قالت الفنانة الأسترالية كيت بلانشيت إن أزمة اللاجئين أصبحت من أكثر القضايا إلحاحاً في العالم، بعدما تحولت من ظاهرة محدودة إلى واقع يعيشه ملايين البشر الذين فقدوا أوطانهم ويبحثون عن الأمان، مؤكدة أن العالم اليوم يعيش حالة من الخوف والاضطراب، وأن اللاجئين ليسوا مجرد أرقام، بل بشر لهم قصص وتجارب تستحق الإصغاء، وهؤلاء الأشخاص يفتقدون إلى المساندة في ظل تراجع الدعم الدولي وتزايد حجم الأزمات الإنسانية.
وخلال الجلسة الحوارية التي نظمها مهرجان «الجونة السينمائي»، الأحد، وأدارتها الإعلامية ريا أبي راشد، أكدت الممثلة الأسترالية أنها تعمل منذ ثماني سنوات مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وخلال هذه الفترة تابعت عن قرب حجم المعاناة اليومية التي يعيشها النازحون حول العالم. وترى أن من واجب المجتمع الدولي تقديم الدعم النفسي والمادي لهؤلاء الذين اضطروا إلى مغادرة أوطانهم بسبب الحروب أو التغير المناخي أو الأزمات الاقتصادية.

وأكدت أن الاهتمام بقضاياهم لا يجب أن يقتصر على المساعدات المادية فحسب، بل يمتد إلى احتوائهم إنسانياً ومنحهم الشعور بالكرامة والانتماء.
ووصلت كيت بلانشيت إلى الجونة من أجل حضور العرض الأول لفيلمها «أب أم أخ أخت»، مساء (السبت)، مع حصولها على جائزة «بطلة الإنسانية» قبل أن تشارك في الجلسة الحوارية التي استمرت على مدار ساعة.
وتحدثت بلانشيت عن بدايات انخراطها في العمل الإنساني، موضحة أن التجربة الأسترالية بما تحمله من تنوع ثقافي كانت أحد الأسباب التي دفعتها إلى الاهتمام بقضايا اللاجئين. فالمجتمع الأسترالي عرف منذ عقود موجات متتالية من المهاجرين، وكان في بعض الفترات أكثر انفتاحاً وتسامحاً تجاه الغرباء، لكن السياسات الحديثة اتخذت منحى أكثر قسوة؛ إذ تم منع قوارب اللاجئين الباحثين عن حياة جديدة من الاقتراب من الشواطئ الأسترالية، وهو ما تعتبره تصرفاً غير إنساني يتنافى مع قيم العدالة والرحمة.
وأكدت أن الفن قادر على المساهمة في تغيير نظرة العالم إلى هذه القضايا، معتبرة أن السينما ليست فقط وسيلة للترفيه أو عرض القصص الخيالية، بل هي أداة للتأمل والتأثير وتوسيع دائرة الوعي الإنساني، لافتة إلى أن الممثل لا يؤدي دوراً ترفيهياً فحسب، بل يتحمل مسؤولية أخلاقية في التعبير عن التجربة الإنسانية بمختلف أبعادها، وأن الفنانين يمكن أن يكونوا جسراً للتواصل بين الشعوب عبر القصص التي يقدمونها على الشاشة.
واستشهدت بتجربتها الدرامية في المسلسل التلفزيوني «بلا دولة» الذي تناول أوضاع اللاجئين في أستراليا، حيث جسدت من خلاله مأساة امرأة بلا هوية ولا مستندات تتعرض للنبذ والمعاملة القاسية على شواطئ بلد يُفترض أنه متحضر، مبينة أن العمل الفني كان بمثابة محاولة لتجسيد الواقع ونقل صوت من لا صوت لهم.
وتوقفت بلانشيت عند التحديات التي تواجه مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وأكدت أن نقص التمويل يمثل إحدى أكبر العقبات أمام استمرار برامج المساعدة. وضربت مثالاً باللاجئين السودانيين الذين كانوا يعيشون حياة مستقرة قبل أن تفرض عليهم الحرب واقعاً جديداً جعلهم يقيمون في العراء، متسائلة عما يمكن أن يحدث إذا توقفت المساعدات أو لم تعد كافية لتغطية احتياجاتهم، موضحة أن استمرار دعم الدول المجاورة لهم هو ما يتيح لهم فرصة البقاء.

كما تحدثت عن بعض تجاربها الميدانية، فذكرت أنها زارت عدداً من مخيمات اللاجئين في أكثر من دولة، واصطحبت أحد أبنائها إلى الأردن ليتعرف عن قرب على أوضاعهم، مؤكدة أن اللاجئين رغم فقرهم كانوا يتحلون بكرم بالغ وإنسانية صادقة، وأن إحدى الفتيات أهدتها عقداً صنعته بيديها كرمز للامتنان، وأن هذه اللفتة البسيطة تركت فيها أثراً عميقاً لأنها عكست روح الكرم رغم القسوة التي يعيشها هؤلاء الناس.
وشددت على أن العالم يمر بأزمة قيادة ومسؤولية، وأن بعض الساسة يتعاملون مع قضايا اللاجئين بطريقة انتهازية أو غير إنسانية، بينما يظل الجانب الأكبر من المجتمعات مؤمناً بالتعاطف والتكافل، مشيرة إلى أن الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في الأزمات السياسية، بل في غياب الإحساس بالآخر، الأمر الذي يتطلب ضرورة استعادة المشاعر الإنسانية والتعامل مع اللاجئين بوصفهم جزءاً من المجتمع العالمي لا عبئاً عليه.
وتحدثت عن أهمية دور السينما في نقل هذه التجارب إلى الجمهور، معتبرة أن الفن قادر على خلق مساحة للفهم والتعاطف تفوق تأثير الخطاب السياسي أو الإعلامي، مؤكدة أن تقديم قصص اللاجئين على الشاشة يساعد في كسر الصور النمطية عنهم؛ لأن لكل منهم قصة فريدة، تحمل بين طياتها مزيجاً من الألم والأمل، والخسارة والإصرار على الحياة.

وأعلنت بلانشيت عن دعمها لصندوق خاص باللاجئين والنازحين أُطلق قبل عامين، ويشارك فيه عدد كبير من الفنانين حول العالم، مؤكدة أن الهدف من هذا الصندوق هو توسيع نطاق الوعي بالقضية وتوفير الموارد لمشروعات الدعم الميداني، مشيدة بموقف مصر، ولعبها «دوراً رائعاً ومتميزاً في قضية اللاجئين من خلال موقفها الإنساني تجاه استضافة أعداد كبيرة من السودانيين الفارين من الحرب، وبما تبذله الدولة المصرية من جهود لدعم قضايا السلام في المنطقة».
وأشارت إلى أن «الأفلام ليست مطالبة بالحديث المباشر عن اللجوء، بل يمكنها تناول موضوعات المرأة والطفولة والتجارب الإنسانية المختلفة؛ لأن كل هذه الجوانب تتقاطع في النهاية مع فكرة الاغتراب والبحث عن الأمان، مؤكدة أن «التمثيل والعمل الإنساني بالنسبة إليها وجهان لعملة واحدة، لأن كليهما يقوم على الفهم والتعاطف مع البشر».


