كشفت دراسة أميركية عن أنّ كوكب المشتري، أضخم كواكب المجموعة الشمسية، لعب دوراً محورياً في نشأة كوكب الأرض قبل أكثر من 4.5 مليار عام.
وأوضح الباحثون من جامعة «رايس» أنّ ولادة المشتري ونموّه السريع أسهما في نحت حلقات وفجوات داخل قرص الغاز والغبار المحيط بالشمس، مما أدّى إلى تكوين النيازك البدائية ورسم البنية التي تشكّلت فيها الكواكب، بما في ذلك الأرض. ونُشرت النتائج، الأربعاء، في دورية «ساينس أدفانسز».
ويُعدّ المشتري أضخم كواكب المجموعة الشمسية، إذ يفوق حجمه مجموع أحجام جميع الكواكب الأخرى مجتمعةً تقريباً، ويتميز بغلاف جوّي عاصف يشتهر بـ«البقعة الحمراء العظيمة»، وهي عاصفة هائلة تدور منذ قرون.
وتُظهر الدراسات أنّ تأثيره لم يقتصر على جذب الكواكب الصغيرة أو حمايتها من المذنبات، بل امتدَّ ليشمل تشكيل بنية النظام الشمسي نفسه.
واعتمد الفريق على محاكاة حاسوبية متقدّمة جمعت بين نماذج لنموّ المشتري وتطوّر الغبار وتكوُّن الكواكب. وأظهرت النتائج أنّ الجاذبية الضخمة للمشتري الناشئ أحدثت اضطرابات في قرص الغاز والغبار الذي كان يحيط بالشمس، مما أدّى إلى تكوين حلقات وفجوات تُشبه تلك التي يرصدها العلماء اليوم في أنظمة نجمية شابة.
وتسبَّبت هذه الاضطرابات في نشوء «اختناقات كونية» منعت الجسيمات الصغيرة من الانجراف نحو الشمس، ودفعتها للتجمُّع في نطاقات كثيفة، إذ تراكمت وتحوَّلت إلى كتل صخرية أولية تُعرف بـ«الكواكب الجنينية».
مفاجأة
والمفاجأة، وفق الباحثين، أنّ هذه الكواكب الجنينية لم تكن أولى اللبنات التي تَشكّل منها النظام الشمسي، بل نشأت لاحقاً ضمن جيل ثانٍ من المواد، في الوقت نفسه تقريباً الذي تشكّلت فيه النيازك الحجرية المعروفة بـ«الكوندريتات». وتُعدّ هذه النيازك سجلاً زمنياً محفوظاً من فجر النظام الشمسي، إذ تحتوي على غبار بدائي وقطيرات منصهرة صغيرة تُعرف بـ«الكوندولات»، وتحتفظ بتركيبها الكيميائي الأصلي من دون أن تذوب أو تتمايز مثل النيازك الأخرى.
وقال الباحثون: «لم يكن المشتري مجرّد أكبر كوكب في نظامنا الشمسي، بل كان المهندس الذي رسم معمار النظام بأكمله. ولولاه، ربما لم تكن الأرض موجودة كما نعرفها اليوم».
وأضاف الفريق أن المشتري تصرّف مثل «درع واقية» و«منظّم فلكي» في آن واحد؛ فقد ساعدت جاذبيته الهائلة على حماية المنطقة الداخلية من النظام الشمسي، حيث تكوَّنت الأرض، من المذنبات والكويكبات الضخمة التي أمكن أن تدمّر الكواكب الناشئة. وفي الوقت نفسه، عمل على جذب المواد الغنية بالمعادن من المناطق الخارجية، مما أسهم في تزويد الأرض بالعناصر الضرورية لتشكيل نواتها الصلبة وتهيئة ظروف ملائمة لظهور الحياة لاحقاً.
وتشير النتائج إلى أنّ موقع المشتري وحركته خلال المراحل الأولى من تطوّر النظام الشمسي كانا عاملَيْن حاسمَيْن في استقرار المدارات الكوكبية، مما سمح للأرض بأن تتكوَّن في موقع معتدل يوفّر توازناً مثالياً بين الحرارة والطاقة الشمسية والمياه، وهو التوازن الذي جعلها الكوكب الوحيد المعروف القادر على احتضان الحياة.

