مسرحية «أم كلثوم» تُعيد اكتشاف محطات فارقة بحياة «كوكب الشرق»

عبر فقرات استعراضية غنائية

المخرج أحمد فؤاد في البروفات الخاصة بالمسرحية (الشرق الأوسط)
المخرج أحمد فؤاد في البروفات الخاصة بالمسرحية (الشرق الأوسط)
TT

مسرحية «أم كلثوم» تُعيد اكتشاف محطات فارقة بحياة «كوكب الشرق»

المخرج أحمد فؤاد في البروفات الخاصة بالمسرحية (الشرق الأوسط)
المخرج أحمد فؤاد في البروفات الخاصة بالمسرحية (الشرق الأوسط)

في محاكاة مميزة لحفلات «كوكب الشرق» الشهيرة في القاهرة، أعاد صناع مسرحية «أم كلثوم» إذاعة إحدى مُقدِّمات الإعلامي الراحل جلال معوض، وهو يُمهِّد لرفع الستار عن «الست» بكلمات حماسية يتردد صداها بين المشاهدين المتحمسين لإطلالتها الفريدة، ليرفع ستار المسرحية الجديدة مساء الجمعة عن صورة مبهرة لكوكب الشرق بتقنية الهولوغرام.

العرض الذي حضره فنانون ووزراء؛ أعاد اكتشاف محطات فارقة من مشوار «صاحبة الحنجرة الذهبية»، عبر أكثر من ساعتين، بداية من طفولتها في قرية طماي الزهايرة بالدقهلية (دلتا مصر) وحتى وصولها إلى سلم المجد في القاهرة والعالم العربي.

جانب من بروفات العرض (الشرق الأوسط)

مزج العرض، الذي كتبه مدحت العدل وأخرجه أحمد فؤاد، واعتمد على الوجوه الجديدة بشكل كبير، بين الدراما والغناء والاستعراض في صيغة «ميوزيكال»، مع استعراض أبرز محطات حياتها.

بدأت المسرحية بمشهد مؤثر في غرفة «كوكب الشرق» وهي تستريح بين وصلات حفلاتها الشهيرة، قبل أن تستعيد ذاكرتها في رحلة إلى الطفولة في قرية طماي الزهايرة بالدقهلية. جسَّدت شخصية الطفلة «أم كلثوم» الفنانة ملك أحمد، وقدَّمت بصوتها مشاهد البدايات تحت إشراف والدها الشيخ إبراهيم الذي لعب دوره عمر صلاح الدين، ثم انتقلت المسرحية إلى مرحلة الشباب التي جسَّدتها الفنانة أسماء الجمل، حيث ظهرت على المسرح لتؤدي الأغنيات الأولى وتواجه صراعاتها مع الفنانة منيرة المهدية، التي جسَّدتها الممثلة ليديا لوتشيانو بأداء قوي وصوت متمكن أعاد الجمهور إلى أجواء صراع البدايات.

مع تقدُّم الأحداث، تجسَّدت علاقة الحب الخالدة بين الشاعر أحمد رامي وأم كلثوم، وقدَّم دوره الممثل سعيد سلمان بصدق درامي لافت، بينما ظهر الممثل أحمد علي الحجار في شخصية محمد عبد الوهاب، مجسداً اللقاء الفني الذي وُصف بـ«لقاء السحاب» في أغنية «إنت عمري». واستعاد العرض هذه اللحظة التاريخية عبر حوار غنائي حاز مساحة واسعة من التفاعل الجماهيري واستبقها تنافسهما على مقعد نقيب الموسيقيين الذي فازت به أم كلثوم عام 1942، كذلك برزت شخصيات عدة في العرض لعبت أدواراً محورية في مسيرتها، منهم رياض السنباطي، وبليغ حمدي، ومحمد فوزي.

الجانب الإنساني في علاقتها بشقيقتها ووالدها لم يكن غائباً في اللحظات الإنسانية الكثيرة التي مرَّت بها في الأحداث، ومن بينها صدمة اكتشافها المعاناة من تضخم الغدة الدرقية، ومخاوف الفشل التي لاحقتها باستمرار في كل تجربة تقوم فيها بالتجديد.

الملصق الترويجي للمسرحية (الشركة المنتجة)

كما لم يغفل العرض الدور الذي لعبته «كوكب الشرق» في المجهود الحربي، وهو ما استحوذ على جزء ليس بقليل من الوقت في الفصل الثاني، مع حفلاتها وجولاتها بعد النكسة التي جمعت خلالها ما يزيد على 4 ملايين جنيه، في وقت وُظِّفت فيه الشاشة السينمائية في الخلفية لتوثيق الأحداث عبر مقتطفات مما نشرته الصحف عنها.

وقال مخرج المسرحية أحمد فؤاد لـ«الشرق الأوسط» إن فريق العمل جرى اختياره من خلال اختبارات مكثفة امتدت لأيام عدة، شارك فيها أكثر من ألف متقدم، حيث كان الهدف البحث عن مواهب جديدة تستطيع الجمع بين التمثيل والغناء والقدرة على تقديم الاستعراض، لافتاً إلى أن «طبيعة الدراما الموسيقية فرضت على النص أن يكون مغنَّى بالكامل، وهو ما تطلّب قدرات مختلفة لدى الممثلين، مع الحرص على الاستعانة بوجوه جديدة في المسرحية».

وأضاف أن الرؤية الإخراجية انطلقت من تقديم أم كلثوم إنسانةً قريبةً من المتلقي، وليست مجرد شخصية أسطورية أو أقرب إلى صورة مثالية، لذا ركّز العرض على نقاط التحول في حياتها، وعلى إدارتها لموهبتها بشكل واعٍ ومثابر جعلها قادرة على التجدد والارتقاء الدائم، مشيراً إلى أنه كان حريصاً على عدم الانفصال عن توظيف أحدث الوسائل التقنية، مع استخدام المؤثرات البصرية والشاشات ووسائل التوثيق الصحافي لتدعيم الإيقاع السريع للعرض ونقل المتفرج بين الأزمنة والأماكن.

وعدّ الناقد خالد محمود لـ«الشرق الأوسط» أن العمل أعاد قراءة حياة أم كلثوم بشكل فني مبهر، في تجربة تميزت بالجرأة الإنتاجية والرؤية الإخراجية المتميزة، مشيراً إلى أن العرض افتقد بعض المحطات المهمة في حياة كوكب الشرق.

المخرج أحمد فؤاد في البروفات الخاصة بالمسرحية (الشرق الأوسط)

وأكد محمود أن «اعتماد العمل على وجوه جديدة وصاعدة يمثل مجازفة كبيرة من المنتج مدحت العدل، لكنه خطوة تُحسَب له لأنها أفرزت مواهب حقيقية»، مشيراً إلى أن «العمل سيكون موضع اختلاف فكري بين الجمهور والنقاد، لكنه سيُشكِّل بالوقت نفسه تجربةً فنيةً ثريةً». على حد تعبيره.

رأي دعمه الناقد محمد عبد الرحمن الذي يشير لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «العرض أتاح فرصةً استثنائيةً لمجموعة من الوجوه الجديدة لإثبات موهبتهم»، لافتاً إلى أن «هذه الطاقات الشابة كانت من أهم مكتسبات المسرحية».

وأضاف عبد الرحمن أن «المخرج أحمد فؤاد نجح في تقديم رؤية بصرية وحركية مميزة، تنقَّلت بالمُشاهد بين المراحل الزمنية بسهولة وانسيابية، مدعوماً بالمؤثرات المختلفة التي وظَّفها لخدمة العمل»، لكنه في الوقت نفسه يؤكد أن «المسرحية لم تحمل كثيراً من المفاجآت على مستوى النص، إذ اكتفى المؤلف مدحت العدل بتلخيص السيرة في شكل أقرب للتوثيق، دون تقديم رؤية مغايرة أو أسرار غير مطروقة».


مقالات ذات صلة

«آخر صورة»... مسرحية اكتملت بالنقص

يوميات الشرق في العرس يرقص الجميع كأنهم يودّعون الحياة (الشرق الأوسط)

«آخر صورة»... مسرحية اكتملت بالنقص

المسرحية تأمُّل في الحياة حين تكون كلّ العناصر جاهزة إلا «المشهد الأهم» الذي لا يأتي أبداً...

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مواجهات عدة تحصل بين المرأتين (الشرق الأوسط)

مسرحية «روزماري»... صراع العقل والقلب والعبرة في الخواتيم

«روزماري» للمخرج شادي الهبر تستعرض صراع العقل والقلب من خلال شخصيتين متناقضتين، تتناول قضايا اجتماعية وإنسانية عميقة في إطار درامي مليء بالتوتر والإثارة.

فيفيان حداد (بيروت)
ثقافة وفنون الكاتب والشاعر العُماني الدكتور عبد الرزاق الربيعي... وغلاف مسرحية «روازن غرفة مصبّح» (الشرق الأوسط)

مسرحية «رَوازن غرفة مصبّح» لعبد الرزاق الربيعي... تستعيد الذاكرة العُمانية

ضمن احتفالات سلطنة عُمان باليوم الوطني الذي يوافق 20 نوفمبر (تشرين الثاني)، يحتفل متحف «المكان والناس»، بالتعاون مع الجمعيّة العمانية للمسرح، بالمناسبة.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
يوميات الشرق العالم يسقط والنساء غالباً أول مَن يلتقطن الشظايا (الشرق الأوسط)

«غزة عيتا الشعب غزة»... أصوات نساء الحرب تكتب الحكاية

قدَّم العمل ما يتبقَّى في الناس حين تُسلب كلّ الأشياء، وشكَّل دعوة إلى أن نتروَّى أمام الذكريات، ونرى في التوثيق فعلاً فنّياً يُعيد الحسبان للأصوات الناجية...

فاطمة عبد الله (بيروت)
يوميات الشرق مخرجة العرض السعودي عهود عبد الكريم القرشي (هيئة المسرح والفنون الأدائية عبر «إكس»)

«مزاد عاطفي» يمثل السعودية في «شرم الشيخ للمسرح الشبابي»

يستعد العرض المسرحي السعودي «مزاد عاطفي» للمشاركة ضمن فعاليات الدورة العاشرة من مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي.

محمود إبراهيم (القاهرة )

«بيروت ترنّم»... صوت الحياة يعلو فوق كل شيء

الرباعي الإيطالي «كريمونا» يُشارك في إحياء أمسية 2 ديسمبر (الجهة المنظّمة)
الرباعي الإيطالي «كريمونا» يُشارك في إحياء أمسية 2 ديسمبر (الجهة المنظّمة)
TT

«بيروت ترنّم»... صوت الحياة يعلو فوق كل شيء

الرباعي الإيطالي «كريمونا» يُشارك في إحياء أمسية 2 ديسمبر (الجهة المنظّمة)
الرباعي الإيطالي «كريمونا» يُشارك في إحياء أمسية 2 ديسمبر (الجهة المنظّمة)

يزوّد فنّ الترنيم سامعه بالراحة، فينقله إلى عالم من السكينة والهدوء. وفي بيروت، ينتظر اللبنانيون بحماسة حلول شهر ديسمبر (كانون الأول) من كلّ عام للاستمتاع ببرنامج مهرجان «بيروت ترنّم»، فهو الموعد الذي يتحلّقون حوله بجميع أطيافهم، ليُوحّد إيقاع حياتهم تحت سقف الموسيقى التي تمدّ جسور الألفة بينهم، وتعيد إلى المدينة بهجتها.

في النسخة الـ18 من «بيروت ترنّم»، تتغنَّى شوارع العاصمة وأحياؤها بفنون موسيقية مختلفة، وقد أُعدّ برنامجٌ غنيّ يشارك فيه موسيقيون عالميون ومحلّيون. وتهدي إدارة المهرجان هذه النسخة إلى روح الموسيقي زياد الرحباني، وفاء لصدقه الفني، كما ذكرت مؤسِّسته ميشلين أبي سمرا التي قالت في كلمتها خلال إعلان البرنامج: «نهديها إلى روحه التي علّمتنا أن الموسيقى لا تُساوَم، وأنّ ما يأتي من القلب يبقى».

عازف البيانو هيليو فيدا يحيي حفلاً مع السوبرانو كيارا سكيراتو (الجهة المنظّمة)

وبدعوة من إدارة «بيروت ترنّم» لبّاها أهل الصحافة والإعلام، أُطلق برنامج الدورة الثامنة عشرة خلال مؤتمر صحافي عُقد في «نادي اليخوت» في بيروت. وتحدَّثت فيه كلّ من مديرة المهرجان ميشلين أبي سمرا، والمدير الفنّي للحدث الأب توفيق معتوق، بالإضافة إلى مدير مشروع «بيروت ترنّم - السيستاما» ريشار عازوري.

تنطلق أمسيات المهرجان من 29 نوفمبر (تشرين الثاني) حتى 23 ديسمبر، فتطوف المعزوفات شوارع بيروت العريقة من مونو والجميزة وساحة الشهداء وغيرها، وتصدح أصواتها في الكنائس والمراكز الثقافية، كما تحطّ رحالها في الجامعة الأميركية وأكاديمية الفنون الجميلة والجامعة اللبنانية الأميركية وسواها.

يفتتح المهرجان أولى أمسياته في 29 نوفمبر في كنيسة مار يوسف بشارع مونو، احتفالاً بالذكرى الـ190 لولادة أحد أعمدة الموسيقى الفرنسية كاميل سان-سانس، حيث تُقدَّم أبرز روائعه «أوراتوريو الميلاد» بمشاركة جوقتَي الجامعة الأنطونية وجامعة سيدة اللويزة، ولفيف من المنشدين العالميين، بقيادة الأب معتوق. كما تتضمَّن الليلة عينها مقطوعة «Davide Penitente» لموزار.

«جوقة الفيحاء» ترنّم في 9 ديسمبر بحفل يجمعها مع الموسيقي زياد الأحمدية (الجهة المنظّمة)

وفي 2 ديسمبر، يستضيف المهرجان الرباعي الإيطالي «كريمونا» (IL Quartetto di Cremona)، بالتعاون مع المركز الثقافي الإيطالي في كنيسة مار مارون في بيروت. فيما تُشارك السفارة السويسرية في المهرجان من خلال أمسية تُقام في 3 ديسمبر، تحييها السوبرانو كيارا سكيراتو، وعازف البيانو هيليو فيدا، وذلك في قاعة الأسمبلي هول في الجامعة الأميركية في بيروت.

وفي كنيسة مار جرجس للروم الأرثوذكس، تُقام أمسية تراتيل ميلادية في 4 ديسمبر. أمّا هواة موسيقى البيانو والكمان، فهم على موعد مع يوسف وفيليب إيفانوف بالتعاون مع السفارة البلجيكية، وذلك في 6 ديسمبر في كنيسة مار مارون بالجميزة.

الميزو سوبرانو ماري جو أبي ناصيف تختم فعاليات المهرجان (الجهة المنظّمة)

جميع الحفلات تفتح أبوابها مجاناً أمام روّاد المهرجان. وتشير ميشلين أبي سمرا، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أنّ «المهرجان، طيلة 18 عاماً، بقي متاحاً للجميع، بلا قيود ولا شروط. فهو رسالة وحاضنة لمجتمع بأكمله على اختلافه. نحن ملزمون بهذه المُشاركة الجماعية تحت راية الموسيقى، فهي تزوّدنا بمساحة من السكون والتأمّل. واليوم ندرك أبعاد هذه الرسالة أكثر، ولن نستسلم أمام أيّ عقبات أو أزمات تواجهنا. سنعمل دائماً على تخطّي أحزاننا من أجل لبنان واحد».

وفي 7 ديسمبر، يُنظّم المهرجان احتفاليةً خاصة بالتعاون مع بلدية بيروت بمناسبة ارتفاع شجرة الميلاد وسط العاصمة، تُحييها «جوقة الأنطونية» في ساحة الشهداء.

وفي تحية تكريمية للراحلة أم كلثوم، سيُغنّي فراس عنداري أجمل أغنياتها في 7 ديسمبر بقاعة الأسمبلي هول في الجامعة الأميركية، فيما تُغنّي في القاعة عينها سيندي اللاتي لوديع الصافي في أمسية خاصة تُقام في 8 منه.

فراس عنداري وتحية للمطربة أم كلثوم في 7 ديسمبر (الجهة المنظّمة)

ويُعزّز مهرجان «بيروت ترنّم» كما كلّ عام مكانة الجوقات الغنائية، فيضعها في مقدّمة احتفالاته، مستعيناً بعدد كبير منها مثل «جوقة الفيحاء»، و«جوقة الأنطونية»، و«جوقة جامعة اللويزة»، وغيرها لإحياء عدد من أمسياته.

ويتحدَّث الأب توفيق معتوق عن هذا قائلاً: «نعدّ هذه الجوقات من أبناء البيت الواحد لـ(بيروت ترنّم)، إذ ترافقنا منذ انطلاقتنا الأولى حتى اليوم. وأفرادها صنعوا بكلّ فخر فعاليات المهرجان. وتكريمهم ينعكس مباشرة في برمجته. ولا نفكّر يوماً بالتقليل من مشاركاتهم أو الاستغناء عنهم، لأنهم قلب المهرجان ونبضه».

ومن الحفلات التي تحييها تلك الجوقات: «الفيحاء» مع الموسيقي زياد الأحمدية في 9 ديسمبر في كنيسة مار مارون الجميزة، وتلك التابعة لجامعة سيدة اللويزة مع التينور بشارة مفرّج في 12 منه في كنيسة مار يوسف بمنطقة مونو.

وفي 13 منه، يُحيي العازفان الإسبانيان ليتيسيا مورينو (كمان) وجوزو دي سولون (بيانو) حفلاً في كنيسة مار مارون في الجميزة. كما يُقدّم ماتيو خضر وجوزف رعيدي حفلاً أوبرالياً في 17 منه في كاتدرائية مار إلياس ومار جرجس للأرمن الكاثوليك.

ويُختتم مهرجان «بيروت ترنّم» مع الميزو سوبرانو ماري جو أبي ناصيف في 23 ديسمبر في قاعة الأسمبلي هول في الجامعة الأميركية، التي قالت لـ«الشرق الأوسط»: «إنها المرة الأولى التي أشارك فيها في هذا المهرجان. وبالنسبة إليّ، ستكون هذه الأمسية بمثابة ماراثون أوبرالي يبدأ بمقطوعات لموزار وينتهي بأغنيات لإلتون جون».


من كيوتو إلى الدرعية… «سوق الموسم» تجمع التراثين السعودي والياباني

أحد العروض اليابانية خلال فعاليات «سوق الموسم»... (تصوير: تركي العقيلي)
أحد العروض اليابانية خلال فعاليات «سوق الموسم»... (تصوير: تركي العقيلي)
TT

من كيوتو إلى الدرعية… «سوق الموسم» تجمع التراثين السعودي والياباني

أحد العروض اليابانية خلال فعاليات «سوق الموسم»... (تصوير: تركي العقيلي)
أحد العروض اليابانية خلال فعاليات «سوق الموسم»... (تصوير: تركي العقيلي)

انطلقت «سوق الموسم» في منطقة الطوالع التاريخية ضمن فعاليات موسم الدرعية (2025 - 2026)، وسط أجواء تحاكي حيوية الأسواق التجارية قديماً.

وتحتفي نسخة العام الحالي من «سوق الموسم» باليابان وثقافة مدينة «كيوتو» اليابانية، وذلك بمناسبة مرور 70 عاماً على العلاقات الدبلوماسية بين السعودية واليابان.

وقد صُمِّمت السوق بهوية بصرية تمزج بين الثقافتين، من أكشاك التسوق وصولاً إلى مصابيح التورو اليابانية.

لقطة ليابانية تعزف آلة الكوتو خلال الفعاليات (تصوير: تركي العقيلي)

وتضمُّ السوق 20 متجراً و15 مطعماً تتنوّع بين المأكولات اليابانية، من بينها السوشي والموتشي والماتشا، والأكلات السعودية التقليدية التي تُحضَّر في مناطق مخصصة للطهي الشعبي. كما شملت الفعاليات عروضاً موسيقية جمعت بين الآلات الوترية من بينها العود والكوتو، وآلات النفخ اليابانية مثل الـ«شاكوهاتشي»، وهو ناي مصنوع من الخيزران.

لقطة لركن فن الخشب في «سوق الموسم»... (تصوير: تركي العقيلي)

وشهدت بعض المواقع في السوق تجارب مشتركة جمعت الحرفيين السعوديين ونظرائهم اليابانيين، من بينهم فنانة الخيزران يوشيمي إيشياما، التي عرضت أعمالها في صناعة المراوح من أعواد البامبو.

كما تضمّنت «سوق الموسم» معارض للحرف اليدوية والأزياء التقليدية والخطاطين، لتُشكِّل منصة للتبادل الثقافي ونقل الخبرات بين الجانبين.

جانب من استعراضات مؤدِّي «السامري» خلال فعاليات «سوق الموسم»... (تصوير: تركي العقيلي)

وتضمّنت الفعاليات عروضاً أدائية جمعت بين التقاليد اليابانية العريقة وفنون الأداء السعودية؛ حيث قدّم الفنانون اليابانيون عروض «النو ماي» و«الكابوكي»، المعروفة بحركاتها الدقيقة وأزيائها المزخرفة وإيقاعها المسرحي، في حين أضفى الرقص السامريّ الطابع السعوديّ على المشهد من خلال الألحان الشعبية والخطوات الجماعية المتناغمة.

ولفتت المسابح السعودية المصنوعة بدقة من الأحجار الكريمة والعنبر، إلى جانب البشوت المطرزة بخيوط الذهب، أنظارَ الزوار الذين توقفوا لاكتشاف تفاصيل الحرفية التي أبرزت مهارة الصنعة، وجعلت من هذه المعروضات نقطة تفاعل وجذب في «سوق الموسم».

لقطة لـ«مسبحة» من الأكشاك التجارية في «سوق الموسم»... (تصوير: تركي العقيلي)

وتُعرَف منطقةُ الطوالع قديماً بتنوّع محاصيلها وثرائها الطبيعي، إذ احتضنت مزارع تاريخية على ضفاف وادي حنيفة. واستمد البرنامج رمزيته من «سوق الموسم» التاريخية التي كانت إحدى أهم أسواق شبه الجزيرة العربية خلال عهد الدولة السعودية الأولى، حيث كانت القوافل تتوافد إليها من مختلف المناطق للتبادل التجاري والثقافي.

ويمتد موسم الدرعية لأكثر من 120 يوماً، جامعاً برامج وفعاليات متنوعة ذات طابع ثقافي وتراثي وترفيهي، بهدف إبراز الهوية المحلية واستحضار تاريخ المنطقة، وتفعيل مواقعها التاريخية عبر أنشطة تفاعلية تسلّط الضوء على إرث الدرعية ووادي حنيفة، وتعزز حضور الدرعية بوصفها وجهة ثقافية وسياحية.


«آخر صورة»... مسرحية اكتملت بالنقص

في العرس يرقص الجميع كأنهم يودّعون الحياة (الشرق الأوسط)
في العرس يرقص الجميع كأنهم يودّعون الحياة (الشرق الأوسط)
TT

«آخر صورة»... مسرحية اكتملت بالنقص

في العرس يرقص الجميع كأنهم يودّعون الحياة (الشرق الأوسط)
في العرس يرقص الجميع كأنهم يودّعون الحياة (الشرق الأوسط)

باتت مسرحيات الحرب تحمل في تعريفها ما يُحرّك جراح الروح قبل أن تبدأ المُشاهدة. فهذا الخريف الذي سبقه خريفٌ مُشتعل، لا يزال يحمل ندوب القصف والتهجير ورائحة الاحتراق التي لم تتبدَّد بعد في الذاكرة اللبنانية. ومع ذلك، حين عُرضت «آخر صورة» على خشبة «مسرح المدينة» في بيروت، من كتابة فاطمة بزّي وإخراجها، تراءت مسرحية عن الحرب، وفي الوقت نفسه ليست عنها.

المشهد الناقص يقول أكثر مما تُظهره الكاميرا (الشرق الأوسط)

مُغايرة لما يتوقّعه الذهن عند الحديث عن عروض تستعيد القسوة والدمار والذكريات في صور مُتكرّرة. هنا، الكوميديا تلتقي مع الموقف، والشخصيات التائهة تتقاطع في حيّز واحد يُشبه العالم المُصغَّر. في قرية يَعرف جميع سكانها بعضهم بعضاً، ويجمعهم الودّ والعفوية أكثر مما تجمعهم مهنية السينما، يجري تصوير فيلم لا بداية له ولا نهاية ولا حتى سياق واضح. موقع التصوير نفسه يبدو كأنه استعارة لحياة لا تكتمل مَشاهدها، إذ تتأجَّل اللقطة تلو الأخرى، فيما المُخرج الشابّ وفريقه يدورون في دائرة من المناكفات والمناقشات والعبث.

كلّ شيء في هذا العمل رفض المفردات الجاهزة لوصف الحرب. فبدلاً من عصف الانفجارات، هناك ارتباك في الكادر. وبدلاً من الموت، هناك عبث بالحياة. وبدلاً من البكاء، هناك ضحك انقلب فجأة إلى وجع. على المسرح، 15 شخصاً مثَّلوا 15 احتمالاً للوجود الإنساني وسط الخراب. أدّوا أدوارهم بعفوية وبساطة، كأنهم يعيشون لحظتهم القصوى أمام الكاميرا. إنهم هواة، لكنهم أمسكوا خيوط الشخصيات بحرفيّة. كانوا يُشبهون الناس في حياتهم اليومية، فيتعثّرون ويتنازعون ويتراشقون بالمزاح والجدّ، لكنّ ألفةً تجمعهم تُخفّف من حدّة التوتّر وتربط ما يتبعثر.

إضاءة توفيق صفاوي تفتّش عن حكاية مؤجَّلة (الشرق الأوسط)

وإذا بالمشهد السينمائي لا يكتمل. ثم نُدرك أنه لم يُعَدّ أصلاً للاكتمال، تماماً كما في الحياة التي تترك دائماً فصولاً بلا خواتيم. ننتقل فجأة إلى مشهد عرس لا ندري علاقته بالحرب. قالت المُنتجة المُنفّذة ملاك بزّي إنّ المسرحية «عن الحرب»، لكنها لم تغرق فيها. كلّ شيء توقّف عند حدّ الغموض، فلا الديكور اكتمل، ولا الأدوار استقرَّت، ولا المُخرج الذي يُفترض أن يقود الجوقة بدا واثقاً بالمسار. إنها تجربة أقرب إلى شظايا حكاية، كأنّ الأقارب هم مَن يُحاولون صناعة فيلم مستحيل في بيت واحد جمعهم على فرح أُرجئ حتى إشعار آخر. وبعد ضحك طويل، تهبط «الصدمة»... لم يبقَ أحد.

يمرّ الجميع كأنهم يبحثون عن مشهدهم المفقود (الشرق الأوسط)

لم تستخدم فاطمة بزّي الإخراج النمطي للحرب لتقول «لقد تألّمنا» أو «لم يعد شيء كما كان». قوّة «آخر صورة» تكمن في الاستعارة والتحايُل الذكي على المعنى. فالفوضى الظاهرية في الديكور، وتبعثُر الشخصيات، والضحك العابر، ولغة أهل القرية البسيطة، جميعها أدوات درامية تُولّد قوة داخل العرض. من خلالها، تتجلَّى مفارقة الحياة في ظلّ الدمار؛ حيث النكتة قد تكون قناعاً للخيبة، والضحك حيلة للبقاء.

وتحضُر إشارات سياسية تُمرّرها المُخرجة، كما حين يُذكَر أنّ المهرجان الذي سيُعرَض فيه الفيلم المُرتقب هو «مهرجان 7 أكتوبر»، لكنها تُقدَّم مثل تلميح يعلم أنّ الفنّ مساحة تساؤل واكتشاف، وليس بياناً جاهزاً. الإضاءة التي صمَّمها توفيق صفاوي جاءت مُكمّلة لهذا المزاج، تتنقَّل بين الظلال الخفيفة والبقع المكسورة، كأنها تُجسّد تلك المسافة بين ما يظهر وما يتوارى، وبين الضوء الذي يشتهي اكتماله والعتمة التي تبتلع المشهد.

وجوهٌ تبحث عن معنى في فيلم لا نهاية له (الشرق الأوسط)

في نهاية العرض، لا يخرج المُتفرّج ببطولة أو خلاص. يطفو إحساس بأنّ الحكاية في الأصل لم تُروَ، والفصول بقيت في الظلّ كما بقيت حيوات كثيرة على حافة الصورة. فالنهاية غير المُتوقَّعة هي الأخرى جزء من جماليات المسرحية، تماماً كما في الحياة؛ حيث بعض القصص تنتهي قبل أن تكتمل، تاركة وراءها فراغاً يملؤه الألم.

حين تروي فاطمة بزّي أنّ معهد «شمس آكتينغ سبايس»، الذي يُدرّب الهواة على التمثيل، قد قُصف خلال حرب الخريف الماضي، نُدرك أنّ «آخر صورة» شهادة صمود أيضاً. لقد احتاج العقل إلى وقت ليفهم ما جرى وتُعاد الكتابة من الأنقاض. والمسرح، كما تقول، كان مساحة للقبول والتجاوز والبدء من جديد.

حين لا يبقى أخد... (الشرق الأوسط)

هكذا يُصبح ما رأيناه على الخشبة أكثر من حكاية عن التصوير المُعلَّق أو اللقطة الناقصة. إنه تأمُّل في الحياة نفسها حين تكون كلّ العناصر جاهزة، إلا «المشهد الأهم» الذي لا يأتي أبداً. وربما، كما تقول المسرحية في عمقها، ليس النقص في المشهد، وإنما فينا نحن العالقين بين ما نعيشه وما لا نقدر على روايته.