قبل أكثر من 40 عاماً، وضعت شريفة إسماعيل (58 عاماً)، مولودها الأول، في منزلها بإحدى قرى محافظة المنيا (جنوب القاهرة) بمساعدة «داية» جاءت على عجل بعدما زاد على شريفة وجع «الطلق»، قبل أن يتكرر الأمر 8 مرات في السنوات التالية.
لكن مع مرور السنوات، وتبدل الأحوال والظروف والاتجاه نحو المدنية، بدأ الاعتماد يتراجع تدريجياً على «الدايات»، وبدأ الاتجاه يزيد نحو الولادة بالمستشفيات، فبعد نحو 20 عاماً من ولادة شريفة الأولى، وضعت ابنتها الكبرى مولودها في مستشفى بشكل طبيعي، لكن ابنتها الثانية وضعت مولودها بعد عملية قيصرية.
ورغم أنه لا توجد أرقام رسمية في مصر حول أعداد الدايات، فإن عدداً كبيراً من الخبراء والأطباء والسيدات يؤكدون تراجع أعدادهن بشكل حاد خلال السنوات الأخيرة في البلاد.
وتحتل مصر المركز الأول عالمياً، منذ عام 2021، في الولادة «القيصرية» بنسبة 72 في المائة من مجمل الولادات فيها، وفق وزارة الصحة المصرية، التي أعلنت نهاية أغسطس (آب) الماضي «حزمة إجراءات تنظيمية ملزمة لجميع المنشآت الخاصة، لتعزيز الولادة الطبيعية الآمنة، وخفض معدلات العمليات القيصرية غير المبررة طبياً».
تتابع الثلاثينية هبة حامد، وهي «دولا» ومدربة لـ«الدولات»، التوجهات الرسمية بسعادة كبيرة، فأخيراً تتلاقى جهودها في دعم الولادة الطبيعية، التي بدأتها منذ سنوات، مع توجه الدولة وإجراءاتها.
وتعرف هبة حامد «الدولا»، لـ«الشرق الأوسط»، بأنها «برنامج تدريبي متخصص لدعم النساء خلال رحلة حملهن وصولاً إلى ولادة طبيعية، ويمتد دور (الدولا) أيضاً بعد الولادة، في مساعدة الأم على رعاية طفلها».
دربت هبة حامد على مدار العقد الماضي العديد من السيدات، غالبيتهن ولدن بشكل طبيعي، كما قدمت تدريبات لمهتمات بمهنة «الدولا»، التي تعد من المهن الحديثة نسبياً في المجتمع المصري، وتعد هبة حامد إحدى رائداتها.

تعود هبة حامد بالذاكرة 13 عاماً، حين وضعت مولودها الأول، وكان مفتاح تعريفها بعالم «الدولا»؛ إذ أخذت المُهندسة التي لا تزال تعمل في مهنتها الأصلية إلى جانب كونها «دولا»، البحث عن بيئات داعمة ومواد تساعدها على الولادة الطبيعية، حتى صادفت منظمة «أماني» وهي منظمة أميركية، لقابلة أميركية مسلمة، تقدم مادة تعليمية لتدريب «الدولات».
وتعمل «الدولا» بشكل رئيسي على تقديم التوعية اللازمة للأم بجميع مراحل الحمل، مع تمارين تساعدها في كل مرحلة، وصولاً لتهيئة جسدها للولادة الطبيعية، كما تصاحب «الدولا» السيدة خلال عملية الوضع، وتخبرها بجميع الإجراءات المتوقعة، وتساعدها على الهدوء والاسترخاء، واتخاذ قراراتها دون وصاية.
وبعد الوضع يتمركز عمل «الدولا» في ربط الأم بالجنين، بمجموعة من الخطوات تُسمى في برامج «الدولا» الساعة الذهبية، وفق حامد، وتتضمن «احتضان الأم لطفلها بعد الوضع وملامسة جسده لجسدها، والإبقاء على الحبل السري لفترة لمد الجنين بأكبر استفادة، ومساعدة الأم في إرضاع نجلها، وهكذا».
وبينما لم توثق الأعمال الفنية في مصر دور «الدولا» في دعم الولادة الطبيعية إلى الآن، فإن كثيراً من الأفلام القديمة وثقت دور «الداية» التقليدية.
لا تعتبر هبة حامد أن «الدولا» امتداداً لمهنة «الداية»، قائلة إن «الداية تقوم بعملية الولادة، ولا تتواجد سوى فيها، عكس (الدولا) التي تبدأ رحلتها مع الأم في مراحل مبكرة من الحمل، ولا تتدخل في عملية الولادة سوى بالدعم والتوعية»، مشيرة إلى أن الأقرب لمفهوم «الداية» القديم الآن هن «القابلات».
وتشير وزارة الصحة المصرية إلى كل من «القابلة» و«الدولا» كخطين متقاطعين نحو هدف واحد، وهو تعزيز الولادة الطبيعية والحد من «القيصرية» غير الضرورية، حيث نظمت الوزارة في 16 سبتمبر (أيلول) الماضي، جلسة نقاشية حول «تعزيز الولادة الطبيعية، ودمج أدوار (القابلة) ومقدمة الدعم النفسي (الدولا) في الرعاية التوليدية».

ويتمثل دور «القابلة» وفق تصريحات نائبة وزير الصحة، عبلة الألفي، خلال جلسة «تعزيز الولادة الطبيعية» في «متابعة المخاض باستخدام مخطط الولادة (البارتوجرام) تحت إشراف طبيب مختص، بما يضمن سلامة الأم والجنين»، أما «دور (الدولا) فيكمّل عمل (القابلة) بتقديم الدعم النفسي والعاطفي، وتدريب الأم على تقنيات الولادة الطبيعية، ومرافقتها أثناء الولادة، وتعزيز الرضاعة الطبيعية خلال الساعة الذهبية».
وعكس «القابلة» التي لا بد أن يكون لها صلة بالمجال الطبي، فإن عمل «الدولا» لا يستدعي ذلك، ما يسمح للمجال بالتوسع أسرع، مع حصول مهتمات على التدريبات اللازمة من «دولات» أقدم أو عبر برامج «أون لاين» غالبيتها مدفوعة. وربما كان ذلك نقطة التقاء أخرى بين «الداية التقليدية»، التي كانت تعتمد في خبرتها على الموروث، و«الدولا».
في السياق ذاته، تعمل الحكومة على زيادة عدد القابلات الذي تصفه عبلة الألفي بأنه يواجه «نقصاً حاداً»، مشيرة إلى أن «مصر تحتاج إلى 20 ألف قابلة مدربة، في حين لا يتجاوز العدد الحالي ألف قابلة فقط».
وتعتمد الوزارة على «خطة تدريب شاملة تتضمن: دورات تدريبية مدتها 18 شهراً، وبرنامج البورد المصري للقبالة (3 سنوات)، وإعادة إدراج تخصص (القبالة) في كليات التمريض، وبرامج المعاهد الصحية (3 سنوات)».
شغف بـ«الدولا»
دفعت تجربة ولادة قيصرية صعبة «الدولا» إسراء سعد (29 عاماً)، إلى شق طريقها في هذا المجال، قائلة لـ«الشرق الأوسط» إنها خططت في ولادتها الأولى عام 2019 لأن تكون طبيعية، لكن الطبيبة أجرتها قيصرية «دون داعٍ طبي»، وقررت أن تبدأ رحلة البحث عن طريقة تساعدها في الولادة الطبيعية المرة القادمة.
خلال بحثها، قرأت إسراء سعد عن مهنة «الدولا» ودورها في دعم الأم حتى تلد طبيعياً، وصادفت تدريباً تقدمه «الدولا» هبة حامد في محافظتها الدقهلية (دلتا مصر) فحصلت عليه. وبالفعل نجحت في أن تلد طبيعياً في مرتها الثانية، وساعدت نساء أخريات لذلك.

ترى إسراء سعد أن الدولا «أكبر من كونها مهنة، هي شغف»، مشيرة إلى أن «عائدها المادي لا يتناسب مع حجم المجهود الذي يُبذل». وتتراوح قيمة خدمة «الدولا» بين 1500 جنيه (الدولار نحو 48 جنيهاً) إلى 5 آلاف جنيه، حسب إسراء سعد، التي تصف السعر بأنه «في متناول الجميع»، قبل أن تُحدد «لكن من يلجأ للدولا عادة خريجات الجامعات».

