بعد الفيضانات والحرائق المميتة... إسبانيا تبدأ تدريس الطلاب مهارات البقاء على قيد الحياة

رجال الإطفاء يكافحون حريقاً هائلاً شمال غربي إسبانيا (أ.ب)
رجال الإطفاء يكافحون حريقاً هائلاً شمال غربي إسبانيا (أ.ب)
TT

بعد الفيضانات والحرائق المميتة... إسبانيا تبدأ تدريس الطلاب مهارات البقاء على قيد الحياة

رجال الإطفاء يكافحون حريقاً هائلاً شمال غربي إسبانيا (أ.ب)
رجال الإطفاء يكافحون حريقاً هائلاً شمال غربي إسبانيا (أ.ب)

ستُلزم إسبانيا الأطفال من سن الثالثة بدروس حول الفيضانات وحرائق الغابات والزلازل والانفجارات البركانية، في خطوة وصفتها الحكومة بأنها عاجلة لإعداد الجيل القادم لآثار حالة الطوارئ المناخية، وفقاً لصحيفة «إندبندنت».

كشفت وزارة التعليم عن الخطة يوم الخميس، بعد أقل من عام على الفيضانات الكارثية التي أودت بحياة أكثر من 220 شخصاً في شرق إسبانيا، وبعد أسابيع فقط من حرائق الغابات الصيفية التي أودت بحياة أربعة أشخاص.

وسيتلقى أكثر من ثمانية ملايين طفل في 25 ألف مدرسة تدريباً في إطار برنامج استجابة للطوارئ من عشر نقاط، يشمل أيضاً الحوادث الكيميائية والصناعية والنووية، بالإضافة إلى الحوادث المتعلقة بنقل المواد الخطرة.

ووفقاً للوزارة، يهدف البرنامج إلى تزويد التلاميذ بـ«المعرفة والمهارات والمواقف والقيم اللازمة للتعامل مع حالات الطوارئ بطريقة آمنة وفعالة». سيتلقى الأطفال الصغار وفي المدارس الابتدائية ساعتين على الأقل من الدروس، في حين سيتلقى الطلاب الذين هم أكبر سناً دروساً لمدة أربع ساعات على الأقل، باستخدام مقاطع فيديو ورسوم بيانية ومواد أخرى.

لقطة جوية تُظهر قرية سان فيسنتي دي ليرا الصغيرة بعد أن دمرها حريق الغابات بشمال غربي إسبانيا (إ.ب.أ)

بالنسبة للفئة العمرية الصغرى، ستركز الدروس على التعرف على أجهزة الإنذار، ورصد العلامات المبكرة للخطر، وتعلم مبادئ السلامة الأساسية. وسيُعلّم الأطفال الذين هم أكبر سناً البحث عن أماكن مرتفعة أثناء الفيضان أو الاختباء تحت مكتب أثناء الزلزال. كما سيتلقى جميع الطلاب إرشادات حول كيفية التمييز بين المعلومات الموثوقة والمعلومات المضللة في حالات الطوارئ.

وخلال إطلاق البرنامج في مدرسة بكوينكا، قال رئيس الوزراء بيدرو سانشيز إن أزمة المناخ تفرض على الشباب الاستعداد بشكل أفضل من أي جيل سابق. وأضاف: «إذا كنا لا نريد أن نترك لأطفالنا إسبانيا رمادية اللون بسبب الحرائق واللهب، أو إسبانيا بنية اللون بسبب الفيضانات، فنحن بحاجة إلى إسبانيا أكثر خضرة».

ودعا سانشيز جميع الأحزاب السياسية إلى التوحد خلف «ميثاق دولة عظيم» لمواجهة الأزمة. وقال: «لنترك القضايا الآيديولوجية جانباً، ولنستمع إلى العقل والعلم والحس السليم».

ستبدأ الفصول الدراسية الجديدة هذا العام الدراسي. وستتمكن المناطق اللامركزية في إسبانيا من تكييف المواد الدراسية مع المخاطر المحلية، سواء كانت حرائق غابات في غابات البحر الأبيض المتوسط، أو فيضانات على طول الساحل الشرقي، أو نشاطاً زلزالياً في جزر الكناري.

يأتي هذا الإعلان في الوقت الذي تواجه فيه إسبانيا، إحدى أكثر الدول الأوروبية تأثراً بأزمة المناخ، ظواهر جوية قاسية متزايدة. وترتفع درجة حرارة حوض البحر الأبيض المتوسط ​​أسرع بنحو 20 في المائة من المتوسط ​​العالمي، مما يجعل إسبانيا معرضة بشكل خاص لموجات حر شديدة وجفاف وفيضانات.

وأدت موجات حر وحرائق غابات متتالية في فصول الصيف إلى تدمير الأراضي الزراعية وإجلاء السكان على نطاق واسع في البلاد، في حين تسببت أمطار الخريف الغزيرة في فيضانات قاتلة.

وإسبانيا ليست أول دولة تُدمج التأهب للكوارث في التعليم، لكن نطاق هذه المبادرة غير مسبوق في أوروبا.

يقول المسؤولون الإسبان إن برنامجهم يستلهم من نماذج مثل اليابان، التي تُشرك تلاميذ المدارس في تدريبات منتظمة على الزلازل والتسونامي، ويتوسع في مبادرات إقليمية مثل دورات الحماية المدنية في فالنسيا التي أُطلقت عام 2018.


مقالات ذات صلة

لماذا الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالفيروسات ونشرها؟

صحتك الأطفال الصغار أكثر عرضة للإصابة بالفيروسات ونشرها (رويترز)

لماذا الأطفال أكثر عرضة للإصابة بالفيروسات ونشرها؟

أكدت دراسة حديثة الاعتقاد السائد بين كثير من الأشخاص بأن الأطفال الصغار أكثر عرضة للإصابة بالفيروسات المختلفة ونشرها؛ خصوصاً فيروسات الجهاز التنفسي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي امرأة تحمل أطفالها في مدينة غزة (رويترز - أرشيفية)

الأونروا: 20 % من أطفال غزة فاتتهم اللقاحات الأساسية بعد عامين من الحرب

قالت وكالة الأونروا، اليوم الجمعة، إن واحداً من بين كل خمسة أطفال في قطاع غزة فاتته اللقاحات الأساسية بعد عامين من الحرب.

«الشرق الأوسط» (غزة)
يوميات الشرق مراهقون يستخدمون هواتفهم إلى جانب شعار منصة «تيك توك» (رويترز)

فرنسا تفتح تحقيقاً جنائياً ضد «تيك توك» بشأن آثاره على صحة الأطفال العقلية

فتح الادعاء العام الفرنسي تحقيقاً جنائياً ضد تطبيق «تيك توك» لفشله في حماية الصحة النفسية للأطفال على منصاته.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي طلاب يتجمعون في ساحة مدرسة متضررة في ريف إدلب بسوريا في 9 أكتوبر 2025 (رويترز)

طلاب سوريا يعودون إلى مدارس حرمتها الحرب من كل شيء

يشكّل إصلاح المدارس المتضررة والمنهوبة وإعادة فتحها خطوة أساسية في عودة النازحين في سوريا، لكن بعد قرابة عام على إطاحة الأسد لا تزال مئات المدارس مدمّرة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
ثقافة وفنون قصتان للأطفال من الأدب الإيطالي

قصتان للأطفال من الأدب الإيطالي

من قصص الأطفال الإيطالية، تبرز قصتان إنسانيتان، مفعمتان بالتفاعل مع عقل يفتّش عن مُثُل غير مُتَكلّفة، وتشرع القصتان نافذة لحاجة أدب الطفل في العالم العربي

«الشرق الأوسط» (الدمام)

أفلام البطولة الجماعية لصدارة شباك التذاكر في مصر

فيلم «السادة الأفاضل» اعتمد على البطولة الجماعية (الشركة المنتجة)
فيلم «السادة الأفاضل» اعتمد على البطولة الجماعية (الشركة المنتجة)
TT

أفلام البطولة الجماعية لصدارة شباك التذاكر في مصر

فيلم «السادة الأفاضل» اعتمد على البطولة الجماعية (الشركة المنتجة)
فيلم «السادة الأفاضل» اعتمد على البطولة الجماعية (الشركة المنتجة)

تصدرت أفلام البطولة الجماعية الإيرادات مجدداً في مصر، بعد تقارير محلية حول تصدر فيلم «السادة الأفاضل» المركز الأول في دور العرض السينمائية خلال الأيام الماضية، وحظي الفيلم الذي يشارك فيه نحو 14 بطلاً من نجوم السينما والدراما باهتمام «سوشيالي» وتصدر «الترند» على «غوغل» بمصر، الثلاثاء.

ويضم «السادة الأفاضل» في بطولته الفنانين: محمد ممدوح، أشرف عبد الباقي، محمد شاهين، بيومي فؤاد، انتصار، طه دسوقي، ناهد السباعي، دنيا ماهر، علي صبحي، إسماعيل فرغلي، هنادي مهنا، حنان سليمان، أحمد السعدني، أكرم حسني، والفيلم من تأليف مصطفى صقر ومحمد عز الدين وعبد الرحمن جاويش وإخراج كريم الشناوي.

فيلم «السادة الأفاضل» شهد بطولة جماعية تصدرت الإيرادات (الشركة المنتجة)

وتدور أحداث الفيلم حول عائلة «أبو الفضل» التي تعاني من الديون ومن ميراث يتضمن قطعاً أثرية مشبوهة، وتتخبط بعد رحيل الأب، وتدخل في دوامة أحداث يصارعها الابنان الأكبر والأصغر في محاولة حل مشكلات العائلة.

وحقق الفيلم انتعاشاً في إيرادات السينما حيث حقق 1.2 مليون جنيه (الدولار يساوي حوالي 47 جنيها مصرياً) في دور العرض، الاثنين، وفق تقارير لموزعين نشرتها وسائل إعلام محلية.

ويرى الناقد الفني المصري أحمد السماحي أن «البطولات الجماعية موجودة منذ بدايات السينما تشهد فترات ازدهار وفترات انقطاع»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك أفلاماً قديمة مثل (لا أنام) و(البنات والصيف) الذي كان يحتوي على 3 قصص بواقع حوالي 14 نجماً أو فناناً كبيراً، وحتى في الوقت القريب شاهدنا (سهر الليالي) الذي حقق نجاحاً لافتاً».

ويتابع السماحي أن «فيلم (السادة الأفاضل) من الأفلام التي اكتسبت جماهيرية كبيرة سريعاً، فالجمهور أصبح يحب هذه البطولات الجماعية لأنه يرى من خلالها مجموعة أبطال في فيلم واحد ما يحقق له إشباعاً فنياً، فالبطولة الجماعية تحقق الهدف المصنوعة من أجلها وهي جذب الجمهور».

كان فيلم «ولاد رزق 3» سبق وحقق قفزة نوعية في الإيرادات وصلت إلى 258 مليون جنيه مصري (الدولار يساوى حوالي 47 جنيهاً مصرياً) بالإضافة إلى أكثر من 37 مليون ريال سعودي، وفق بيانات نشرتها وسئل إعلام محلية، وشهد الفيلم بطولة جماعية للفنانين أحمد عز، وعمرو يوسف، وكريم قاسم، ومحمد لطفي، وآسر ياسين، وسيد رجب، ونسرين أمين، ومحمد ممدوح، وأحمد داود، وعلي صبحي، وضم مجموعة من ضيوف الشرف منهم الملاكم العالمي تايسون فيوري، والنجم كريم عبد العزيز، والفيلم من تأليف صلاح الجهيني، وإخراج طارق العريان.

مشهد من فيلم «ولاد رزق 3 » (الشركة المنتجة)

ويدور الفيلم حول قصة عودة «أولاد رزق» للجريمة بعد سنوات طويلة من التوقف وانفصال الإخوة في الحياة، إلى أن يعود إليهم شبح من الماضي، ويجبرهم على العودة إلى حياة الجريمة حتى ينجوا بأنفسهم عبر عملية سرقة مصيرية.

وأشار السماحي إلى «وجود أزمة كبيرة في الكتابة على كل المستويات للسينما والمسرح والدراما، ووجود فيلم مثل (السادة الأفاضل) مكتوب بطريقة جيدة يعتمد على البطولة الجماعية لا شك يعيدنا لأجواء نوستالجية محببة، وربما هذا ما جعله يجذب الجمهور».

وشهدت السينما المصرية العديد من الأعمال التي اتسمت بالبطولة الجماعية وشهدت نجاحاً كبيراً، من بينها أفلام «سهر الليالي» عام 2003 من بطولة منى زكي وشريف منير وأحمد حلمي وخالد أبو النجا وفتحي عبد الوهاب وعلا غانم وحنان ترك وجيهان فاضل، من تأليف تامر حبيب وإخراج هاني خليفة.

وكذلك فيلم «الكنز» عام 2017 من بطولة محمد سعد ومحمد رمضان وأحمد رزق وهند صبري وأمينة خليل وروبي، من تأليف عبد الرحيم كمال وإخراج شريف عرفة.


مهرجان «بين ثقافتين» في الرياض يحتفي بالثقافة الصينية

يسلّط المهرجان الضوء على نقاط التلاقي بين ثقافتي البلدين (وزارة الثقافة السعودية)
يسلّط المهرجان الضوء على نقاط التلاقي بين ثقافتي البلدين (وزارة الثقافة السعودية)
TT

مهرجان «بين ثقافتين» في الرياض يحتفي بالثقافة الصينية

يسلّط المهرجان الضوء على نقاط التلاقي بين ثقافتي البلدين (وزارة الثقافة السعودية)
يسلّط المهرجان الضوء على نقاط التلاقي بين ثقافتي البلدين (وزارة الثقافة السعودية)

تحلّ الصين ضيفاً على النسخة الثالثة من مهرجان «بين ثقافتين»، التي تُنظمها وزارة الثقافة السعودية بقاعة الملفى في مدينة محمد بن سلمان غير الربحية «مسك» بالعاصمة الرياض، خلال الفترة من 24 ديسمبر (كانون الأول) 2025 حتى 6 يناير (كانون الثاني) 2026. يأتي الاحتفاء بالثقافة الصينية في هذه النسخة بالتزامن مع فعاليات «العام الثقافي السعودي الصيني 2025»، الذي يهدف إلى ترسيخ الحوار الحضاري، وتعزيز التبادل الثقافي بين البلدين. ويتيح المهرجان تجربةً ثقافية شاملة تُبرز عمق الحضارة الصينية وتنوّع موروثها، وتسلّط الضوء على نقاط التلاقي بينها وبين الثقافة السعودية، عبر أقسام رئيسية، منها المعرض الفني المشترك الذي يُقدِّم أعمالاً تتنوع بين اللوحات الفنية، والمنحوتات، والصور الفوتوغرافية وغيرها، التي تعكس التبادل الثقافي والإبداع المشترك. ويتضمن المهرجان عروضاً حية للحِرف اليدوية التقليدية التي تُمثِّل ثقافتي البلدين، وتجسيد الأزياء التراثية بأسلوبٍ عصري يعكس أصالة الماضي وروح الحداثة، وتجسيداً إبداعياً لفنون العمارة فيهما، في صورةٍ تُبرز التناغم بين جماليات الثقافتين. وتجمع المنطقة المخصصة للمطاعم والمقاهي نكهات المطبخيْن السعودي والصيني، وتتيح للزوار تجربة مشاهدة الطهي الحي لأشهى الأطباق التي تعبّر عن تنوع الموروث الثقافي. وشهدت النسختان الأولى والثانية، اللتان استضافتا اليمن والعراق، إقبالاً جماهيرياً واسعاً وتفاعلاً كبيراً من المهتمين والمثقفين، ما رسّخ مكانة المهرجان بصفته منصة ثقافية سنوية تجمع ثقافات العالم، وتحتفي بالتنوّع الحضاري الإنساني. وتسعى الوزارة، من خلاله، إلى تسليط الضوء على ثقافة السعودية من منظورٍ مختلف يرتكز على توضيح التباين والتقارب بينها وبين ثقافات الدول الأخرى، وزيادة الوعي بالتنوّع الثقافي، وتمكين المبدعين والحرفيين والفنانين من البلدين، وتوسيع فرص التعاون. كما تهدف إلى تعميق الروابط الإنسانية من خلال الثقافة بوصفها لغةً عالمية، وبناء شراكات استراتيجية تدعم الصناعات الإبداعية؛ وذلك لتعزيز التبادل الثقافي الدولي بوصفه أحد أهداف الاستراتيجية الوطنية للقطاع، تحت مظلة «رؤية السعودية 2030».


من شتوتغارت إلى مكة... المهندس الألماني حوَّل العمارة إلى فن روحي

شهد المؤتمر جلسات ونقاشات عدّة تهدف لخدمة ضيوف الرحمن (الشرق الأوسط)
شهد المؤتمر جلسات ونقاشات عدّة تهدف لخدمة ضيوف الرحمن (الشرق الأوسط)
TT

من شتوتغارت إلى مكة... المهندس الألماني حوَّل العمارة إلى فن روحي

شهد المؤتمر جلسات ونقاشات عدّة تهدف لخدمة ضيوف الرحمن (الشرق الأوسط)
شهد المؤتمر جلسات ونقاشات عدّة تهدف لخدمة ضيوف الرحمن (الشرق الأوسط)

بين فكر بدأ في سبعينات القرن الماضي ورؤية تتجدد اليوم في «مؤتمر ومعرض الحج» بنسخته الخامسة، تتقاطع مسيرة الإبداع والإيمان في حكاية المهندس الألماني محمود بودو راش، الذي تحول من معلم للعمارة إلى أحد رموز الفكر المعماري الإسلامي الحديث.

وفي الوقت الذي يناقش فيه المشاركون اليوم في «مؤتمر الحج» مستقبل الهياكل الذكية والمستدامة في خدمة الحشود والعمارة المستدامة، تعود الذاكرة إلى أولى محاولات الدمج بين التقنية والروح، حين قدم بودو راش رؤيته في مشروع تطوير خيام مشعر منى عام 1975، لتكون تلك الخطوة حجر الأساس لمفهوم جديد في العمارة السعودية المعاصرة.

محمود بودو راش (وزارة الحج والعمرة)

وضمن جلسة «الابتكار في الهندسة المعمارية»، يستعرض المؤتمر أحدث الحلول التصميمية في إدارة الحشود والمناطق المقدسة، ويركز على جعل العمارة وسيلة لتيسير التجربة الإيمانية للحاج، لا مجرد بناء هندسي متطور، بحيث يتحقق التوازن بين جمال العمارة والوظائف العملية للمشروعات الكبرى.

وهي الفكرة ذاتها التي آمن بها بودو راش قبل نصف قرن، حين قال إن العمارة في مكة المكرمة والمدينة المنورة لا بدَّ أن «تخدم قبل أن تُعبِّر عن المهارة»، وهي المقولة التي اختصرت فلسفته المهنية وأعادت تعريف وظيفة المعماري.

من شتوتغارت إلى مكة

بدأت قصة بودو راش في مدينة شتوتغارت الألمانية، حيث وُلد ودرس الهندسة المعمارية قبل أن ينتقل إلى جامعة تكساس الأميركية لمواصلة دراسته العليا.

هناك، ومن خلال تفاعله مع عدد من الطلبة السعوديين، ساهم هذا التقارب في خلق مساحة لتقديم صورة غير تقليدية عن الإسلام، ما أثار فضوله الفكري والمعنوي، ليشد الرحال بعد ذلك إلى مكة المكرمة باحثاً عن الحقيقة، تاركاً المناصب والكراسي وراءه للحصول على إجابات أسئلته. وفي عام 1974 أعلن بودو راش إسلامه، ليولد باسم جديد ومعنى جديد للحياة والعمارة.

لم ينسَ المهندس الألماني شغفه بالعمارة، بل توسعت مداركه لإيجاد حلول للتجمعات الضخمة في المشاعر المقدسة. ففي عام 1975، شارك في المسابقة العالمية لتطوير منطقة المشاعر المقدسة في مشعر منى، بالتعاون مع المهندس فراي أوتو والدكتور يحيى الزعبي، وطرح من خلالها مفهوم «الخفة في البناء» المستوحى من روح الحج. فرأى أن المباني والمرافق لا بدَّ أن تُجسِّد السكينة التي يشعر بها الحاج بخفة المواد وبساطة الشكل وتجانسها مع الطبيعة والزمان.

كانت هذه الفكرة بداية لتطبيقات عملية تجسدت لاحقاً في الخيام الحديثة في المشاعر المقدسة والمظلات المتحركة في ساحات المسجد النبوي الشريف، وهي أعمال جمعت بين الجمال الهندسي والوظيفة العملية، لتصبح علامة فارقة في الخدمات المقدمة لضيوف الرحمن ونموذجاً عالمياً في العمارة البيئية الذكية.

الابتكار في العمارة

يأتي انعقاد جلسة «الابتكار في الهندسة المعمارية» ضمن فعاليات اليوم الرابع لمؤتمر ومعرض الحج ليعيد فتح صفحات فكر بودو راش من جديد، ويضعه في سياق التطور الهندسي المعاصر الذي تقوده السعودية اليوم في إدارة الحشود وخدمة الحجاج والمعتمرين.

المعرض المصاحب للمؤتمر شهد حضوراً وتفاعلاً من الزوار (الشرق الأوسط)

تركّز الجلسة على التقنيات المستدامة والهياكل الخفيفة، مثل المظلات الذكية في المسجد النبوي، وتبحث في كيفية تحقيق التوازن بين الجمال والوظيفة، وبين الإبداع الفني ومتطلبات الأمن والسلامة، في امتداد مباشر للفلسفة التي وضعها راش في سبعينات القرن الماضي.

وقال بودو راش لـ«الشرق الأوسط» إن رحلته من ألمانيا إلى مكة كانت نقطة تحول على الصعيدين الديني والمهني، وهو ما انعكس على تجربته في خيام المشاعر المقدسة، وأسهم في تغيير مفهوم البناء والعمارة، خصوصاً فيما يتعلق بالتجمع الأهم لدى المسلمين، وهو موسم الحج، مشدداً على سعادته وهو يرى عمله يخدم الملايين من المسلمين.

وأضاف أن هذه الرحلة لم تكن مخططة، وكانت بدايتها بتأثير مباشر من بعض الطلبة السعوديين الذين ألهموه للسفر إلى مكة، لتبدأ بذلك مسيرة مشواره الحقيقي في الهندسة المعمارية وفهم جميع التفاصيل الدقيقة للمشروعات الكبرى وكيفية الاستفادة من كل المعطيات.

وعن مشاركته في مؤتمر الحج، قال بودو راش إن حضور الجلسة مهم لجميع الحاضرين للتعرف عن قرب على أبرز الأطروحات، خصوصاً في جلسة «دور التصميم المعماري في تحسين تجربة الحاج»، من خلال تخفيف الزحام، وتوفير التهوية الطبيعية، والتعامل مع المتغيرات المناخية في المشاعر المقدسة، دون المساس بقدسية المكان أو روحه، وهي دعوة عملية لإعادة تعريف دور العمارة بوصفها أداة للسكينة وتسهيلاً لجميع الأدوات المستخدمة.