخل، مَن يعيش المأساة لا مَن خرج منها»، مشيرةً إلى أنّ «أحد معارفها الفلسطينيين عرّفها بمصوّرة من غزّة تُدعى (فاطمة حسونة)، ووصفها بأنّها موهوبة وشجاعة». وكانت تلك الصدفة نقطة التحوّل التي قادتها إلى جوهر الفيلم، بعد أن بدأت أول مكالمة بينهما، وأدركت وقتها أنّها وجدت بطلة العمل.

وتتبع سَبيده فارسي في فيلمها الوثائقي، الذي حصد جائزة «الجمهور» مناصفةً في الدورة الماضية من مهرجان «الجونة السينمائي»، رحلة المصوّرة الفلسطينية فاطمة حسونة على مدار عامٍ من المكالمات المصوّرة، وحتى لحظة مقتلها في أبريل (نيسان) 2025، ليرصد العمل حياة شابّة تعيش وسط القصف والحصار، لكنها تواصل توثيق الحياة اليومية في غزّة بكاميرتها

وخلال الأحداث، نراها في مكالمات متكررة مع المخرجة، تتحدث عن خوفها وأحلامها الصغيرة، وعن شغفها بالتصوير. وينتهي الفيلم بمكالمة أخيرة تتحدث فيها فاطمة عن العرض المنتظر للفيلم في مهرجان «كان السينمائي»، وعن أملها في حضور المهرجان، قبل أن تتحوّل الشاشة إلى السواد، وتظهر كتابات تخبرنا بأنّ فاطمة استُشهدت في اليوم التالي مع عائلتها تحت الأنقاض.

وأكدت المخرجة الإيرانية أنّها صوّرت على مدار عام كامل، وحرّرت اللقطات 9 أشهر أخرى، وأنّ العمل تطوّر تدريجياً، مشيرةً إلى أنّ المحادثات بينهما، وما تخللها من تبادل وتجارب مشتركة، كانت جزءاً أساسياً من البناء الدرامي والإنساني للفيلم، الذي تطوّر في أثناء التصوير لا في مرحلة الكتابة، لأنّ الحياة نفسها كانت تتغيّر كل يوم في غزّة.

يرصد الفيلم جانباً من دمار غزة (الشركة المنتجة)

وعن علاقتها بفاطمة، قالت فارسي إنّها شعرت بأنّها قريبة منها على نحوٍ عميق، ربما لأنّ فاطمة فلسطينية منفية، عاشت تجربة السجن، والمنع من السفر، والنفي القسري، لافتةً إلى أنّها «تعرف معنى أن يُغلق وطنك في وجهك، وأن يُسلب منك الحق في الخروج، لذلك فهمت بصدقٍ إحساس فاطمة بالحصار، وفهمت أكثر خوفها وحلمها في الوقت نفسه»، على حدّ تعبيرها.

وأشارت إلى أنّها كانت تخشى يومياً على حياة «فاطمة»، وتستيقظ كل صباح وهي قلقة من أن تكون فقدتها تحت القصف، لكنها لم تتخيّل قط أنّها ستكون هدفاً مباشراً لهجومٍ إسرائيلي، وأنّها عندما علمت بمقتلها كانت في حالة ذهول تام، خصوصاً بعدما تأكدت أنّ القصف الذي دمّر منزلها كان «استهدافاً متعمّداً»، وفق تقريرٍ رسمي، مشيرةً إلى أنّ «فاطمة كانت مصوّرة موهوبة، وشاعرة، وشابة مضيئة، رغم كل ما يحيط بها من ظلام».

وأوضحت فارسي أنّها لم تكن تفكّر في أثناء التصوير في ردود فعل الجمهور، لأنّها كانت تركّز على أمرين فقط: أن تكون صديقة تستمع لفاطمة، وأن تصنع فيلماً يمنح شهادتها الخلود، لافتةً إلى أنّها «شعرت بأنّ فاطمة، بقدر ما كانت عيناها في غزّة، كانت هي في المقابل نافذتها على العالم الخارجي، وأنّ بينهما نوعاً من التبادل الوجوديّ النادر».

وأضافت: «كنتُ أصوّر يومياً، وأتحدث إليها كل يوم، وأحرّر اللقطات في الوقت نفسه. كنتُ أعيش في حالٍ من الانقسام الغريب بين العالمين: عالمي الحر، وعالمها المحاصر».

وأكدت أنّها كانت على تواصلٍ معها حتى قبل أيام قليلة من وفاتها، وأنّ فاطمة كانت قد علمت باختيار الفيلم للعرض في مهرجان «كان» السينمائي، وكانت تتحدث بحماسٍ عن إمكانية السفر إلى فرنسا، قبل أن يُسدل الموت الستار على هذا الحلم، مشيرةً إلى أنّها حين بدأت المونتاج لم تكن تعلم كيف ستنتهي الحكاية، وأنّ النهاية جاءت قسراً وليست اختياراً فنياً، بعد أن تحوّل الواقع إلى مأساة مكتملة الأركان.

وثقت فاطمة في الفيلم عدّة مواقف صعبة (الشركة المنتجة)

وقالت إنّ الفيلم تغيّر تغيّراً جوهرياً بعد رحيل فاطمة، لأنّ المشاهد التي كانت تنبض بالأمل باتت تُقرأ الآن بمرارةٍ مضاعفة، وكلّ ابتسامة منها صارت بمثابة وداعٍ أخير، لافتةً إلى أنّ «هذه النهاية المأساوية، على قسوتها، جعلت الفيلم شاهداً أبدياً على إنسانٍ كان يجب أن يظل حياً».

وأكدت أنّ العمل لاقى تجاوباً إنسانياً واسعاً في المهرجانات، وأنّها تلقّت جوائز عدّة، منها 3 جوائز بتصويت الجمهور، أحدثها في «الجونة السينمائي»، وهو ما عدّته دليلاً على قوة الأثر الإنساني للفيلم أكثر من كونه عملاً سياسياً.

وأشارت إلى أنّها لا تفصل بين السياسة والفن، لكنها ترى السياسة من منظورٍ إنساني لا دعائي، وأنّ ما تصنعه هو «سينما عن الإنسان قبل الحدث»، لافتةً إلى أنّ «المونتاج كان مرهِقاً نفسياً، لأنها كانت تُضطر إلى مراجعة لحظات عاشتها مع فاطمة كأنها تستعيدها من الغياب، وإنّ أكثر ما يؤلمها اليوم هو افتقادها لصوتها وابتسامتها في كل صباح».


مقالات ذات صلة

«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

يوميات الشرق «الملحد» تعرَّض لعدد من الدعاوى القضائية التي طالبت بمنع عرضه (الشركة المنتجة)

«الملحد» للعرض في السينمات المصرية بعد معركة مع الدعاوى القضائية

بعد معركة مع الدعاوى القضائية، أعلنت الشركة المنتجة لفيلم «الملحد» طرحه في دور العرض السينمائي بمصر يوم 31 ديسمبر الحالي.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق المخرجة المصرية سارة جوهر (الشرق الأوسط)

المخرجة سارة جوهر: «عيد ميلاد سعيد» ينافس بقوة على «الأوسكار»

تؤكد المخرجة المصرية سارة جوهر أن قوة فيلمها تكمن في قدرته على التأثير في المشاهد، وهو ما التقطته «فارايتي» بضمّها لها إلى قائمتها المرموقة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق صوَّر المخرج الفيلم في ظروف صعبة (الشركة المنتجة)

«الشاطئ الأخير»... فيلم بلجيكي يرصد مأساة واقعية من قلب أفريقيا

رغم التحديات الأمنية واللوجيستية وعزلة القرية في غامبيا، فإن المخرج البلجيكي يشعر بالرضا عن التجربة التي خلّدت اسم «باتيه سابالي».

أحمد عدلي (الدوحة)
يوميات الشرق بوستر الوثائقي السعودي «سبع قمم» (الشرق الأوسط)

من «المنطقة المميتة» إلى شاشات جدة... حين تتحوَّل القمم إلى مرآة للإنسان

قدَّم وثائقي «سبع قمم» سيرة رجل فَقَد ملامح المدير التنفيذي عند «المنطقة المميتة» في "إيفرست"، ليبقى أمام عدسة الكاميرا إنساناً يسأل نفسه: لماذا أواصل؟

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق النجم الأميركي ليوناردو دي كابريو (رويترز)

ليوناردو دي كابريو يحذر الممثلين الشباب من خطأ واحد يضر بمسيرتهم

أصدر النجم ليوناردو دي كابريو تحذيراً للممثلين الشباب، موضحاً سبب رفضه عروضاً ضخمة في بداية مسيرته الفنية الحافلة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.