معرض «مدن تحت الحجر»... الفن يوثق لحظات العزلة

حط رحاله في المتحف السعودي للفن المعاصر بالرياض

غادة خنجي في المعرض (إنستغرام)
غادة خنجي في المعرض (إنستغرام)
TT

معرض «مدن تحت الحجر»... الفن يوثق لحظات العزلة

غادة خنجي في المعرض (إنستغرام)
غادة خنجي في المعرض (إنستغرام)

يقال إن الإبداع الفني يستلزم حرية جسدية ونفسية وفكرية، فكيف إذن يمكن للفنان أن يتعامل مع حالات الطوارئ والعزلة الجبرية؟

في الشهور الأولى لعام 2020 غزت جائحة كورونا العالم وفرض على إثرها الحجر المنزلي ووضعت البشرية في امتحان صعب. لم يكن التحدي مقتصراً على مواجهة العزلة، بل شمل أيضاً توقف الأنشطة والأعمال، والخوف من فقدان الأحبة، خاصة في المراحل الأولى للجائحة.

تساءل كثيرون عن مدى قدرة الإنسان على الصمود في وجه هذه الظروف القاسية، وهي تجربة تركت بصمتها العميقة على الفنانين، الذين عاشوا تفاصيلها واستلهموا منها موضوعات جديدة لأعمالهم.

مدن تحت الحجر

في معرض «مدن تحت الحجر»، الذي جال عدداً من المدن العالمية ويُعرض حالياً في المتحف السعودي للفن المعاصر بالرياض، يبرز حضور الفنانين العرب الذين استجابوا لدعوة الفنان والقيّم عبد القادري. قدم الفنانون كتباً فنية توثق تجاربهم الشخصية خلال فترة الجائحة، وتكشف كيف تعاملوا مع العزلة ومخاوف الفقد، وكيف ترجموا مشاعرهم المتضاربة إلى أعمال فنية مؤثرة.

ألوان بضوء النهار

يواصل الفنان السوري فادي يازجي تقديم أعمال تتمحور حول الإنسان، مستلهماً من العواطف والهموم والحكايات اليومية التي يعيشها أبناء بلده. في تجربته الفنية، يحرص يازجي على تجسيد وجوه السوريين في أعمال تجمع بين الطابعين العام والخاص، ليحمل كل وجه قصة فريدة تعكس واقع المجتمع وتفاصيله.

وفي مشاركته بمعرض «مدن تحت الحجر»، يقدّم يازجي كتاباً فنياً يروي حكاية مستقلة عن فترة الحجر الصحي خلال جائحة كورونا.

عمل الفنان فادي يازجي (الشرق الأوسط)

عند الاقتراب من كتاب اليازجي الفني، تنجذب للألوان الزاهية، فتعتقد لوهلة أنك أمام مشهد مبهج أو احتفال بصري بالحياة، لكن سرعان ما يتبدد هذا الشعور عند التمعن في تفاصيل العمل وتعابير الشخوص. نرى أشخاصاً يجلسون متلاصقين، عيونهم شاخصة نحو الأعلى، تغمرهم الرهبة في مشاهد، والحزن في مشاهد أخرى، يجمعهم شيء واحد وهو الانتظار. ثم يأتي عنوان الكتاب الفني مباشراً وواضحاً «الخسارة والعزلة». في البيان الفني للفنان يحكي يازجي أن كتابه كان عبارة عن جريدة يومية، قرر أن يحررها بنفسه ليعبر من خلالها عن حزنه على من رحلوا، وخوفه على عائلته مستخدماً «ألواناً بضوء النهار» على حد تعبيره. مع هذا يأخذك العمل لما هو أوسع من عزلة صحية طارئة وأعمق من خوف تجاه مجهول واحد.

قصة ليل

يقدّم الفنان الجزائري الفرنسي نصر الدين بن ناصر رؤية فنية أشبه بعدسة المجهر، تكشف منظوراً جديداً للعالم من حولنا. في كتابه الفني «صمت الليل»، الذي يشارك به في معرض «مدن تحت الحجر»، يبرز كائن أسود يمتد عبر صفحات الكتاب، تتوزع تفاصيله بين طرفين: أحدهما صورة مقربة لذيل وشعر أسود لجسد حيوان واضح المعالم، والآخر رأس حيوان مفترس ضبابي الملامح.

عمل الفنان نصر الدين بن ناصر (البيان الفني)

يعكس هذا العمل حالة من خروج المخاوف الشخصية عن السيطرة، حيث تتضخم الهواجس حتى يتضاءل الإنسان ويعود طفلاً في مواجهة وحوش كوابيسه. وفي المقابل، يجد بن ناصر في هدوء الحجر الصحي مساحة للتأمل والسكينة، بعيداً عن التوتر والصراع اليومي. يعبّر عن هذا التباين من خلال اختلاف الضوء بين طرفي الكتاب، مجسداً لحظة شعورية تجمع بين الخوف والطمأنينة، وموثقاً قصة ليلية في زمن العزلة الجبرية.

الإيمان والوقت

حالة من الشك أصابت الفنانة والمصورة البحرينية غادة خنجي خلال فترة الحجر المنزلي، ظنت بعدها أنها لن تتمكن بعد الآن من خلق أفكار لأعمالها الفنية، لكن الإيمان أنقذها. من مشهد الحرم المكي الخاوي من الحجيج، ومن أخبار تراكمت على صفحات الجرائد عن الجائحة، استلهمت خنجي فكرة كتابها الفني. استعانت بقصاصات ورق من جريدة «أخبار الخليج» التي كان أخوها يرسلها لها كل صباح. جسدت تركيباً بصرياً يتوسطه مجسم صغير للكعبة، تطوف حوله عبارات من القصاصات الورقية. باحت خنجي من خلال عملها الفني عن التساؤلات والأفكار التي كانت تشغلها. سألت إن كان الحجر المنزلي هو صوم جماعي عن الحركة، ولاحظت كيف توارت القضايا العالمية في ظل الاهتمام المتزايد بتطورات الجائحة، مع هذا جاءت مشاركتها الفنية بمثابة حالة تصالح مع المشهد المتغير، ويقيناً بأن الوقت كفيل بإعادة الحياة إلى سابق عهدها.

الشجرة في مواجهة الموت

بعد أربعة أسابيع من الحجر الصحي الكامل، تلقت الفنانة المصرية هدى توكل دعوة للمشاركة في معرض «مدن تحت الحجر»، فكانت تلك الدعوة بمثابة شعاع نور اخترق عزلتها وأعاد إليها نبض الإبداع.

تتمحور أعمال توكل حول استمرارية الحياة والقضايا المجتمعية، حيث تتخذ من المرأة والشجرة رمزين دائمين في أعمالها الفنية. وفي كتابها الفني «ممر»، واصلت استكشاف هذا المفهوم، مستخدمة الأشجار، والأغصان الممتدة، والثمار كتعبير بصري عن المقاومة في وجه الموت، مؤكدة أن الشجرة تمثل رمزاً جمعياً للحياة.

عمل الفنانة هدى توكل (إنستغرام)

اعتمدت توكل على وسائطها المفضلة: القماش والخيوط المطرزة، في إشارة إلى الترميم والحفظ والإصلاح. ومن خلال تباين الألوان الحيوية مع الأغصان السوداء، قدمت رؤية فنية تعكس وجهين متقابلين للحياة، بين الأمل والظلمة، وبين الاستمرار والانقطاع.


مقالات ذات صلة

معرض «آي كلاود» لجولي بو فرح ريشة مغمسة بالحدس والعفوية

يوميات الشرق تدور موضوعات لوحات بو فرح بين الخيال والواقع (الشرق الأوسط)

معرض «آي كلاود» لجولي بو فرح ريشة مغمسة بالحدس والعفوية

تستعير الفنانة التشكيلية جولي بو فرح في معرضها «آي كلاود» من الغيوم صورة شاعرية لأعمالها، فترسمها بريشة تتأرجح بين الواقع والخيال.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق إحدى لوحات المعرض (المتحف المصري بالتحرير)

المتحف المصري يحتضن لوحات «من البردي الأخضر إلى الفن الخالد»

تحت عنوان «من البردي الأخضر إلى الفن الخالد»، استضاف المتحف المصري بالتحرير (وسط القاهرة) معرضاً فنياً يضم لوحات وأعمالاً تستلهم الحضارة المصرية.

محمد الكفراوي (القاهرة )
لمسات الموضة انطلقت الدورة الثانية من أسبوع الموضة المصري بورشات عمل وتدريب وعروض تبرز قدرات مواهب شابة (خاصة)

أسبوع الموضة المصري... آمال كبيرة في ترسيخ مكانته بالخريطة العالمية

يأتي أسبوع الموضة المصري ليكون خطوة مهمة في رحلة القاهرة لاستعادة دورها بوصفها عاصمة ثقافية وفنية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق وجه مرسوم على ورق هندي مصنوع من القطن (الشرق الأوسط)

«تاريخ الورق»... معرض مصري لسبر أغوار الذاكرة الإنسانية

لا يتعامل الفنان التشكيلي المصري محمد أبو النجا مع الورق باعتباره وسيطاً فنياً فحسب، بل يقدّمه على أنه مركز تاريخي يمكن عبره إعادة النظر إلى رحلة الإنسان نفسه.

منى أبو النصر (القاهرة )
يوميات الشرق أعمال الفنانين تناولت مظاهر الحياة في الأقصر (قومسير الملتقى)

«الأقصر للتصوير» يستلهم تراث «طيبة» وعمقها الحضاري

بأعمال فنية تستلهم التراث القديم والحضارة الموغلة في القدم لمدينة «طيبة» التاريخية، اختتم ملتقى الأقصر أعماله الخميس.

محمد الكفراوي (القاهرة )

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
TT

ابتلعها بهدف سرقتها... استعادة قلادة مستوحاة من أفلام جيمس بوند من أحشاء رجل نيوزيلندي

شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)
شرطي يعرض بيضة فابرجيه خضراء مرصعة بالماس في أوكلاند بعد مراقبة دامت 6 أيام للص المتهم بابتلاعها (أ.ف.ب)

كشفت شرطة نيوزيلندا، التي أمضت 6 أيام في مراقبة كل حركة أمعاء لرجل متهم بابتلاع قلادة مستوحاة من أحد أفلام جيمس بوند من متجر مجوهرات، اليوم (الجمعة)، أنها استعادت القلادة المزعومة.

وقال متحدث باسم الشرطة إن القلادة البالغة قيمتها 33 ألف دولار نيوزيلندي ( 19 ألف دولار أميركي)، تم استردادها من الجهاز الهضمي للرجل مساء الخميس، بطرق طبيعية، ولم تكن هناك حاجة لتدخل طبي.

يشار إلى أن الرجل، البالغ من العمر 32 عاماً، والذي لم يكشف عن هويته، محتجز لدى الشرطة منذ أن زعم أنه ابتلع قلادة الأخطبوط المرصعة بالجواهر في متجر بارتريدج للمجوهرات بمدينة أوكلاند في 28 نوفمبر (تشرين الثاني)، وتم القبض عليه داخل المتجر بعد دقائق من السرقة المزعومة.

وكانت المسروقات عبارة عن قلادة على شكل بيضة فابرجيه محدودة الإصدار ومستوحاة من فيلم جيمس بوند لعام 1983 «أوكتوبوسي». ويدور جزء أساسي من حبكة الفيلم حول عملية تهريب مجوهرات تتضمن بيضة فابرجيه مزيفة.

وأظهرت صورة أقل بريقاً قدمتها شرطة نيوزيلندا يوم الجمعة، يداً مرتدية قفازاً وهي تحمل القلادة المستعادة، التي كانت لا تزال متصلة بسلسلة ذهبية طويلة مع بطاقة سعر سليمة. وقال متحدث إن القلادة والرجل سيبقيان في حوزة الشرطة.

ومن المقرر أن يمثل الرجل أمام محكمة مقاطعة أوكلاند في 8 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وقد مثل أمام المحكمة لأول مرة في 29 نوفمبر.

ومنذ ذلك الحين، تمركز الضباط على مدار الساعة مع الرجل لانتظار ظهور الدليل.


إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
TT

إزالة غامضة لـ«جدار الأمل» من وسط بيروت... ذاكرة المدينة مُهدَّدة بالمحو!

كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)
كان الجدار يقول إنّ العبور ممكن حتى في أصعب الأزمنة (صور هادي سي)

اختفت من وسط بيروت منحوتة «جدار الأمل» للفنان هادي سي، أحد أبرز أعمال الفضاء العام التي وُلدت من انتفاضة 17 أكتوبر (تشرين الأول). العمل الذي استقرّ منذ عام 2019 أمام فندق «لوغراي»، وتحوَّل إلى علامة بصرية على التحوّلات السياسية والاجتماعية، أُزيل من دون إعلان رسمي أو توضيح. هذا الغياب الفجائي لعمل يزن أكثر من 11 طناً يفتح الباب أمام أسئلة تتجاوز الشقّ اللوجستي لتطول معنى اختفاء رمز من رموز المدينة وواقع حماية الأعمال الفنّية في فضاء بيروت العام. وبين محاولات تتبُّع مصيره، التي يقودها مؤسِّس مجموعة «دلول للفنون» باسل دلول، يبقى الحدث، بما يحيطه من غموض، مُشرَّعاً على استفهام جوهري: بأيّ معنى يمكن لعمل بهذا الوزن المادي والرمزي أن يُزال من عمق العاصمة من دون تفسير، ولمصلحة أيّ سردية يُترك هذا الفراغ في المكان؟

من هنا عَبَر الأمل (صور هادي سي)

ليست «جدار الأمل» منحوتة جيء بها لتزيين وسط بيروت. فمنذ ولادتها خلال انتفاضة 17 أكتوبر، تحوَّلت إلى نقطة التقاء بين الذاكرة الجماعية والفضاء العام، وعلامة على رغبة اللبنانيين في استعادة مدينتهم ومخيّلتهم السياسية. بدت كأنها تجسيد لما كان يتشكّل في الساحات. للحركة، وللاهتزاز، وللممرّ البصري نحو مستقبل أراده اللبنانيون أقل التباساً. ومع السنوات، باتت المنحوتة شاهدة على الانفجار الكبير في المرفأ وما تبعه من تغيّرات في المزاج العام، وعلى التحوّلات التي أصابت الوسط التجاري نفسه. لذلك، فإنّ إزالتها اليوم تطرح مسألة حماية الأعمال الفنّية، وتُحيي النقاش حول القدرة على الاحتفاظ بالرموز التي صنعتها لحظة شعبية نادرة، وما إذا كانت المدينة تواصل فقدان معالمها التي حملت معنى، واحداً تلو الآخر.

في هذا الركن... مرَّ العابرون من ضيقهم إلى فسحة الضوء (صور هادي سي)

ويأتي اختفاء «جدار الأمل» ليعيد الضوء على مسار التشكيلي الفرنسي - اللبناني - السنغالي هادي سي، الذي حملت أعماله دائماً حواراً بين الذاكرة الفردية والفضاء المشترك. هاجس العبور والحركة وإعادة تركيب المدينة من شظاياها، شكّلت أساسات عالمه. لذلك، حين وضع عمله في قلب بيروت عام 2019، لم يكن يضيف قطعة إلى المشهد بقدر ما كان يُعيد صياغة علاقة الناس بالمدينة. سي ينتمي إلى جيل يرى أنّ الفنّ في الفضاء العام مساحة نقاش واحتكاك، ولهذا يصعب عليه أن يقرأ ما جرى على أنه حادثة تقنية، وإنما حدث يُصيب صميم الفكرة التي يقوم عليها مشروعه.

يروي باسل دلول ما جرى: «حين أُعيد افتتاح (لوغراي) في وسط بيروت، فضّل القائمون عليه إزالة المنحوتة». يُقدّم تفسيراً أولياً للخطوة، ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «قبل 2019، كانت المنحوتة تستمدّ الكهرباء اللازمة لإضاءتها من الفندق وبموافقته. ثم تعاقبت الأحداث الصعبة فأرغمته على الإغلاق. ومع إعادة افتتاحه مؤخراً، طلب من محافظ بيروت نقل المنحوتة إلى مكان آخر». يصف دلول اللحظة قائلاً إنّ العملية تمّت «بشكل غامض بعد نزول الليل، إذ جِيء برافعة لإزالة العمل بلا إذن من أحد». أما اليوم، فـ«المنحوتة موجودة في ثكنة مُغلقة بمنطقة الكارنتينا».

كأنّ المدينة فقدت أحد أنفاسها (صور هادي سي)

دلول الذي يتابع مسارات فنانين، من بينهم هادي سي، لا يتردَّد في الإجابة بـ«نعم» حين نسأله إن كان يرى الحادثة «محاولة محو للذاكرة». يخشى أن تصبح الأعمال الفنّية في بيروت مهدَّدة كلّما حملت رمزية جماعية أو امتداداً لذاكرة سياسية لا ترغب المدينة في مواجهتها. يرفض أن يتحوَّل الفضاء العام إلى مساحة بلا سردية، ويُحزنه، كما يقول، صدور هذا الارتكاب عن فندق «يُطلق على نفسه أوتيل الفنّ»، حيث تتوزَّع اللوحات في أروقته ويتميَّز تصميمه الداخلي بحسّ فنّي واضح. ومع ذلك، يُبدي شيئاً من التفاؤل الحَذِر حيال مصير المنحوتة: «نُحاول التوصّل إلى اتفاق لإيجاد مكان لائق بها، ونأمل إعادتها إلى موقعها».

أما هادي سي، فلا يُخفي صدمته لحظة تلقّي الخبر: «شعرتُ كأنّ ولداً من أولادي خُطف منّي». نسأله: هل يبقى العمل الفنّي امتداداً لجسد الفنان، أم يبدأ حياته الحقيقية حين يخرج إلى العلن؟ فيُجيب: «بعرضه، يصبح للجميع. أردته رسالة ضدّ الانغلاق وكلّ ما يُفرّق. في المنحوتة صرخة تقول إنّ الجدار لا يحمينا، وإن شَقَّه هو قدرُنا نحو العبور».

كان الجدار مفتوحاً على الناس قبل أن تُغلق عليه ليلة بيروت (صور هادي سي)

ما آلَمَه أكثر هو غياب أيّ إشعار مُسبَق. فـ«منحوتة ضخمة تُزال بهذه الطريقة» جعلته يشعر بأنّ «الفنان في لبنان غير مُحتَرم ومُهدَّد». يؤكد أنّ «الفعل مقصود»، لكنه يمتنع عن تحديد أيّ جهة «لغياب الأدلّة».

يؤمن سي بأنّ الفنّ أقرب الطرق إلى الإنسان، والذاكرة، وإنْ مُحيَت من المكان، لا تُنتزع من أصحابها. كثيرون تواصلوا معه تعاطفاً، وقالوا إنهم لم يتعاملوا مع المنحوتة على أنها عمل للمُشاهدة فقط، وإنما مرّوا في داخلها كأنهم يخرجون من «رحم أُم نحو ولادة أخرى». لذلك يأمل أن تجد مكاناً يسمح بقراءتها من جديد على مستوى المعنى والأمل: «إنها تشبه بيروت. شاهدة على المآسي والنهوض، ولم تَسْلم من المصير المشترك».

من جهتها، تُشدّد مديرة المبيعات والتسويق في «لوغراي»، دارين مدوّر، على أنّ الفندق «مساحة لاحتضان الفنّ واستضافة المعارض ومواكبة الحركة الثقافية البيروتية». وتنفي لـ«الشرق الأوسط» أيّ علاقة للفندق بقرار إزالة المنحوتة: «الرصيف الذي وُضعت عليه لا يعود عقارياً لنا، ولا نملك سُلطة بتّ مصيرها. بُلِّغنا، كما الجميع، بتغيير موقعها، لا أكثر ولا أقل».


بشعار «في حب السينما»... انطلاق عالمي لمهرجان البحر الأحمر

جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)
جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)
TT

بشعار «في حب السينما»... انطلاق عالمي لمهرجان البحر الأحمر

جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)
جمانا الراشد رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي تتوسط أعضاء لجنة تحكيم مسابقة البحر الأحمر للأفلام (إدارة المهرجان)

تحت شعار «في حب السينما»، انطلقت فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة، وسط حضور كبير لنجوم وصنّاع السينما، يتقدمهم الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة، وجمانا الراشد، رئيسة مجلس أمناء مؤسسة البحر الأحمر السينمائي، إلى جانب أسماء سعودية بارزة في مجالات الإخراج والتمثيل والإنتاج.

ويواصل المهرجان، الذي يمتد من 4 إلى 13 ديسمبر (كانون الأول) الجاري، ترسيخ موقعه مركزاً لالتقاء المواهب وصناعة الشراكات في المنطقة. وشهدت سجادة المهرجان الحمراء حضوراً مكثفاً لشخصيات سينمائية من مختلف دول العالم. وجذبت الجلسات الحوارية الأولى جمهوراً واسعاً من المهتمين، بينها الجلسة التي استضافت النجمة الأميركية كوين لطيفة، وجلسة للممثلة الأميركية كريستن دانست، وجلسة لنجمة بوليوود إيشواريا راي. وافتُتح المهرجان بفيلم «العملاق»، للمخرج البريطاني - الهندي روان أثالي، في عرضه الأول بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو فيلم يستعرض سيرة الملاكم البريطاني اليمني الأصل نسيم حميد بلقبه «ناز».

ويسعى المهرجان هذا العام إلى تقديم برنامج سينمائي متنوع يضم عروضاً عالمية مختارة، وأعمالاً من المنطقة تُعرض للمرة الأولى، إضافة إلى مسابقة رسمية تستقطب أفلاماً من القارات الخمس. كما يُقدّم سلسلة من الجلسات، والحوارات المفتوحة، وبرامج المواهب، التي تهدف إلى دعم الأصوات الجديدة وتعزيز الحضور العربي في المشهد السينمائي الدولي.