احتفالٌ بالموسيقى الكلاسيكية في «الجامعة الأميركية»: نغمات تتخطَّى الزمن

فنٌ يتجدَّد مع كلّ جيل بالوفاء للإرث وجرأة الابتكار

أصوات شابّة تمنح الإرث العريق وجهاً جديداً (الشرق الأوسط)
أصوات شابّة تمنح الإرث العريق وجهاً جديداً (الشرق الأوسط)
TT

احتفالٌ بالموسيقى الكلاسيكية في «الجامعة الأميركية»: نغمات تتخطَّى الزمن

أصوات شابّة تمنح الإرث العريق وجهاً جديداً (الشرق الأوسط)
أصوات شابّة تمنح الإرث العريق وجهاً جديداً (الشرق الأوسط)

في قاعة «الأسمبلي هول» العريقة بالجامعة الأميركية في بيروت، اجتمع عشّاق الموسيقى الكلاسيكية. المقاعد ازدحمت بالطلاب والمهتمّين والمُحبّين، فبدا المكان فضاء يتّسع لكلّ مَن يودّ أن يجد في الموسيقى ملاذاً من فوضى الأيام. كان الحفل دعوة إلى الإصغاء بوعي مختلف، حيث كلّ مقطوعة نافذة على عالم خاص، وكلّ لحن يفتح باباً على سؤال أو ذكرى.

الموسيقى حضور يتجدّد كلما أصغينا بقلوبنا (الشرق الأوسط)

أول الأصوات التي انبعثت في القاعة كانت للسوبرانو جندة علي منصور، مع ميشال أبو جودة على البيانو. أدّت آريا من أوبرا لموتسارت، فجاءت مَرِحة وساخرة في آن، إذ سخرت شخصية «ديسبينا» من إخلاص الرجال، فجمعت بين الدعابة الاجتماعية وخفّة النغم، لتكشف عن روح موتسارت التي تُوازن بين السخرية والمرح المُتقن. ومع سرعة الإيقاع وبريق الجُمل القصيرة، بدا الحضور كأنهم أمام حوار كوميدي تقوده الموسيقى بدهاء. لكن جندة منصور سرعان ما بدَّلت الجوّ وانتقلت مع شوبرت إلى أغنيته الشهيرة «أنت السلام». هناك انكشف بُعد آخر لصوتها. فالأغنية، التي كتبها شوبرت على نصّ لروكرت، تحوّلت إلى أنشودة هدوء أتاحت للحضور اختبار إحساس داخلي عميق.

أبو جودة نفسه عاد منفرداً ليُقدّم لمندلسون «ورقة الألبوم»؛ مقطوعة قصيرة وبسيطة، لكنها مُكثّفة بالعاطفة. تراءت مثل رسالة شخصية، تُذكّر بأنّ الجمال قد يختبئ في أبسط الأشكال وأكثرها شفافية. هنا، بدا الحفل كأنه يتوقّف ليلتقط أنفاسه قبل إكمال الرحلة.

ما بين النغمة والأخرى فراغٌ يمتلئ بما نشعر نحن به (الشرق الأوسط)

ثم جاء عزف ثيودور الحاج على إحدى مقطوعات شوبرت للبيانو. الموسيقى تماوجت بين الرقّة والانفعال، وبين الوضوح واشتعال العاطفة. لُمحت اليدان تعملان في مسارَيْن مختلفَيْن، لكنهما اجتمعتا في أثر واحد يصل إلى النفس.

وفي الغناء مجدّداً، أطلّ التينور غارين كازانجيان برفقة كيفن يوسف. أدّيا معاً أغنية بوتشيني «الأرض والبحر»؛ مقطوعة مبكرة تُشبه تمهيداً للأوبرا التي سيصنع بها مجده لاحقاً. الأغنية بدت مثل ميزان حسّاس بين حنين اليابسة وإغواء البحر. ثم ارتفع كازانجيان إلى قمة درامية في آريا «سلام عليك يا عايدة» لفيردي، حيث لقاء القوة العسكرية بالشجن الإنساني، لتتجلّى في لحن واسع يُكثّف عبقرية الأوبرا الإيطالية التي تجمع بين البطولة والوجدان.

كيفن يوسف، الذي رافقه، جلس منفرداً إلى البيانو ليُقدّم إحدى أكثر مقطوعات رحمانينوف شهرةً. بدأ بضربات افتتاحية حادّة، ثم اندفع إلى قسم وسطيّ عاصف، قبل أن يُعيد السامعين إلى الهدوء الأول. كان المشهد أشبه بمسير تحت رياح هوجاء، تُذكّر بأنّ رحمانينوف كان يكتب بذاكرة مُثقلة وبروح روسية مشبَّعة بالنوستالجيا والأسى.

البيانو يبوح بما تعجز عنه الحروف (الشرق الأوسط)

ومن روسيا إلى فرنسا، انتقل مارك إميل بستاني بالمستمعين إلى فضاء انطباعي مع موريس رافيل وقطعة «قارب على المحيط». هنا، بدا الحضور كأنهم يُبحرون فعلاً في بحر بلا شطآن، يترقّبون تبدُّل الأفق عند كلّ موجة.

ثم جاء دور الأرغن، حين جلس خليل شاهين ليعزف مقطوعة سيزار فرنك؛ «الصلاة». بدأت الألحان متأمِّلة وبطيئة، كأنها ترسم مساراً روحياً صاعداً، ثم راحت تبني نفسها تدريجياً حتى بلغت الذروة، قبل أن تخبو بسكينة. مقطوعة أشبه بتضرُّع موسيقي يترك في النفوس أثراً يُشبه الخشوع.

وأخيراً، كان لا بدّ من الإصغاء إلى صوت معاصر، فظهر المؤلِّف والعازف اللبناني الشاب، وئام حداد، ليُقدّم عمله «البريلود والنوكتورن». البريلود جاء مشدود الإيقاع في بنيته، فراحت الجُمل القصيرة تتّسع وتتصاعد مُمهِّدةً لاستعادة هدوئها. أما النوكتورن، فأتاح التأمُّل والغرق في الغنائية الحالمة، بفيضه بخطوط لحنيّة ممتدّة كأنها مرثية لليل. في هذه اللحظة، اكتمل الحفل بإدراك الجمهور أنّ الكلاسيكية حاضرٌ يتجدّد بأقلام وأصابع شباب يكتبون سطورهم الخاصة في ذاكرة الموسيقى.

اللحن يترك أثره كما يترك الموج شكلاً على الرمل (الشرق الأوسط)

كان الحفل شهادة على أنّ الموسيقى الكلاسيكية أبعد من أن تكون رمزاً للأناقة أو تقليداً متجمّداً. إنها فعل تمرُّد وثورة على الصمت، وأثر لا ينقطع بين جيل وآخر. فمِن بيتهوفن الذي كتب ليهزّ صالونات فيينا، إلى إيغور سترافينسكي الذي أشعل صخباً في أوبرا «طقس الربيع»، ومن كلارا شومان التي كسرت جدار الصمت المفروض على النساء، إلى باخ الذي جعل النظام نفسه مغامرة، يؤكد هذا الفنّ أنه لا يعيش إلا بجرأة كسر القاعدة.

والأمسية لم تكن فعلاً فردياً معزولاً، فهي جزء من مشروع ثقافي متواصل يقوده «نادي الموسيقى الكلاسيكية» في الجامعة الأميركية. هذا النادي، الذي جمع منذ تأسيسه بين الهواة والموسيقيين الشباب، جعل من بيروت مركزاً يتّسع للتراث والحداثة معاً. فهو يُنظّم الحفلات، ويقيم ندوات ومحاضرات، ويعمل على إحياء شغف الموسيقى الكلاسيكية في مجتمع يتعطَّش للجمال وسط الصخب.

وئام حداد، الذي قدَّم مقطوعته في الحفل، هو رئيس النادي وأحد مؤسّسَيْه مع مهدي عناني، مما يجعل حضوره الفنّي والإداري دليلاً على رؤية واضحة: أنّ الموسيقى الكلاسيكية، رغم جذورها الأوروبية، يمكن أن تزدهر في لبنان، وأن تُعاد كتابتها بأصوات معاصرة. فالعازفون والمغنّون من جيل شاب لا يدّعي الاحتراف ولا يُقدّم نفسه صوتاً مُكتمل التجربة. يطلّون على الخشبة بخطوات قد تتعثَّر أحياناً، لكنّها تحمل حرارة البحث عن معنى. وهم على الأرجح لا ينظرون إلى الكلاسيكيات على أنها تدريب أكاديمي أو مهارة تقنية، وإنما نافذة على عالم يُضيء دواخلهم. يجدون في موسيقى عريقة نشأت في قاعات بعيدة وأزمنة أخرى لغة شخصية قادرة على منحهم سبباً للاستمرار. وهنا تكمن القيمة الحقيقية.


مقالات ذات صلة

الأوبرا المصرية تستقبل الكريسماس بحفل عالمي في الإسكندرية

يوميات الشرق أغاني عيد الميلاد في أوبرا الإسكندرية (دار الأوبرا المصرية)

الأوبرا المصرية تستقبل الكريسماس بحفل عالمي في الإسكندرية

استقبلت دار الأوبرا المصرية احتفالات الكريسماس لهذا العام بحفل غنائي في مسرح سيد درويش «أوبرا الإسكندرية» تضمن عزف مقطوعات موسيقية من أشهر الأعمال الكلاسيكية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
الوتر السادس عمرو سليم لـ«الشرق الأوسط»: أفكر في العودة إلى التلحين

عمرو سليم لـ«الشرق الأوسط»: أفكر في العودة إلى التلحين

قال الموسيقار وعازف البيانو المصري عمرو سليم إن بينه وبين المطرب مدحت صالح كيمياء خاصة جعلتهما يشكلان ثنائياً ناجحاً في الحفلات الغنائية.

انتصار دردير (القاهرة)
الوتر السادس شيراز لـ«الشرق الأوسط»: النجومية لا تكتسب بل تولد مع صاحبها

شيراز لـ«الشرق الأوسط»: النجومية لا تكتسب بل تولد مع صاحبها

في كل مرة تبتعد فيها الفنانة شيراز عن الساحة الفنية تعود بعمل يفاجئ جمهورها وتتحوّل إلى حديث الناس.

فيفيان حداد (بيروت)
يوميات الشرق تفاعل الجماهير في مسرح «ساوندستورم 2025» (ميدل بيست)

ختام «ساوندستورم 2025» يرسخ مفهوم المدينة الموسيقية في الرياض

أسدل مهرجان «ساوندستورم 2025» الذي تنظمه شركة «ميدل بيست» الستار على نسخة استثنائية حوَّلت أرض المهرجان في الرياض إلى مدينة موسيقية.

فاطمة القحطاني (الرياض)
يوميات الشرق تحتفي جوائز «جوي أواردز» بنجوم السينما والدراما والموسيقى والإخراج والرياضة والمؤثرين العرب (هيئة الترفيه)

انطلاق التصويت لجوائز «جوي أواردز 2026»

انطلق التصويت لجوائز صُنَّاع الترفيه «جوي أواردز 2026»، التي تُعدّ الأرقى والأضخم في المنطقة، بعد اكتمال مرحلة التسمية التي شهدت تفاعلاً واسعاً من الجمهور.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

«لون لا يموت»... معرض يستحضر الأساطير الشعبية في الريف المصري

إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«لون لا يموت»... معرض يستحضر الأساطير الشعبية في الريف المصري

إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)
إحدى لوحات المعرض (الشرق الأوسط)

عبر أكثر من 100 لوحة في فن الجرافيك والرسم بالأبيض والأسود، وكذلك الأعمال الملونة التي ترصد تفاصيل الحياة الشعبية بالشارع المصري، استضاف متحف محمود مختار بالجزيرة (وسط القاهرة)، معرضاً استعاديّاً للفنان الراحل وحيد البلقاسي، الملقب بـ«شيخ الحفارين»، تضمن رصداً لأعماله وجانباً كبيراً من مسيرته الفنية.

المعرض الذي انطلق 18 ديسمبر (كانون الأول) الحالي ويستمر حتى 28 من الشهر نفسه في قاعتي «نهضة مصر» و«إيزيس» رصد مراحل فنية متنوعة للفنان الراحل، وبرزت خلاله فكرة الأسطورة الشعبية من خلال رموز بعينها رسمها ضمن اللوحات، مثل: العين الحارسة، والأجواء الأسطورية، للحكايات التي تتضمنها القرية المصرية.

وبينما تضمنت إحدى القاعات الأعمال الملونة والغرافيك المميز الذي قدمه الفنان وحيد البلقاسي، والتي تعبر عن الأسرة المصرية بكل ما تمثله من دفء وحميمية، كذلك ما يبدو فيها من ملامح غرائبية مثل القصص والحكايات الأسطورية التي يتغذى عليها الخيال الشعبي.

البورتريه الملون من أعمال الفنان وحيد البلقاسي (الشرق الأوسط)

ولد وحيد البلقاسي في محافظة كفر الشيخ (دلتا مصر) عام 1962، وتخرج في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية، قسم الغرافيك عام 1986، واشتهر بأعماله في فن الغرافيك، وله عشرات المعارض الفردية والجماعية، كما أسس جماعة فنية باسم «بصمات»، وكان لها دور فاعل في الحياة الفنية عبر معارض وفعاليات متنوعة.

يقول عمار وحيد البلقاسي، منسق المعرض، نجل الفنان الراحل، إن المعرض يمثل تجربة مهمة لشيخ الحفارين وحيد البلقاسي، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن «اختيار اسم المعرض للتأكيد على أن أعمال الفنان لا تموت وتظل خالدة للأبد، تحمل اسمه وتحيي أعماله الفنية»، وتابع: «قبل وفاة الفنان عام 2022 كان يتمنى أن يعرض هذه المجموعة المتنوعة من أعماله الفنية، بما فيها الحفر على الخشب في دار الأوبرا المصرية، واستطعنا أن نعرض من مجموعته 100 عمل فني تصوير، من بينها 30 عملاً فنياً بطول مترين وعرض 170 سنتمتراً، بالإضافة إلى مجموعة من الأعمال الصغيرة».

وأشار إلى أن الأعمال في مجملها ترصد القرية والحياة الريفية بمصر، وتتضمن موتيفات ورموزاً شعبية كثيرة تدل على الأصالة وعشقه للقرية والحياة الشعبية بكل ما تتضمنه من سحر وجمال.

ويصف الإعلامي المصري والفنان طارق عبد الفتاح معرض «لون لا يموت» بأنه «يعبر عن مسيرة الفنان وحيد البلقاسي»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «أعدُّ الفنان الراحل فناناً عالمياً؛ لأنه جمع بين الإغراق في المحلية ومفردات التراث في لوحاته، واللوحات التي تنطق بالتعبيرية وتمثل الروح المصرية الأصيلة، واستخدم الأبيض والأسود في أغلب أعماله، لكن له مجموعة أعمال بالألوان مبهرة، ويظهر في أعماله مدى اهتمامه بالجمال والاحتفاء بالمرأة وبالمفردات الشعبية وتفاصيل القرية المصرية».

الفنان الراحل وحيد البلقاسي (الشرق الأوسط)

وتابع عبد الفتاح: «لوحات المعرض سواء الكبيرة، التي يصل ارتفاعها إلى مترين، أو الصغيرة، فيها طاقة تعبيرية تبهر المتلقي الذي ينجذب فوراً للتفاصيل الموجودة بها».

وإلى جانب أعماله الفنية المتميزة، فقد شارك وحيد البلقاسي في الحركة التشكيلية عبر أنشطة عدّة، وأُنتج فيلم تسجيلي عن مسيرته الفنية بعنوان «شيخ الحفارين»، من تأليف علي عفيفي، وإخراج علاء منصور، سجل رحلته الفنية وعلاقته بالقرية والمفردات التي استقى منها فنه.


«روح ومحبة»... احتفالات مصرية بأعياد الميلاد في «متحف الحضارة»

أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
TT

«روح ومحبة»... احتفالات مصرية بأعياد الميلاد في «متحف الحضارة»

أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)
أيقونات قبطية ضمن المعرض الأثري بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)

تحت عنوان «روح ومحبة» أطلق المتحف القومي للحضارة المصرية احتفالية بمناسبة رأس السنة الميلادية وأعياد الميلاد المجيد، تضمّنت معرضاً أثرياً مؤقتاً يستمر لمدة شهرَين بالتعاون مع المتحف القبطي في القاهرة.

ورأى الرئيس التنفيذي للمتحف القومي للحضارة المصرية، الدكتور الطيب عباس، أن تنظيم هذا المعرض يأتي في إطار الدور الثقافي والمجتمعي الذي يضطلع به المتحف، مشيراً في بيان للمتحف، الجمعة، إلى أن رسالة المتحف لا تقتصر على عرض القطع الأثرية فحسب، بل تمتد إلى إبراز القيم الإنسانية والروحية التي أسهمت في تشكيل الهوية الحضارية لمصر عبر العصور. وأكد أن المعرض يعكس رسالة مصر التاريخية بوصفها حاضنة للتنوع الديني والثقافي، ومركزاً للتسامح والتعايش.

وافتُتح المتحف القومي للحضارة المصرية عام 2021 بالتزامن مع احتفالية «موكب المومياوات»، حيث نُقلت «المومياوات الملكية» من المتحف المصري بالتحرير إلى المتحف القومي للحضارة بالفسطاط، ويضم المتحف 1600 قطعة أثرية تحكي تاريخ مصر عبر العصور.

ويضم المعرض الأثري المؤقت مجموعة متميزة ونادرة من روائع الفن القبطي تُعرض لأول مرة، تشمل أيقونات ومخطوطات قبطية ومشغولات فنية كانت تُستخدم في الأديرة والكنائس، من أبرزها أيقونة لميلاد السيدة العذراء، ومنظر حجري يُجسّدها وهي تُرضع السيد المسيح، بما يعكس ثراء هذا التراث وقيمته الفنية والرمزية، وفق تصريحات للدكتورة نشوى جابر، نائبة الرئيس التنفيذي للمتحف القومي للحضارة المصرية.

وقالت، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، إن «المعرض الأثري جاء بالتعاون مع المتحف القبطي، وهي المرة الثانية التي يتعاون فيها المتحف مع آخر، حيث تم التعاون من قبل مع المتحف الإسلامي خلال احتفالات المولد النبوي الشريف».

جانب من معرض أثري مؤقت بمناسبة أعياد الميلاد (متحف الحضارة المصرية)

وأكدت أن «القطع المعروضة فريدة من نوعها فلم تُعرض من قبل، ومن بينها 15 قطعة من المتحف القبطي، و8 قطع من متحف الحضارة، تعود إلى القرون الميلادية الأولى»، وأهم القطع التي تضمنها المعرض وفق نائب الرئيس التنفيذي للمتحف «أيقونة ميلاد السيدة العذراء نفسها، فالشائع والمنتشر هي أيقونات ميلاد السيد المسيح عليه السلام، ولكن من النادر وجود لوحة أيقونية تصور ميلاد السيدة العذراء. كما توجد قطعة حجرية منقوش عليها رسم للسيدة العذراء والسيد المسيح، وتُعدّ امتداداً للفن المصري القديم الذي كان يجسّد في لوحات مشابهة لإيزيس وهي تُرضع الطفل حورس».

من جانبه، أكد رئيس قطاع المتاحف في وزارة الآثار المصرية، الدكتور أحمد حميدة، أن «المعرض يُجسّد نموذجاً للتعاون المثمر بين المؤسسات الثقافية»، مشيراً إلى أن «اختيار السيدة العذراء مريم محوراً للمعرض يحمل دلالات إنسانية وروحية عميقة».

بينما أشارت مديرة المتحف القبطي، جيهان عاطف، إلى أن المعرض يُبرز تكامل الجهود بين المؤسسات الثقافية، لإظهار ثراء الموروث الحضاري المصري وتعدد روافده عبر مختلف الحقب التاريخية.

وحسب بيان للمتحف القومي للحضارة، تضمّنت الفعاليات الاحتفالية الكثير من الأنشطة، من بينها معرض للتصوير الفوتوغرافي، تضمن 22 صورة فوتوغرافية لاحتفالات عيد الميلاد ورأس السنة الميلادية في مصر، وهو ما عدّته نائبة رئيس المتحف «ضمن خطة للربط بين الاحتفالات والأعياد الكبرى من جهة عرض القطع الأثرية التي تعبّر عنها، وكذلك توثيق مظاهرها الحديثة والمعاصرة وحضور هذه الأعياد ومظاهرها في الشارع المصري المعاصر للربط بين التاريخ والحاضر».

وشهدت الاحتفالية فعاليات فنية، مثل عروض لفرقة كورال «أغابي» التي قدمت مجموعة من الأغاني القبطية احتفاء بقيم المحبة والسلام، إلى جانب عروض لكورال الأناشيد بالتعاون مع كنيسة القديس بولس الرسول بمدينة العبور.

وتضمنت الاحتفالية أيضاً أنشطة تفاعلية متنوعة لتنفيذ أعمال فنية ورسم حي لأيقونات المعرض، وممارسة ألعاب تفاعلية، وتوزيع هدايا الميلاد.


شارع فيكتوري تحت بريستول… أسرار التاريخ تحت أقدامنا

يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
TT

شارع فيكتوري تحت بريستول… أسرار التاريخ تحت أقدامنا

يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)
يضم الشارع المدفون محالاً تجارية وطريقاً قديماً (إنستغرام)

كشفت مغامرة تاريخية جريئة عن وجود شارع فيكتوري كامل مدفون تحت إحدى المدن البريطانية، يضم محالاً تجارية وطريقاً قديماً، بعد أن قرر المؤرخ ديفيد ستيفنسون النزول إلى الأعماق لتوثيق ما عثر عليه بعدسته ومصباحه اليدوي.

على مدى سنوات، أثار الشارع الواقع أسفل منطقة «لورانس هيل» في مدينة بريستول قصصاً وشائعات عدّة، من بينها رواية عن رجل يُقال إنه سقط في حفرة بعد خروجه من إحدى الحانات ليجد نفسه فجأة في شارع «متجمد في الزمن». كما تحدثت الروايات عن بقايا واجهات محال قديمة ومصابيح غاز تعود للقرن الـ19، دون أن تتأكد صحتها.

ساعات طويلة من البحث كشفت عن زقاق يمتد تحت الأرض (إنستغرام)

لكن ستيفنسون تمكن من وضع حد للتكهنات، وعاد بمجموعة مذهلة من الصور التي أعادت إحياء ماضٍ ظل طي النسيان لعقود. ساعات طويلة من البحث كشفت عن زقاق يمتد تحت الأرض، يضم أقبية سرية وغرفاً مخفية، بينها ملهى ليلي تحت حانة «ذا باكهورس»، ومخزن استخدمه متعهدو دفن الموتى، وإسطبل قديم تابع لشركة «كو - أوب»، وموقع استُخدم ملجأً خلال الغارات الجوية في الحرب العالمية الثانية، بحسب صحيفة «ذا ميرور».

كما اكتشف ستيفنسون نفقاً تحت أحد المصارف أُغلق بعد محاولة اقتحام، وتعود أجزاء من هذه الممرات لأكثر من قرنين، إلى فترة إدارة عائلة هيراباث لمصنع الجعة المرتبط بحانة «ذا باكهورس إن»، الذي امتد من شارع «لينكولن» حتى شارع «داك ستريت».

في عام 1832، مر خط سكة حديد تجره الخيول عبر لورانس هيل، ومع توسع السكك الحديدية البخارية لاحقاً، طُمرت الحانة والمحلات المجاورة تحت الأرض بعد تشييد أقواس جديدة لدعم الطريق. باع ويليام هيراباث معظم ممتلكاته لشركة سكة الحديد مقابل 3 آلاف جنيه إسترليني، وبحلول عام 1879، رُفع مستوى الطريق واستُبدل الجسر الخشبي، ما أدى إلى اختفاء الحانة القديمة والمحلات تحت الطريق الجديد، في حين بُنيت الحانة الحالية مباشرة فوقها مع الاحتفاظ بالسلالم المؤدية إلى الموقع الأصلي.

بعد أكثر من عقدين، تذكَّر ستيفنسون مغامرته حين رفع شبكة حديدية وأنزل سلماً داخل بئر ليصل إلى الشارع المدفون. واكتشف 4 أنفاق، كان أحدها فقط ممتداً عبر الشارع بالكامل، وأُغلقت الأخرى بالطوب لمنع السرقة.

في أحد المتاجر المدفونة، عثر ستيفنسون على إطار نافذة فيكتورية قديمة، وأنقاض بناء، وأغراض متفرقة مثل حوض للخيول وكرسي متحرك مهجور. ولم تُشاهد أعمدة الإنارة خلال رحلته، إذ أُزيلت في خمسينات القرن الماضي حسب أحد تجار الخردة.

إحياءُ ماضٍ ظل طي النسيان لعقود (إنستغرام)

اليوم، أُغلقت هذه الأنفاق نهائياً نظراً لخطورتها، لكن ستيفنسون سبق أن انضم إلى بعثة منظمة لاستكشاف الغرف الواقعة أسفل الحانة، برفقة فريق متسلقين ذوي خبرة. ويستعيد ذكرياته قائلاً: «كانت خيوط العنكبوت كثيفة، والمدفأة لا تزال مغطاة بالغبار، وعارض فولاذي ضخم محفور عليه حروف (GWR) لتدعيم المبنى».

ويضيف: «الطريق أعلاه بُني أساساً للخيول والعربات. ورغم حركة المرور الكثيفة اليوم، بما في ذلك مئات الحافلات والشاحنات الثقيلة، لا يزال الطريق صامداً، ولا يدري كثيرون ما الذي يرقد تحت أقدامهم».