ودّع الوسط الفني المصري المُخرج والناقد والمؤرخ المسرحي عمرو دوارة، الذي لقّبه نقاد بـ«حارس الذاكرة المسرحية»؛ لما قام به من تأريخ للمسرح المصري عبر عدة كتب وموسوعات سجلت مَسيرة المسرح المصري.
ورحل دوارة، صباح الخميس، عن عمر يناهز 71 عاماً بعد صراع مع المرض، وقد نعاه وزير الثقافة الدكتور أحمد فؤاد هنو مؤكداً أن الراحل قدَّم مسيرة حافلة بالعطاء أثرى خلالها الساحة الفنية والثقافية بجهوده وإسهاماته في الإخراج والنقد والتوثيق للمسرح المصري ورواده، واصفاً إياه بأنه «كان نموذجاً للمثقف المخلص لفنّه ووطنه»، وأن «المشهد الثقافي فقَدَ قامة نقدية وبحثية كبيرة تركت بصمة واضحة في تاريخ المسرح المصري».
كما نعاه عدد كبير من المسرحيين، ومن بينهم المخرج خالد جلال، رئيس قطاع المسرح، مؤكداً أنه ترك إرثاً فنياً عظيماً، مشيراً إلى أنه قدم أعمالاً متميزة على مسرح الدولة، وأسهم بإخلاص في مساندة الموهوبين، لافتاً إلى أن دوارة أخرج نحو 65 عرضاً، نِصفها بفِرق مسرح الدولة، أما النصف الثاني فقدّمه مع فِرق الهواة، وأنه أيضاً كان ناقداً متميزاً كتب آلاف المقالات في المسرح المصري والعربي.
ونعاه أيضاً عدد كبير من فناني المسرح ونقاده، عبر مواقع «السوشيال ميديا»، وكتب الناقد محمد الروبي، عبر حسابه على «فيسبوك»، أن «عمرو دوارة لم يكن مجرد مؤرخ يوثّق، ولا مُخرج يقدم عرضاً ثم ينصرف، بل كان ذاكرة تمشي على قدمين تؤمن بأن الفن إذا لم يُكتب ويُحفظ فإنه عابر كالحلم في ليلة طويلة»، موضحاً أن «دوارة كان يحكي سيرة المسرح المصري، وكأنه يروي سيرة وطن بأكمله، وبوداعه نُدرك أن جزءاً من ذاكرة هذا البلد يغلق صفحته الأخيرة».

حصل الراحل عمرو دوارة على بكالوريوس الهندسة، قبل التحاقه بمعهد النقد الفني، وهو نجل شيخ النقاد المسرحيين فؤاد دوارة، وقد سار على دربه، عاشقاً للمسرح ومُخلصاً له، وأخرج عروضاً عدة؛ من بينها «ابن البلد» 1987، «الحالمةً 1998، «الحواجز» 1998، «وهج العشق» 2009، «خداع البصر» 2001، «المحروسة» 2015، وغيرها.
وحاز دوارة جائزة الدولة للتفوق في عام 2022 عن أعماله في مجال المسرح، وأثرى الناقد عمرو دوارة المسرح المصري بإصدرات عدة بلغت 35 كتاباً، ففي مجال التوثيق أصدر عدة كتب تناولت مسيرة كبار المسرحيين، على غرار كرم مطاوع، وجلال الشرقاوي، والدكتور كمال عيد، ومحمود الألفي، وأمينة رزق، وسميحة أيوب، وعبد الله غيث، كما أصدر 3 موسوعات مسرحية هي «موسوعة المسرح المصري المصورة»، وتتكون من 12 جزءاً تستعرض تاريخ المسرح المصري، و«فرسان المسرح»، و«سيدات المسرح المصري» التي حَوَت أسماء 1500 فنانة مسرحية منذ البدايات الأولى للمسرح، كما أسس عدة فرق مسرحية، من بينها «مجانين المسرح»، و«المسرح الارتجالي»، و«فرسان المسرح»، وترأس عدة مهرجانات، منها «مهرجان المونودراما»، و«مهرجان المسرح العربي» الذي أسسه وتولّى رئاسته على مدى 15 عاماً.
ووصفت الناقدة الدكتورة سامية حبيب، الأستاذة بمعهد النقد الفني، رحيل عمرو دوارة بأنه خسارة كبيرة، قائلة، في تصريحات، لـ«الشرق الأوسط»، إنه كان فناناً مسرحياً متعدد الأدوار، ما بين النقد والتأريخ والإخراج المسرحي وإقامة المهرجانات، فهو أول من أقام مهرجاناً للهواة، وأنه على مدى نحو 40 عاماً حقق دوراً بارزاً وواعياً للغاية، منذ درس بمعهد النقد الفني وحصل على درجة الدكتوراه عن «الإخراج في مسرح الهواة»، الذي وثّق فيها تجارب الهواة، وأنشأ جمعية «هواة المسرح»، وكان داعماً لآلاف من المواهب الشابة.

وتشير حبيب إلى كتابه المهم عن المسرح القومي، الذي ضمّنه صوراً ووثائق وسِيراً لعظماء في تاريخ المسرح منذ زكي طليمات ويوسف وهبي وفتوح نشاطي، وجهده الفذ في «موسوعة المسرح المصري»، عبر توثيق العروض والنصوص والشخصيات المسرحية.
وتلفت إلى أحدث إصداراته التي طلب منها أن تكتب لها مقدمة، وهو كتاب عن فِرق القطاع الخاص المسرحية في مصر منذ بدايات الحركة المسرحية، موثَّق بالصور والوقائع، معبّرة عن شعورها بالأسى لأنه سيَصدر بعد رحيله، مؤكدة أن «دوارة عمل مخلصاً ولم يتربح من أعماله، ولم يفز بجوائز كبرى، ولم يبتغِ غير تسجيل وتوثيق تاريخ المسرح المصري».

