سناء الشعلان أول عربية مُرشَّحة لجائزة دولية في «أدب الخيال العلمي»

القائمة القصيرة تضمّ 27 قصة من 2400 عمل حول العالم

روايات سناء شعلان تُنقّب في أسئلة الهوية والحبّ والمستقبل (حسابها الشخصي)
روايات سناء شعلان تُنقّب في أسئلة الهوية والحبّ والمستقبل (حسابها الشخصي)
TT

سناء الشعلان أول عربية مُرشَّحة لجائزة دولية في «أدب الخيال العلمي»

روايات سناء شعلان تُنقّب في أسئلة الهوية والحبّ والمستقبل (حسابها الشخصي)
روايات سناء شعلان تُنقّب في أسئلة الهوية والحبّ والمستقبل (حسابها الشخصي)

اختتمت مسابقة «تاريخ المستقبل»، التي نظّمتها «مؤسّسة ترويج المبادرات العلمية والتعليمية (آتوم)»، مرحلتها الأولى بإعلان القائمة القصيرة من الأعمال المرشَّحة للفوز بـ«جائزة أدب الخيال العلمي».

وضمَّت القائمة 27 قصة قصيرة متميّزة اختيرت من بين أكثر من 2400 عمل أدبي لكتّاب من مختلف أنحاء العالم. وعكس التنوُّع الجغرافي الواسع، وفق المنظّمين، الطابع الدولي للجائزة والاهتمام العالمي المتنامي بـ«أدب الخيال العلمي». وشارك مؤلّفون من روسيا، وأفريقيا، وآسيا، وأميركا الجنوبية، والصين، وأوروبا، في المرحلة الأوسع من المسابقة. وتناولت القصص المُشاركة موضوعاً موحَّداً هو «البحث عن مستقبل متفائل وبنائه»، إذ تُسخَّر التكنولوجيا لخدمة الإنسان، وتُعينه على تجاوز التحدّيات العالمية، وتُبرز أفضل ما في الروح البشرية.

رواية تعكس رؤيتها الإنسانية في المزج بين الواقع والحلم (الغلاف الرسمي)

وحقَّقت الكاتبة الأردنية سناء شعلان حضوراً متميّزاً بقصتها: «أخيراً... سماء صافية وزرقاء» التي تنافس في القائمة القصيرة على الجائزة. وقال رئيس لجنة التحكيم، كاتب الخيال العلمي الروسي المعروف آندريه غيلاسيموف: «كانت مهمّتنا صعبة جداً؛ إذ كان علينا اختيار بضع عشرات فقط من القصص من بين المجموعة الهائلة من الأعمال الموهوبة والأصلية. أُعجبنا ليس فقط بعدد الأعمال، وإنما أيضاً بجودتها العالية. قدَّم كتّاب من جميع أنحاء العالم رؤاهم الفريدة، وغالباً ما كانت غير متوقَّعة، وحيّة ومُفعمة بالأمل تجاه المستقبل. تُقدّم هذه القصص منظوراً فريداً بشأن كيفية تسخير البشرية إمكاناتها الإبداعية».

ورأى المسؤول في مؤسّسة «روساتوم» راعية الجائزة، آندريه تيمونوف، أنّ «(الخيال العلمي) لم يعد مجرّد نوعٍ أدبي، وإنما أصبح جسراً بين الأفكار الجريئة والتقنيات الواقعية. تعكس السرديات التي قدَّمها المؤلّفون الاتجاهات الرئيسية في العلوم الحديثة، مثل التنمية المستدامة، والطاقة الخضراء، والذكاء الاصطناعي، واستكشاف الفضاء». وأكد أنّ دعم هذه الجائزة يُعدّ «استثماراً في المستقبل، وإلهاماً للجيل المقبل من العلماء والمهندسين والحالمين الذين سيبنون عالم الغد».

الملصق الترويجي الرسمي للمسابقة (عن موقع روساتوم)

وتضمّ لجنة التحكيم في المرحلة التالية للتصويت مجموعة من الشخصيات الأدبية والعلمية المرموقة، يُنتظر أن تتولّى اختيار الفائزين في 3 فئات رئيسية: «أفضل قصة قصيرة»، و«أفضل قصة للأطفال والشباب»، و«أفضل قصة بلغة أجنبية».

ومن المقرَّر أن يُتوَّج الفائز بالمسابقة الأوسع من نوعها في مسابقات «أدب الخيال العلمي» الشهر المقبل في «متحف الذرّة» بموسكو.

وقالت الشعلان لـ«الشرق الأوسط» إنّ مشاركتها في هذه الدورة من «جائزة تاريخ المستقبل» بمخطوطتها «أخيراً... سماء صافية وزرقاء» عكست رغبتها في «خوض تجربة راقية، وموضوعها تحفيزيّ وإيجابيّ، فضلاً عن أنه يواكب روح العصر، ويأخذ أمر العلم والمستقبل على محمل الجدّ. وراقني جداً أنني وجدتُ هذه المسابقة ذات بُعد إنساني كوني؛ إذ هي مفتوحة لأيّ مبدع راغب في المشاركة فيها».

ووفق الكاتبة الحاصلة على عشرات الجوائز الأدبية المرموقة محلّياً وعربياً ودولياً، فإنّ القصة المُشاركة في المنافسة «ذات صبغة تفاؤلية قائمة على الاستشراف المستقبليّ للإنسان والعلم والحضارة من منطلق قائم على معطيات العلم ومُقدّراته وتوقّعاته، بعيداً عن الشطحات الفانتازية غير المُرتكزة على العلم وتوقّعاته في ضوء الحاضر والمستقبل وتشوّفاته».

ورأت صاحبة رواية «أعشقني»، التي تدخل أيضاً في إطار «أدب الخيال العلمي»، أنّ هذا المجال الإبداعي «لا يزال متعثّراً في المنطقة العربية بالمقارنة مع التجارب العالمية التي رسمت خطوط هذا الجنس الأدبي وتفوّقت فيه، وأرست قواعده، وأنتجت في موضوعه كثيراً من كلاسيكيات الأدب والسينما وأفلام الكرتون، التي صنعت تاريخاً وبصمةً واتجاهاً، وألهمت الإنسانية وخيالاتها وأحلامها».

رواية «أعشقني» تُعدّ من أبرز أعمال سناء شعلان (الغلاف الرسمي)

وأضافت أنّ كثيراً من الروايات العالمية وأفلام الخيال العلمي كانت جزءاً من رسم خريطة المستقبل انطلاقاً من معطيات العلم؛ إذ «لا يمكن لفنان أو مبدعٍ أن يشارك في معمار الخيال العلمي إن لم يكن على اطّلاع وثيق على منجزات العلم واكتشافاته، مهما كان يملك من مخيالٍ جبّار رحب».

وفي هذا السياق، قالت الشعلان، التي تضمّ مكتبة إنتاجها الأدبي نحو 90 عملاً متنوّعاً، بين مجموعات قصصية وروايات طويلة وأعمال مسرحية وقراءات نقدية، إن «ثمة كثيراً من الأعمال السردية والبصرية والسينمائية التي سبقت التقدُّم العلميّ والاختراعات والاكتشافات بخطوة أو بخطوات، وفي كثيرٍ من الأحيان كانت حافزاً للعلم والعلماء في كثير من الاكتشافات والاختراعات، كما كانت مُلهمة لهم في هذا الشأن».

ولفتت إلى أنّ «مبدعي (أدب الخيال العلمي) ليسوا مجرّد حالمين متخيّلين، بل كتّاب مطّلعون على منجزات العلم وإرهاصاته المستقبلية، ومن المهم التمييز بين الفانتازيا والخيال العلمي، فهما مساران مختلفان تماماً».


مقالات ذات صلة

بوزن سيارة... مهندس يفوز بجائزة «اليقطينة العملاقة» في كاليفورنيا

يوميات الشرق داوسون يحتفل مع طفليه فوق اليقطين العملاق (أ.ب)

بوزن سيارة... مهندس يفوز بجائزة «اليقطينة العملاقة» في كاليفورنيا

فاز مهندس من هواة البستنة بالجائزة الأولى في مسابقة سنوية لوزن اليقطين في شمال كاليفورنيا، بعدما زرع يقطيناً عملاقاً بلغ وزنه 2346 رطلاً.

«الشرق الأوسط» (سان فرانسيسكو)
المشرق العربي الصحافية الفلسطينية مريم أبو دقة تحاول ترفع هاتفها الجوال لالتقاط إشارة (إندبندنت عربية)

فوز مريم أبو دقة بجائزة «بطل حرية الصحافة العالمية»

أعلن المعهد الدولي للصحافة منح مراسلة «إندبندنت عربية» في غزة، الراحلة مريم أبو دقة، وسام «بطل حرية الصحافة العالمية» تكريماً لشجاعتها.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الطرافة تتحوّل إلى علم والجائزة إلى ضحكة (أ.ب)

سحالٍ تأكل البيتزا وأظافر تُرصَد 35 عاماً... «إيغ نوبل» تحتفي بغرائب العِلم

تحتفي جوائز «إيغ نوبل» الساخرة، التي مُنحت، الخميس، للمرّة الـ35، بالبحوث التي «تدفع الناس للضحك ثم التفكير».

«الشرق الأوسط» (بوسطن)
يوميات الشرق سوق القيسارية (الشرق الأوسط) play-circle 01:56

«إسنا» المصرية تقتفي أثر الأجداد في حُلّة عصرية

إسنا بمثابة متحف مفتوح لما تحتويه من منازل تراثية تفوح بعبق التاريخ، بجانب الحرف العتيقة على غرار معصرة بكور للزيوت التي يعود تاريخ إنشائها إلى نحو 200 عام...

عبد الفتاح فرج (إسنا (مصر))
يوميات الشرق مدينة إسنا المصرية تتوَّج بجائزة آغا خان (إدارة جائزة آغا خان للعمارة)

مصر وفلسطين تفوزان بجوائز «آغا خان للعمارة»

أعلنت جائزة «آغا خان للعمارة»، أسماء المشروعات الفائزة في الدورة الـ16 (2023 - 2025).

عبد الفتاح فرج (القاهرة)

تركي اليوسف: أحبُّ الشخصيات التي لا تشرح نفسها

تركي اليوسف: أحبُّ الشخصيات التي لا تشرح نفسها
TT

تركي اليوسف: أحبُّ الشخصيات التي لا تشرح نفسها

تركي اليوسف: أحبُّ الشخصيات التي لا تشرح نفسها

لفت المسلسل السعودي «الضارية» الأنظار بعد انطلاق حلقاته محققاً نسبة مشاهدات عالية وسط اهتمام بلغته البصرية الجريئة، واهتمامه بعالم التهريب والولاءات المُتبدّلة الجديد على الدراما السعودية.

ويقوم الممثل تركي اليوسف ببطولة العمل عبر شخصية تمثل عودة لأدوار الشر التي تميز بها، وعن ذلك يقول لـ«الشرق الأوسط»: «أحبُّ الشخصيات التي لا تشرح نفسها، بل تدع الجمهور يكتشفها. وفي (الضارية) مثلاً، الشرّ ليس حالة عدوانية، بل طريقة للبقاء. حاولتُ أن أقدّم القسوة بلا افتعال، وأترك مساحة للصدق أكثر من الأداء».

ودافع اليوسف عن كثرة ظهوره في أدوار الشر، عادّاً انجذابه للأدوار القاسية «لا يعني التكرار؛ فالدور (شخصية عباس) جذبني لأنه يتيح مساحة للغوص في عقل شخصية تعرف الخطر بوصفه جزءاً من يومها».

ويرى الفنان السعودي أن أدوار الشرّ تمنحه «فرصة للتعبير عن جوانب إنسانية عميقة»، موضحاً أن اختياره شخصية عباس في «الضارية» جاء بسبب «صدق النصّ، وعمق الشخصية».


المتحف المصري الكبير يفيض بالزائرين... ويوقف بيع تذاكره

البهو العظيم للمتحف المصري الكبير (تصوير: عبد الفتاح فرج)
البهو العظيم للمتحف المصري الكبير (تصوير: عبد الفتاح فرج)
TT

المتحف المصري الكبير يفيض بالزائرين... ويوقف بيع تذاكره

البهو العظيم للمتحف المصري الكبير (تصوير: عبد الفتاح فرج)
البهو العظيم للمتحف المصري الكبير (تصوير: عبد الفتاح فرج)

أعلنت وزارة السياحة والآثار تنظيماً جديداً لدخول المتحف المصري الكبير وحجز التذاكر بعد الإقبال الكبير الذي شهده المتحف من الزائرين، الجمعة، والذي تجاوز سعته التشغيلية القصوى.

وأصدرت الوزارة بياناً، الجمعة، قالت فيه إنه «في ضوء الإقبال الكبير من الزائرين على المتحف المصري الكبير، ووصول أعداد الزيارة، الجمعة الموافق 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 2025، إلى أكثر من السعة التشغيلية الكاملة المقررة للمتحف، مما استدعى إيقاف بيع التذاكر لليوم، قررت إدارة المتحف قصر حجز وشراء تذاكر الزيارة ليوم السبت 8 نوفمبر، وأيام العطلات الرسمية ونهايات الأسبوع (الجمعة والسبت) على الموقع الإلكتروني الرسمي للمتحف فقط».

وأضاف البيان أنه سيتم وقف عمليات حجز وبيع التذاكر من شبابيك التذاكر بالمتحف خلال هذه الأيام المحددة، على أن تستمر كالمعتاد في باقي أيام الأسبوع عبر الموقع الإلكتروني وشبابيك التذاكر معاً طبقاً للطاقة الاستيعابية للمتحف.

ويأتي هذا الإجراء «ضمن خطة تنظيم عملية الدخول لضمان تجربة زيارة متميزة وآمنة للزائرين، بما يتماشى مع الطاقة الاستيعابية للمتحف، ويسهم في رفع كفاءة الخدمات المقدمة»، وفق البيان. مع التأكيد على أن «جميع الحجوزات المؤكدة مسبقاً عبر القنوات الرسمية سارية كما هي، وسيتم استقبال حامليها في مواعيدهم المحددة دون أي تغيير».

إقبال كثيف على زيارة المتحف المصري الكبير (وزارة السياحة والآثار)

وأشادت إدارة المتحف بالحماس والإقبال الكبير الذي يعكس المكانة المرموقة للمتحف المصري الكبير كأحد أهم الصروح الثقافية والحضارية في العالم.

ومن قلب الزخم الكبير الذي شهده المتحف ومحيطه، يؤكد أستاذ الآثار اليونانية والرومانية بجامعة القاهرة، الدكتور خالد غريب، أن «المشهد كان مفرحاً على مستوى الوعي والإقبال الكبير على المتحف»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «لكن الأمر يحتاج إعادة تنظيم؛ فالعدد الرهيب الذي دخل اليوم إلى المتحف يجعل حتمياً التفكير في تخصيص بوابات دخول للمصريين وأخرى للرحلات وبوابات للأجانب، حتى يتم تنظيم الدخول بشكل معقول، خصوصاً أن اليوم كان الجمعة الأولى بعد افتتاح المتحف، وكان متوقعاً أن يشهد كل هذا الزخم؛ لأنه يوم إجازة».

وافتُتح المتحف المصري الكبير في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، في احتفالية عالمية نقلتها العديد من وسائل الإعلام حول العالم، في حين فتح المتحف أبوابه للجمهور يوم 4 نوفمبر، بالتزامن مع ذكرى اكتشاف مقبرة الملك توت عنخ آمون عام 1922، ويشهد المتحف للمرة الأولى عرض جميع محتويات المقبرة كاملة في مكان واحد.

ولفت غريب إلى أن «المتحف يمكنه أن يتيح الحجز على الإنترنت، وهو ما أعلنه في بيان اليوم، ليكون أول يوم حجز هو الأحد المقبل، وأتمنى أن يتم تنظيم الدخول بطريقة تحافظ على بريق المتحف وقيمته الكبيرة وصورة مصر السياحية».

المتحف المصري الكبير يشهد إقبالاً كبيراً منذ افتتاحه (وزارة السياحة والآثار)

ويضم المتحف المصري ما يزيد على مائة ألف قطعة أثرية تحكي حقباً مختلفة من التاريخ المصري القديم، في سيناريو عرض متحفي يعتمد أحدث التقنيات، وتوقعت تقديرات سابقة أعلنها وزير السياحة المصري، شريف فتحي، في تصريحات متلفزة، أن يزور المتحف يومياً نحو 15 ألف سائح، بعد الافتتاح الرسمي، بمعدل 5 ملايين سائح في السنة. في حين أكد الرئيس التنفيذي لهيئة المتحف المصري الكبير، الدكتور أحمد غنيم، في تصريحات متلفزة، أن عدد زائري المتحف في اليوم الأول لفتحه للجمهور تجاوز 18 ألف زائر.

ويرى المتخصص في المصريات، الدكتور محمد حسن، أن «بيع كل تذاكر المتحف المصري الكبير ليوم الجمعة يدل على نجاح الحملة التسويقية التي قامت بها مصر للترويج للمتحف»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «الحفل الذي أقيم لافتتاح المتحف حمل رسائل قصيرة موجزة تدل على أن مصر بلد الأمن والأمان، وقد أصابت الرسالة الهدف»، وتابع أن «اليوم يعمل المتحف بكامل طاقته، بل يستوعب أعداداً تفوق طاقته التشغيلية، وظهر من الإقبال الكبير أن الأجانب متحمسون لرؤية هذا الصرح الحضاري المميز، كما أن المصريين في حالة صحوة وشغف لمعرفة تاريخهم عن قرب».


نور بلوق لـ«الشرق الأوسط»: وثقنا النزوح من جنوب لبنان خلال الحرب الإسرائيلية

الفنانة اللبنانية نور بلوق (الشرق الأوسط)
الفنانة اللبنانية نور بلوق (الشرق الأوسط)
TT

نور بلوق لـ«الشرق الأوسط»: وثقنا النزوح من جنوب لبنان خلال الحرب الإسرائيلية

الفنانة اللبنانية نور بلوق (الشرق الأوسط)
الفنانة اللبنانية نور بلوق (الشرق الأوسط)

في الفيلم الوثائقي «حكايات الأرض الجريحة» تعود الفنانة التشكيلية اللبنانية نور بلوق للوقوف أمام الكاميرا بعدسة زوجها المخرج العراقي عباس فاضل الذي وثّق حياتهما خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، فعلى مدار أكثر من ساعتين نتابع تفاصيل كثيرة من حياة الفنانة اللبنانية وطفلتها وزوجها، من بينها لحظات صعبة في خلفيتها أصوات الانفجارات، وتفاصيل النزوح من الجنوب اللبناني والعودة بعد وقف إطلاق النار.

الفيلم الذي حصد عنه فاضل جائزة أفضل مخرج في النسخة الماضية من مهرجان «لوكارنو السينمائي» وشارك في مهرجان «الجونة السينمائي»، الشهر الماضي، يواصل جولته بعدد من المهرجانات السينمائية من بينها مهرجان «باري» في إيطاليا الشهر الجاري.

تقول نور بلوق لـ«الشرق الأوسط» إن «فكرة الفيلم لم يكن مخططاً لها منذ البداية، لكون المشروع وُلد من قلب الحرب الإسرائيلية على لبنان، حين اضطرت العائلة للنزوح المفاجئ تحت القصف الكثيف، ولم يكن في مقدورهم سوى أخذ بعض الثياب القليلة معهم، تاركين خلفهم الكاميرات وعدّة التصوير في المنزل»، مشيرة إلى أنها بعد نحو شهر من النزوح، قررت العودة بمفردها إلى البيت رغم المخاطر الكبيرة، لتجلب الكاميرات بنفسها.

رصد الفيلم تعرض العديد من المواقع للتدمير خلال الحرب (الشرق الأوسط)

شعرت الفنانة التشكيلية اللبنانية بأن عليهم توثيق ما يحدث لهم، فلم تكن تعلم ما الذي سيفعلونه، وفق قولها، واستدركت: «لكن كان ضرورياً أن نُسجّل الواقع الذي نعيشه لحظة بلحظة، وفور عودتي بالكاميرات بدأ زوجي المخرج عباس فاضل التصوير ليوثّق كل ما حولنا من تفاصيل الحرب والنزوح، لينطلق العمل الفعلي عقب إعلان وقف إطلاق النار الذي كان أشبه بالوهم مع استمرار القصف».

ترى نور بلوق أن تلك الفترة أتاحَت لهم العودة إلى منزلهم واستئناف التصوير بصورة مكثّفة، وفوجئت عندما أخبرها زوجها برغبته في تصويرها هي وابنتهما ضمن أحداث الفيلم، لكنها تقبّلت الأمر سريعاً لأنها اعتادت المشاركة معه في أعمال سابقة، لكن هذه المرة جرى التصوير بظروف شديدة القسوة والخطورة، «فالقصف لم يكن يتوقف، وكثيراً ما اضطررنا إلى التوقف فجأة والاحتماء داخل البيت خوفاً من سقوط القذائف»، على حد تعبيرها.

تستذكر الفنانة اللبنانية أجواء التصوير بالقول: «كنا نخرج للتصوير، وفجأة نسمع صوت الانفجارات قريبة جداً، فأطلب من عباس العودة إلى الداخل خشية أن يصيبنا شيء، لقد عشنا الخطر بكل تفاصيله»، مؤكدة أن التصوير بعد الحرب لم يكن أقل خطراً؛ إذ زاروا مناطق مدمّرة مليئة بالألغام والزجاج المكسور، وكانت ابنتها ترافقهما طوال الوقت، وتابعت: «كنت أراقبها وأحذرها في كل لحظة؛ لأن المكان كان لا يزال يحمل آثار الدمار والحرائق ورائحة الصواريخ».

وعن أصعب اللحظات التي عاشتها أثناء التصوير، قالت نور بلوق إنها كانت تخشى كثيراً على ابنتها، خصوصاً في المشاهد التي صُوّرت بين المقابر، موضحة أن «تلك اللقطات كانت شديدة الوقع عليها نفسياً، كانت ابنتي صغيرة ولا تدرك ما يجري حولها، ورؤيتها تسير بين القبور كانت لحظة قاسية عليّ كأم، لكنها في الوقت ذاته كانت لقطة فنية قوية تعكس التناقض بين الحياة والموت، وبين البراءة والدمار».

وثق مخرج الفيلم رحلة زوجته وطفلته الصغيرة مع الحرب (الشرق الأوسط)

وأكّدت أن «الفيلم لم يكن عملاً تلفزيونياً أو تقريراً إخبارياً، بل تجربة إنسانية حيّة»، مستطردة: «نحن لم نكن نغطي الحدث من الخارج، بل كنّا جزءاً منه، نعيشه بكل تفاصيله، المخرج أراد أن يُظهر الوجع الإنساني قبل أي شيء آخر، لا الإحصاءات ولا الأرقام، بل مشاعر الناس ومعاناتهم الحقيقية؛ لأن هذه اللغة وحدها قادرة على لمس المتفرّج».

وأشارت إلى سعي الفيلم لتقديم صورة داخلية عن الحرب، بعيدة عن النظرة الإعلامية الباردة، موضحة أن «فاضل ركّز في لقطاته على وجوه الناس وانفعالاتهم، وجعلهم يروون حكاياتهم بأنفسهم؛ لأن الكلمة الصادقة تنبع من التجربة لا من التحليل».

أما عن تركيز الفيلم على رصد تدمير البنية الثقافية والمدنية في لبنان، فأوضحت نور أن «هذا الجانب كان حاضراً بقوة في رؤية العمل؛ إذ حرصنا على إظهار أن أهداف الحرب لم تكن عسكرية فحسب، بل طالت الإنسان في جوهره، واستهدفت ذاكرته وثقافته وهويته، وأن القصف لم يميز بين بيت وآخر، فالفنانون والمكتبات والمنازل كانت جميعها في مرمى الدمار، فالحرب لم تكتفِ بتدمير الحجر، بل سعت إلى طمس الروح الثقافية التي تشكّل جوهر المجتمع اللبناني».

وعن اللحظة التي شعرت فيها أن الفيلم اكتمل، لفتت إلى أن عباس فاضل يميل عادة إلى الأفلام الطويلة؛ لذلك حاولوا جعل هذه التجربة أكثر اختصاراً، «لكن حجم المادة المصوّرة كان هائلاً، فاستقرّ الفيلم على نحو ساعتين»، وفق قولها.

وأوضحت: «كل شخصية كانت تحمل وجعها الخاص، فهناك الفنان الذي خسر أعماله، والمثقف الذي فقد مكتبته، وكل بيت في الجنوب كان يحكي قصة ألم إنساني مختلفة».

ورغم أنها ليست من الأشخاص الذين يفضّلون الظهور أمام الكاميرا، لكنها شعرت في هذا الفيلم بأن وجودها ضرورة إنسانية وفنية في آنٍ واحد، مستذكرة عرض الفيلم للمرة الأولى في مهرجان «لوكارنو» بدورته الماضية بعدما شاهدت الفيلم للمرة الأولى بالسينما في لحظة وصفتها بـ«الصعبة والعاطفية».

تقول نور: «رغم أنني عشت تلك الأحداث لحظة بلحظة، فإن رؤيتها مجدداً كانت مؤلمة؛ لأن كل مشهد يعيد إليك الرعب والحنين معاً»، معتبرة أن فكرة الهجرة من لبنان لم تكن مطروحة بالنسبة لهما رغم امتلاك زوجها جنسية فرنسية، مضيفة: «النزوح الداخلي كان أهون من الهجرة؛ لأنك تبقى قريباً من أهلك وبيتك، أما البعد في الخارج فهو أشد قسوة، فقد جربت الغربة من قبل وعرفت كم هي مؤلمة؛ لذلك اخترنا أن نبقى في لبنان مهما كان الثمن».