«الأرنب الأسود»... جلّادٌ وضحيّة يقعان في جُحرٍ عميق من اللا منطق الدرامي

جود لو وجيسون بايتمان بطلا «الأرنب الأسود» (نتفليكس)
جود لو وجيسون بايتمان بطلا «الأرنب الأسود» (نتفليكس)
TT

«الأرنب الأسود»... جلّادٌ وضحيّة يقعان في جُحرٍ عميق من اللا منطق الدرامي

جود لو وجيسون بايتمان بطلا «الأرنب الأسود» (نتفليكس)
جود لو وجيسون بايتمان بطلا «الأرنب الأسود» (نتفليكس)

لنعدّد العناصر التي يُغري بها مسلسل Black Rabbit (الأرنب الأسود) جمهور «نتفليكس»: معظم الأحداث تدور في مطعم وداخل مطابخه. تُبدع الكاميرا في التقاط سحر نيويورك كديكور جانبيّ. تُدعّم الحبكة بقدرٍ كافٍ من التشويق. تُضاف إلى ذلك كله جاذبيّة جود لو كممثّلٍ لا يخيّب المُشاهد ولا شبّاك التذاكر.

نجحت هذه الخلطة في إيصال المسلسل ذي الحلقات الـ8 إلى صدارة الأعمال الأكثر مشاهدةً على المنصة العالمية. غير أنّ النجاح يبدو مؤقّتاً، فمقابل بعض المكوّنات الجيّدة ثمة ما يكفي من أخطاء كفيلة بإحراق الطبخة.

منذ الظاهرة التي أحدثَها The Bear، ثَبُت أن المسلسلات الدائرة في فلك المطاعم وكواليس مطابخها تشكّل مادة تلفزيونية دسمة. ينطلق «Black Rabbit» واعداً على هذا المستوى، غير أنه سرعان ما يتخلّى عن وعده فيتحوّل المطبخ إلى إطار ثانويّ وشخصياته إلى ما يشبه «الكومبارس».

يملك «جايك فريدكن» (جود لو) مطعماً طامحاً للشهرة والنجوم يُدعى «Black Rabbit». لكنّ المشهد الأول يحوّل المكان إلى ساحة جريمة، جرّاء عملية سطو ينفّذها شخصان ملثّمان خلال حفل عشاء حاشد. في عالمٍ موازٍ، نتعرّف على «فينس» (جيسون بايتمان) الذي يدهس رجلاً بالسيارة انتقاماً من محاولته الاحتيال عليه في صفقة بيع عملات قديمة.

الممثل البريطاني جود لو بشخصية جايك في مسلسل «الأرنب الأسود» (نتفليكس)

على وقع الاسترجاع الزمني والعودة إلى اللحظة الحالية يسير المسلسل، لنكتشف أنّ جايك وفينس شقيقان افترقا بسبب السلوكيّات المنحرفة للثاني. تشاركا طفولةً صعبة بسبب عنف والدهما، ثم أسّسا المطعم معاً فكان فينس العقل المدبّر، غير أن إدمانه المشكلات وآفاتٍ أخرى فرّقت بينه وبين شقيقه.

لكن في كل مرة يتعثّر فيها الأخ الأكبر ومهما كان حجم الحماقة التي ارتكبها، يهرع جايك لإنقاذه فاتحاً له ذراعَيه وأبوابه وحساباته المصرفيّة، على فراغها. هكذا يحصل بعد أحدث جرائمه التي تُطوى صفحتها في الحلقة الأولى إلى غير رجعة، من دون أي تبريرٍ سرديّ أو إخراجيّ.

الممثل الأميركي جيسون بايتمان بشخصية الأخ الأكبر فينس (نتفليكس)

يعود فينس إلى حياة أخيه الأصغر جالباً معه فيضاناً من الأزمات، في طليعتها مبلغٌ ضخم يَدين به لرجلٍ ذي سلوكيّاتٍ مافيويّة. تنطلق هنا لعبة التشويق التي تخدمها ورطات فينس المتلاحقة، لكنّ الإثارة تخفت في منتصف الحلقة الثالثة، ليدخل المسلسل دوّامةً من الرتابة لا يخرج منها سوى في الحلقة السابعة ما قبل الأخيرة. وبين الحلقتَين 3 و7، لا شيء يضمن أنّ المشاهد سيبقى متسمّراً أمام شاشته.

لا تشكيك في قدرات جود لو وجيسون بايتمان التمثيليّة. هما يملآن المكان بأداءٍ لا غبار عليه، لكنّ المشكلة تكمن في شخصيتَيهما اللتَين تعانيان من ضعف الإقناع، ومن عدم القدرة على التعاطف معهما، ومن سرديّةٍ معدومة المنطق. بأنانيةٍ وطَيش يبالغ فينس في توريط نفسه والأقربين، بينما يبالغ جايك في الطيبة والتضحية من أجله، وهنا تحديداً يكمن غياب المنطق. في أحد المشاهد يقول موظفٌ في المطعم جملةً تختصر العلاقة الأخويّة: «فينس مدمن. جايك مدمن أيضاً... هو مدمن على أخيه».

باختلافاتهما النافرة وعلاقتهما السامّة، يبدوان كما قابيل وهابيل على حدّ تشبيه إحدى شخصيات المسلسل لهما، لكن ما بينهما أعمق بكثير ويعود لطفولةٍ غير اعتياديّة. غير أنّ الغوص النفسيّ في طبقات الشخصيتين يصل متأخراً، بعد أن يكون الجمهور قد فقد الاهتمام.

جايك وفينس والعلاقة الأخويّة المعقّدة (نتفليكس)

أمام هذا الخواء في الشخصيتَين الأساسيتَين، كان من المفترض أن يشكّل الممثلون الآخرون دعامةً ترفع المسلسل، لكن ذلك لا يحصل. فعلى كثرتها، لا تحظى الشخصيات المحيطة بـ«الأخوين فريدكن» بما يكفي من عمقٍ سرديّ. وكأنها تُصدر ضجيجاً كثيراً لكنها في واقع الأمر تبقى في خلفية المشهد.

من بين هؤلاء، تتميّز أماكا أوكافور بدور الشيف «روكسي»؛ لعلّها كانت تستحقّ حضوراً أكثر كثافةً واهتماماً أكبر بمنحنى الشخصية الخاصة بها. أما «ويس» (سوب ديريسو) فهو شريك جايك في المطعم، لكنّه قبل ذلك مغنٍ شهير، وعلى المُشاهد أن يكتشف ذلك إما بالصدفة أو بمجهودٍ كبير من التركيز.

الممثلة أماكا أوكافور بشخصية الشيف روكسي (نتفليكس)

وممّن يقدّمون أداءً مميّزاً، الممثل الأصمّ والأبكم تروي كوتسور بشخصية «مانكوسو» الذي يهدّد حياة فينس بسبب ديونه له. إلى جانبه ابنه «جونيور» ومعاونه «بابيبت» اللذَين يتحوّلان إلى مضحكة، في الوقت الذي من المفترض أن يزرعا الخوف في قلبَي الشقيقَين.

الممثل تروي كوتسور بشخصية رجل العصابات مانكوسو (نتفليكس)

هل للرومانسية مساحة في «Black Rabbit»؟ نعم. لكنها تبقى خجولة، وهي الأخرى لا تحظى بكل ما تستحق من اهتمام. تتأرجح بين النظرات الصامتة التي يتبادلها جايك وحبيبة شريكه «إستيل» (كليوباترا كولمان)، واللحظات الخاطفة التي تجمعهما خلف الأبواب الموصدة.

تكثر الحبكات الفرعيّة وتتشعّب لتصيب المسلسل بمزيدٍ من التشتّت. في الحلقة الأولى، تخرج النادلة «آنا» (آبي لي) من المطعم بحالٍ يرثى لها بعد دوامها الليليّ. يفتح هذا المشهد الباب على قصة منفصلة تضاعف من هموم جايك وترافق المسلسل حتى آخر لحظاته. لكن حتى الحبكات الفرعيّة تعاني ضعفاً في التطوير والبلورة.

«الأرنب الأسود» من المسلسلات الأكثر مشاهدةً حالياً على «نتفليكس»

ينطلق «الأرنب الأسود» بِنيّةٍ بنّاءة، ألا وهي تصوير انعكاسات صدمات الطفولة على العلاقات العائلية والأخوية. غير أنه يتعثّر ويقع في جُحرٍ عميق من التشعّبات التي توصله إلى برّ الحلقة الأخيرة، مقطوع الأنفاس.


مقالات ذات صلة

«إميلي» تعثَّرت في روما فمدَّت لها باريس حبل الإنقاذ

يوميات الشرق إميلي تتنقّل بين روما وباريس في الموسم الخامس من المسلسل (نتفليكس)

«إميلي» تعثَّرت في روما فمدَّت لها باريس حبل الإنقاذ

في الموسم الخامس من مسلسل «Emily in Paris»، الأزياء المزركشة والإعلانات التجارية تحتلُّ المساحة الكبرى.

كريستين حبيب (بيروت)
رياضة عالمية نتفلكس تعتزم إطلاق لعبة محاكاة كرة قدم خلال صيف 2026 (أ.ب)

«نتفلكس» تطلق لعبة كرة قدم جديدة بالتزامن مع كأس العالم

تعتزم شبكة نتفليكس إطلاق لعبة محاكاة كرة قدم «فيفا» عبر منصتها للألعاب خلال صيف 2026، بالتزامن مع كأس العالم المقررة في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك.

«الشرق الأوسط» (سان فرانسيسكو)
يوميات الشرق «مستر بين» بحلّة جديدة... لقاء الكوميديا الخفيفة بالمعاني الإنسانية العميقة

«مستر بين» بحلّة جديدة... لقاء الكوميديا الخفيفة بالمعاني الإنسانية العميقة

عودة ميلاديّة للممثل روان أتكينسون، وشريكُه في البطولة رضيعٌ ساعده الذكاء الاصطناعي في التمثيل.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق جويل إدجرتون وفيليسيتي جونز... الثنائي الآتي من زمنٍ آخر (نتفليكس)

«أحلام القطار»... فيلم غير عادي عن حياةٍ عادية

«أحلام القطار» يحصد إجماع النقّاد والجمهور قبل الرحلة الكبيرة إلى «الأوسكار».

كريستين حبيب (بيروت)
الاقتصاد شعار «نتفليكس» معروض في استوديوهاتها مع لافتة هوليوود في الأفق (أ.ف.ب)

ترمب سيشارك في مراجعة صفقة «نتفليكس-وارنر براذرز»

قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب إنه سيُقرر ما إذا كان ينبغي المضي قدماً في الاندماج المُقترح بين «نتفليكس» و«وارنر براذرز».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

«الميلاد» حول العالم... رسائل أمل وسلام واحتفالات تُعيد الحياة

قداس منتصف الليل في كنيسة المهد ببيت لحم في فلسطين المحتلة (رويترز)
قداس منتصف الليل في كنيسة المهد ببيت لحم في فلسطين المحتلة (رويترز)
TT

«الميلاد» حول العالم... رسائل أمل وسلام واحتفالات تُعيد الحياة

قداس منتصف الليل في كنيسة المهد ببيت لحم في فلسطين المحتلة (رويترز)
قداس منتصف الليل في كنيسة المهد ببيت لحم في فلسطين المحتلة (رويترز)

وسط أجواء من الفرح والأنشطة المتنوعة، عادت المدن حول العالم لتزيين شوارعها واستقبال موسم الميلاد بألوان زاهية، من بيت لحم وغزة إلى الأقصر في مصر وسيدني في أستراليا، معبرة عن الأمل وتجدد الحياة رغم التحديات.

قداس عيد الميلاد في كنيسة المهد ببيت لحم مع مسيرة كشافة فلسطينية (أ.ف.ب)

شهدت بيت لحم والأراضي الفلسطينية احتفالات ميلادية بعد عامين خيّم عليهما النزاع في غزة، حيث عادت الحياة تدريجياً بعد اتفاق وقف إطلاق النار. شارك المئات في ساحة المهد وشارع النجمة في قداس ومسيرة للكشافة، وسط أصوات الطبول وألحان الترنيم الميلادي.

رئيس الوزراء الأسترالي ألبانيزي يقدم الطعام في غداء عيد الميلاد بسيدني (إ.ب.أ)

وقالت كاتياب عمايا، إحدى المشاركات في الكشافة، إن عودة الاحتفالات تمثل رمزاً مهماً لوجود المجتمع المسيحي في المنطقة، وتمنح سكان غزة الأمل في مستقبل أفضل. وأكد السكان أن الاحتفالات تعكس رغبتهم في إعادة الحياة إلى المدينة وتحفيز عودة السياح، بعد فترة من عزوف الزوار وارتفاع معدلات البطالة.

في غزة، أحيا المسيحيون قداس الميلاد في الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة بعد وقف إطلاق النار، معبرين عن رغبتهم في عودة الحياة الطبيعية إلى المدينة.

شجرة عيد الميلاد المضيئة في إحدى حدائق بكين (أ.ف.ب)

احتفلت الأقصر التاريخية في صعيد مصر بعيد الميلاد بعروض فلكلورية وألعاب التحطيب، على أنغام الربابة والمزمار، مستعرضة إرث المصريين القدماء في الاحتفال بالأعياد والمواسم. واستمرت الاحتفالات طوال فترة الميلاد ضمن فعاليات الدورة الـ15 للمهرجان القومي للتحطيب، ما أضفى بهجة وفرحاً على السكان والزوار.

أعضاء جوقة أغابي يقدمون عرضاً بمتحف الحضارة المصرية بالقاهرة (أ.ب)

شهد شاطئ بونداي في أستراليا احتفالات محدودة بسبب هجوم إرهابي أودى بحياة 15 شخصاً قبل أيام، حيث حافظ المشاركون على طقوس الميلاد مع احترام ذكرى الضحايا، وسط تعزيز الإجراءات الأمنية، بينما قلل الطقس العاصف من عدد المحتفلين.

وفي الوقت نفسه، تواجه بعض مناطق العالم ظروف طقس صعبة، مثل كاليفورنيا التي أعلنت السلطات فيها حالة الطوارئ تحسباً لفيضانات محتملة، ما يعكس التحديات المتعددة التي تواجه المجتمعات خلال موسم الأعياد.

أوكرانيون يرنمون للميلاد حاملين نجوم بيت لحم وسط مدينة لفيف (إ.ب.أ)

على الرغم من الظروف الصعبة، حملت الاحتفالات الميلادية هذا العام رسائل فرح وتجدد للأمل، سواء في فلسطين أو مصر أو أستراليا. وتجسد هذه الفعاليات قدرة المجتمعات على التعبير عن التضامن والحياة المشتركة، والحفاظ على التراث والثقافة، حتى في أصعب الأوقات.


«مقابر الخالدين» تفشل في ابتلاع انتقادات هدم ضريح «أمير الشعراء»

الضريح الذي دُفن فيه أحمد شوقي يخص عائلة زوجته (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)
الضريح الذي دُفن فيه أحمد شوقي يخص عائلة زوجته (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)
TT

«مقابر الخالدين» تفشل في ابتلاع انتقادات هدم ضريح «أمير الشعراء»

الضريح الذي دُفن فيه أحمد شوقي يخص عائلة زوجته (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)
الضريح الذي دُفن فيه أحمد شوقي يخص عائلة زوجته (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)

رغم إعلان محافظة القاهرة نقل رفات أمير الشعراء أحمد شوقي (1868 - 1932) إلى مقابر الخالدين التي تضم رفات رموز المجتمع المصري من ساسة ومبدعين وعلماء وأمراء، فإن خبر هدم ضريح أحمد شوقي في مكانه التاريخي قوبل بردود فعل غاضبة، جاء معظمها من مهتمين بتراث المقابر ذات الطرز المعمارية المتميزة، وأضرحة الشخصيات التاريخية، والعارفين بقدر شوقي، ومكانته في تاريخ الشعر المصري والعربي الحديث.

ويؤكد الباحث في التاريخ الدكتور مصطفى الصادق أن «هدم ضريح أمير الشعراء أحمد شوقي، يأتي ضمن لائحة طويلة من قبور المشاهير والعظماء التي تمت إزالتها»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «هناك غضب كبير، إلا أن عملية الهدم نفسها غير مستغرَبة، ومتوقَّعة، فقد سبقه كثيرون، جرفتهم المعاول، حيث سبق هدم ضريح محمود الفلكي، والسردار راتب باشا، وكثيرون آخرين».

وتحدث الصادق عن «وعود لم يفِ بها أحد»، على حد قوله، مضيفاً: «بعد هدم قبة حليم بن محمد علي باشا، أعلن المسؤولون أن أعمال الهدم سوف تتوقف، لكن ما جرى بعدها فاق الوصف، كانت أعمال الإزالة بعد ذلك خرافية»، ولفت إلى أن الحديث الذي يدور حالياً عن «مقابر فاخرة» لا معنى له في ظل هدم أضرحة لا مثيل لها في الفخامة والإبداع والعمارة.

من جهتها أعلنت محافظة القاهرة قرب افتتاح «مقابر تحيا مصر للخالدين»، التي «أقامتها الدولة خصيصاً لنقل رفات الشخصيات التاريخية، وسيخصص جزء منها لعرض التراكيب المعمارية الفريدة ذات الطراز المعماري المتميز».

جانب من أعمال الهدم في المقابر (صفحة «جبانات مصر» على «فيسبوك»)

وقالت المحافظة في بيان: «إن المقابر شرفت بإعادة دفن رفات شوقي، إذ تم وضعه في المكان الذي يليق بمكانته الأدبية والتاريخية». فيما قال الروائي المصري إبراهيم عبد المجيد لـ«الشرق الأوسط» إن «هدم ضريح شوقي جاء على خلاف ما أعلن عنه المسؤولون، فقد كان الحديث عن عدم المساس به، لكننا فوجئنا بنقل رفاته منذ شهور، ثم هدم المقبرة الذي لم يراع مكانة شوقي؛ فهو أشهر شعراء العربية في العصر الحديث».

وأضاف عبد المجيد أن «الخبر مؤلم جداً، خصوصا أنه يأتي في ظل الحديث عن هدم أضرحة رموز إبداعية مهمة في تاريخ مصر، بدءاً من مدفن محمود سامي البارودي، وصولاً إلى ضريح عميد الأدب العربي طه حسين، الذي يختفي الآن تحت الجسر».

ووفق عبد المجيد: «هناك أضرحة عديدة هدموها وكانت بمثابة متاحف زاخرة بالتحف والتماثيل والرسومات والزخارف الفنية المرصعة بالمعادن، تعرضت للسرقة وبيعت في السوق، وبينها شواهد قبور وتركيبات لمشاهير كان يجب حمايتها ومنع المساس بها».

المحزن في واقعة هدم ضريح شوقي، وفق الباحث في التراث إبراهيم طايع، أن «عمليات الإزالة سبقها بشهور نقل رفاته، وقام مجهولون بسرقة تركيبات عدد من المقابر داخل الضريح»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «كان من الواضح أن مصير الضريح إلى زوال، لأن كل ما حوله من مدافن جرفتها المعاول».

من جهته وصف الشاعر المصري، أحمد عبد المعطي حجازي، إزالة مقبرة شوقي بأنها بمنزلة «هدم جسم حي وكيان باقٍ وخالد بأيدي فانين وعاجزين عن تقدير القيم». وأضاف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «ما يحدث لمقبرة شوقي يطول الثقافة المصرية كلها، منذ عقود وحتى الآن، ومَن هدموا مقبرة شوقي هم أنفسهم الذين يهدمون الثقافة المصرية».

دُفن أمير الشعراء في مقبرة تخص عائلة زوجته، وتعود لحسين باشا شاهين، وهناك يوجد رفاته أيضاً، ورفات زوجته ووالده. «أكثر من 5 تركيبات اختفت قبل هدم الضريح، ولم يتبقَّ سوى التركيبة الرخامية الخاصة بشوقي، التي ظلت حتى هدم الضريح»، وفق طايع.


«بين ثقافتين» يَعبر الحدود ويبرز تنوع الثقافتين السعودية والصينية تحت سقف واحد

ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)
ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)
TT

«بين ثقافتين» يَعبر الحدود ويبرز تنوع الثقافتين السعودية والصينية تحت سقف واحد

ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)
ثقافتان تتشاركان التعبير عن الموروث وصور الإبداع في مكانٍ واحد (وزارة الثقافة)

من جديد، يعود مهرجان «بين ثقافتين» ليعبر حدود الثقافة، ويحتفي بتجارب استثنائية تجمع بين الفنون والموسيقى ومذاقات المأكولات التقليدية وشتى العروض الحيّة، جامعاً في نسخته الثالثة بين الثقافتين السعودية والصينية، لإبراز التنوع الثقافي وحدود التلاقي بينهما في قلب الرياض.

وأطلقت وزارة الثقافة النسخة الثالثة من مهرجان «بين ثقافتين» التي تستضيف جمهورية الصين وثقافتها وتقاليدها المتنوعة، وذلك في قاعة «الملفى» بمدينة محمد بن سلمان غير الربحية «مدينة مسك» في العاصمة الرياض، ضمن حدث دولي يُقام بالتزامن مع العام الثقافي السعودي الصيني 2025؛ بهدف ترسيخ الحوار الحضاري، وتعزيز التبادل الثقافي بين السعودية والصين.

وتُقدم الفعالية تجربة فنية متكاملة تستعرض الإرث الحضاري والممارسات الثقافية لكلا البلدين، وتكشف عن أوجه التشابه والتكامل بينهما في مجالات الفنون والطهي والحرف اليدوية والموسيقى، ما يعكس عمق الروابط التي تجمع الشعبين.

ويضم المهرجان معرضاً فنياً يزخر بأعمال لفنانين سعوديين وصينيين بارزين، ومتاجر متنوعة تُقدم منتجات من كلتا الثقافتين، وفعاليات تفاعلية تشمل عروضاً أدائية حية، وتجارب طهي فريدة، وأنشطة ثقافية مصممة لإثراء تجربة الزوار.

‏أصالة الموروث السعودي والصيني تتجلّى في عروض ثقافية متنوّعة في ⁧‫المهرجان (وزارة الثقافة)

حينما تهب الرياح شرقاً

يحضر الفن في المهرجان بوصفه لغةً وجسراً يربط بين ثقافتين وشعبين اختارا، عبر العصور، التعبير عن مكنونات ثقافتيهما من خلال العطاء الفني والإبداعي الرصين. وفي معرض يحمل عنوان «حينما تهبّ الرياح شرقاً»، تلتقي الأعمال السعودية والصينية في حوار إبداعي يعكس التلاقي الثقافي المعاصر، من خلال لوحات ومنحوتات وأعمال تركيبية، تسعى إلى استكشاف نقاط الالتقاء بين الطبيعة والفكر، وبين الماضي والحاضر، ضمن رؤية فنية مشتركة.

‏تناغم ثقافي يتوهّج بألوان الفن في ⁧‫المهرجان (وزارة الثقافة)

وتتوزع أعمال المعرض في 3 أقسام؛ حيث تلتقي الصحراء ببحر الذاكرة في القسم الأول من المعرض الفني، ويتناول كيف تُشكِّل الصحراء والبحر ذاكرة الفنانين ورؤيتهم الفنية، إذ تتحول العناصر الطبيعية إلى لغة للتأمل تربط بين ثبات الأرض وسيولة الزمن.

وفي قسم «نسيج من نور وتراب»، وهو القسم الثاني من المعرض، يُسلط الضوء على العلاقة بين المادي واللامادي، إذ يذيب الفنانون الحدود بين الضوء والطين والنسيج ليكشفوا جوهر المادة واتحاد الروح بالبيئة.

وفي قسم «آثار المستقبل»، تُركز المعروضات على إعادة قراءة التقاليد برؤية معاصرة تمزج بين الذاكرة والابتكار، لتغدو الأعمال بمثابة خريطة زمنية تصل الماضي بالحاضر، وتستشرف ملامح المستقبل.

‏صور توثّق الالتقاء الثقافي البديع بين المملكة والصين (وزارة الثقافة)

14 يوماً من جسور الثقافة

يُقدم المهرجان الذي سيستمر حتى 6 يناير (كانون الثاني) 2026، تجربة ثقافية شاملة تُبرز عُمق الحضارة الصينية وتَنوُّعَ موروثها، كما يستعرض أوجه التلاقي والتباين بينها وبين الثقافة السعودية، وذلك في إطار جهود وزارة الثقافة لمدّ جسور التواصل الحضاري، وتعزيز حضور السعودية إقليمياً ودولياً، وترسيخ مكانتها بوصفها مركزاً فاعلاً للحوار الثقافي العالمي.

ويستهدف المهرجان العائلات والأفراد، والسياح والزوار الأجانب، والوفود الرسمية، والمهنيين في القطاعات الثقافية، من خلال برنامج متنوع يشمل معرضاً فنياً، وتجربة «الشارع الصيني» التي تجمع بين الثقافتين عبر الحِرف اليدوية، إلى جانب العروض الأدائية والموسيقية، وغيرها من الفعاليات التي تعكس القيم المشتركة في التراث والهوية، وتُسهم في تعزيز التقارب الإنساني عبر الثقافة بوصفها لغةً عالمية.

من الصين إلى المهرجان وجوه متعددة للمتعة واستكشاف الفن والتراث (وزارة الثقافة)

يُذكر أن النسخة الأولى من مهرجان «بين ثقافتين» استضافت الثقافة اليمنية، فيما استضافت النسخة الثانية الثقافة العراقية، إذ شهدت النسختان إقبالاً جماهيرياً واسعاً وتفاعلاً ملحوظاً من المهتمين والمثقفين؛ ما أسهم في ترسيخ مكانة الفعالية منصة ثقافية سنوية تحتفي بالتنوّع الحضاري الإنساني.

وتسعى وزارة الثقافة، من خلال مهرجان «بين ثقافتين»، إلى تقديم الثقافة السعودية في سياق تفاعلي مُقارَن، يُبرز أوجه التقارب والاختلاف مع ثقافات العالم، ويُعزز الوعي بالتنوّع الثقافي، ويدعم تمكين المبدعين والحرفيين والفنانين، ويوسّع آفاق فرص التعاون الثقافي الدولي، إلى جانب بناء شراكات استراتيجية تُسهم في تنمية الصناعات الإبداعية، بما ينسجم مع مستهدفات الاستراتيجية الوطنية للثقافة تحت مظلة «رؤية 2030».

أبعاد ثقافية رحبة يضمها المهرجان بين الثقافتين (وزارة الثقافة)