دعوى قضائية تعيد الجدل بشأن الحفلات «الصاخبة» في منطقة الأهرامات

طالبت بإلغائها... وحذرت من «خلخلة» البناء الحجري بسبب «الترددات المرتفعة»

حفل في منطقة الأهرامات (الشرق الأوسط)
حفل في منطقة الأهرامات (الشرق الأوسط)
TT

دعوى قضائية تعيد الجدل بشأن الحفلات «الصاخبة» في منطقة الأهرامات

حفل في منطقة الأهرامات (الشرق الأوسط)
حفل في منطقة الأهرامات (الشرق الأوسط)

تجدد الجدل في مصر بشأن إقامة الحفلات الفنية الصاخبة بمنطقة أهرامات الجيزة، على خلفية دعوة قضائية طالبت السلطات بإلغائها، محذرة من تأثيرها السلبي على الآثار، و«خلخلة» البناء الحجري بسبب «الترددات المرتفعة» لمكبرات الصوت.

وأقام «المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية» (مؤسسة مدنية) دعوى قضائية، الأربعاء، أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة المصري حملت رقم «1958 لسنة 80 قضائية»، طالب فيها بوقف تنفيذ وإلغاء القرار السلبي بالامتناع عن اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لحماية منطقة أهرامات الجيزة والحرم الأثري، وتفعيل الدور الرقابي والإشرافي للجهات المختصة في مواجهة ما يجري من أنشطة وفعاليات مخالفة داخل نطاق المنطقة، مع ما يترتب على ذلك من آثارٍ أخصها وقف تنظيم احتفالات ليلية صاخبة بالحرم الأثري للمنطقة باستخدام معدات صوت تُنتج ذبذبات بترددات قد تُحدث «خلخلة» في البناء الحجري القديم، وأضواء اصطناعية ليزرية غير متوافقة مع الاشتراطات الدولية لأساليب الإضاءة في المواقع الأثرية.

وتصاعدت خلال الفترة الماضية حدة الانتقادات الموجهة إلى منظمي الحفلات الفنية في منطقة الأهرامات بمصر، وحذر أثريون من تأثيرها الضار على الآثار بسبب «مكبرات الصوت» ذات الترددات المرتفعة، وأجهزة الليزر، فضلاً عن انتهاك قدسية الأثر، وترك مخلفات الحفلات حتى الصباح.

جانب من مخلفات الحفلات (حساب المرشدة السياحية هدى راضي على «فيسبوك»)

ويرى الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للآثار الدكتور محمد عبد المقصود، أنه «يجب إلغاء إقامة الحفلات الفنية بمنطقة الأهرامات وأي مكان أثري»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الحفلات الفنية في الأهرامات تشوّه الأثر وتنال من قدسيته وتؤثر سلباً على عمره، بسبب استخدام أجهزة تحدث ضوضاء وإضاءة لها تأثير ضار». وبحسب عبد المقصود، فإنه «يجب إعادة النظر في شروط إقامة هذه الحفلات، لكي تكون بعيدة عن الأثر بما يمنع أي تأثيرات سلبية».

وبدأت مصر في أبريل (نيسان) الماضي التشغيل التجريبي لمشروع تطوير منطقة الخدمات بالأهرامات، والذي تنفذه إحدى الشركات الخاصة، ويهدف إلى تحويلها إلى منطقة صديقة للبيئة، بتوفير حافلات كهربائية لنقل السياح من البوابة الجديدة على طريق الفيوم إلى محطات الزيارة المختلفة بالمجان.

أهرامات الجيزة (الصفحة الرسمية لوزارة السياحة والآثار المصرية على «فيسبوك»)

وطالبت الدعوى القضائية المحكمة بإصدار حكم عاجل بوقف تنظيم الحفلات والفعاليات داخل حرم المنطقة الأثرية، وإلزام الجهة الإدارية باتخاذ إجراءات فورية لتأمين الموقع الأثري وإعادة تأهيله بما يتوافق مع المعايير الدولية، مع مراجعة العقود المبرمة مع الشركات الخاصة لضمان الشفافية وصون المال العام.

وقال «المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية» في بيان صحافي، إن «الدعوى أقيمت ضد كل من وزير السياحة والآثار، والأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، ومحافظ الجيزة، بصفاتهم»، مؤكداً أن «الجهة الإدارية امتنعت عن أداء واجبها في حماية الأثر رغم علمها بما تشهده المنطقة من احتفالات ليلية تُقام داخل الحرم الأثري، بما يشكّل خطراً جسيماً على سلامة الأهرامات ومحيطها التاريخي، وانتهاكاً لمبدأ المشروعية وواجب الدولة في صيانة المال العام والتراث القومي».

ويرى الخبير السياحي الدكتور زين الشيخ، أن إقامة الحفلات الغنائية بالمناطق الأثرية خصوصاً الأهرامات تحتاج إلى تقنين، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الآثار لها قدسية، وإقامة الحفلات الغنائية الصاخبة أمر غير مبرر، ويسيء إلى مصر، ويجب أن تقام هذه الحفلات على مسافة بعيدة من الأثر كي لا يكون لها تأثير سلبي، كما يجب وضع ضوابط تضمن عدم وجود أي تجاوزات بهذه الحفلات تعطي صورة سلبية عن مصر».

ويواجه السماح بإقامة الحفلات ومراسم الزواج في المناطق الأثرية والمتاحف في مصر انتقادات متتالية على الرغم من التأكيدات الرسمية بأن الأمر يتم وفق ضوابط. وفي مايو (أيار) 2016، حدد المجلس الأعلى للآثار عدداً من الضوابط لإقامة الاحتفالات والأنشطة بالمتاحف والمواقع الأثرية، منها: «ألا يترتب على هذه الأنشطة أي تعديلات أو إضافات على المبنى الأثري، وألا تكون التجهيزات الخاصة بالنشاط مشوِّهة للمبنى الأثري وعناصره الفنية، ولا يترتب على إدخالها أي أخطار محتملة، وأخذ جميع التعهدات اللازمة من مقيمي الأنشطة والفعاليات للحفاظ على المبنى أو الموقع الأثري».

وحذرت الدعوى القضائية من أن «استمرار هذه الممارسات يضر بسمعة السياحة المصرية ويعطي انطباعاً سلبياً عن التزام الدولة بالمعايير الدولية لإدارة مواقع التراث».

وبجانب الحفلات الغنائية، شهدت منطقة الأهرامات إقامة عدد من حفلات الزفاف، أبرزها حفل زفاف الملياردير الهندي أنكور جاين وزوجته إريكا هاموند. وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي شهدت المنطقة حفل زفاف ابنة رجل الأعمال السوري باسل ساقية، صاحب إحدى شركات الملابس الشهيرة في مصر.


مقالات ذات صلة

إخلاء مقبرة السلحدار يُعيد الجدل حول مصير تراث الجبانات في مصر

يوميات الشرق مدفن الوزير أحد أبرز الشواهد المهدَّدة (الباحث إبراهيم طايع)

إخلاء مقبرة السلحدار يُعيد الجدل حول مصير تراث الجبانات في مصر

أدّى جمع متعلقات الحوش من ورثة السلحدار إلى حالة من الدهشة لدى قطاع من الباحثين والمهتمّين بتراث الجبانات.

حمدي عابدين (القاهرة)
يوميات الشرق شاهد على عبور البشر لمياه بعيدة (وحدة الآثار في كامبريدج)

زوارق تُعيد كتابة فصول مفقودة من عصر ما قبل التاريخ

بعد أكثر من 3 آلاف عام أمضتها مطمورةً في الطمي، خرجت 3 زوارق نادرة من العهدَيْن البرونزي والحديدي إلى الضوء.

«الشرق الأوسط» (لندن)
ثقافة وفنون 3 قطع منقوشة على صدف من عِرق اللؤلؤ مصدرها موقع مليحة في إمارة الشارقة

نقوش تصويرية منمنمة من موقع مليحة بالشارقة

نشأت مستوطنة مليحة في القرن الثالث قبل الميلاد، وازدهرت على مدى 6 قرون من الزمن.

محمود الزيباوي
يوميات الشرق دير سانت كاترين بجنوب سيناء (الهيئة العامة للاستعلامات المصرية)

مصر لتوثيق التراث الثقافي غير المادي بسيناء

ضمن خطة أطلس المأثورات الشعبية، بالهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية لتوثيق عناصر التراث الثقافي غير المادي، أوفدت الهيئة بعثة ميدانية إلى محافظة شمال سيناء.

محمد الكفراوي (القاهرة )
ثقافة وفنون زاهي حواس (صفحته على «فيسبوك»)

زاهي حواس: الإعلان عن كشف أثري كبير داخل هرم خوفو العام المقبل

كشف عالم المصريات الدكتور زاهي حواس، إن مصر ستعلن العام المقبل عن كشف أثري كبير داخل هرم خوفو العام المقبل.

«الشرق الأوسط» (الشارقة)

طفل تونسي يخطف الأنظار في «القاهرة السينمائي» عبر «الجولة 13»

الطفل هادي بطل الفيلم التونسي (إدارة المهرجان)
الطفل هادي بطل الفيلم التونسي (إدارة المهرجان)
TT

طفل تونسي يخطف الأنظار في «القاهرة السينمائي» عبر «الجولة 13»

الطفل هادي بطل الفيلم التونسي (إدارة المهرجان)
الطفل هادي بطل الفيلم التونسي (إدارة المهرجان)

خطف الطفل التونسي هادي بن جابورية، بطل فيلم «الجولة 13»، الأنظار في «مهرجان القاهرة السينمائي» عقب عرض الفيلم، بفضل موهبته وحضوره الواثق في العمل الذي يجسّد من خلاله شخصية طفل يصارع مرض السرطان.

ويشارك الفيلم في مسابقة «آفاق السينما العربية» خلال الدورة الـ46 من المهرجان. وتدور أحداثه حول بطل الملاكمة التونسي «كمال» الذي يُنهي مسيرته الاحترافية، لكنه لا يُنهي تعلقه بهذه الرياضة، بل ينقل شغفه بها إلى ابنه الوحيد «صبري». ويستمد الفيلم عنوانه «الجولة 13» من عالم مباريات الملاكمة، غير أن مأساة تقع في حياة البطل، تشكّل إحدى أقسى هزائمه.

عُرض الفيلم مساء الاثنين بحضور نقاد وسينمائيين تونسيين وعرب، إضافة إلى طاقم العمل الذي يضم مخرجه محمد علي النهدي، ووالده الفنان التونسي الأمين النهدي الذي يشارك في مشهد واحد بالفيلم، والفنانة عفاف بن محمود، والطفل هادي. وقد أُنتج الفيلم بدعم من وزارة الثقافة التونسية، كما حاز دعم «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» و«الدوحة للأفلام» وقناة «ART».

وفي المشاهد الأولى للفيلم، يدرب الأب «كمال» طفله «صبري» على رياضة الملاكمة في المنزل، ويتابعان معاً المباريات. يتعلق الطفل بالرياضة، ويصبح حلمه أن يكون ملاكماً في المستقبل مثل والده.

الأب والابن في لقطة من الفيلم (إدارة المهرجان)

يخوض «صبري» مباراة في ساحة المدرسة مع أحد زملائه، فيتعرّض لإصابة في ذراعه. يحمله والداه إلى المستشفى، وبعد سلسلة من التحاليل والأشعة يفاجئهما الطبيب بتشخيص إصابة ابنهما بمرض السرطان. تهتزّ العائلة لهذا الخبر، ويتحوّل استقرارها إلى صراع قاسٍ مع مرض لا يرحم. ويتتبع الفيلم تفاصيل هذا الصراع بكل مآسيه، وما يمرّ به الطفل من أوجاع خلال مراحل العلاج، وانقطاعه عن المدرسة، وسقوط شعره، وتشبث الأسرة كلها بالأمل. إلا أنّ الأب يبدو الأقل تماسكاً والأكثر تأثراً وتشتتاً، فيعود إلى ممارسة الملاكمة ويقع في أزمات تنتهي بدخوله السجن.

وبعد فترة علاج شاقة، يصارح الطبيب الوالدين بخطورة حالة ابنهما، فتنقله الأم إلى المنزل ليعيش أيامه الأخيرة بين أفراد أسرته، في حين يحتفلون بعيد ميلاده التاسع وهو يصارع الموت.

ويقدم الطفل هادي حضوراً لافتاً في الفيلم، مستقطباً الأنظار إلى موهبته الفطرية ووجهه البريء وقدرته على تجسيد الشخصية بصدق، متنقلاً من لحظات السعادة الأولى إلى صدمة المرض، حيث تختفي ابتسامته وحيويته، وتبدو معاناته من الآلام المبرحة بوضوح مؤثر.

المخرج يتحدث خلال جلسة نقاشية عقب العرض (إدارة المهرجان)

وكشف المخرج محمد علي النهدي، خلال جلسة نقاشية أعقبت عرض الفيلم، أن اكتشاف هادي جاء بالصدفة، إذ اختير من بين 300 طفل ترشحوا لأداء الدور. وقال: «كنا نبحث عن منزل نصوّر فيه في أحد أحياء تونس، فالتقينا هادي بالصدفة، حيث توجه إلينا وسأل: هل ستصورون مسلسلاً؟ فأجبناه بأننا نصوّر فيلماً، فقال: أريد التمثيل معكم. وقد لفت نظري فوراً، فأجرينا له اختبارات أداء اكتشفت خلالها أنه طفل موهوب وذكي. وخلال التصوير أثبت إرادة لافتة، فكان ملتزماً بمواعيده، ويصل جاهزاً وقد حفظ دوره، ولا يملّ، خلافاً لمعظم الأطفال، من ساعات التصوير الطويلة».

من جانبها، أكدت الفنانة عفاف بن محمود أن هادي موهوب بالفطرة، وكان شديد الالتزام والأكثر جاهزية طوال فترة التصوير. وتحدث هادي مؤكداً رغبته في مواصلة عمله في التمثيل إلى جانب دراسته.

وأضافت عفاف أن السيناريو جذبها منذ القراءة الأولى، وأن شخصية الأم كانت صعبة لأنها تعتمد على المشاعر وتتضمن مشاهد صامتة. وأوضحت أنها اعتادت أن تمنح الشخصية التي تؤديها من قلبها وروحها حتى تصل بصدق إلى المشاهد.

طاقم الفيلم على «الرد كاربت» في مهرجان القاهرة (إدارة المهرجان)

ولفت المخرج إلى أنه قدّم فيلماً برؤية واقعية، رافضاً النظرة الغربية التي تتعمّد تصوير العنف والفقر المدقع في الأفلام العربية وفرض أسلوب سرد معيّن كي تنال الأعمال إعجابهم في المهرجانات الكبرى، رافضاً في الوقت نفسه انسياق بعض المخرجين خلف هذه التوجهات. وقال: «أرفض تشويه واقعنا وثقافتنا، وقدّمت عملاً أبطاله ينتمون إلى الطبقة الشعبية من دون أي مزايدة».

وأعرب الفنان التونسي الأمين النهدي عن سعادته بالفيلم، قائلاً: «أنا فخور بهذا الفيلم، ليس من باب الانحياز لنجلي مخرج العمل، بل لأنه بالفعل فيلم مختلف في إيقاعه عن معظم الأفلام التونسية».

وردّ المخرج قائلاً إن «والده الفنان الكبير هو المدرسة الأولى التي تعلّم فيها منذ طفولته، حيث تعرّف على السيناريو وقيمة العمل الفني وأهمية الثقافة، ورافقه إلى مواقع التصوير».

وعدّ الناقد خالد محمود الفيلم واحداً من الأعمال التونسية اللافتة في دورة العام الحالي من «مهرجان القاهرة السينمائي»، مشيراً إلى أنه يطرح قضية اجتماعية مهمة بصياغة فنية مميزة، وأنه يمثل تجربة واعدة لمخرجه في ثاني أفلامه الطويلة. وأوضح أن المخرج استطاع أن يجعل المتفرج شريكاً في قلب الأزمة خلال رحلة المعاناة التي تخوضها الأسرة مع مرض طفلها.

وأشار محمود إلى أنّ المخرج أدار الصراع في الفيلم على «نار هادئة»، مضيفاً في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن اختيار فريق التمثيل كان موفقاً، وأن منح الطفل الموهوب هذه الفرصة كان في محلّه نظراً لأدائه البارع وتجسيده المؤثر لشخصية طفل مصاب بالسرطان، متوقعاً أن ينافس الفيلم على الجوائز.


علي رضا خاتمي لـ«الشرق الأوسط»: تربيت على أدب نجيب محفوظ

صور الفيلم في مدن تركية عدة (الشركة المنتجة)
صور الفيلم في مدن تركية عدة (الشركة المنتجة)
TT

علي رضا خاتمي لـ«الشرق الأوسط»: تربيت على أدب نجيب محفوظ

صور الفيلم في مدن تركية عدة (الشركة المنتجة)
صور الفيلم في مدن تركية عدة (الشركة المنتجة)

قال المخرج الإيراني - الأميركي علي رضا خاتمي إن فيلمه الجديد «الأشياء التي تقتلها» يمثل تجربة شخصية جداً، انطلقت من ذاكرته الخاصة ومن علاقته المعقدة مع والده، موضحاً أن «فكرة الفيلم وُلدت من صراعاته العائلية ومن محاولته فهم معنى الذكورة والسلطة الأبوية في مجتمعات شرقية لا تزال تحمل ترسبات النظام الأبوي في كل تفاصيلها».

ويعرض فيلم «الأشياء التي تقتلها» للمرة الأولى ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان «القاهرة السينمائي الدولي» في دورته الـ46، وهو العرض الذي يقول عنه المخرج الإيراني - الأميركي إنه «يشعر بسعادة كبيرة لكونه تربى على قراءة روايات نجيب محفوظ وتأثر كثيراً بعالمه الأدبي وبطريقته في تحليل الإنسان والمجتمع»، مترقباً رد فعل الجمهور المصري على الفيلم.

ويقول خاتمي في حواره مع «الشرق الأوسط» إنه كان يعيش فترة عصيبة في حياته، فقرر أن يحول ما مر به رحلةً بصرية ونفسية على الشاشة، تساءل خلالها عن معنى الأبوة والهوية والانتقام والذات، مشيراً إلى «أنه حين بدأ كتابة الفيلم لم يكن يسعى إلى سرد حكاية عائلية فحسب، بل إلى تحويل تلك التجربة الفردية حكايةً إنسانية شاملة تمسّ كل إنسان يعيش تحت وطأة الماضي وميراث القسوة».

المخرج الإيراني علي خاتمي (الشرق الأوسط)

وووفق خاتمي، فإن إنجاز الفيلم احتاج إلى ما يقارب ثماني سنوات للتحضير، والتمويل، وإعادة الكتابة المستمرة، حيث كان يعيد صياغة السيناريو حتى اليوم الأخير من التصوير، مشيراً إلى أن «الفيلم تم إنتاجه بجهد مشترك بين كندا، وتركيا، وبولندا وفرنسا، وصُوّر بالكامل في تركيا بتمثيل تركي ولغة تركية».

وأكد أن ذلك الخيار لم يكن اعتباطاً، بل نابعاً من رغبته في تحييد العمل عن الجغرافيا الضيقة، بحيث تبدو قصته ممكنة في أي مكان بالعالم، في تركيا أو إيران أو حتى مصر أو الولايات المتحدة؛ لأن جوهرها إنساني يتجاوز الحدود والثقافات.

ويبدأ الفيلم الذي رشحته كندا لتمثيلها في «الأوسكار» بعبارة صادمة يقولها علي رضا خاتمي: «اقتل الضوء»، هذه الجملة المفتاحية تُدخل المشاهد إلى عالم يختلط فيه الواقع بالرمز، حيث يحكي الفيلم قصة «علي»، أستاذ جامعي في قسم الترجمة، يعيش في الولايات المتحدة ويعود إلى تركيا بعد مرض والدته ووفاتها، ليبدأ بالشك في تورّط والده في موتها. ينغمس في رحلة انتقام تقوده إلى التورط مع بستاني غامض يُدعى «رضا»، سرعان ما يتحول انعكاساً نفسياً لشخصيته.

وتتوالى الأحداث بين الحلم واليقظة، لتتكشف طبقات من القهر الموروث والعنف العائلي المكبوت، ويكتشف المشاهد أن الصراع الحقيقي ليس بين «علي» ووالده، بل بين «علي» وذاته، بين جانبه المتحضر والآخر الغريزي.

مخرج الفيلم، يؤكد أن العمل على هذا العمل كان تحدياً شاقاً على المستويين الفني والنفسي، فقد جاء اختيار الممثلين الأتراك بعد مقابلات دقيقة سألهم خلالها سؤالاً واحداً وصفه بـ«المفصلي»: هل فكرت يوماً في قتل والديك؟ مشيراً إلى أنه كان يبحث عن ممثلين يمتلكون الشجاعة لمواجهة هذا السؤال داخلياً؛ لأن الفيلم لا يتحدث عن القتل الواقعي، بل عن رغبة رمزية دفينة في التحرر من سلطة الآباء، وهي فكرة تحتاج إلى ممثلين يملكون حساسية خاصة وقدرة على التعبير بالكتمان لا بالصراخ.

وعلى الرغم من صعوبة تصوير الفيلم بميزانية محدودة، فإن الفريق نجح في إنجاز الفيلم خلال 27 يوماً فقط، متنقلاً بين مدن تركية عدة لبناء مدينة خيالية تشبه الواقع، لكنها لا تنتمي إليه. ويوضح خاتمي أن الصعوبة الكبرى كانت تكمن في الحفاظ على اتساق بصري يربط بين تلك الأمكنة المتعددة، خصوصاً أن القصة تدور في فضاء رمزي تتقاطع فيه الحقول والبيوت والحدائق وكأنها خريطة داخلية لعقل البطل. مؤكداً أنه «لا يتدخل في انفعالات الممثلين أثناء التصوير، بل يفضّل أن يوجههم نحو أهدافهم لا نحو مشاعرهم».

وبسبب اعتياده منذ بداياته العمل مع فرق من بيئات مختلفة، لم يجد خاتمي صعوبة في العمل مع طاقم متعدد الثقافات في فيلمه الجديد، عادَّاً أن «تنوع الخلفيات يمنح النص ثراءً أكبر، ويجعل التجربة أكثر انفتاحاً على العالم».

اختارت كندا الفيلم لتمثيلها في «الأوسكار» (الشركة المنتجة)

ولفت خاتمي إلى أنه «في أثناء الكتابة يتلقى ملاحظات من أشخاص من ثقافات مختلفة، ثم يحاول ترجمتها درامياً ليجعل القصة أكثر عمومية وأقل ارتباطاً ببلد أو سياق واحد»، مشدداً على أن هذا ما يجعل المشاهد في أي مكان يجد نفسه داخل الفيلم؛ لأن الصراعات العائلية والبحث عن الذات والانتقام من الماضي هي موضوعات إنسانية لا تخص ثقافة بعينها.

ورغم تصوير الفيلم خلال أقل من شهر فإن مونتاجه استغرق نحو خمسة أشهر، وكان بمثابة مرحلة اكتشاف جديدة للفيلم؛ لأن المعنى النهائي لا يتكشف إلا في غرفة المونتاج، مشيراً إلى أنه يحتفظ عادة بسيطرة كاملة على أعماله، بداية من السيناريو حتى الصورة الأخيرة؛ لأنه يؤمن بأن المخرج يجب أن يكون المؤلف البصري لفكرته.

وكشف خاتمي عن أنه يضع حالياً اللمسات الأولى على مشروعه الجديد، والذي سيكون أول أفلامه باللغة الإنجليزية، متمنياً أن يبدأ تصويره في كندا قريباً.

ولا يستبعد المخرج رغم ابتعاده الجغرافي عن إيران، العودة يوماً إليها لإخراج فيلم عنها إذا وجد القصة المناسبة، مؤكداً أن انتماءه الثقافي سيظل حاضراً في كل أعماله حتى وإن صوّرها في أماكن بعيدة؛ لأنه يحمل أجزاءً من روحه في كل بلد عاش فيه.


حلّ لغز «الخاتم الماسي» في الفضاء

الحلقة المضيئة التي تشبه الخاتم هي بقايا فقاعة كونية نشأت بفعل إشعاع ورياح نجم ضخم (جامعة كولن)
الحلقة المضيئة التي تشبه الخاتم هي بقايا فقاعة كونية نشأت بفعل إشعاع ورياح نجم ضخم (جامعة كولن)
TT

حلّ لغز «الخاتم الماسي» في الفضاء

الحلقة المضيئة التي تشبه الخاتم هي بقايا فقاعة كونية نشأت بفعل إشعاع ورياح نجم ضخم (جامعة كولن)
الحلقة المضيئة التي تشبه الخاتم هي بقايا فقاعة كونية نشأت بفعل إشعاع ورياح نجم ضخم (جامعة كولن)

تمكّن فريق دولي بقيادة باحثين من جامعة كولن الألمانية من كشف سر ظاهرة فلكية فريدة تُعرف باسم «الخاتم الماسي» في منطقة تكوّن النجوم المعروفة باسم «سيغنوس X»، الواقعة على بُعد نحو 4500 سنة ضوئية في كوكبة الدجاجة.

وأوضح الباحثون أن هذا الهيكل الغازي العملاق يظهر على شكل حلقة مضيئة تشبه خاتماً يحتوي على «ماسة»، وهو ما أثار فضول العلماء لسنوات، ونُشرت النتائج، الاثنين، بدورية «Astronomy and Astrophysics».

وتعد منطقة تشكّل النجوم «سيغنوس X» واحدة من أكبر وأهم مناطق تكوّن النجوم في مجرة درب التبانة. وتشتهر هذه المنطقة بوفرة الغازات والغبار الكوني، ما يجعلها بيئة خصبة لتكوّن النجوم الجديدة والعناقيد النجمية.

كما تحتوي على عدد من النجوم الضخمة والشابة التي تؤثر في بيئتها المحيطة من خلال إشعاعها ورياحها النجمية، مسببة تكوّن فقاعات غازية وهياكل فلكية مذهلة.

وأكّد الفريق أن الحلقة المضيئة التي تشبه الخاتم، التي يبلغ قطرها نحو 20 سنة ضوئية، تتوهج بشدة في الأشعة تحت الحمراء، وهي بقايا فقاعة كونية نشأت بفعل إشعاع ورياح نجم ضخم يُقدّر حجمه بـ16 ضعف كتلة الشمس. وعلى عكس الفقاعات النجمية الأخرى، لم تتوسع هذه الحلقة بشكل كروي سريع، بل توسعت ببطء شديد وبشكل مسطح.

وأشار الباحثون إلى أن الفقاعة «انفجرت» عندما تسربت الغازات عبر مناطق أقل كثافة، لتبقى الحلقة المسطحة التي نراها اليوم.

وأظهرت المحاكاة الحاسوبية أن الفقاعة توسعت أولاً في جميع الاتجاهات، ثم تسربت عمودياً على مستوى السحابة، لتبقى على شكل «الخاتم الماسي» الحالي، ويُقدّر عمر هذه البنية الكونية بنحو 400 ألف عام، وهو صغير جداً مقارنة بعمر النجوم الضخمة.

دور النجوم الفتية

ولرصد تلك الحلقة، استعان الفريق بمرصد صوفيا الطائر (SOFIA)، وهو طائرة «بوينغ» معدلة تطير على ارتفاع يزيد على 13 كيلومتراً، لرصد الأطوال الموجية من الضوء غير القابل للرصد من الأرض وقياس حركة الغاز بدقة. وأظهرت النتائج أن الحلقة تتوسع بسرعة نحو 1.3 كيلومتر في الثانية (نحو 4700 كم/ساعة)، وهي سرعة بطيئة نسبياً مقارنة بالفقاعات النجمية المشابهة.

ووفق الباحثين، فإن النتائج تقدّم دليلاً مهماً على الدور الهائل الذي تلعبه النجوم الفتية الضخمة في تشكيل بيئاتها، والتأثير على تكوّن أجيال جديدة من النجوم داخل درب التبانة.

وقالت الدكتورة نيكولا شنايدر، المشاركة في الدراسة من جامعة كولن: «إن الخاتم الماسي مثال واضح على حجم تأثير نجم واحد في تشكيل سحب غازية هائلة».

لكنها أضافت عبر موقع الجامعة، أن الدراسة كشفت أيضاً حقيقة قد تُحبط محبّي الرومانسية الفلكية، إذ إن «الماسة» التي تظهر وسط الحلقة، وهي مجموعة من النجوم الفتية، ليست جزءاً من الخاتم كما يبدو من الأرض، بل تقع على بُعد مئات السنين الضوئية أمامه، وما يظهر من الأرض مجرد التقاء خط النظر فقط.